تستعد ألمانيا لاحتضان مؤتمر دولي لبحث الحلول الكفيلة بحل الأزمة الليبية الخانقة، في قادم الأيام، مؤتمر دولي جديد لكن هذه المرة دون وجود الأطراف الليبية المتنازعة مع غياب مرتقب لبعض الدول الإقليمية المؤثرة في هذا الملف الشائك، ما جعل البعض يشكك في جدوى هذا الاجتماع واعتباره آلية لفرض الوصاية على ليبيا والليبيين.
مؤتمر منتظر
منتصف شهر سبتمبر/أيلول الماضي، أعلن سفير ألمانيا لدى ليبيا أن بلاده تهدف إلى استضافة مؤتمر عن ليبيا هذا العام بالتعاون مع الأمم المتحدة لمحاولة إرساء الاستقرار في الدولة المنتجة للنفط التي تشهد قتالاً بين فصائل متناحرة من أجل السيطرة على العاصمة طرابلس.
وقال سفير ألمانيا لدى ليبيا أوليفر أوفكزا على تويتر: “بدأت ألمانيا من أجل ذلك عملية تشاور مع أطراف دولية رئيسية، ومع وجود أعمال تحضيرية كافية، قد تقود هذه الجهود إلى حدث دولي مهم هذا الخريف”.
ترى السلطات الألمانية، ضرورة التمسك بالحل السياسي ومحاولة الضغط على أطراف المعادلة الليبية للعودة إلى طاولة الحوار
لم يذكر أوليفر أوفكزا أي تفاصيل عن المؤتمر الذي جاء إعلانه بعد أن أبلغت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل البرلمان بأن الوضع في ليبيا يهدد بزعزعة الاستقرار في كل أنحاء إفريقيا، وذكرت مصادر دبلوماسية أن المؤتمر سيعقد في برلين في أكتوبر/تشرين الأول أو نوفمبر/تشرين الثاني.
بالتزامن مع ذلك، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في كلمة أمام البرلمان الألماني: “هناك وضع يتطور في ليبيا وقد يتخذ أبعادًا مثل التي شهدناها في سوريا.. ومن الضروري أن نبذل كل ما في وسعنا لضمان عدم تصعيد الوضع إلى حرب بالوكالة وستؤدي ألمانيا دورها”، وأضافت “إذا لم تستقر الأوضاع في ليبيا فإن استقرار المنطقة الإفريقية بأسرها سيتزعزع”.
إحياء الحل السياسي
من خلال مبادرتها تريد ألمانيا إحلال السلام في ليبيا، ذلك البلد العربي الواقع في شمال القارة الإفريقية الذي يعاني من أزمات مست معظم المجالات، وازدادت حدتها نتيجة محاولة اللواء المتقاعد خليفة حفتر والمناهض للشرعية الدولية احتلال العاصمة طرابلس التي تضم مقر حكومة الوفاق الوطني والبعثات الدبلوماسية الأجنبية.
في أبريل/نيسان الماضي، أعلن حفتر الذي يقود “ميلشيات الكرامة”، بداية حملة عسكرية تستهدف العاصمة الليبية طرابلس التي توجد فيها حكومة الوفاق الوطني المدعومة دوليًا، فضلاً عن سفارات وبعثات الدول الأجنبية وهيئة الأمم المتحدة، وقال حينها إن احتلال العاصمة لن يستغرق أكثر من 48 ساعة إلا أنه فشل في ذلك، حيث لم يتمكن إلى الآن من إحراز أي تقدم يذكر.
وأسفرت هذه العملية العسكرية عن سقوط مئات القتلى والآلاف من الجرحى وعشرات الآلاف من النازحين والمشردين، وتتوقع المنظمات العالمية الناشطة في ليبيا، ارتفاع عدد الضحايا وتفاقم ظاهرة النزوح في ضوء الاستخدام المستمر للضربات الجوية والمدفعية الثقيلة منذ بدء الأعمال القتالية الحاليّة، والنقص الحاد في الأدوية الذي تعاني منه المستشفيات والمراكز الصحية الأولية.
2/2… قامت ألمانيا بعملية تشاور مع الشركاء الدوليين الرئيسيين. فبفضل العمل التحضيري الكافي، فإن مثل هذه الجهود ستؤدي إلى حدث دولي ذو مغزى في فصل الخريف الحالي.
— Oliver Owcza (@GermanAmbLBY) September 11, 2019
يخوض الفريق الدبلوماسي الألماني بقيادة يان هيكر كبير مستشار الحكومة الألمانية للسياسة الخارجية والأمن، وأندرياس ميشائيليز كاتب الدولة في الخارجية لشؤون الشرق الأوسط سباقًا مع الزمن لإقناع الأطراف المتدخلة والفرقاء الليبيين بضرورة إيجاد حل لأزمة ليبيا حتى لا تتفاقم ويكتوي الأوروبيون بنارها.
وترى السلطات الألمانية، ضرورة التمسك بالحل السياسي ومحاولة الضغط على أطراف المعادلة الليبية للعودة إلى طاولة الحوار، وهو الرأي ذاته الذي تتبناه الولايات المتحدة، بعدما بارك البيت الأبيض العملية العسكرية لحفتر في بادئ الأمر.
