تنقضي مساء اليوم الثلاثاء المهلة المحددة لخروج المليشيات الكردية من مناطق الشريط الحدودي السوري التركي، وكانت مباحثات تركيّة أمريكية قد توصلت إلى هذا الاتفاق الذي جاء بعد أيام من بدء أنقرة بالاشتراك مع قوات المعارضة السورية عملية عسكرية واسعة أطلقت عليها اسم “نبع السلام”، لطرد المليشيات وإنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلومترًا داخل الأراضي السورية.
ومنذ الساعات الأولى للاتفاق، توعدت أنقرة باستئناف عملياتها في حال لم تنسحب القوات الكردية من مواقعها مع انقضاء المهلة، إلى ذلك وخلال هذه الأيام انسحبت القوات الكردية من منطقة رأس العين بالكامل، في الوقت الذي خرجت أرتال للقوات الأمريكية باتجاه العراق، إضافةً إلى أن الرئيس التركي سيبحث المنطقة الآمنة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي اليوم.
انسحاب مستمر لـ”قسد”
في أول تنفيذ للاتفاق التركي الأمريكي، انسحبت المليشيات الكردية من مدينة رأس العين وهي المدينة التي كان الجيشان التركي والوطني السوري يحاولان السيطرة عليها بعملياتهما العسكرية وجرت فيها اشتباكات عنيفة، إلا أن تركيا أكدت أن “قسد” أخلت مواقعها تمامًا في المدينة، وقالت وزارة الدفاع التركية في بيان: “قافلة تضم نحو 55 عربة دخلت بداية رأس العين، ثم غادرت قافلة من 86 عربة باتجاه تل تمر”.
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كلمة له إن 800 من المقاتلين الأكراد انسحبوا من المنطقة، وأضاف أن 1300 من المليشيات في طور الانسحاب وأن بلاده تتابع الوضع عن كثب.
كما أكد الرئيس الأمريكي، في تغريدة عن وزير الدفاع مارك إسبر “أن الهدنة التي سعت إليها واشنطن في شمال شرق سوريا صامدة”، من جهته أبدى وزير الخارجية الأمريكي تفاؤله بالوضع في سوريا إلا أنه قال: “هناك معارك قليلة نسبيًا، بعض القصف المتقطع بالأسلحة الخفيفة وبعض قذائف الهاون”.
وفي ذات السياق قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن إن بلاده ستوقف عملية نبع السلام في حال تأكدها من انسحاب عناصر تنظيم ي ب ك/ بي كا كا الإرهابي من المنطقة بشكل كامل، مضيفًا أن الاتفاق التركي الأمريكي يتضمن تعليق العمليات في المرحلة الأولى، وانسحاب المليشيات من المنطقة الآمنة في المرحلة الثانية، وأشار قالن إلى مقتل جندي تركي نتيجة لـ”انتهاكات قسد لوقف إطلاق النار”.
انسحاب أمريكي إلى العراق
انسحبت قوات أمريكية إلى العراق بعد إخلاء قواعدها في سوريا، وضم الرتل المنسحب مدرعات وصل عددها إلى 100 آلية، وعبرت القوات المنسحبة إلى إقليم كردستان العراق، فيما عبرت 30 مقطورة وعربة هامر تحمل معدات، إلى جانب عربات تنقل جنود، ونشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطعًا يظهر مواطنين سوريين في المناطق الكردية وهم يرشقون الرتل الأمريكي بالحجارة تنديدًا بالتخلي عنهم كما يقولون.
أهالي قامشلو يرشقون الرتل الأمريكي المنسحب بالخضروات و الفواكه الفاسدة تعبيراً عن غضبهم و سخطهم على الأمريكيين الذين خانوا الكورد . و يذكر بأن الرتل الثاني مر اليوم صباحاً بعد أن مر الرتل الأول في منتصف الليل
Posted by القامشلي قامشلوو للجميع on Monday, October 21, 2019
وفي السياق، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، أن بلاده ستبقي على عدد محدود من جنودها في سوريا بهدف حماية المنشآت النفطية وحدود كل من الأردن و”إسرائيل”، وتوجد قوات لواشنطن في محيط حقل العمر النفطي وآبار أخرى في شرقي سوريا، وقال ترامب: “يمكن إرسال واحدة من كبرى الشركات النفطية للقيام بذلك بشكل صحيح”.
أردوغان يلتقي بوتين
بموازاة المجريات الميدانية، يزور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، روسيا، تلبيةً لدعوة من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ويبحث الرئيسان الوضع في سوريا ومستجدات عملية نبع السلام، وصرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قائلاً: “فيما يتعلق باحتمال الاتصالات بين الممثلين السوريين والأتراك في سوتشي، نحن لا نخطط لمثل هذه الاتصالات”.
من جهته صرّح أردوغان قائلاً: “سألتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي وسأتناول معه قضيتي منبج وعين العرب”، متابعًا “إذا لم نستطع التوصل لحل مع بوتين بشأن قوات نظام الأسد المنتشرة شمال سوريا، فسوف ننفذ خططنا”.
واقترح لافروف تعزيز الحوار المباشر بين تركيا وسوريا لكن وفقًا لاتفاقية أضنة، وأيد دعمه لإدراج تعديلات على الاتفاقية في حال اعتبر الطرفان الأمر ضروري، من جهته قال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو: “موسكو تأمل أن يساعد التنسيق مع تركيا والولايات المتحدة في سوريا في تعزيز الأمن والاستقرار بالمنطقة”.
وبالتزامن مع زيارة أردوغان، هبطت طائرات مروحية تابعة للقوات الجوية الروسية على أرضية مطار “الطبقة” العسكري الواقع في محافظة الرقة شمالي سوريا، الذي ضم قاعدة عسكرية أمريكية، واستقدم الجيش الروسي تعزيزات عسكرية تتضمن آليات عسكرية إلى المطار، يأتي ذلك بعد اتفاق بين قسد وقوات الأسد يسمح للأخيرة بالانتشار بمناطق سيطرة المليشيات الكردية.
منطقة آمنة بإشراف دولي
من جهتها اقترحت ألمانيا إنشاء منطقة آمنة تحت رقابة دولية بما فيها تركيا وروسيا، جاء هذا المقترح على لسان وزيرة الدفاع الألمانية آنغريت كرامب كارنباور التي قالت إن المستشارة آنجيلا ميركل وافقت على المقترح، وأشارت إلى أنها “ستطرح المقترح خلال اجتماع وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي “ناتو” في بروكسل الخميس المقبل، لافتة إلى أن هذه المبادرة تُعدّ منطقية من أجل أوروبا”.
وذكرت الوزير الألمانية أن الوضع في سوريا “أثر بشكل خطير على المصالح الأمنية لأوروبا وألمانيا”، مشيرةً إلى أن بلادها بالإضافة إلى أوروبا اتخذت موقف “المتفرج” حتى الآن إزاء الوضع هناك.
إلى ذلك، فإن حالة من الترقب والانتظار تسود جميع الأطراف، فتركيا تنتظر نهاية ساعات المهلة لتكمل عمليتها أو لتستلم المناطق وإكمال مهمة المنطقة الآمنة، فيما تنتظر قسد دخول قوات النظام إلى المناطق المتفق عليها لإنقاذ وجودها، وكل ذلك متعلق بلقاء بوتين أردوغان اليوم وما يفرزه من تفاهمات.