ساعات قليلة وتنتهي المهلة التي حددها رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري لشركائه في الحكومة للاتفاق على الإصلاحات التي من شأنها تهدئة الشارع المشتعل لليوم الخامس على التوالي، التي قدرها بـ 72 ساعة تبدأ من الجمعة الماضية على خلفية اشتعال التظاهرات التي غطت معظم مدن لبنان منذ الخميس.
مساعٍ حثيثة بذلها الحريري وحكومته لاحتواء كرة النار المتدفقة، لكنها لم تخرج عن إطار الوعود الكلامية البعيدة عن أي خطوات ملموسة على أرض الواقع، الأمر الذي زاد من مأزقه، خاصة بعد إعلان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، استقالة وزراء حزبه الأربع من الحكومة اللبنانية.
ولم يتبق بيد رئيس مجلس الوزراء إلا ورقة الإصلاحات الاقتصادية التي كشف ملامحها أمس ومن المقرر أن يناقش بنودها الـ24 اليوم خلال اجتماع طارئ مع حكومته، هذا في الوقت الذي يرفض فيه المتظاهرون كل أشكال التسكين السياسي والاقتصادي مطالبين بتحقيق مطلبهم الأساسي: إسقاط النظام.
يذكر أن الأوضاع الاقتصادية المتردية كانت شرارة اشتعال الاحتجاجات التي تزداد رقعتها يوما تلو الآخر، إذ يُقدّر الدين العام اللبناني اليوم بأكثر من 86 مليار دولار، أي ما يزيد على 150% من إجمالي الناتج المحلي، إلا أن تأخر التعاطي مع الحراك واللجوء إلى ورقة العنف والتنكيل، ساهم بشكل كبير في تصاعد سقف المطالب ليتجاوز الدوافع الاقتصادية إلى ما هو أبعد من ذلك.
ورقة الإصلاح
تتضمن الورقة التي قدمها الحريري 24 إجراءً للإصلاح الاقتصادي على أمل إخماد الاحتجاجات، وتشمل خفض رواتب الرؤساء والوزراء والنواب الحاليّين والسابقين بنسبة 50% ومساهمة المصرف المركزي والمصارف اللبنانية بنحو خمسة آلاف مليار ليرة لبنانية أي ما يعادل 3.3 مليار دولار لتحقيق “عجز يقارب الصفر” في ميزانية 2020.
كذلك تشتمل على خطة لخصخصة قطاعة الاتصالات وإصلاح شامل لقطاع الكهرباء المهترئ وهو مطلب حاسم من المانحين الأجانب للإفراج عن 11 مليار دولار، كما دعت إلى إنشاء الهيئة الناظمة ومجالس الإدارة خلال “وقت قصير” للإشراف على الإصلاح.
رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع قال إن عدم استقالة الحكومة خطأ كبير، ودعا في حديث صحفي إلى تشكيل حكومة تكنوقراط
فيما ذهب وزير المالية في تصريحات سابقة له إلى أن ميزانية العام الجديد لا تشمل أي ضرائب أو رسوم إضافية، وهي النقطة التي أججت الشارع مؤخرًا، هذا بخلاف الوعود التي قطعها رئيس الحكومة على نفسه بمكافحة الفساد الذي يصفه المحتجون بأنه السبب الرئيسي في تدمير اقتصاد البلاد.
ومن المقرر أن يناقش المجلس في اجتماعه اليوم، المقرر له الساعة العاشرة والنصف من صباح اليوم الإثنين في القصر الجمهوري في بعبدا، المقترحات المقدمة، وفق ما ذكرت الأمانة العامة لمجلس الوزراء اللبناني، في بيان أوردته “الوكالة الوطنية للإعلام” الرسمية اللبنانية.
جلسة لمجلس الوزراء عند العاشرة والنصف في بعبدا https://t.co/ROfMZRs6TB
— National News Agency (@NNALeb) October 21, 2019
ردود فعل متباينة
ردود فعل متباينة قوبلت بها ورقة الحريري على مستوى السياسيين، فمن جهته قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إن حزبه يرفض هذه الورقة، لكنه قال إن وزراء كتلته سيحضرون جلسة الحكومة وسيقدمون الورقة الخاصة بالحزب التي تتضمن مقترحات للنهوض بالاقتصاد ومحاسبة المفسدين، على حد قوله.