ويتطلع الألمان لإنهاء المعارك في ليبيا ووضع حد لها، وسط مخاوف من موجات هجرة جديدة نحو أوروبا في ظل حالة الانفلات التي تعانيها الحدود الليبية بسبب المعارك وتدهور أوضاع اللاجئين هناك بعد استهداف المقرات المعنية بالتعامل معهم.
فرض وصاية على ليبيا
فرص نجاح هذا المؤتمر تبدو للوهلة الأولى كبيرة، خاصة أنه يعرف عن ألمانيا موقفها المحايد من الأزمة الليبية، والمسافة الوسطية التي تأخذها برلين من الأطراف المتقاتلة، الأمر الذي يحسب لها ومن شأنه مساعدتها على تقريب وجهات النظر بين الجميع.
هذه الفرص تتضاءل إذا علمنا أن الدول السبعة أكدت في قمتها الأخيرة أن المؤتمر سيكون خاصًا بالأطراف الدولية الفاعلة في ليبيا وفقط من دون دعوة أي أطراف ليبية، وبالتحديد طرفا الصراع الغارقان في قتال داخلي.
يأمل الليبيون الذين اكتووا بنار الحرب والأزمة المتواصلة منذ سنوات إلى إيجاد حل سريع لأزمة بلادهم المتفاقمة، مؤكدين أن ذلك لم يتم إلا في حال رفعت القوى الأجنبية أيديها عن البلاد
يرجع سبب ذلك إلى خشية الألمان حدوث تشويش على أعمال المؤتمر المرتقب، في حال حضور الأطراف المتنازعة في ليبيا نتيجة تباعد وجهات النظر بينهما كما حصل في المؤتمرات السابقة، ما سيكون سببًا لفشل هذه القمة، وفق تصورهم.
لئن أرجع الألمان عدم دعوة الأطراف الليبية إلى خشية التشويش المنتظر نتيجة حضورهم، فقد اعتبره العديد من الليبيين بداية لفرض وصاية ورؤى خارجية على الدولة الليبية بعيدًا عن أطراف الصراع الحاليّ، متسائلين عن جدية هذه الخطوة الدولية ومدى قبولها في الداخل الليبي.
ويجزم هؤلاء أن قيام دولة ديمقراطية متطورة حديثة في ليبيا هو مصلحة المواطن الليبي، وهذه المصلحة لا يتوقعون أن يحققها لهم طرف خارجي، أي أن مصلحة المواطن الليبي ومصلحة ليبيا لا تتحقق إلا عبر الليبيين، عبر قيادة ومشروع وبرنامج وخطة وتخطيط للخروج من هذه المرحلة والدفع باتجاه الدولة الديمقراطية الحديثة.
القوى الأجنبية على نفس النهج
يقول الألمان إنهم سيسعون في هذا المؤتمر للوصول إلى حلول فعلية للأزمة في ليبيا ووقف التدخلات الخارجية، لكن المتأمل لسير التحضيرات ومدى رغبة الدول الكبرى في حل الأزمة الليبية، يرى أن الوضع في ليبيا لن يشهد الانفراج المطلوب في هذا المؤتمر، فالغرب والقوى الأجنبية المتدخلة في ليبيا يسيرون على نفس النهج.
وتسعى العديد من الأطراف الأجنبية إلى تأزيم الوضع الليبي أكثر ودفعه نحو مزيد من التعقيد، فضلاً عن إطالة أمد الأزمة هناك والاستفادة منها قدر المستطاع، فالسلام في ليبيا ووجود دولة قوية تبسط سلطتها على كامل البلاد لا يخدم مصالحها وأجنداتها المشبوهة، الطامعة في خيرات البلاد.
ويتضح من المبادرات الدبلوماسية السابقة التي احتضنتها باريس في مايو/أيار 2018، تحت شعار “الحوار الليبي”، وأيضًا مبادرة “حوار” إيطاليا في باليرمو في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، عدم رغبة تلك القوى في إيجاد حل للأزمة في ليبيا رغم ادعائهم العمل على ذلك.
ساهمت القوى الأجنبية في تعقيد الأزمة الليبية
تسعى كل دولة إلى فرض حليفها وتمكينه من بسط نفوذه في ليبيا التي تعاني من التفكك منذ سنوات عدة، حتى تسيطر على البلاد، ورغم ادعاء كل الدول رغبتها في إيجاد حل سلمي للأزمة في ليبيا ووقف معركة طرابلس في أقرب وقت ممكن، فإن معظمها يسعى بقدر الإمكان إلى عرقلة أي حل سياسي يمكن التوصل إليه بين الفرقاء الليبيين، فذلك يعني انتهاءها وانكشاف خدعها.
أمام تضارب وجهات نظر ومصالح هذه الدول، تبقى ليبيا تنزف وحدها دون أن يتحرك أحد لنجدتها، حتى إن بعض أبنائها اختاروا التخندق ضمن سياسة المحاور، حبًا في الجاه والمكانة، دون أن يولوا أي اهتمام لشعبهم الذي يعاني الويلات جراء تواصل أزمة بلاده.
يأمل الليبيون الذين اكتووا بنار الحرب والأزمة المتواصلة منذ سنوات في إيجاد حل سريع لأزمة بلادهم المتفاقمة، مؤكدين أن ذلك لن يتم إلا إذا رفعت القوى الأجنبية أيديها عن البلاد وجلوس مختلف الفرقاء الليبيين على طاولة الحوار وتغليب مصلحة ليبيا.