تسلّم الرئيس التونسي المنتخب قيس سعيد، صباح اليوم الأربعاء، مفاتيح السلطة بقصر قرطاج، من الرئيس المؤقت محمد الناصر، ليباشر بذلك مهامه رسميًا كرئيس للبلاد ليكون الرئيس السابع في تاريخ تونس بعد الاستقلال. ساكن جديد لقرطاج يأمل التونسيون أن يكون رئيسًا لكل التونسيين ويعمل على توحيدهم بدل تفرقتهم والمساهمة في رص الصفوف لما فيه فائدة البلاد.
مراسم التسلم والتسليم
مراسم تسلم السلطة بدأت من مجلس النواب باردو، حيث أدى قيس سعيد اليمين الدستورية. عقب ذلك، أدلى بخطاب تسلم السلطة داخل البرلمان، حيا فيه ثورة تونس وأثنى على شبابها وأكد حرصه على صون استقلال تونس وسيادتها، وعمله في إطار القانون وحرصه على حماية الحرية التي يتمتع بها التونسيون، كما تعهد بعدم المساس بحقوق المرأة والمضي في دعم حقوقها الاقتصادية والاجتماعية، وتطرق إلى العديد من القضايا الخارجية على رأسها القضية الفلسطينية.
إثر ذلك، توجه الرئيس التونسي الجديد إلى قصر قرطاج متبوعًا بفوج من الخيالة، أين وجد القائم بمهام رئيس الدولة محمد الناصر في استقباله، تجاذب الطرفان الحديث في مكتب مغلق، ثم خرج محمد الناصر من القصر إثر مصافحة الرئيس الجديد، ودخل سعيد على سجاد أحمر لتحية العلم على أنغام النشيد الوطني، ثم أطلقت 21 طلقة نارية في الهواء، قبل أن يتوجه إلى مقبرة الشهداء لقراءة الفاتحة على روح شهداء تونس.
ارتكز سعيد في برنامجه السياسي والانتخابي على فلسفة الحكم المحلي ولامركزية السلطة مع ديمقراطية محلية ونواب يمكن إقالتهم في أثناء ولايتهم
بتسليم السلطة إلى الرئيس الجديد قبل نهاية ولاية الناصر الوقتية المقدرة يوم 25 من أكتوبر/تشرين الأول بانقضاء الـ90 يومًا المنصوص عليها دستوريًا منذ وفاة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي في 25 من يوليو/تموز الماضي، تكون تونس قد نجحت في نقل السلطة وفق احترام كامل لأحكام الدستور.
بانتهاء هذه المراسم، أصبح سعيد يمثل أعلى هرم في السلطة، وسيحكم البلاد لولاية تمتد خمس سنوات غير قابلة للتجديد إلا مرة واحدة، وستكون له مهام وصلاحيات عدة، وسيتولى عددًا من المهام التي ضبطها دستور سنة 2014 الذي أقر نظامًا تشاركيًا يتميز بتوزيع النفوذ بين رئيسي الجمهورية والحكومة، لتحقيق التوازن والحد من هيمنة رئيس الجمهورية على السلطة.
الرئيس السابع لتونس
باستكمال هذه المراسم، أصبح قيس سعيد الرئيس السابع في تاريخ تونس المستقلة عام 1956 بعد كل من الراحل الحبيب بورقيبة ثم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وإثر ثورة 2011 كل من فؤاد المبزع والمنصف المرزوقي ثم الراحل الباجي قايد السبسي فمحمد الناصر كقائم مقام رئيس الجمهورية.
وفاز سعيد برئاسة البلاد في الانتخابات الرئاسية التي جرت قبل أسبوعين، بحصوله على الأغلبية المطلقة للأصوات المصرح بها بنسبة 72.71% أي ما يفوق 2.7 مليون صوت، مقابل حصول منافسه نبيل القروي على نسبة 27.29% من إجمالي أصوات الناخبين، وفق الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية.
وكان قيس سعيد الذي خاض الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها كمستقل، قد اختار عبارة “الشعب يريد” شعارًا لحملته الانتخابية، لتلخص تمسكه بأهداف ثورة يناير/كانون الثاني 2011، التي قامت أساسًا ضد منظومة سياسية حكمت تونس لعقود عدة وكان من نتائجها انتشار الفساد والفاسدين في البلاد.
