ترجمة وتحرير نون بوست
بينما نعلم القليل عن بيولوجية أجسادنا، فإن عقولنا تحمل الغالبية العظمى من الغموض البشري، ومن أحد جوانب العقل الحيوية في حياتنا اليومية أننا ما زلنا نتعلم كيفية تخزين وفهرسة الذكريات في عقولنا، تعد عملية التخزين في المخ عملية سلبية نقوم بها كل يوم، حيث نحتفظ بالمعلومات عن حياتنا، بعض هذه المعلومات نحتفظ بها على المدى القريب وبعضها على المدى البعيد.
من الممكن النظر لهذين النوعين المختلفين من الذاكرة البشرية على أنهما نظام التصفية في العقل، حتى لا نشعر بالارتباك عند محاولة تذكر شيء ما، إذا فكر عقلنا أن هناك شيئًا مفيدًا قد نحتاج إليه باستمرار فإنه يخزنه في الذاكرة طويلة المدى.
عند التفكير مليًا سنجد أننا بلا تناظر وظيفي دقيق، فعندما نفكر في الذاكرة طويلة المدى والذاكرة قصيرة المدى قد نعتقد أن هذه الذكريات المختلفة موجودة في مكان يشبه أدراج خزانة الملفات، لكن ذلك التفكير بعيد عن الحقيقة.
في الواقع اكتشف علماء الأعصاب في القرن العشرين أن الذاكرة طويلة المدى تخزن على نطاق واسع وتوزع الذكريات على أنحاء قشرة الدماغ أو في الجزء الخارجي للدماغ.
كيف تُخزن الذكريات؟
تُخزن الذكريات كمجموعة من الخلايا العصبية التي تُرتب أو تُعد لإطلاقها معًا في نفس النمط كل مرة، وفي كل مرة ينطلقون فيها تخرج الذاكر المحفوظة، لكن عقولنا ذات مرونة عصبية أو أنها تتغير بمرور الوقت، مما يطرح سؤالًا: ما الذي يمنع العقل من تشويه الذاكرة أو نسيانها جميعًا؟
إنها الوفرة، فعقولنا تخزن الذكريات عدة مرات في أجزاء مختلفة من القشرة الدماغية لحمايتها من التغيير والفقد الذي قد يصيب المخ، تعيد عقولنا كتابة الذكريات الماضية بفاعلية، وهذه أحد الأسباب التي تجعل الشهادات في المحاكم تؤدي إلى العديد من الإدانات الخاطئة، عملية التخزين المذهلة هذه للعقل من الممكن تبسيطها بشكل يسهل فهمه.
لا تخزن عقولنا الذكريات مثل الكتب على الرفوف أو الورق في الأدراج، لكنها تخزن مثل قطع “الليجو” مبعثرة على الأرضية وتحتاج باستمرار لإعادة تجميعها معًا لإنشاء وإعادة كتابة الرسالة الأصلية، إن عملية تذكرة وتخزين الأحداث الماضية تعد عملية متطورة للغاية يقوم بها العقل، فالعقل يجمع باستمرار أجزاء الليجو من الأرض ويعيد ترتيبهم لإفساح مساحة لأنماط وذكريات جديدة، وفي تلك الحالة، إذا تعرف العقل على أنماط ضعيفة لم يتم تركيبها منذ فترة فإنه يكتبها.
عملية النسيان
بينما يبدو النسيان جزءًا طبيعيًا من الحياة البشرية، فقد اكتشف علماء الأعصاب شيئًا محيرًا، حيث يبدو أن العقل البشري نظريًا قادر على تخزين كمية لا نهائية من المعلومات، وما يمنع معظم الناس من القيام بذلك هو إصابتهم بصدمة أو اضطرابات، والصدمة هنا قد تكون عاطفية أو عقلية.
هذه الصدمة لا تؤثر بالضرورة علي طريقة تخزين الذكريات لكنها تؤثر على كيفية فهرستها واسترجاعها، بالعودة إلى العملية الشبيهة بالليجو سنجد أن الليجو ما زالت مرتبة في أنحاء الغرفة، لكن الصدمة أو الاسترجاع الخاطئ يتسبب في فقدان كتيب الإرشادات بشأن كيفية توافقهم معًا.
يقوم العقل بأشياء أخرى مثيرة لا نتوقعها فيما يتعلق بالتذكر الذي يعزز من فكرة أن الذكريات ما زالت هنا في مكان ما، فعلى سبيل المثال عادة ما تُخزن الذكريات التافهة في الذاكرة القصيرة لكنها تُنقل إلى الذاكرة الطويلة إذا حدثت مباشرة قبل وقوع صدمة، في الواقع، يتم تعزيز قدرة الناس على تذكر تلك الأحداث التافهة في الأيام التالية للصدمة.
من المستحيل إنهاء تلك العملية وقتما نريد، بمعنى آخر، لا يمكنك إجبار نفسك على نسيان شيء ما
باختصار، من الأفضل أن نفكر في عملية النسيان على أنها خسارة مؤقتة أو دائمة للقدرة على استرجاع المعلومات، فالنسيان يشبه فقدان كتيب الإرشادات الذي يساعدنا على تجميع نموذج الليجو.
ما الذي يحدث للمجموعات المنسية؟
إذًا ما الذي يحدث لذكرياتك عند فقدان كتيب الإرشادات؟ لا يتفق العلماء في هذا الأمر فبعض النظريات تقول إن هذه الذكريات تتحل وتختفي في النهاية، بينما تقول أخرى إن الذكريات تظل محفوظة لكن روابطها تصبح معطلة.
الشيخوخة وفهرسة الماضي
عندما نتقدم في العمر فمن الطبيعي أن تفقد عقولنا القدرة على صنع روابط جديدة وربما فقدان الروابط القديمة غير المستخدمة، يتقلص المخ مع التقدم في العمر ولا يصبح هناك أماكن كافية لكتيبات التعليمات، يُعد قرن آمون أو الحصين (المكون الرئيسي لأدمغة البشر) ضروريًا في الذاكرة والتعلم، وهو أحد أجزاء الدماغ التي تتدهور مع تقدم العمر.
وجدت دراسة حديثة أنه عند حقن الفئران كبيرة السن بدماء فئران صغيرة السن يحدث نمو مفاجئ في منطقة الحصين، أدت هذه الدراسة إلى مفهوم “الدماء الشابة” التي تساعد على استعادة الناس لقدراتهم العقلية.
من الأشياء المثيرة التي تعلمناها في دراسة العلماء عن تقدم العمر وفقدان الذاكرة أنه من المستحيل إنهاء تلك العملية وقتما نريد، بمعنى آخر، لا يمكنك إجبار نفسك على نسيان شيء ما، ما ينتهي إلى العقل هو أن يجعل تلك الذكريات التي نحاول نسيانها من أقوى الأشياء في الخط الزمني للعقل.
تشكل عقولنا عملاً بيولوجيًا مذهلًا يحمل العديد من الأشياء الغامضة التي لم نكتشفها بعد، وما نعلمه هو أن العقل أكثر تعقيدًا مما نعتقد، والذكريات التي تعلم أنك تمتلكها، يمكن أن تؤثر على تصرفاتك في الحياة اليومية.
هذه أحد الأسباب التي تجعل العلاج النفسي أمرًا فعالًا، فالحقيقة البسيطة أنه إذا لم يكن عقلك معطلًا فهناك خطأ ما، إن الطريقة التي تخزن بها العقول ذكرياتنا تؤثر بشكل كبير على حياتنا، ومن خلال العمل على فهمها يصبح بإمكاننا تغييرها.
المصدر: إنترستنغ إنجنيرنغ