قد يتساءل البعض لماذا لا يفرح أغلب المسلمين بانتصارات داعش في العراق؟! ويستغربون .. قد تستغرب أنت نفسك لماذا لا نستطيع أن نفرح الفرح الحقيقي بانتصارات كبيرة عظيمة للمسلمين لو نسبت لداعش وقامت بها فعلًا!!
والسبب بسيط .. فباختصار شديد .. العقلية السوداء والفكر الأسود التي حملتها داعش في جعبتها طوال تلك السنون مختصرة في مقولة واحدة مجتزأة من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بفكره الاستراتيجي السياسي وبجهاده العظيم .. ” أتيناكم بالذبح”.
وأصبحت تلك العبارة هي العقيدة السياسية الجهادية وحتى الاجتماعية لداعش أو للدولة الإسلامية في العراق والشام سببًا حقيقيًا ومباشرًا للكراهية العمياء في قلوب المسلمين المخلصين المظلومين لهؤلاء الشباب المجاهد المستنزف العواطف بسبب الظلم الشرس الذي حدث للأمة منذ الثورة العربية الكبرى.
الكل يعلم أن الجهاد حق، وأن الشباب المجاهد عندما يحمل السلاح بعنفوان الإسلام وعزته هم أسيادًا للحق، لكن الجهاد الذي لا يقوم حين يقوم على قوة الفكر ويعتمد على قوة السلاح وحده يغدو فتنة عمياء تبقي ولا تذر ويصبح الثغرة الشرسة التي ما تزال تتسع وتتسع حتى تأكل أول ما تأكل وحدة المسلمين وتهرق دمائهم في ديارهم ومجتمعاتهم لأن شابًا قال: “والله لو يجي محمد ما بعطيك خبزة”، ولأن آخر قال: “العصر .. خمس ركعات”، ولأن آخر ارتعدت فرائصة فلم يجيب على الأسئلة .. أسئلة المسابقات الإيمانية التي تودي إجاباتها إلى الجنة أو النار!! وستصبح مبررات التوحش بالقتل مستدل عليها بدليل هو كفري بحد ذاته، غير قابل للنقاش فقد أتيناكم جميعًا من المحيط الأطلسي وحتى أكناف بيت المقدس بالذبح .. والذبح يفعل أفاعيله بمنطق الأشياء ومعقوليتها !!
قوة الفكر النابعة من قوة العقل والتي تتنافى مع منهج الذبح النابع من قوة العواطف المأسورة بحالة الضيم هي الحلقة المفقودة في داعش، وهي الحلقة التي أظهرت وعي المجتمع المسلم وأثبتت مقولة الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا تجتمع اأتي على ضلالة” وهي الحلقة التي كانت لأجلها داعش مرتعًا خصبًا للاختراقات المخابراتية لزيادة حجم الظلم والضيم على الشعوب المسلمة وعلى القلوب المتفائلة بنصر الله.
نصر الله الحقيقي الذي يعني أول ما يعني أو الذي لخصه الله عز وجل في قوله تعالى “وعلم آدم الأسماء كلها” فالعلم بحقائق الأشياء النابع من قوة الفكر لا بلاهته هو أول النصر ومنتهاه!! ليس من مهمة شباب السنة أن يأتوا العالم بالذبح لينتصروا، من مهمتهم أن يجاهدوا ويحملوا السلاح ضد الظلم بلا ظلم ليرفعوه لا ليؤسسوا ظلمًا بديلاً عنه!!
نساء من الرياض يستنجدون بالبغدادي، وكلنا في الهم شرق، وكلنا محزونون، فالبلاء قد عم وطم، لكن البغدادي لو وصل إلى بيت المقدس يحررها بالمنهج الذي شاهدناه جميعًا من قبل “أبو بكر المصري” أمير داعش السابق في طرابلس مع الرجل المسن الذي أراد قتله لأنه لم يجيبه على أسئلة الإيمان وانتشر على مواقع التواصل، سيكون نصرًا حزينًا يُحق أن ترفع له الرايات السود ترفرف فوق رؤوسنا، وتنعق الغربان.
سيأتي الكثيرون ليقولوا ولكنه أخذ عقابه وفُصل، وما فُصل إلا لأنه كان أوضح من عين الشمس في رابعة الحقيقة في ذاك المرض الفكري ولوثة المنهج الذي تتعقل به داعش رؤاها ، فُصل لأن مشهده كان وقحًا سافر الوقاحة، وكأننا جميعًا كنا غافلين عن الشواهد الأخرى لداعش، التي خبأها التنظيم بالمحاكاة والمجادلة وتكذيب الشهود والتملص مما حدث بشتى الوسائل، أما قصة الرجل المسن فلعلها القشة التي ما استطاعت داعش أن تُخفيها عن العيان .. أما إن كان فصله بسبب بدايات التغيير في المنهج والطريقة فذاك حمدُ من الله لا يزال له المسلمين سُجدًا .. فما أحب إلى النفس اليوم أن يجتمع شباب الإسلام على الجهاد بحماسة الشباب وبقوة الفكر النبوي الناصع الدلالة في القلوب والعقول معًا، وما أحب المسلمين بجيش شبابي جبار يطيح بالظلم من مشارق الأرض ومغاربها ولكن بوعي مشرق كالشمس.
وعلى هذا سيتحول لقب “داعش” الذي كان لمزًا وغمزًا في قلوب الملايين إلى لقب جديد عله يكون “دعاء الله”.
فما قصد الناس بالكراهية إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام لأنهم قصدوه، ولكنها قصدت إلى عقلية سوداء في منهجها، فجعلتهم لا يرون فيها نورًا حتى لو أناروا قناديل بيت المقدس بالنصر!! فلينتبه أبنائها وأنصارها أنهم سيبقون في عيون الأمة وتاريخها أشداء نعم، ولكنهم جيش الخوارج الأشداء ما لم يلتفتوا إلى إنارة فكرهم .. تلك هي نصيحتي شهادة اكتبها لله ومن ثم للتاريخ!
والإسلام من قبل ومن بعد لا يحكمه النصر على أهميته للاسترسال بالحكم .. الإسلام يحكمه منهج العقل والتعقل الذي عليه نشأت الدنيا وقامت ولولاه لما سقا كافر شربة ماء!!