ترجمة وتحرير: نون بوست
وفقا لما أكدته السفارة الروسية في بيروت، لا تقوض الاحتجاجات في لبنان مصالح الشركات الروسية، ولا حياة المواطنين الروس في هذه الجمهورية العربية. وتجدر الإشارة إلى أن المظاهرات اللبنانية لا تعتبر ذات طبيعة تصادمية، مما يعني أن المدن آمنة. وبحسب الخبراء، من المتوقع أن تكون هذه الاحتجاجات طويلة الأمد، لتصبح نسخة عن “السترات الصفراء”. ومع ذلك، ليس من المتوقع أن تستقيل الحكومة، استجابة لمطالب الشارع اللبناني، المستمرة منذ خمسة أيام. في المقابل، من المرجح أن يقدم مجلس الوزراء بعض التنازلات.
الشعبوية المتأخرة
يوم الاثنين، انتهت مهلة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، التي حُدَدت بثلاث أيام. وفي يوم الأحد، أعلن السياسي اللبناني عن عزمه القيام بإجراءات إصلاحية من أجل حل الأزمة في البلاد. والمثير للاهتمام أن المطلب الأكثر شعبية لدى اللبنانيين يتمثل في تخفيض رواتب الوزراء والنواب والرؤساء، بمن فيهم السابقون بنسبة 50 بالمائة. كما ينادي اللبنانيون بخصخصة قطاع الاتصالات. وفي مساء يوم 21 تشرين الأول/ أكتوبر، وافق مجلس الوزراء على اقتراح رئيس الوزراء، كما تمت المصادقة على مشروع ميزانية جديدة لسنة 2020. وعلى الرغم من كل ما ذكر آنفا، يعتبر قادة الحركات الاحتجاجية أن “هذه التدابير غير كافية”.
رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري.
على العموم، لا تزال الاحتجاجات سلميَة، ولا تهدد المواطنين الروس في لبنان. وبناء على ذلك، لا حاجة للحديث عن أية تهديدات للشركات الروسية في لبنان. وتؤكد البعثة الدبلوماسية الروسية أن اللبنانيين يطالبون بإصلاحات اقتصادية واجتماعية داخلية، إلا أنهم في الوقت نفسه يعاملون الروس بشكل جيد. علاوة على ذلك، لا تتمتع الاحتجاجات إلى الآن، بأي طابع تصادمي. والمثير للاهتمام أنه لا أحد يعلم كيفية تطوَر الأحداث في لبنان. وفي كل الحالات، وفقا لما تؤكده السفارة، ستظل العلاقات الروسية اللبنانية دائما ودية.
في الواقع، يتمثل مصدر الإزعاج الأكثر أهمية في الاحتجاجات اللبنانية، في إغلاق العديد من الطرق، مما يجعل من الصعب التنقل في جميع أنحاء البلاد وحتى داخل المدن. وفيما يتعلق بالتدابير الأمنية التي على السفارة اتخاذها في خضم الاحتجاجات، تؤكد البعثة الدبلوماسية الروسية “نحن نفعل ما نحتاجه وبما يتناسب مع ظروف البلاد”.
على الرغم من التصريحات حول الطبيعة السلمية للمظاهرات اللبنانية، إلا أنه وقع تبادل لإطلاق النار في بيروت، يوم الخميس. ولحسن الحظ، لا يوجد قتلى. في المقابل، بلغ العدد الإجمالي للمصابين خلال مناوشات مع قوات الشرطة، تجاوز 150 شخص. وفي هذه الأثناء، دعت حكومات العديد من الدول، على غرار البحرين والمملكة العربية السعودية، مواطنيها للامتناع عن السفر إلى لبنان المضطرب أو مغادرة أراضيه بالنسبة للمتواجدين هناك.
تتركز اهتمامات روسيا في هذه الدولة العربية بشكل أساسي في قطاع الطاقة، حيث تم العثور على احتياطيات كبيرة من الغاز على الجرف القاري اللبناني. وعلى سبيل الذكر، وقعت نوفاتيك، في شباط/ فبراير سنة 2018، اتفاقية لاستكشاف وإنتاج الهيدروكربونات في الجرف القاري اللبناني (إلى جانب إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية، تمتلك كل شركة حصة 40 بالمئة في المشروع، أما نوفاتيك، تملك 20 بالمائة من هذه الحصة).
علاوة على ذلك، تتعاون شركة روسنفت مع لبنان، حيث تلقت الشركة محطة تخزين للمنتجات النفطية في ميناء طرابلس الواقع في شماليَ الجمهورية لإدارة العمل. وفي الحقيقة، تحظى هذه المحطة بأهمية استراتيجية، إذ كانت في السابق نقطة النهاية لخط الأنابيب الذي ينقل النفط من العراق إلى المصافي في ضواحي طرابلس في دير عمار.
من جهتها، تتعاون موسكو وبيروت في صناعة الأسلحة. وفي آذار/ مارس، قال مبعوث الرئيس الروسي الخاص للشرق الأوسط ودول أفريقيا، ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، إن روسيا ستقدم للبنان مساعدة عسكرية مجانية “للمساعدة في تعزيز القدرات العسكرية للجيش اللبناني”. وعموما، ليس لهذه المبادرة أي مبرر، نظرا لأن القدرات المالية للبنان محدودة، علما وأن الوضع يزداد سوءا، في ظل وجود أكثر من 1.5 مليون لاجئ سوري.
