بعد 6 أسابيع و4 مناظرات واستطلاعات للرأي لا تعد ولا تحصى، ستُجرى الانتخابات الكندية التشريعية (العامة) الـ43 في كندا، يوم الإثنين، 21 من أكتوبر/تشرين الأول، في اقتراع يُعتبر إلى حد كبير استفتاءً على الولاية الثانية لرئيس الوزراء جاستين ترودو، الذي هزته الفضائح الأخيرة.
وعلى الرغم من أن المحللين يقولون إن الحملات الانتخابية فشلت إلى حد كبير في إلهام الناخبين، فمن المتوقع أن يدلي ملايين الكنديين بأصواتهم لاختيار البرلمان المقبل في البلاد، بعد أن اختتم ترودو وخصمه المحافظ أندرو شير، يوم الجمعة، حملةً اتّسمت بتوتر وهجمات ودعوات لتصويت إستراتيجي، على أمل تجنّب حكومة أقلية توقعتها استطلاعات الرأي.
مسار الانتخابات الـ43
يعتمد النظام الانتخابي الكندي على فوز المرشح الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات (دائرة انتخابية)، والحزب الذي سيفوز بأكبر عدد من الأصوات سيشكل حكومة، فرئيس الوزراء لا يُنتخب مباشرة، بدلاً من ذلك، سيتولى زعيم الحزب الفائز المنصب الأعلى، وقد شَّكل الليبراليون والمحافظون الحكومات في معظم تاريخ البلاد.
بالنسبة لعدد المقاعد المتنافس عليها، يحتوي مجلس العموم (المجلس الأدنى من البرلمان الكندي) على 338 مقعدًا، لذلك سيتم التصويت في 338 دائرة انتخابية في جميع أنحاء البلاد، ويعتمد توزيع الدوائر الانتخابية على حجم السكان، وفي عام 2015، أدلى ما يزيد قليلاً على 25.9 مليون شخص في جميع أنحاء كندا بأصواتهم، مقارنة بـ24.2 مليون شخص قبل 4 سنوات.
ويبلغ عدد مقاطعات أونتاريو، وهي المقاطعة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في البلاد، 121 دائرة انتخابية، بينما يوجد في كيبيك 78، بينما تضم كولومبيا البريطانية 42، على النقيض من ذلك، فإن مقاطعة جزيرة الأمير إدوارد الصغيرة المطلة على المحيط الأطلسي بها 4 دوائر انتخابية.
قد لا تشكّل هذه الانتخابات، في نهاية المطاف، اختبارًا لمدى تغلغل موجة اليمين المتطرف، التي تعصف بالعالم، بقدر ما هي، إلى حدّ بعيد، استفتاء على شخص ترودو نفسه
تشهد هذه الانتخابات منافسة قوية بين عدد من الأحزاب السياسية، وهي 5 أحزاب فيدرالية رئيسية: الحزب الليبرالي الحاليّ برئاسة رئيس الوزراء جاستن ترودو، وحزب المحافظين برئاسة أندرو شير، والحزب الديمقراطي الجديد بقيادة جاجميت سينغ، وحزب الخضر بقيادة إليزابيث ماي، وكتلة كيبيك برئاسة إيف فرانسوا بلانشيت.
في الانتخابات السابقة، فاز الليبراليون بزعامة ترودود بـ184 مقعدًا برلمانيًا عام 2015 وشكَّلوا حكومة الأغلبية، وفاز المحافظون الذين كانوا في السلطة منذ عام 2006، بـ99 مقعدًا وأصبحوا المعارضة الرسمية، بينما حصل الحزب الديمقراطي بقيادة الزعيم السابق توماس مولكير على 44 مقعدًا، وفازت كتلة كيبيك الانفصالية، التي لديها مرشحين فقط في مقاطعة كيبيك، بـ10 مقاعد، بينما فاز حزب الخضر بمقعد واحد (لصالح رئيس الحزب) في مقاطعة كولومبيا البريطانية.
ماذا عن اليمين المتطرف؟
لأول مرة هذا العام، يقدم حزب الشعب الكندي (تأسس في 14 من سبتمبر/أيلول 2018) بقيادة النائب المحافظ السابق ماكسيم بيرنييه، مرشحين، لكن الحزب اليميني المتطرف “لم يتمكن من إحداث أي أثر خلال هذه الحملة وأمله الحقيقي الوحيد في الحصول على مقعد لرئيسة بيرنييه”، حسبما ذكرت شبكة “CBC News” الكندية.
