ترجمة وتحرير: نون بوست
هناك شبح يطارد العالم العربي ويلقي بظلاله الواسعة والمشؤومة على واقع السياسة العربية، ويعتبر حلوله مهددا. وتعد سوريا الجرح الذي لا زال ينزف، إذ تستمر الحرب الأهلية السورية في إزهاق الأرواح، واستمالة الجيران والحلفاء المشاركين في معاركهم بالوكالة.
تماما كما يبدو عليه الحال في الوقت الراهن، إذا أُقفلت إحدى الجبهات، فسيكون هناك دائما ما يثير الأعمال العدائية من جديد، حيث ارتبط آخرها برئيس أمريكي متقلب المزاج وطرف تركي لا يمتلك رؤية واضحة، ليتحمل الأكراد في شمال سوريا العبء الأكبر. علاوة على ذلك، مهّد الانسحاب الأمريكي المفاجئ الطريق لاندلاع حرب أخرى، في ظل تقديم بشار الأسد الدعم للأكراد، فضلا عن توفير ملاذا لتنظيم الدولة.
وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 100 ألف شخص في طريقهم إلى شماليَ سوريا، وورد أنّ حوالي 750 شخصا على الأقل ممن يشتبه في صلتهم بتنظيم الدولة فرّوا من معسكر شماليَ شرقيَ سوريا، مما يزيد فرضية تلقّي ضربة جديدة في صفوف التنظيم.
يعد الخطر السوري المزعوم مدعوما من مجموعة من الشخصيات المتشابهة في المنطقة
عندما بدأت الثورة السودانية في وقت مبكر من هذه السنة تتفاقم، وقع تسلي؛ الضوء على شبح الصراع السوري. وفي الحقيقة، لم يُجد استقبال السودان للاجئين السوريين نفعا، حيث اعتُبر العدد المتزايد، خاصة وأنّ السودان دولة اعتادت أكثر على إرسال اللاجئين من استقبالهم، بمثابة تحذير مباشر بالنسبة لها. ولسائل أن يسأل، هل هذا حقا ما تريدون؟ تم تصوير السيناريو السوري على أساس أنه لا مفر منه، وهو ما يحدث عندما يرغب الناس في الإطاحة بقادتهم، ما سيؤدي إلى تدهور الأمور.
في الحقيقة، يعد الخطر السوري المزعوم مدعوما من مجموعة من الشخصيات المتشابهة في المنطقة. وفي هذا الصدد، مزقت المعارك بين الفصائل ليبيا، كما شهدت البلاد غارات جوية شنتها القوات الأمريكية ضد المسلحين خلال الشهر الماضي، والتي يتوازى ذكرها في الكثير من الأحيان مع هتافات التهليل، على غرار “هناك فقط يمكن أن نتقدم بفضل الله” إذا واصلنا تحدي الوضع الراهن. وفي مصر، التي أصبحت بعد تراجعها خلال الربيع العربي دولة خاضعة لرقابة أمنية مشددة، أضحى من الصعب تحديد العدد الحقيقي للسجناء السياسيين.
بالتوازي في هذه البلدان الثلاثة، يبدو كأن كل يوم يجلب معه جحيما جديدا، يتمثل في اعتراض كل أولئك الذين يعتقدون أن هناك طريقة أخرى لممارسة السياسة في العالم العربي لا تتطلب تدخّل زعماء أقوياء. وعموما، تبنَى العرب هذا المنطق وتلفّظوا به في نوع من الإطراء الذاتي الاستثنائي. في المقابل، نحن بحاجة إلى قادة لإدارة مواقفنا القوية والعنيدة.
في الواقع، أُثبتت هذه السنة أن الروح الاحتجاجية في المنطقة كانت خامدة، ولم تندثر بعد. ومن جهتهم، أطاح السودانيون بعمر البشير في ثورة عظيمة مهيبة، حيث احتشدت هيئة ثورية تضم الآلاف، ضد نظام الدولة العسكري الديكتاتوري. وعلى الرغم من أن البلد يعاني بالفعل من الانقسامات العرقية والقبلية بحسب ما هو معلن عنه، إلا أنه انبثق عن هذه التصدعات مُجمَّع إجرامي شبه عسكري. وعلى الرغم من وجود تاريخ من الصراع الدموي الذي يشير إلى مزيد من التفكك في دول على غرار سوريا أو ليبيا، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لأن تزهر بذرة التغيير.
