شهد العراق طفرة في ولادة الجماعات المسلحة الشيعية العربية، منذ ما قبل احتلال البلاد في العام 2003. بعضها هادن الاحتلال، وبعضها الآخر حاربه، وجميعها تتمتع بقدرات مالية وعسكرية وعددية كبيرة، ومعظمها بدعم من “فيلق القدس” الإيراني، الذي يتولى ملفها بشكل مباشر منذ احتلال بلاد الرافدين. وقد سطع نجمها أكثر بعد العام 2006 مع اندلاع الحرب الطائفية، وانخرط بعضها في ما سُمّي “فرق الموت” التي تبادلت صناعة الموت مع بعض الجماعات المسلحة التكفيرية من الجبهة المذهبية المقابلة. ومنذ أيام، تحديداً منذ سيطرة الجماعات المسلحة على مناطق واسعة في المحافظات ذات الغالبية السنية العربية، تعود هذه الميليشيات إلى سطح الأحداث مع فتح بات “التطوع” في صفوفها، ما يثير مخاوف كبيرة من انتقال الاشتباك إلى المستوى الأهلي المذهبي.
ويلاحظ أن تلك الجماعات المسلحة تشترك في نقطة واحدة، وتختلف في نقاط عدة؛ فبحسب الخبير في شؤون الجماعات المسلحة في العراق، ناجي عبد الله، فهي تتفق على أهمية الاحتفاظ بالحكم في يدها ويد حلفائها، وتختلف في التوجهات من حيث التقليد الديني بين المراجع الأربعة الرئيسة للمذهب الشيعي، وبين تقاسم النفوذ في المناطق. وغالباً ما تشهد محافظات الجنوب ومدينة الصدر شرقي بغداد، اشتباكات بين عدد من هذه المجموعات المسلحة لأسباب تتعلق بتقاسم أموال الخُمس، وعوائد الأضرحة المقدسة والهبات أو حتى التنافس على التقرب من طهران. وتتحد اليوم هذه المجموعات إزاء ما تصفه “الخطر الخارجي” الذي يهددها، لكن ذلك لم يلغِ تلك الخلافات التي بدت واضحة من خلال الاستعراضات المنفصلة التي ينظمونها، وعبارات التشكيك المتبادل التي يطلقونها عبر وسائل الإعلام التابعة لهم.
ويمكن اعتبار أنّ خطوط المعركة الجديدة في بلاد اعتادت على الموت والدمار منذ 11 عاماً، ستكون معركة ميليشيات حقيقية، بعيدة عن الواقع الذي يحاول رئيس الحكومة المنتهية ولايته نوري المالكي رسمه، عن أنها حرب نظامية قانونية ضد ما يصفه بـ”الإرهاب”، كون الجيش الحكومي أثبت هشاشة في أول أيام المعارك، بشكل يجعله مستبعداً من دخول معارك استنزاف طويلة. وسيكون سيناريو معركة الميليشيات والجماعات المسلحة، هو الذي ينتظر العراق على الأرجح، في حال لم تنجح القوى السياسية في إيجاد حل سريع.
وأهم تلك المجموعات الشيعية:
فيلق بدر
تأسس في طهران عام 1981، من قبل “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية”، على يد باقر الحكيم الذي اغتيل في العام 2003 بعد أشهر من احتلال البلاد، بعملية انتحارية استهدفت حفلاً دينياً في مدينة النجف. يترأس فيلق بدر حالياً، وزير النقل في حكومة نوري المالكي، هادي العامري، وهو من أصول إيرانية ونال الجنسية العراقية عقب الاحتلال. ويتألف فيلق بدر اليوم من 12 ألف مقاتل فعلي، غالبيتهم انخرطوا في صفوف الأجهزة الأمنية العراقية، ويتولون مناصب قيادية في وزارة الدفاع وجهاز الاستخبارات. يُتّهم “فيلق بدر” بالوقوف وراء مقتل العديد من قادة الجيش العراقي السابق، وأعضاء حزب البعث، كان آخرهم قائد كتيبة الصواريخ “سجّيل” المسؤولة عن استهداف تل أبيب في العام 1991، وتنشط في محافظات الجنوب فضلاً عن ديالى وبغداد.
