تعد أزمتا الفقر والجوع في العالم من الأزمات الخطيرة التي تواجه البشرية في عصرنا الحاليّ، فهي في نمو مستمر والحلول الكلاسيكية لا تصل لمستوى التحدي الذي تواجهه، فسكان الأرض في ازدياد والموارد في تناقص، وفي أحسن حالاتها تبقى عند مستواها ولا تتراجع.
ولخطورة هاتين الأزمتين، وضعتهما الأمم المتحدة على رأس جدول أهدافها الإنمائية التي تتطلب من المجتمع الدولي اتخاذ تدابير جدية للحد منها ومن ثم القضاء عليها، وبحسب إحصاءات الأمم المتحدة عام 2018 فإن الغذاء على الأرض يكفي لتزويد 7.3 مليار إنسان فقط، بمعنى وجود 821 مليون شخص يعانون من الجوع، هذا إذا وزعت الموارد بشكل عادل،
وبحسب الخبراء فإن سكان الأرض سيزدادون بمعدل مليارين عام 2050 ليصل عدد سكانها إلى 9.2 مليار، وهو ما ينذر بكارثة حقيقية إذا استمر الحال على ما هو عليه.
أمّا فيما يخص الفقر، فوفقًا لتقرير البنك الدولي فإن الفقر يتركز بالمناطق الريفية والنائية بنسبة 80%، وتتركز معظم نسب الفقر في جنوب إفريقيا وشرق آسيا وبعض مناطق أمريكا اللاتينية.
الحلول التي يقدمها الذكاء الاصطناعي
أحد الحلول المعول عليها هي استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث أثبت ذلك العلم قدرته على الخروج بحلول مبتكرة للكثير من المشاكل في السابق
يحاول العلماء جاهدين سباق الزمن والوصول لحلول للحد من المجاعة حول العالم، ومن ثم تحقيق اكتفاء غذائي عالمي وبعد ذلك تحقيق زيادة بالموارد، أحد تلك الحلول المعول عليها هي استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث أثبت ذلك العلم قدرته على الخروج بحلول مبتكرة للكثير من المشاكل في السابق.
يقول عالم الفيزياء الراحل ستيفن هوكينج: “نحن قادرون على التراجع عن بعض الأضرار التي لحقت بالعالم الطبيعي من جراء الثورة الصناعية الأخيرة، ونهدف إلى القضاء نهائيًا على المرض والفقر”.
جرت عدة محاولات لإيجاد حلول للفقر والجوع في العالم، منها ما هو بسيط قامت به بعض الشركات لحل مشكلة معينة في أماكن صغيرة، ومنها مشاريع ضخمة تحل مشاكل على مستوى دول، لكن قبل كل شيء يجب تحديد وبدقة أماكن الفقر والجوع في العالم.
خرائط الفقر
يتطلب حل مشكلة الفقر والجوع في العالم في البدء معرفة مكان حدوثه، يمكن استخدام المسوحات الأسرية وبيانات التعداد لتحديد الأحياء الفقيرة، لكن هذه المعلومات ليست متاحة بسهولة في البلدان النامية، بما في ذلك إفريقيا وجنوب آسيا، والأكثر من ذلك، أن جمع هذا النوع من البيانات على الأرض يمكن أن يكون بطيئًا وصعبًا ومكلفًا للغاية.
في السنوات الأخيرة، استفاد العلماء من التدفق المستمر للصور التي تلتقطها الأقمار الصناعية وخاصة تلك التي تكشف الكوكب في الليل، للتعرف على النشاط الاقتصادي العالمي، ببساطة المناطق التي تتوهج ليلاً هي مناطق غنية، ومن ثم بدأوا بتصميم ما عرف بخرائط الفقر، لكن مشكلة هذا النهج أنه لا يفرق بين مناطق الفقر البسيط والفقر المدقع، ولحل هذه المشكلة صمم باحثون من جامعة ستانفورد بقيادة الخبير الاقتصادي مارشال بيرك، نظامًا يعتمد على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لملء الفجوات المعلوماتية، والجمع بين صور وبيانات عدة للتنبؤ بشكل صحيح.
قارن النظام بين الصور الليلية والصور النهارية وحدد بعض الميزات مثل المناطق الزراعية أو المناطق الحضرية والأسواق والمسطحات المائية، مما أدى إلى ارتفاع دقته بالتنبؤ بين 81-99%
قام بيرك وزملاؤه بتغذية الخوارزمية بمجموعة من الصور الليلية والنهارية من خمس دول هي (أوغندا وتنزانيا ونيجيريا وملاوي ورواندا)، وكلها تتوافر بها بيانات مسح الأسر المعيشية، وطلبوا من الخوارزمية البحث عن ميزات معينة في نفس الصور لكن في النهار.
قارن النظام بين الصور الليلية والصور النهارية وحدد بعض الميزات مثل المناطق الزراعية أو المناطق الحضرية، والأسواق والمسطحات المائية، مما أدى إلى ارتفاع دقته بالتنبؤ بين 81-99%. ومن خلال هذا النوع من المسح الجوي، يمكن لواضعي السياسات الغذائية مراقبة الرفاهية الاقتصادية في أنحاء مختلفة من العالم والتنبؤ بالمناطق الغنية والفقيرة.