وللوهلة الأولى، بات يتبادر إلى الأذهان اسم ماكسيم برنييه، الملقب بـ”ترامب الكندي”، لدى الحديث عن اليمين المتطرف في كندا، رغم أن ولادة حزبه حديث النشأة لم تكن إلا ثمرة خيبة أمل برنييه، بعد خسارته رئاسة حزب المحافظين لصالح شير، علمًا أن شير نفسه جاء كأحد خيارين بين السيء والأسوأ بالنسبة للحزب.
احتلت الوظائف والاقتصاد مكانة بارزة في العديد من البرامج الانتخابية للأحزاب، حيث تعهد الليبراليون والمحافظون بمزيد من الدعم والحوافز الاقتصادية لعائلات الطبقة المتوسطة
بيرنييه قرّر أن يجعل بلاده بمثابة أمة “ترامبية”، في حال نجاحه في الانتخابات الفيدرالية الكندية، ولم يجد مدخلاً للانتخابات إلا رفع شعار “محاربة المهاجرين”، فقد أعلن مرارًا اعتزامه طرد المهاجرين غير النظاميين خارج كندا وبناء أسوار حدودية لمنع طالبي اللجوء من السير عبر الحدود الكندية إذا تم انتخابه رئيسًا للوزراء.
رغم ذلك، قد لا تشكّل هذه الانتخابات، في نهاية المطاف، اختبارًا لمدى تغلغل موجة اليمين المتطرف التي تعصف بالعالم، وتمثّلها “الترامبية” بأوضح صورة، في كندا، بقدر ما هي، إلى حدّ بعيد، استفتاء على شخص ترودو نفسه، وكاريزميته التي كانت عاملاً أساسيًا في وصوله للحكم في 2015، وتجربته في الحكم، التي جاءت مخيبة للآمال بالنسبة للكثير من الكنديين.
حملات انتخابية تبتعد عن السياسة
احتلت الوظائف والاقتصاد مكانة بارزة في العديد من البرامج الانتخابية للأحزاب، حيث تعهد الليبراليون والمحافظون بمزيد من الدعم والحوافز الاقتصادية لعائلات الطبقة المتوسطة.
ومن المثير للاهتمام، في الانتخابات السابقة، أن الاقتصاد كان القضية الأولى، ولكن في عام 2019، ارتفعت قضايا البيئة ومحاربة التغير المناخي إلى القمة، حيث حدثت احتجاجات جماهيرية تدعو إلى اتخاذ إجراء بشأن تغير المناخ في العديد من المدن الكندية بالتزامن مع سريان الحملات الانتخابية للمرشحين.
على الرغم من أهمية مسألة الهجرة وإسقاطاتها على المشهد السياسي الكندي، فإنها لم تأخذ الحيّز الأكبر من برامج المرشحين للانتخابات وأحزابهم
ولم يسيطر أي موضوع على حملة المحافظين، لكن البيئة تبرز كمجال رئيسي للخلاف، حيث تعهد شير، خلال حملته في كالجاري في مقطعة ألبرتا – أحد معاقل حزب المحافظين – بـ”استخدام كل أداة تشريعية” لإلغاء ضريبة الحكومة الليبرالية على الكربون ودعم قطاع الطاقة الكندى وخفض الضرائب.
وكانت الحكومة الليبرالية – برئاسة جاستن ترودو – فرضت ضريبة كربون على المقاطعات الكندية التي لم تضع خطة خاصة بها لخفض الانبعاثات الملوثة، وأكد الاتحاد الكندي للمستهلكين أن الضريبة الجديدة ستؤدي إلى زيادة حجم إنفاق الأسر.
ووعد ترودو في حال فوزه بالسلطة مجددًا ببلوغ كندا صفر انبعاثات كربونية بحلول 2050، وهذا الوعد الليبرالي مماثل لما تعهدت به أمس 65 دولة والاتحاد الأوروبي في قمة الأمم المتحدة للعمل من أجل المناخ في نيويورك، وهذا يعني أن بإمكان كندا مواصلة إطلاق الغازات الكربونية، لكنها ستعوّض الأثر السلبي لذلك بإجراءات بيئية كزراعة المزيد من الأشجار.
يقول المحللون إن نتائج الانتخابات ستتوقف على ما إذا كان الناخبون التقدميون يجتمعون حول ترودو كما فعلوا عام 2015، وما إذا كان الناخبون المحبطون يختارون إلغاء هذا الأمر كما وعدهم زعيم المعارضة.
