على وقع الاتفاق التركي الروسي في سوتشي، الذي وقعه الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، ووصفاه بـ”الاتفاق التاريخي”، وبعد عملية “نبع السلام” التي توقفت نتيجة للاتفاقات التركية مع موسكو وواشنطن، وانسحاب الأخيرة من منطقة شرق الفرات ودخول قوات من نظام الأسد إلى بعض المدن والبلدات كمنبج وعين العرب “كوباني”، يبقى الخوف محيطًا بأهالي تلك المدن والقرى التي كانت ضحية البازارات السياسية والعمليات العسكرية التي لم تهدأ طيلة الفترة الماضية.
ففي بداية الانتفاضة السورية عام 2011، التحق أبناء هذه المنطقة بمظاهرات الثورة وتشاركوا مع السوريين حلم الحرية كما تشاركوا آلام القمع المنهجي من النظام، لتنتقل إدارة بعض هذه المناطق إلى إدارة أحزاب كردية، وأخرى للمعارضة السورية المسلحة، قبل ان يتفشّ “داعش” ويسيطر على أجزاء شاسعة منها ويكون سببًا في تدميرها ومسح أجزاء كاملة منها من الخريطة.
بعد أفول التنظيم وزوال حكمه، سيطرت المليشيات الكردية تحت مظلة “قوات سوريا الديمقراطية” المعروفة بـ”قسد” والتي تسلمت راية قتاله، على إدارة تلك المناطق برعاية أمريكية مطلقة ومباركة دول كثيرة كالسعودية والإمارات، ومارست تلك المليشيات انتهاكات كثيرة كالاعتقالات وفرض التجنيد الإجباري والتغيير الديمغرافي، عقب تهجيرها الممنهج لأهالي المنطقة العرب لتحقيق مشروع “روج آفا” وإنشاء دولة غرب كردستان.
تلك الأحوال وتبدلها، دفع ضريبتها الشعب الذي ما زال يعاني، وتزيد معاناته الاتفاقات التي تجري ولا تأخذ بالحسبان مخاوف المواطنين الذي يريدون حياةً آمنة دون قصف أو اعتقال أو تهجير جديد يفرضه أي طرف من الأطراف.
اتفاق تاريخي وروسيا تدخل إلى مناطق جديدة
بعد ساعات من المباحثات خرج الرئيسان بوتين وأردوغان بملامح خطة مرحلة جديدة يبدو أنها قد تطول على المنطقة، وربما تكون مسودّة الحل الأخير كما تراه أنقرة وموسكو، فبعد مد الخرائط على الطاولة خرج أردوغان ليعلن التوصل إلى “اتفاق تاريخي” بشأن سوريا مع نظيره الروسي، فيما قال بوتين إن محادثاته مع أردوغان أسفرت عن قرارات مهمة جدًا بالنسبة لسوريا.
وجها لوجه .. أردوغان يضع خرائط على الطاولة أثناء لقائه مع بوتين
قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال لقائه نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، إن الوضع في سوريا صعب والجميع يرى ويدرك ذلك.
للمزيد: https://t.co/tQHYwWYYay#شاهد #اسأل_أكثر #أخبار #أردوغان #بوتين #فيديو#RT_Arabic pic.twitter.com/2C5GiWJXWj— RT Arabic (@RTarabic) October 23, 2019
يشمل الاتفاق دخول قوات روسية وقوات من نظام الأسد لمناطق شرق الفرات بغية تسهيل خروج عناصر “الوحدات الكردية”، وينص البند على “اعتبارًا من الساعة الـ12:00 ظهرًا يوم 23 من تشرين الأول/ أكتوبر 2019، ستدخل الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري إلى الجانب السوري من الحدود السورية التركية، خارج منطقة عملية نبع السلام، بغية تسهيل إخراج عناصر الوحدات وأسلحتهم حتى عمق 30 كيلومترًا من الحدود السورية التركية، على أن يتم الانتهاء من ذلك خلال 150 ساعة”.