دعم الذكاء الاصطناعي للزراعة
ولأن معظم نسب الفقر والجوع والجهل كانت في المناطق الريفية؛ كانت الخيار الأول للعلماء للتوجه نحوها وحل مشاكلها مستعينين بالذكاء الاصطناعي.
الخيارات والحلول التي وفرها AI كانت متعددة منها ما أعانهم على تحسين التربة ومكافحة الأمراض التي تصيب النباتات وأخرى لتحسين جينات النباتات وتطوير طرق الزراعة، ومن هذه المشاريع والأنظمة:
1- مبادرة Tech Impact 2030
هو مشروع مشترك بين منتدى الاقتصاد العالمي وشركة إلكترونيات وذكاء اصطناعي أمريكية تدعى (Hewlett Packard Enterprise) واختصارًا تعرف بـHPE، يهدف إلى القضاء على الجوع في العالم من خلال استخدام الابتكار في الزراعة والأنظمة الغذائية.
تعمل المبادرة على استخدام التكنولوجيات الناشئة في تحسين نمط الزراعة كالروبوتات والطائرات دون طيار والجرارات ذاتية التحكم ورقمنة الزراعة في المناطق الفقيرة والقضاء على الجوع فيها بحلول عام 2030.
2- منصة Wefarm
هي شبكة عالمية لتبادل المعلومات بين المزارعين، تتيح للمزارعين تبادل المعلومات ومعرفة الحلول للمشاكل التي تواجههم من خلال خدمة رسائل نصية لا تحتاج الوصول للإنترنت ومدعومة بالذكاء الاصطناعي.
منذ إطلاق المنصة عام 2015 وصل عدد مستخدميها نحو مليون شخص، وأثرت نتائجها على محاصيل تغذي 100 مليون إنسان. يقول كيني أوين مؤسس المنصة: “المزارعون ينتجون 70% من الغذاء العالمي ويعيشون في بيئات نائية غير متصلة، مكنا هؤلاء من التحدث إلى بعضهم البعض مجانًا ومن هواتفهم المحمولة”، فبمجرد أن يسأل المزارع سؤالاً يبحث النظام عن مطابقة للإجابة بقاعدة معلوماته.
3- مشروع Phytoponics
مشروع لدعم المزارعين بغية تحسين طرق الزراعة في البلدان النامية، يسعى لإنتاج غلات محاصيل أفضل من الطرق التقليدية وتلبية الطلب العالمي على الغذاء.
يقول آدم ديكسون مؤسس المشروع: “نحن نعمل على تطوير أنظمة مائية ذات إنتاجية عالية جدًا وكفاءة ممتازة ويمكن نشرها بسرعة في مناطق منخفضة الخصوبة لإعادة إنتاج سلاسل الأغذية المتعثرة وإنتاج فواكه وخضراوات محلية طازجة ذات سعرات حرارية ومغذية”.
4- مشروع FarmView
وهو مشروع يجمع بين الذكاء الاصطناعي والروبوتات لتحسين الإنتاج الزراعي لبعض المحاصيل الأساسية، وخاصة الذرة الرفيعة في البلدان النامية مثل الهند ونيجيريا وإثيوبيا، يعد هذا النبات الذي يتحمل الجفاف والحرارة محصولًا ثمينًا من الحبوب له إمكانات وراثية هائلة بفضل أكثر من 40.000 نوع من أصنافه لجعل المحصول المثالي عبر المزج الصحيح بين أنواع مقاومة الأمراض وأخرى ذات منتوج وفير.
لكن تتبع سلالات البذور المختلفة وسماتها الفردية يجعل هذه العملية بطيئة وتستغرق وقتًا طويلاً، والروبوتات والذكاء الاصطناعي يمكنهما تسريع الأمور بشكل كبير، فالعلماء قادرون على فهم نمو النبات بشكل لم يسبق له مثيل، بما في ذلك التفاصيل الدقيقة لكيفية تأثير علم الوراثة والبيئة على خصائص النبات والغلة.
في المختبر تتنقل الروبوتات ذات الأربع عجلات عبر حقل من نباتات الذرة الرفيعة، باستخدام الكاميرات وأجهزة استشعار الليزر وأجهزة استشعار متعددة الأطياف لقياس كل شيء من حجم ولون النبات إلى المحتوى الغذائي لأوراقه، إلى علامات المرض.
إذا نجحت هذه المبادرة، يمكن للباحثين إجراء تجارب مماثلة في البلدان الغنية بالزراعة مثل كينيا، وإعطاء المزارعين الفقراء المعلومات التي يحتاجون إليها لزراعة محاصيل الذرة الرفيعة من أجل بيئتهم.