لكن كان هناك ندرة في النقاش بشأن السياسة والقضايا المتعلقة بها، فعلى الرغم من أهمية مسألة الهجرة، وإسقاطاتها على المشهد السياسي الكندي، فإنها لم تأخذ الحيّز الأكبر من برامج المرشحين للانتخابات وأحزابهم، ربما لعدم وجود مكان للتطرف اليميني بنماذجه الأمريكية والأوروبية على الأجندة الكندية بعد.
ويُنظرإلى الهجرة باعتبارها أكثر القضايا حساسية وأكثرها عرضة للهجوم الشعبوي، وتعتمد الحكومة على الدعم الشعبي لأكثر من 300 ألف مهاجر تقبله كل عام، وقد اعتاد المحافظون الذين كانوا حذرين في السابق من التقدم بعيدًا عن الإجماع السائد، اعتبار تدفق طالبي اللجوء أزمة، وقد يتفوقون في هذا الاتجاه لثني أنصارهم عن الانشقاق إلى حزب الشعب الجديد في كندا، الذي أنشأه ماكسيم بيرنييه في سبتمبر/أيلول.
ما المتوقع هذه المرة؟
كان الليبراليون والمحافظون يتفوقون في استطلاعات الرأي لأسابيع متتالية، وقال داريل بريكر، المدير التنفيذي للشؤون العامة في شركة أبحاث السوق العالمية “إيبسوس”، منتصف أكتوبر/تشرين الأول: “ما زال الحزب الليبرالي بزعامة ترودو والحزب المحافظ بزعامة أندرو شير متصدرين في رابطة إحصائية على المستوى الوطني، لأنهما فقدا الدعم لصالح الأحزاب الأخرى”.
وبصورة أكثر تحديدًا، شهد الحزب الديمقراطي الجديد ذو الميول اليسارية طفرة متأخرة، ومكاسب في الأسبوع الأخير من الحملة الانتخابية، وتقدّم بشكل كبير في استطلاعات الرأي لا سيما بفضل أداء زعيمه جاجميت سينغ في المناظرات، ما قد يؤهله لكسب أصوات الجناح اليساري من ناخبي ترودو، ويمكن أن يفرض الحزب نفوذه في المستقبل في حال تشكيل حكومة أقلية.
مع اقتراب المحافظين والليبراليين في صناديق الاقتراع هذا الأسبوع، تبدو حكومة الأقلية السيناريو الأكثر ترجيحًا
وفقًا لاستطلاع للرأي أجرته مؤسسة “إيبسوس”، حصل الحزب الديمقراطي الجديد على 20% من الأصوات، و8% لحزب الخضر، في حين حصلت كتلة كيبيك على نسبة 30% من الأصوات في كيبيك حيث حققت عرضًا قويًا هناك.
ووفقًا لنتائج الاستطلاع الذي نُشر في 15 من أكتوبر/تشرين الأول، حصل المحافظون على نسبة تأييد تبلغ 32%، مقابل 30% لليبراليين من الأصوات، وهذه النسب غير كافية ليفوز أحدهما بالغالبية المطلقة في مجلس النواب الذي يضمّ 338 نائبًا، وكل ذلك يشير إلى أن يوم الانتخابات يمكن أن يكون مليئًا بالمفاجآت.
وفي 10 من أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت مجموعة إيرنسكليف الإستراتيجية، وهي مجموعة بحثية كندية مستقلة، أن الليبراليين والمحافظين “خاضوا حربًا مميتة افتراضية”، علاوة على ذلك، تشير النتائج المحلية مقارنة بالتصويت الفعلي في عام 2015 بالمثل إلى أن أيًا من الطرفين ليس لديه طريق واضح لتشكيل حكومة أغلبية.
وتشير النتائج على مستوى المقاطعات إلى أن تقدم المحافظين في غرب كندا بينما يتصدر الليبراليون في أونتاريو وكيبيك وكندا الأطلسية، ويقترب الديمقراطيون الجدد من الليبراليين في المرتبة الثالثة بجميع أنحاء الغرب، في حين تقف كتلة كيبيك خلف الليبراليين في كيبيك بفارق ضئيل، لم يتمكن حزب الشعب اليميني من إحداث أي أثر خلال هذه الحملة.
تردد صدى ذلك من متتبع استطلاعات الرأي في شبكة “CBC” الذي يجمع كل استطلاعات الرأي المتعلقة بالانتخابات، وأفاد في 18 من أكتوبر/تشرين الأول أن الليبراليين حصلوا على فرصة بنسبة 48% للفوز بأكبر عدد من المقاعد، لكنهم ما زالوا أقل من الحد الأدنى المطلوب لحكومة الأغلبية، بينما حصل المحافظون على فرصة بنسبة 40% لفعل الشيء نفسه.