في بعض الأحيان، يتعين على المرء أن يُمعن النظر لمعرفة ما إذا كانت حشود الناس وشاشات الهاتف المحمول اللامعة موجودة في بيروت أو القاهرة أو الخرطوم.
حتى بعد ذبح المئات من الأشخاص وانقطاع الإنترنت، لا يزال المحتجون يجدون طريقهم إلى شوارع المدن السودانية. وفي الإطار نفسه، لم تتوقف حركات الاحتجاج في مصر قطّ. فإذا كان هناك ما يدلّ على أن قمع سياسة الأرض المحروقة هو حتما حلّ قصير المدى، فإن الاحتجاجات ستحدث بلا شك أخرى.
في الواقع، حدثت أولى الاحتجاجات المهمة منذ تولي قائد الجيش السابق عبد الفتاح السيسي السلطة في أيلول/ سبتمبر، إذ أنه يمكن لتغريدة أو منشور على الفيسبوك أن يتسبب لصاحبه في عقوبة بالسجن في هذا البلد، بالإضافة إلى وجود مخاطر أمنية كبيرة للغاية لدرجة أن المحتج يمكن أن يخرج من منزله واضعا في اعتباره إمكانية عدم العودة، حيث تشير التقديرات إلى أنه تم اعتقال حوالي 2000 شخص حتى الآن.
خلال الأسبوع الماضي، كانت قصة لبنان، حيث اندلعت الاحتجاجات في العديد من المدن. وفي الوقت الراهن، يوجد مشهد متكرر من الصور التي يتم عرضها عبر المدن العربية. وفي بعض الأحيان، يتعين على المرء أن يُمعن النظر لمعرفة ما إذا كانت حشود الناس وشاشات الهاتف المحمول اللامعة موجودة في بيروت أو القاهرة أو الخرطوم.
في لبنان والسودان، هناك دائما مشهد واحد يتكرر بتشابه غريب. في الحقيقة، يتوجه المتظاهرون إلى قوات الأمن والجيش والشرطة، ويلومونهم على عدم تمكنهم من عبور الخطوط للانضمام إلى رفاقهم. في المقابل، تمكن الكثيرون في السودان، من عبور هذه الخطوط، وانضموا إلى الثوار.
بدأ العرب بإدراك أن الخوف المفرط الذي قد يحدث مستقبلا من شأنه أن يخدعهم من أجل الخضوع لحاضر غير مقبول.
في شأن ذي صلة، يعد هذا الانشقاق، أو طلب تحقيق الانشقاق، من صميم عودة الاحتجاجات السياسية حيث تمحورت الثورات العربية التي نشأت قبل ثماني سنوات حول الإطاحة برموز الديكتاتورية. أما الموجة الحالية، فتتمحور حول إزالة مؤسسة بأكملها استنزفت الموارد لفترة طويلة. وعموما، ساهم أحد المتعاقدين السابقين مع الحكومة الذي كشف عن التبذير الهائل الذي قام به السيسي في اندلاع احتجاجات في مصر. أما في السودان، دفع ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقص المواد الأساسية، الطبقة الوسطى إلى حافة الهاوية بينما يتفاخر أصحاب السلطة بغنائمهم.
في السياق نفسه، دفع فرض ضريبة على مكالمات واتساب الصوتية في لبنان، أولئك الذين سئموا من سوء الإدارة الاقتصادية إلى الخروج إلى الشارع. وفي الشهر الماضي اتضح أن رئيس الوزراء سعد الحريري أهدى 16 مليون دولار من أمواله لعارضة من جنوب إفريقيا قبل ست سنوات.
في نهاية المطاف، لن تهدأ المعارضة بمجرد الإشارة إلى إخفاقات الربيع العربي. ولن يستجاب للتحذيرات من أجل التزام الهدوء والإشارة إلى أخطار اتخاذ الإجراءات. كما بدأ العرب بإدراك أن الخوف المفرط الذي قد يحدث مستقبلا من شأنه أن يخدعهم من أجل الخضوع لحاضر غير مقبول.
المصدر: الغارديان