جيش المهدي
وُلد على يد زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، في سبتمبر/أيلول عام 2003، وخاض معارك عدة مع القوات الأميركية والبريطانية، انتهت بخسارته معركتي النجف والبصرة، والاشتراط عليه تسليم أسلحته إلى لجنة عراقية أميركية مشتركة. إبان حكومة إياد علاوي عام 2004، خمدت نشاطاته ليعود في العام 2006 عقب أحداث تفجير مرقدي الإمامين العسكريين، وتورطت مجموعات منه بعمليات اغتيال واختطاف على الهوية من ضمن ما يُعرف بـ”فرق الموت”، طالت الكثير من العراقيين، واستولت على نحو 30 مسجداً لتحولها إلى حسينيات ومقار له. خاضت في العام 2008 معارك طويلة مع القوات الحكومية في إطار ما عُرف باسم “صولة الفرسان”، تمكّن المالكي على إثرها من توجيه ضربات قوية له، خصوصاً في البصرة. وفي العام 2009، أعلن الصدر عن تجميد الميليشيا بشكل كامل، وطرد المتورطين بعمليات تطهير طائفي وقتل على الهوية، وذلك قبل أن ينخرط في العملية السياسية بشكل رسمي، برلمانياً وحكومياً. ينشط “الجيش” في جنوب العراق وبغداد ومحافظة ديالى، ويُقال إنه يتألف من 100 ألف مقاتل مجهز بالسلاح الخفيف والمتوسط، وهي أكثر الميليشيات قوة على الأرض، ولا تتفق مع المليشيات الأخرى من حيث التقليد المرجعي، إذ تتبع المرجع الحائري في مدينة قم، على عكس باقي المراجع التي تتبع تقليد المرجع السيستاني.
ميليشيا عصائب أهل الحق
تشكلت بعد انشقاق القيادي في التيار الصدري قيس الخزعلي، ولحق به آلاف المقاتلين في العام 2007. يُعرف عنها أنها تكفيرية تصدر فتاوى متطرفة ضد المذاهب والطوائف الأخرى، وتحرّم الزواج المختلط والطعام المشترك. تورطت باختطاف مهندسَي نفط بريطانيين، وجندي أميركي في بغداد عامي 2008 و2009. ورغم ذلك، لم تصنف منظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة. تمتاز بنوعية التسليح العالي والإمكانات المادية المتفوقة بدعم إيراني مطلق وتمتلك فضائية “آفاق” ووكالة “أنباء الغد” المحلية.
يبلغ عدد أفراد تلك الميليشيا أكثر من 10 آلاف مقاتل، يشارك غالبيتهم في القتال إلى جانب قوات النظام السوري بشكل أدى إلى إنهاكها، وتفيد المعلومات أن عدداً كبيراً منهم عادوا من سورية للقتال في العراق. يتركزون اليوم في بغداد، وفي قاعدة “بلد” العسكرية التي تُعتبر آخر قواعد الجيش الحكومي التي لم تسقط بيد الجماعات المسلحة.
حزب الله ــ فرع العراق
يقول زعيمها واثق البطاط، إنها امتداد لحزب الله اللبناني، ويرفع مثله رايات صفراء لكن بشعارات مختلفة عما يرفع في لبنان، إذ تبنّت، منذ مطلع يونيو/حزيران 2010، وهو تاريخ تأسيسها، شعارات تدعو لقتل أعضاء حزب البعث ومن تصفهم بـ”النواصب والوهابيين”. تبنت مطلع العام الحالي قصفاً صاروخياً استهدف مخافر حدودية سعودية انطلاقاً من صحراء السماوة جنوب غربي العراق. وتتألف هذه المجموعة من 40 ألف مقاتل غالبيتهم من الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و30 عاما، ومن الأحياء الفقيرة في بغداد وجنوب العراق، وتتلقى دعما مباشراً من إيران أيضاً.