الاحتجاج المزمن
يوم الأربعاء الماضي، وبالتحديد 16 تشرين الأول/ أكتوبر، صادق مجلس الوزراء اللبناني على فرض ضريبة على مكالمات الواتساب (30 سنتا يوميا وستة دولارات شهريا)، إلى جانب فرض ضرائب على منتجات التبغ (1.3 دولار للسجائر المستوردة و0.5 دولار للسجائر المحلية).
نتيجة لذلك، خرج اللبنانيون الغاضبون يوم الخميس 17 تشرين الأول/ أكتوبر، من قرارات الحكومة، إلى الشوارع وأغلقوا الطرقات السريعة الرئيسية في البلاد، التي تربط العاصمة بيروت بالمطار ودمشق. واستخدمت قوات الشرطة خراطيم المياه والرصاص المطاطي ضد المتظاهرين. ولكن، تراجعت الحكومة بشكل عاجل، وليلة الخميس، أعلن وزير الاتصالات محمد شقير، إلغاء الضريبة على مكالمات الواتساب. في المقابل، لم تقدم الحكومة أية تصريحات بشأن رسوم التبغ.
يوم 17 تشرين الأول/ أكتوبر، خرج اللبنانيون من جديد إلى الشوارع، نظرا لأن احتجاج اللبنانيين ليس من أجل ضرائب الواتساب والتبغ، وإنما تجاه سياسة الحكومة الاقتصادية. كنتبجة لذلك، يعد الشعب اللبناني غير راض عن الطبقة الحاكمة في لبنان.
على الرغم من ذلك، واصل المواطنون اللبنانيون المظاهرات. وفي يوم الجمعة، بلغ عدد المتظاهرين مليون شخص (أكثر من 20 بالمئة من سكان البلاد). وفي هذه الأثناء، اتفقت المؤسسة السياسية اللبنانية على إدانة الاحتجاجات. من جهته، انتقد الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله مطالب الشعب اللبناني وعدم رضاه عن الحكومة، قائلا إن “الحكومة الجديدة لم يكن لديها الوقت الكافي لتصحيح الوضع الاقتصادي”. أما وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، فلم يستبعد وقوف قوات أجنبية وراء هذه المظاهرات الشعبية.
في المقابل، يوضح الخبير ورئيس مركز دراسات الشرق الأدنى والشرق الأوسط، فلاديمير فيتين، أنه من غير المرجح أن يستفيد أي لاعب من اللاعبين الإقليميين من إضعاف لبنان. لذلك، فإن فرضية التدخل الأجنبي في الاحتجاجات اللبنانية غير ممكنة. وفي الحقيقة، كان لحزب الله المدعوم من قبل إيران، تأثير قوي للغاية في لبنان. والجدير بالذكر أن الوحدات العسكرية التابعة لحزب الله أقوى وأكثر عددا من تلك التي يملكها الجيش اللبناني الرسمي. وعلى هذا الأساس، يعد حزب الله قادر على إيقاف الاحتجاجات بالقوة، إذا رغب بذلك. وفي هذا السياق، أشار الخبير الروسي إلى فرضية تكرار الحرب الأهلية غير مستبعدة. وفي هذا الصدد، كان هناك صراع داخلي في لبنان، بداية من سنة 1975 حتى سنة 1990، نتيجة التناقضات الدينية والمواجهة بين منظمة التحرير الفلسطينية و”إسرائيل”.
لا علاقة للسوريين بالمظاهرات
هرع بعض السياسيين اللبنانيين، لتعليق الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلاد على شماعة الكم الهائل من اللاجئين السوريين في لبنان. ووفقا لما أكده المحلل السياسي أليكسي سارابيف، لا يلعب اللاجؤين السوريين دورا مهما في تعميق الأزمة بالبلاد، كما لا يمكن اعتبارهم السبب الجذري للأزمة الاقتصادية في لبنان.
على عكس تصريحات السياسيين اللبنانيين، يؤكد المحلل السياسي أن عدد اللاجئين السوريين في لبنان أقل بكثير من العدد الذي يتم تداوله. علاوة على ذلك، يتواجد اللاجئين السوريين، في المناطق التي لا تلعب دورا مهما في البنية التحتية للبلاد، في منطقة وادي البقاع، شمال لبنان. كما أنهم لا يمثلون منافسة جادة في سوق الشغل.
في السياق نفسه، يوضح أليكسي سارابييف أنه “من غير المتوقع أن تنهار أو تستقيل الحكومة الحالية، خاصة وأن المتظاهرين غير منظمين للغاية، بل حتى أن الكثيرين منهم موالون أو تابعون للأنظمة التي يريدون إسقاطها”. كما أعرب الخبير الروسي عن أمله في أن تظل المسيرات سلمية. وأضاف سارابييف موضحا “إذا تمت مقارنة المظاهرات اللبنانية بحركة أصحاب السترات الصفراء في فرنسا، فإن ذلك يعني أنه سيطول أمدها مع ظهور بعض أعمال العنف. لكن، من الممكن تجنب سفك الدماء، الذي تشهده أجزاء أخرى من العالم العربي في مثل هذه الظروف”.
وعلى العموم، يعتبر لبنان أكثر دول الشرق الأوسط تنوعا من الناحية العرقية. كما أنه البلد الوحيد في العالم الذي حدد الاختلافات الدينية في الدستور، منذ سنة 1943. وعلى سبيل المثال، يمكن للمسيحي الماروني فقط أن يصبح رئيسا للبلاد، في حين يكون من حق المسلم السني اعتلاء منصب رئاسة الوزراء، ومن حق المسلم الشيعي رئيس مجلس النواب.
المصدر: إيزفيستيا