كثيرةٌ هي الكتب التي تناولت تاريخ المغرب، وأرّخت لأحداثه وعاداته وتقاليده وسلوكيات مواطنيه، بشكل يصعب معه حصرها في قائمة واحدة، ولعل المتفحص لهذه الكتب يجد أنها لا تخرج غالبًا عن كونها إما تأريخًا لأبرز الأحداث التي شهدها البلد، والتي صدرت عن مؤرخين مغاربة وأجانب، كلٌّ حسب زاويته وهدفه، وإما أنها تتطرق لعادات المغاربة وتقاليدهم.
بالإضافة إلى ذلك، نجد كتبًا دوّن فيها أدباء وصحفيون تفاصيل رحلتهم لاستكشاف المملكة أو إقامتهم فيها، ووصفوا مدنها ونمط حياة أهلها. بناءً على ذلك، سنستعرض في هذا المقال الكتب التي تتناول جوانب مختلفة من تاريخ هذا البلد، وتفاصيله السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكذا عاداته الغذائية، بعيون مغربية وأخرى عربية وأجنبية.
“تاريخ المغرب”.. نظرة شاملة على تاريخ المملكة
في هذا الكتاب، يقدم دانييل ريفيه، المؤرخ الفرنسي المتخصص في شؤون الدول المغاربية خلال الفترة الاستعمارية، موجزًا شاملًا لأبرز المحطات التي شكّلت تاريخ المغرب، بدءًا من الإمبراطورية الرومانية، مرورًا بـالفتح الإسلامي في القرن السابع، ونشأة الإمبراطوريات المغربية في القرن الحادي عشر، وصولًا إلى عهد الملك محمد السادس منذ سنة 1999.
بأسلوب بسيط وجذاب، يعرض ريفيه في تسعة فصول تطور المغرب عبر العصور، مع التركيز على الإرث الروماني والمسيحي، ومراحل تعريبه، وتعاقب الإمبراطوريات، إضافة إلى الانتفاضات والمجاعات ودور الزوايا والأضرحة في سيرورته التاريخية.
كما يتناول فترة الاستعمار وبداية نشأة الأحزاب السياسية، ودور المخزن الذي يرى المؤلف أنه ما زال متأصلًا في اللاوعي الجماعي، إذ يصوره كـ”شر لا بد منه”، وكـ”يد خفية” يتطلع الناس إلى تدخلها في مجرى الأحداث من حين إلى آخر، حيث ينعكس ذلك في الخطاب اليومي عبر الإشارة إلى “هذا الكائن الغريب الذي يوحي بالخشية والرعب ويبعث على الخضوع لكل من يمثل السلطة…”
بالتوازي مع ذلك، يرصد ريفيه التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي مر بها المغرب في كل مرحلة، وهو ما يجعل كتابه مدخلًا أساسيًا لفهم تاريخه العريق.
“المغرب عبر التاريخ”.. ثلاثة مجلدات من الأحداث البارزة
يعد المؤرخ المغربي إبراهيم حركات أحد أعمدة البحث التاريخي في المغرب، ومن خلال كتابه “المغرب عبر التاريخ“، يقدم أبرز الأحداث والتطورات السياسية والاجتماعية والعمرانية والفكرية التي شهدها المغرب منذ ما قبل الإسلام، مرورًا بالفتح الإسلامي وآثاره، وتعاقب السلالات الحاكمة، وصولًا إلى دولة العلويين التي تأسست في منتصف القرن السابع عشر.
ما يميّز هذا الكتاب، بتعبير صاحبه، أنه ليس بالوجيز المخل ولا بالطويل الممل، إذ يتكون من ثلاثة مجلدات، أولها ينتهي بنهاية دولة الموحدين وحضارتهم، والثاني يؤرخ للمغرب من دولة المرينيين إلى نهاية السعديين، والثالث يؤرخ لدولةِ العلويين منذ نشأتها.
“مجمل تاريخ المغرب”.. تنقية التاريخ من الإيديولوجيا
خلال النصف الثاني من القرن العشرين، أدرك عبد الله العروي أن معظم ما كُتب حول تاريخ المغرب جاء بأقلام مؤرخين أوروبيين، حملت مؤلفاتهم أحكامًا مسبقة واستعلائية، شوهت العديد من المفاهيم المرتبطة بهذا التاريخ، فسعى إلى تنقيته من الإيديولوجيا الاستعمارية، عبر تقديم قراءة بديلة تتجاوز الفكرة التقليدية التي ترى التاريخ مجرد سردٍ للأحداث الماضية.