وكتب محلل استطلاعات الرأي في شبكة “CBC” أريك جرينير، أنه بعد تحقيق مكاسب كبيرة في استطلاعات الرأي، يبدو أن الديمقراطيين الجدد أو الكتلة الكيبكية وصلوا إلى الحد الأقصى، لكن يمكنهم المحافظة على توازن القوى في برلمان الأقلية، ولديهم قوة دفع في النهاية”.
حكومة أقلية أم ائتلافية؟
في النظام البرلماني الكندي، تحدث حكومة أقلية عندما يحصل الحزب السياسي أو الائتلاف على أقل من 170 مقعدًا في مجلس العموم، أي عندما لا يتمتع الحزب بأغلبية المقاعد العامة في البرلمان (أكثر من 50%).
ومع اقتراب المحافظين والليبراليين في صناديق الاقتراع هذا الأسبوع، تبدو حكومة الأقلية السيناريو الأكثر ترجيحًا، وفي تاريخ كندا، استمرت حكومات الأقليات عادةً في أقل من عامين مع بعض الاستثناءات.
وفي حالة حكومة الأقلية، يجب أن تحصل الحكومة على دعم من الأحزاب الأخرى من أجل الحصول على الأصوات التي تحتاجها لتمرير التشريعات، ويعني هذا الوضع أن المعارضة باستطاعتها تعطيل اعتماد مشاريع قوانين الحزب، كما تستطيع المعارضة الإطاحة بالحكومة أو قلبها بشأن قضايا مهمة ومن جملتها موضوع الموازنة.
ترودو يمكن أن يحصل على أول خطوة في تشكيل الحكومة، حتى لو لم يفز حزبه الليبرالي بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات
ومع ترجيح سيناريو حكومة الأقلية، ابتعدت معظم الأحزاب عن التساؤلات بشأن إذا كانت ستنضم إلى تحالف في حالة تشكيل حكومة أقلية، وبدلاً من ذلك، حث المرشحون الناخبين الكنديين على التصويت لصالح أحزابهم على الفور، لكن رئيس الحزب الديمقراطي جاجميت سينغ، قال منذ أيام قليلة إنه “سيدرس” بشكل مطلق العمل مع الأحزاب الأخرى من أجل منع حكومة المحافظين، وقال “لن ندعم حكومة محافظة”.
هذا الاحتمال تحديدًا يثير قلق أندرو شير، فقد أشار الزعيم المحافظ، يوم الجمعة، إلى التهديد الذي يشكله ائتلاف حكومي بين الليبراليين والحزب الديمقراطي الجديد، وهذا يعني أن ترودو يمكن أن يحصل على أول خطوة في تشكيل الحكومة، حتى لو لم يفز حزبه الليبرالي بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات، ويسمح له بالبقاء في منصب رئيس الوزراء حتى يستقيل أو يطرده الحاكم العام.
في 16 من أكتوبر/تشرين الأول، قال زعيم المحافظين أندرو شير لـCTV News إنه يتوقع أن “تحترم الأحزاب الأخرى حقيقة أن أي حزب يفوز بأكبر عدد من المقاعد سيكون هو الحزب الذي سيشكل الحكومة”، مضيفًا أن التحالف سيكون “محاولة يائسة للتشبث بالسلطة”.
شير قارن بين ائتلاف بين الليبراليين والحزب الديمقراطي الجديد سيخلق عجزًا ضخمًا ويرفع الضرائب، وحكومة أكثرية محافظة ستدعم قطاع الطاقة وتحقق توازنًا في الميزانية بشكل مسؤول وتخفّض الضرائب”، ولتبرير كلامه، قدّم أرقامًا لزيادة الضرائب يزعم أن خصومه يريدون فرضها لكنها ليست موجودة في برنامج الحزب الليبرالي.
ترودو من جانبه نفى هذه المعلومات، وتخلص من الأسئلة بشأن ما إذا كان سيشكل ائتلافًا مع الحزب الديمقراطي، وجادل حزبه ومؤيدوه أن التصويت لصالح أي شخص آخر غير الليبراليين سيحقق الفوز للمحافظين.
أمَّا قادة حزب الخضر، فقالوا إنهم سيتحدثون إلى جميع الأحزاب إذا أدى التصويت إلى حكومة أقلية، وفي الوقت نفسه، قال بلانشيت من الكتلة الكيبيكية إن الحزب الانفصالي لن ينضم إلى حكومة ائتلافية، لكنه سيتخذ القرارات على أساس كل موضوع على حدة.