ترجمة وتحرير: نون بوست
أصبحت التحولات المتكررة سمة شائعة في المهن المعاصرة، حيث أن بعض هذه الخطوات تعتبر خطوات وظيفية تقليدية، مثل الارتقاء في الوظيفة أو الانتقال إلى شركة أخرى. بالإضافة إلى ذلك، هناك تحولات جذرية أخرى تعيد توجيه أو اختراع مسارنا الوظيفي بالكامل وتدفعنا إلى التفكير في تغيير خط عملنا أو الانتقال إلى بلد جديد. وعلى الرغم من أن هذه التحوّلات قد تكون مثيرة، إلا أنها قد تكون مرهقة خاصة بالنسبة للزوجين اللذان يعملان في مجالين مختلفين.
على سبيل المثال، يمكن أخذ قصة إنديرا ونيك (زوجان حقيقيان غيّرت اسميهما) اللذين توصلا إلى إنجاح مسار حياتهما في ظل 17 عاما من العمل سوية في مهنتين بغض النظر عن إنجابهم لثلاثة أطفال. آنذاك، عندما بلغت إنديرا 40 سنة، بدأت تشعر بالضجر في عملها في مجال الاتصالات المؤسسية، على الرغم من أن الزوجين تمكنا من التعامل مع الترقيات ونقل مقر إقامتهما سابقا. في المقابل، لم يحدثا تغييرا بحجم إعادة تغيير المسار المهني بالكامل، الأمر الذي كانت ترجوه إنديرا.
أرادت إنديرا أن تعمل لنفسها وسرعان ما تحوّلت لهفتها لإدارة المشاريع إلى التشكيك في هويتها وخيارات حياتها، الأمر الذي أثر على العلاقات بين الزوجين. وفي هذا الإطار، أخبر نيك الكاتبة أن “كل شيء كان غير واضح، حيث لم يكن واثقا في البداية من كيفية دعم إنديرا حتّى أنه شعر بالتهديد. ففي حال شككت بحياتها المهنية، فهل ستكون علاقتنا هي التالية؟”
الأزواج الناجحون يطوّرون “قاعدة آمنة” متبادلة
يعتبر نيك وانديرا من بين 113 زوجا كنت أعمل على قضيتهم طيلة الخمس سنوات الماضية، حيث كان سؤالي المطروح طوال هذه الدراسة “كيف ينجح الأزواج العاملون في تسيير الأمور؟” وكانت الإجابة على هذا السؤال تتمثّل في أن الأزواج الذين غيّروا وظائفهم سوية طوّروا قاعدة آمنة متبادلة يكون فيها كل طرف ملاذ الآخر ومصدر دعمه في لحظات الصراع إلى جانب دعم طموح الشريك في خوض المجازفات واستكشاف اتجاهات جديدة.
لا تُعتبر كل قصص الأزواج شبيهة بقصة نيك وإنديرا، فقد صادفتُ العديد من قصص الأزواج الذين يقدمون لبعضهم البعض الكثير من الدعم العملي
لا يعدَ تطوير قاعدة آمنة متبادلة بالأمر السهل، حيث تميل مرحلة الانتقال الصعبة إلى الحصول على مزيج من التعاطف والاهتمام من شركائنا، لحمايتنا من الشك والخوف من الفشل والأزمات والتألم. وفي الواقع، وجدت أن ذلك يمكن أن يدفع في الكثير من الأحيان أحد الطرفين لرعاية الآخر بطرق مفهومة ولكن بأساليب مختلّة، لأنهم غالبا ما يشعرون برغبة ملحّة في إبقاء الشريك قريبا منهم مما يشعرهم بالارتياح ويثبط شكوكهم.
من جهة أخرى، يمكن أن ينتهي الأمر بالشريك الآخر إلى الشعور بتضييق الخناق عليه نظرا لأن الطرف المقابل يحول دون قدرته على مواجهة مجموعة من العواطف التي تأتي مع هذه التحولات. في الواقع، يعد وجود قاعدة آمنة أمرا حيويا في أوقات الانتقال باعتبار أن معظمنا لا يستطيع الإجابة عن الأسئلة الصعبة أثناء البقاء في منطقة الراحة الخاصة به. بدلاً من ذلك، ينبغي علينا الخروج إلى العالم وتجربة خيارات مختلفة. ففي البداية، ينبغي عليك أولا تهدئة قلق شريكك والاعتراف بمجهوداته ومشاركتهم عواطفهم ومخاوفهم وشكوكهم. ثانيا، ينبغي تشجيعهم على استكشاف عوالم جديدة والتواصل مع أشخاص جدد والخروج إلى العالم.
في الحقيقة، صرحت إنديرا قائلة: “أنا ممتنة إلى الأبد لتلك الفترة عندما كان شريكي يمنحني الوقت الذي أحتاجه، ولم يقف مكتوف الأيدي عندما كنت أشعر بالأسى على نفسي، بل دفعني للنظر في خيارات مختلفة والتفكير مليا فيما كنت أريده”. وعندما حان دور نيك، قدّمت له إنديرا الدعم نفسه وساعدته خلال فترة الشك التي كان يمر بها.