ذاع صيت أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد بعد الثورة التونسية بمداخلاته التليفزيونية في عدد من المسائل القانونية والدستورية واعتماده على اللغة العربية الفصحى وحديثه بنبرة غير مألوفة لدى عامة الشعب التونسي.
سبق أن دعا قيس سعيد، خلال المرات القليلة التي ظهر فيها على التليفزيون التونسي الرسمي إلى ضرورة استرداد الأموال من الفاسدين ووضعها في حساب الجهات المحرومة والمهمشة، كما دعا أيضًا إلى ضرورة الاهتمام بالأخلاق في الحياة السياسية والاقتراع على الأشخاص.
يركز سعيد على ضرورة مراجعة المدونة القانونية التونسية، انطلاقًا من الدستور وكيفية ممارسة السلطة التشريعية لصلاحياتها، وكثيرًا ما يخرج ناصحًا التونسيين فيما يتعلق بالعديد من المسائل القانونية التي تثير الجدل.
يرجع فوز سعيد بالرئاسة في جزء منه، إلى عدم انتمائه إلى أي حزب سياسي فقد استطاع أن يسحب البساط بقوة من الأحزاب السياسية القديمة والجديدة
ارتكز سعيد في برنامجه السياسي والانتخابي على فلسفة الحكم المحلي ولامركزية السلطة مع ديمقراطية محلية ونواب يمكن إقالتهم في أثناء ولايتهم، وهو يرفض بشدة أي تحالف حزبي متمسكًا بمشروعه “القائم على الديمقراطية المحلية”.
وُصف سعيد بكونه مرشح النخبة المتعلمة المتمثلة خاصة في الشباب الذين توافدوا على مراكز الاقتراع لاختياره وكانوا النسبة الأعلى بين ناخبيه، ركز حملته بين المقاهي والأحياء الشعبية الفقيرة، وجاب أغلب مناطق البلاد مستقلاً سيارته الصغيرة التي تقاسم سعر بنزينها ومصاريف التنقل مع أنصاره.
توحيد التونسيين
يبدأ قيس سعيد، اليوم، رسميًا مهامه على رأس الدولة التونسية، مهام ستكون في طليعتها “توحيد التونسيين”، حيث ينص الفصل 72 من الدستور التونسي على أن “رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور”.
ويرى العديد من التونسيين أنه قادر على توحيد التونسيين ورص الصفوف بين أبناء الوطن الواحد بما فيه صالح البلاد، بعد أن اكتووا بنار سياسة التفرقة والتهميش التي تبناها رؤساء تونس قبل الثورة وبعد 2014.
ويأمل التونسيون أن يقطع قيس سعيد الذي فاز بالرئاسة – من دون أي “ماكينة” حزبية أو إعلامية، وبإمكانات محدودة – رافضًا التمويل العمومي الذي تمنحه الدولة للمرشحين، مع عادات الرؤساء السابقين لتونس الذين كانوا رؤساء لفئات معينة فقط.
احتفالات التونسيون بفوز قيس سعيد
يرجع فوز سعيد بالرئاسة في جزء منه، إلى عدم انتمائه إلى أي حزب سياسي، فقد استطاع أن يسحب البساط بقوة من الأحزاب السياسية القديمة والجديدة، بما فيها حركة النهضة أكبر حزب منظم في البلاد، معولاً على مجموعة من الشباب الذين اشتغل معهم في شقة صغيرة خلال حملته الانتخابية، وعلى سيارة قديمة جاب بها البلاد.
عدم انتمائه إلى أي حزب والاستقلالية التي يتمتع بها من شأنها أن تساعد الرئيس التونسي الجديد في وظيفته الجديدة، خاصة أن التونسيين يأملون فيه الخير الكثير، ذلك أنهم لا يريدون الرجوع إلى مربع 2014، عندما كان الرئيس رئيسًا لأقلية.
في حال تمكنه من أن يكون رئيسًا لكل التونسيين، ستكون أمام قيس سعيد الذي وصل لسدة الحكم عبر صناديق الاقتراع وإرادة الناخبين، فرصة تاريخية لاستقطاب جميع التونسيين والعمل على تقدم البلاد وتطورها نحو الأفضل.