في مقاربته، لا يكتفي العروي بإعادة عرض الوقائع التاريخية، بل يقدم تأويلات جديدة لما تناوله مؤرخون آخرون، مما يجعل عمله مراجعة نقدية معمقة، ليس فقط لما كُتب حول تاريخ المغرب، بل أيضًا لما كُتب حول المنطقة المغاربية برمتها.
“المغرب النباتي”.. عن العادات الغذائية للمغاربة
انطلاقا من عالم اليوم، حيث أدت الوفرة الغذائية إلى انتشار سلوكيات استهلاكية مفرطة تنتج عنها أزمات صحية خطيرة، يعود الأكاديمي والمؤرخ المغربي محمد حبيدة، في كتابه إلى ما قبل فترة استعمار المغرب، ليبرز طبيعة المجتمع المغربي وعاداته اليومية والموسمية المرتبطة بالتغذية، ويحلل التأثير العميق للاستعمار على البنيات الاجتماعية المغربية.
يشير الكاتب إلى أن المغاربة اعتمدوا عبر التاريخ على الزراعة كمصدر رئيسي لتأمين حاجياتهم الغذائية، وهو الاعتماد الذي كانت له نتائج سلبية، إذ اتسم الإنتاج الزراعي بعدم الاستقرار، لأسباب بعضها يتعلق بالوسائل والأدوات الزراعية البدائية المستعملة، وبعضها الآخر مرتبط بالاضطرابات السياسية والأمنية والنظام الضريبي الثقيل الذي كانت تفرضه السلطات المركزية على المزارعين.
ووفق الكاتب فإن المغاربة اعتمدوا حينذاك، على ثلاثة أغذية أساسية هي الخبز والكسكس واللحم، وهي الأغذية التي ما زالت تسجل حضورها في الموائد المغربية إلى اليوم، لكن بسبب تعاقب فترات الجفاف وتأثيرها على المحاصيل الزراعية في المنطقة، اضطر المغاربة إلى العودة إلى نمط اقتصادي بدائي يعتمد على القنص وجمع النباتات البرية غير السامة.
إلى جانب ذلك، يسلط حبيدة الضوء على البُعد الاجتماعي والثقافي للاستهلاك الغذائي، حيث لم يكن الطعام في المغرب مجرد حاجة بيولوجية، بل ارتبط بالعادات الاجتماعية والدينية، لذلك تحتكم المائدة المغربية، إلى اليوم، إلى تراتبية واضحة، ترتبط بالأساس بما جُهّزت لأجله، حيث يلاحظ اختلاف إعدادها بين الأيام العادية والمناسبات الكبرى وأوقات الشدة.
“من الشاي إلى الأتاي”.. تاريخ المشروب المفضل عند المغاربة
لا تكاد تخلو مائدة مغربية من مشروب الشاي، فقد انتشر في المجتمع بالطريقة ذاتها التي تنتشر بها الحقيقة، على حد وصف إسحاق ديسرائيلي في كتابه “طرائف الأدب”، فبينما كان في بداياته موضوع تشكك وتحريم من الفقهاء، فرض نفسه لاحقًا بفضل مزاياه الخاصة ومفعول الزمن الذي لا يُقاوم.
في كتابهما “من الشاي إلى أتاي”، الذي يُعد أضخم عمل يؤرخ للشاي في المغرب، يسعى المؤرخان عبد الأحد السبتي وعبد الرحمن الخصاصي إلى التوفيق بين التناول التاريخي والثقافي والأدبي لحضور هذا المشروب في المجتمع المغربي.
اهتمت المصادر التاريخية المغربية بالصعوبات التي عرفتها عملية تغلغل مشروب الشاي داخل المجتمع المغربي، والمقاومة التي لقيها من طرف الفقهاء، بينما أسهب الرحالة الأوربيون في وصف طقوسه وجلساته في المجتمع المغربي، وما يرتبط بها من عادات وتقاليد، وهو ما رأى فيه المؤلفان تكاملًا يتيح إمكانية تقديم ما يشبه تاريخًا موجزًا لهذا المشروب.
إضافةً إلى ذلك، يستعرض الكتاب الفتاوى التي عارضت شرب الشاي في بداياته، والتي سرعان ما اختفت مع انتشاره الواسع، كما يضم نصوصًا من تراث الطب، وعلم النباتات، وأدب الذواقة، التي تناولت منافعه وأضراره وفقًا للمكونات المستخدمة في تحضيره.