وبهذا سيبدأ تسيير دوريات تركية وروسية مشتركة غرب وشرق منطقة عملية “نبع السلام” بعمق عشرة كيلومترات، باستثناء مدينة القامشلي، فيما ستبقى المدن التي دخلها الجيش التركي خلال المعارك كمدينة تل أبيض ورأس العين تحت سيطرته، وبالموازاة سيتم إخراج المليشيات الكردية من مدينتي تل رفعت ومنبج دون الإشارة إلى من سيستلم إدارتها.
وبالفعل بدأ تنفيذ الاتفاق، فقد وصلت عناصر من الشرطة العسكرية الروسية إلى مدينة عين العرب “كوباني”، وقالت الشرطة الروسية إنها ستبدأ بدوريات في عين العرب على الشريط الحدودي مع تركيا، وبالتعاون مع قوات حرس الحدود السورية التابعة لقوات الأسد.
تخوف من استلام الأسد للمناطق
في الآونة الأخيرة وعلى إثر اتفاق “قسد” مع قوات نظام الأسد على دخول الأخيرة لمناطقها ردًا على عملية تركيا العسكرية في مناطق سيطرتها، تخوف أهالي العديد من المناطق من دخول قوات النظام إليها، معتبرين أن وجود المليشيات الكردية “أكثر رحمةً من وجود قوات الاسد”، كما قال الناشط السوري حذيفة محمد في حديثه لـ”نون بوست”، معتبرًا أن “أهل أي منطقة سيدخل النظام إليها سيخرجون منها هربًا من البطش الذي سيعانون منه”.
انطلقت مظاهرات في مدن عديدة من منطقة شرق الفرات رافضةً دخول قوات الأسد إليها، وخرجت المظاهرات في مناطق غير مشمولة بخريطة المنطقة الآمنة كمدن دير الزور الواقعة تحت سيطرة “قسد”، إلا أن هذه المناطق تتخوف من أي تحرك من إيران وروسيا ونظام الأسد تجاهها، وقال الصحفي السوري أمجد الساري لـ”نون بوست”: “هذه المظاهرات طالبت التحالف الدولي بعدم السماح لنظام الأسد بدخول مناطقهم شرقي الفرات”، موضحًا أن المظاهرات “ليست جديدة وإنما مستمرة للمطالبة بخروج النظام من قرى تقع تحت سيطرة النظام تخوفًا من أعمال عسكرية للنظام باتجاه المناطق الأخرى”.
وفي ذات السياق ورفضًا لأي حل يفضي لدخول قوات الأسد إليها، نفذ أهالي مدينة منبج إضرابًا عامًا، شمل أسواق وشوارع المدينة الواقعة بريف حلب، احتجاجًا على أي اتفاق يفضي إلى تسليم المدينة للنظام السوريّ، وذكر الناشط حذيفة محمد أن أي مدينة “تنتمي إلى الثورة فمن الطبيعي أن تتخوف من قدوم النظام إليها”، مضيفًا أن مدن مثل منبج “تضم الكثير من المطلوبين للنظام السوري ومصيرهم في حال دخول النظام إما الاعتقال أو الزج بهم في صفوف قواته”.
إلا أن قوات “قسد”، شنت حملة اعتقالات طالت العشرات من المدنيين من أبناء مدينة منبج بريف حلب الشرقي، على خلفية الإضراب الذي نفذوه، كما شهدت مدينة جرابلس بريف حلب مظاهرة لنازحي مدينة منبج، احتجاجًا على دخول قوات النظام السوري إلى مدينتهم رافعين لافتات كتب عليها “الأسد وقسد وجهان لعملة واحدة”.
يعلم السوريون تمام العلم، أن المناطق التي يدخلها نظام الأسد وروسيا، مهيأة لكثير من الانتهاكات التي خبروها وعايشوها على مدار السنوات السابقة من قتل وتدمير واعتقال وسوق للشباب إلى التجنيد، إلى فرض الرقابة الأمنية على الأهالي، خاصة أن بعض تلك المناطق حواضن للثورة الشعبية التي انتفضت ضد حكم الأسد.