على الرغم من أن الأمر يتطلب بعض الجهد لتعزيز العلاقة المتبادلة الآمنة، إلا أن الأمر يستحق العناء
في الواقع، لا تُعتبر كل قصص الأزواج شبيهة بقصة نيك وإنديرا، فقد صادفتُ العديد من قصص الأزواج الذين يقدمون لبعضهم البعض الكثير من الدعم العملي. في المقابل، عندما يصلون إلى مرحلة الانتقال، يصبح الدعم العملي في المجال النفسي غير متوفّر. كنتيجة لذلك، تصبح هناك مسافة بين الشريكين، وأحيانا يتولى طرف واحد مهمة إنشاء قاعدة آمنة.
وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن الأمر يتطلب بعض الجهد لتعزيز العلاقة المتبادلة الآمنة، إلا أن الأمر يستحق العناء. ووفقا لبحث الكاتبة، يعد هذا النوع من العلاقات الداعم بشكل أفضل لتقدّم الزوجين العاملين وإنجازاتهما على المدى الطويل. وفيما يلي ثلاثة إجراءات يُمكنك اتخاذها لتحقيق ذلك.
1. تشجيع الاستكشاف
ينبغي عليك تشجيع الشريك على استكشاف البدائل الوظيفية وتجربة مسارات مختلفة، حتى لو كنت تشعر بالتهديد. في المقابل، لا تلتزم الصمت بغية تقليص التهديد. علاوة على ذلك، سيكون من المفيد الاهتمام بأزمات الشريك والاستماع إلى أفكارهم والتحدث معهم عن معضلاتهم، ومن السهل القيام بذلك إذا كنت تقرّ بشعورك أثناء فترة الانتقال. وخلال فترة الانتقال، من المهم عدم خنق الشريك بالتعاطف وبدلا من ذلك توفير منفذ آمن ومن ثم دفعهم برفق مرة أخرى إلى وضع الاستكشاف. قد يبدو الأمر صعبا، لكن لا ينبغي السماح للشريك بالانعزال لفترة طويلة.
2. تجنّب التدخّل
هناك خط رفيع بين الاهتمام الفعلي باستكشاف شريكك والتدخّل. لذلك، يتمثّل أفضل دعم يمكن تقديمه في السماح لهم بمعرفة طريقهم من خلال الاستكشاف. لذلك، ينبغي عليك مقاومة الرغبة في التحقق مما إذا كان الشريك أجرى اتصالاته الرئيسية أو قرأ كتابا رائعا. وعلى نحو مماثل، امتنع عن تقديم الإرشادات.
غالبا ما يتوق الناس خلال فترة الانتقال إلى وجود شخص يستمع إليهم عوضا عن إخبارهم بما يجب عليهم فعله. وعلى الرغم من أن استكشافات شريكك ستجعلك تشعر بالقلق، إلا أن الضغط عليهم لاكتشاف الأمور في أسرع وقت ممكن لن يساعد في هذه العملية، حيث تحتاج التحوّلات إلى الوقت.
3. تقديم الدعم العاطفي
في الحقيقة، تعد التحوّلات مجهدة، فأحيانا تكون الاحتمالات مثيرة وأحيانا أخرى تكون منعدمة الوضوح ومحبطة. وعند مرور الشريك بهذه الحالة، فإن أفضل مساعدة يمكنك تقديمها تتمثل في الاستماع إلى شكاوى شريكك وتقبّل مشاعره المتألمة، خاصة وأن القليل من الاهتمام من شأنه أن يساعد على قطع أشواط طويلة من هذه الفترة.
من خلال بحثي، لا يجعل وجود علاقة قائمة على قاعدة آمنة متبادلة الحياة أكثر استقامة للأزواج، ولكنّه يجعلها أكثر تحديّا
بالإضافة إلى ذلك، لا يجعل وجود علاقة القاعدة الآمنة المتبادلة الانتقال خاليا من المشاكل. ومع ذلك، توفر هذه القاعدة لكل شريك الشروط اللازمة للقيام بما يجب من الاستكشاف والتجربة والتفكير حتى يتمكنوا من اكتشاف طريق جديد. ويُذكر أن الأزواج الذين يحظون بعلاقة قائمة على قاعدة آمنة متبادلة يجتازون هذا الدور النفسي الصعب سويا، مما يمنحهم فهمًا كاملا لما يحتاج إليه الطرف الآخر وأفضل ما يمكن تقديمه.
من خلال بحثي، لا يجعل وجود علاقة قائمة على قاعدة آمنة متبادلة الحياة أكثر استقامة للأزواج، ولكنّه يجعلها أكثر تحديّا. فضلا عن ذلك، من المرجح أن يحمل وجود قاعدة آمنة العديد من المخاطر ويخضعنا لتجربة أشياء جديدة ومعاناة المزيد من التحولات. وعلى الرغم من أن ذلك قد لا يصنع ذلك حياة هادئة، إلا أنه يجعلها أكثر إثارة للاهتمام.
المصدر: فاست كومباني