ولا يقتصر الكتاب على الجوانب التاريخية فقط، بل يتناول أيضًا حضور الشاي في الأدب المغربي، وخاصةً في القصيدة والأغنية، بمختلف اللغات العربية الفصحى والعامية والأمازيغية.
“أوراق مغربية”.. يوميات صحفي سعودي في المغرب
لم يكن الصحفي والباحث السعودي نواف القديمي متحمسًا كثيرًا لزيارة المغرب للمرة الأولى، لكن هذا الشعور غالبه شغف ذهني لاكتشاف تفاصيل الحالة الاجتماعية والثقافية والسياسية بعيدًا عن الصورة النمطية التي تسوقها وسائل الإعلام والكتب والدراسات، والتي، في نظره، لا تكفي لرسم مشهد دقيق للحياة في المغرب.
في كتابه، لم يكتفِ القديمي بسرد وقائع عاشها خلال زيارته، بل قدّم قراءته الخاصة للمشهد الاجتماعي والثقافي، مسلطًا الضوء على الحركات والأحزاب السياسية في المغرب، مستعرضًا تاريخها وأفكارها وعلاقتها بالسلطة.
كما نقل تفاصيل رحلاته عبر المدن المغربية، ووقائع لقاءاته مع مسؤولين مغاربة، فضلًا عن حوارات جمعته برموز التيار الإسلامي في البلد، ليختم رحلته بالقول:
“غادرت المغرب بعالمه المختلف، ورجاله المختلفين، وأسئلته المختلفة. وحركته الإسلامية المتطورة التي باتت تندفع وراء الاندماجات، فيما الحركات الإسلامية الأخرى تنقسم وتتشظى وتتقدم باتجاه مزيد من الانفتاح والمرونة والذكاء السياسي، فيما تكتفي الحركات الأخرى بتعليق تراجعها على مشجب المؤامرة والابتلاء وتمحيص الصفوف!” قبل أن يضيف: “كنت أحسب المغرب يعيش في فضائه الخاص البعيد.. وإذ به أقرب مما كنت أظن… يعيش كل قضايانا وأسئلتنا.. ويتنفس ذات الهواء المشبع بآمال كبيرة.. وهموم أكبر”.
أصوات مراكش كما التقطها إلياس كانيتي
في عام 1954، قام إلياس كانيتي، الكاتب الألماني الحائز على جائزة نوبل للآداب، برحلة إلى مدينة مراكش المغربية، وثّق تفاصيلها في هذا الكتاب، الذي يضم 14 مقالًا يصف فيها أسواق المدينة وناسها وبيوتها، إلى جانب تأملاته في طبيعة الحياة اليومية.
كتب كانيتي عن مشاهد ذبح الإبل، وتعابير وجوه الشحاذين، وحياة الصناع التقليديين والحرفيين، مسلطًا الضوء على تناقضات المدينة بعدسة مشحونة برؤية استعمارية غربية تجاه الشرق، لكنها مع ذلك التقطت تفاصيل الحياة الاجتماعية ببراعة.
“يوميات طنجة”.. بول بولز الذي عشق عروس الشمال
مثّلت مدينة طنجة المغربية قبلة للعديد من الكُتّاب العالميين، حيث زارها أدباء بارزون مثل هيرمان ملفيل ومارك توين، صموئيل بيكيت وجان جينيه وتينيسي وليامز وجون هوبكنز وغيرهم، بينما اختار بعضهم العيش فيها بشكل دائم، كما فعل الكاتب الأمريكي بول بولز.
في كتابه “يوميات طنجة”، يروي بولز تفاصيل حياته في المدينة بين عامي 1987 و1989، مستعيدًا ذكرياته منذ زيارته الأولى في ثلاثينيات القرن الماضي، قبل أن يستقر فيها نهائيًا منذ أواخر الأربعينيات حتى وفاته ودفنه في طنجة عام 1999.
يوثق بولز في يومياته أحداثه اليومية وعلاقاته وصداقاته وجولاته في أزقة المدينة، مقدّمًا صورة نابضة عن الحياة الاجتماعية في طنجة، تلك المدينة التي تُلقّب بـ””عروس الشمال”، والتي ألهمت أجيالًا من الكُتّاب والفنانين عبر الزمن.