وأضاف جنبلاط -في لقاء مع الجزيرة – أنه ضد استقالة حكومة الحريري لأن ذلك قد يخلق فراغًا وفوضى، لكنه قال إنه لا بد من استقالة بعض الوزراء وفي مقدمتهم وزير الخارجية، موجهًا حديثه في الوقت ذاته لحزب الله داعيًا قياداته لتفهم مطالب المحتجين “وأن يفهم أن الشارع لا يفرق بين تيار سياسي وآخر”، مضيفًا “على الحزب أيضًا إيقاف دعمه للوزير باسيل الذي اعتبره رمز الاستبداد الحكومي”.
أما رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع فقال إن عدم استقالة الحكومة خطأ كبير، ودعا في حديث صحفي إلى تشكيل حكومة تكنوقراط، وهو الذي أعلن الليلة الماضية استقالة وزراء حزبه الأربع من الحكومة بسبب ما اعتبره عجزها عن اتخاذ خطوات لإنقاذ الاقتصاد الوطني.
وعلى الجانب الآخر قال مصدر في رئاسة الحكومة لفرانس برس، مساء الأحد، إن الحريري تلقى موافقة القوى السياسية الرئيسية لا سيما حزب الله وعون على خطته الإنقاذية التي تتضمن تدابير وإجراءات حاسمة، أبرزها الالتزام بعدم فرض أي ضرائب جديدة على اللبنانيين وخصخصة العديد من القطاعات.
دوليًا.. ألمحت واشنطن إلى ضرورة أن يكون الإصلاح الاقتصادي المأمول إصلاحًا “ذا مغزى” على حد وصف مسؤول بالخارجية الأمريكية، كاشفًا أن الالتزام بتنفيذ مثل هذه الإصلاحات “يمكن أن يفتح الأبواب أمام دعم دولي بمليارات الدولارات للبنان، وهدا أمر يعود للبنانيين”.
وأضاف المسؤول الذي رفض كشف هويته في تصريحات نقلتها قناة “الحرة” الأمريكية “عقود من الخيارات السيئة والفساد في لبنان دفعت الدولة إلى حافة الانهيار السياسي، وندعم حق اللبنانيين في التظاهر السلمي”، بينما أعرب عن أمل الخارجية الأمريكية في أن تحفز هذه المظاهرات لبنان “على المضي قدمًا لإصلاح اقتصادي حقيقي”.
20/10/2019 الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان fenasol يدعو الى الاضراب العام إلى الشارع من أجل التغيير من هذه السلطة إلى الشارع من أجل الحق في الحياة الكريمة إلى الشارع من أجل لقمة العيش الكريمة إلى الشارع رفضا لورقة السلطة الاقتصادية المزمع طرحها التي لا تلبي المطالب الشعبية إلى الشارع رفضا لسياسات هذه السلطة الفاسدة والاستمرار في التحركات والمشاركة في الاعتصامات في كل لبنان ومركزية في ساحة رياض الصلح وذلك من أجل استعادة الاموال المنهوبة، ووقف الهدر والفساد، ومحاسبة الفاسدين، ورفضا للضرائب على الطبقة الفقيرة وذوي الدخل المحدود، وتصويب الضرائب على أرباح المصارف، واقرار ضرائب على الاثرياء والاملاك البحرية، ورفضا للهجوم على الرواتب في القطاع العام، ومن أجل تصحيح الأجور واقرار السلم المتحرك، وحماية الضمان الاجتماعي. الى كافة العمال والمعطلين من العمل والى المزارعين والمياومين والمتعاقدين والى كافة شرائح المجتمع اللبناني يدا بيد وصوتاً واحداً من أجل اسقاط هذه السلطة يدعوكم الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان fenasol الى الاضراب العام غدا الاثنين في 21/10/2019
Posted by الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان Fenasol on Sunday, October 20, 2019
إضراب يوم الحسم
تزامنًا مع الجلسة الأولى التي تعقدها الحكومة منذ اشتعال الاحتجاجات بدأت مظاهر الإضراب الذي دعا إليه ناشطون لبنانيون تظهر في العاصمة بيروت ومدن أخرى، احتجاجًا على “الفساد والبطالة وغلاء المعيشة وسوء الخدمات العامة”، وللمطالبة بتغيير السلطة.
التصعيد جاء استجابة لدعوة أطلقها نشطاء إلى الإضراب العام، اليوم الإثنين، والاستمرار في الاعتصام الحاشد في ساحة الشهداء وسط بيروت لتحقيق أهداف الحراك، فيما بدأت الاحتجاجات فجر اليوم بغلق الطرق الدولية التي تصل بين بيروت ومناطق الكحالة وعالية وبحمدون وصوفر، بينما قرر المتظاهرون في معظم الميادين الاعتصام بها.