5- تطبيق Plantix
يحدد التطبيق العيوب المحتملة من خلال الصور الملتقطة بواسطة كاميرا الهاتف الذكي، تم تطوير التطبيق بواسطة تقنية شركة ناشئة للتكنولوجيا الزراعية، ويستخدم التعلم العميق للتعرف على العيوب المحتملة ونقص المغذيات في التربة.
دعم الذكاء الاصطناعي لتحسين النظام الغذائي ومعالجة حالات الطوارئ
إنتاج الغذاء العالمي يفوق بكثير الطلب عليه، ولكنه يضيع إلى حد كبير بسبب الهدر والإسراف، ووفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة، لا يتم استهلاك نحو 1.3 مليار طن من الأغذية، وهذا يمثل ثلث جميع الأغذية المنتجة سنويًا، بمعنى أن ما يقارب 25% من الهدر يكون كافيًا لسد نقص الغذاء العالمي.
هذه بعض المبادرات والمشاريع التي تستخدم الذكاء الصناعي لتأمين النظام الغذائي:
1- مشروع FAM
وهو مشروع شراكة بين مايكروسوفت وجوجل وأمازون مع الأمم المتحدة، الهدف منه استخدام البيانات التي جمعتها الشركات لتحليل ومحاولة توقع حالات المخاطرة لمحاربة نقص الغذاء في أماكن مثل شمال شرق نيجيريا والصومال وجنوب السودان واليمن، وهي مكرسة لمنع المجاعات في المستقبل وتحفيز برامج التمويل للاستجابة السريعة من خلال توفير علامات التحذير الأولى لتحديد الأزمات الغذائية التي يمكن أن تتحول إلى مجاعة.
2- مشروع طوارئ
تم عمل شراكة بين شركة IBM ومنظمة Bread & Life لاستخدام أفضل الممارسات لتوزيع الأغذية في حالات الطوارئ، ومشاركتها مع المنظمات غير الربحية من خلال أداة رقمية تفاعلية.
3- مبادرة Sanku – PHC
هو مشروع شراكة بين شركة فودافون والأمم المتحدة لاستخدام أحدث التقنيات لتوفير الدقيق لملايين الأشخاص في إفريقيا، فمن خلال استخدام نظام Sanku dosifier من تصميم فودافون يمكن للمطاحن الإفريقية إضافة العناصر الغذائية المهمة للدقيق بطريقة مستدامة وبتكلفة منخفضة.
تعمل الشركة على توسيع نطاق هذا النظام وتحسينه من خلال تقديم رؤى في الوقت الفعلي إلى 3000 مطحنة دقيق، وبفضل القدرات الخلوية الإضافية والمراقبة عن بعد، يمكن للعامل الواحد الآن مراقبة 100 مطحنة وتدعيم الدقيق لـ500000 شخص.
طبقت شركة فودافون ومركز الرعاية الصحية الأولية هذه التقنية على المطاحن في تنزانيا ورواندا وكينيا وملاوي وموزمبيق، لكنهم يريدون الوصول إلى 100 مليون شخص على مدار الأعوام القادمة.
خاتمة
من بين 821 مليون شخص يعيشون في ظروف الفقر والجوع، هناك 385 مليون طفل، وأكثر من خمسهم دون الخامسة، يوجد في إفريقيا أكبر عدد من الأطفال بنسبة 50% تقريبًا، يأتي في المرتبة الثانية جنوب آسيا بنسبة 36% والهند بنسبة 30%، إضافة لعدد كبير منهم في مناطق النزاع والحروب، يضاف لها معسكرات النزوح في سوريا واليمن والعراق، وهم يعانون من درجات قاسية من الجوع والفقر.
لا يمكن إنكار حقيقة أن سوء التغذية يمثل مشكلة عالمية ولا يمكن القضاء عليه بين عشية وضحاها، لكن من الواضح أن التكنولوجيا لديها القدرة على التغيير الحقيقي وإنقاذ ملايين الأرواح في جميع أنحاء العالم
يموت الكثير منهم قبل بلوغهم سن الرشد، وإذا تمكنوا من البقاء على قيد الحياة، فإن نموهم البدني والعقلي يكون ضعيفًا إلى حد كبير بسبب سوء التغذية.
لا يمكن إنكار حقيقة أن سوء التغذية يمثل مشكلة عالمية ولا يمكن القضاء عليه بين عشية وضحاها، لكن من الواضح أن التكنولوجيا لديها القدرة على التغيير الحقيقي وإنقاذ ملايين الأرواح في جميع أنحاء العالم.
ما يزال بجعبة الذكاء الصناعي الكثير ليقدمه للمشاركة بمكافحة الفقر، لكن جهودًا مضنية يجب أن تُبذل من أطراف عدة يكون من ضمن مساعيها ألا تحتكر سلطات الدول المنتجة والموردة للغذاء وشركاتها العملاقة ولا النافذون الفاسدون في الدول المحتاجة، التكنوجيا الذكية وخوارزميات الذكاء الصناعي والتي يمكن ان يتم التلاعب بها لأهداف زيادة الإنتاج والأرباح، لا القضاء على الفقر.