تأخر السلطات اللبنانية في التعاطي مع الاحتجاجات عقّد المشهد بصورة كبيرة، فبينما يجتمع الحريري ورفاقه اليوم لتهدئة الأجواء عبر ورقة إصلاحية يعلن المتظاهرون رفضهم لها قبل إقرارها بصورة رسمية
من جانبه كان الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين قد دعا إلى الإضراب العام، تزامنًا مع جلسة الحكومة، وقال في بيان: “إلى الشارع من أجل التغيير من هذه السلطة، إلى الشارع من أجل الحق في الحياة الكريمة، إلى الشارع من أجل لقمة العيش الكريمة”، داعيًا كل العمال والعاطلين والمزارعين والمياومين والمتعاقدين وكل شرائح المجتمع اللبناني “لإسقاط هذه السلطة”.
المعتصمون في طرابلس أعلنوا عدم مغادرتهم الساحة الليلة و إطلاق الإضراب العام منذ الأن و يطلبون من كل المناطق الإنضمام إليهم .#لبنان_يتنفض #ثوره pic.twitter.com/NIrBkqBLHB
— sally rachid ?? (@sally_rachid28) October 21, 2019
وفي بيان آخر صادر عن مبادرة “لحقي” اللبنانية جاء فيه: “تعيش قوى السلطة حالة إنكار وتستمر بالمماطلة في تنفيذ مطالب الناس”، مضيفًا “نجدد الدعوة للشعب اللبناني للاستمرار في التظاهر بساحة رياض الصلح وباقي المدن”، مضيفًا “الإثنين هو يوم الحسم، إضراب عام، قطع طرقات، وشل الحركة بشكل كامل في البلد”.
وفي طرابلس بدأ المتظاهرون في الصباح بقطع الطرق المؤدية إلى البداوي وساحة النور وجسر البالما وأنفة وشكا، والبترون، وقد نقل مغردون عن متظاهري طرابلس في وقت متأخر الأحد، عدم مغادرتهم ساحة النور في المدينة، وانضمامهم للإضراب الذي دعا إليه الناشطون.
وردد المتظاهرون من جميع الأعمار والأديان، الأغاني الوطنية ورقصوا في الشوارع وشكل بعضهم سلاسل بشرية ورددوا هتافات تنادي بالإطاحة بقادة البلاد، كما ابتكروا شعارات لكل زعيم سياسي، وغالبيتها تتضمن كلمات بذيئة، حتى إن البعض حوّلها إلى مقطوعات موسيقية تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تستثن الهتافات أي زعيم سياسي.
قال الناس كلمتهم اليوم… فلتسقط الحكومة.
في المقابل تعيش قوى السلطة حالة انكار وتستمر في المماطلة في تنفيذ مطالب الناس.
فلنكمل غداً. فيوم غد الاثنين هو اليوم الحسم: إضراب عام. قطع طرقات وشل الحركة بشكل كامل في البلد.
٢/٣— لِحقّي (@Li_Haqqi) October 20, 2019
وتجاوزت رقعة الاحتجاجات الحدود اللبنانية، إذ تجمع في العاصمة الفرنسية باريس مئات اللبنانيين المقيمين هناك، وقال المتظاهرون إنهم خرجوا تعبيرًا عن تضامنهم مع مواطنيهم في لبنان، ورددوا هتافات تؤكد عزمهم مواصلة الاحتجاج حتى تلبية مطالبهم، كما رفعوا شعارات تطالب بالتغيير ومحاربة الفساد بجميع أنواعه، وبإقامة دولة مدنية.
تأخر السلطات اللبنانية في التعاطي مع الاحتجاجات عقد المشهد بصورة كبيرة، فبينما يجتمع الحريري ورفاقه اليوم لتهدئة الأجواء عبر ورقة إصلاحية يعلن المتظاهرون رفضهم لها قبل إقرارها بصورة رسمية، ساخرين مما جاء فيها، مصعدين من مطالبهم وصولاً إلى إسقاط النظام بأكمله.
وكعادة ردود فعل الأنظمة الحاكمة مع ثورات شعوبها في دول الربيع العربي لا يختلف الوضع كثيرًا في لبنان، الأمر الذي يجعل المشهد مفتوحًا على كل الخيارات، فالمأزق الذي وضع فيه الحريري نفسه بمهلة الـ72 ساعة، إن لم يخرج من خلال اجتماع اليوم بنتائج مرضية فإن استقالة الحكومة ربما تكون الحل الأوقع.. فهل يصل اللبنانيون إلى هذه النقطة؟