في منتصف ميدان الاتحاد بمدينة نيويورك، وقفت الباحثة جينا كينجسلي لإجراء واحدة من تجاربها الاجتماعية، كانت تقدم للناس مفاجأة، وتعرض عليهم جهازًا لوحيًا مجانيًا من شركة “أبل”، الشرط الوحيد للمشاركة هو التوقيع على بضعة صفحات تتضمن الشروط والأحكام الخاصة بالمسابقة.
المشكلة أن هذه الشروط شملت شروطًا غريبة لكنها سهلة جدًا، من بينها التبرع بالملابس التي يرتديها الشخص المشارك في الحال أو التنازل عن إحدى كليتيه أو في بعض الحالات تبني طفل أو طفلة صغيرة حالاً، وللمفارقة فإن واحدة فقط من بين من قابلتهم جينا رفضت التوقيع، ليس لملاحظتها بندًا لا توافق عليه، بل لأنها لا تمتلك الوقت لقراءتها، أمَّا البقية فوقَّعوا دون تردد.
قد يبدو هذا ساذجًا بعض الشيء لكن حال هؤلاء لا يختلف كثيرًا عن مئات الملايين من مستخدمي الإنترنت الذين يوافقون مسبقًا على عشرات الشروط والأحكام الخاصة ببرامج ومواقع وتطبيقات مختلفة دون إدراك العواقب أو الفوائد التي تحويها، فلماذا يوافق معظم الناس على الشروط دون قراءتها؟ وما طبيعة هذه الشروط والأحكام؟ وهل هناك أي قيمة في قراءة كل هذا؟
هل توافق على الشروط والأحكام؟
الجميع يفعل ذلك تقريبًا، فنحن نقوم بتحديث نظام التشغيل على هواتفنا المحمولة أو نقوم بتثبيت أحد التطبيقات، ونتصفح بتكاسل سياسة الخصوصية بعفوية، ونمرر سريعًا شروط وأحكام بعض العقود المهمة نسبيًا والملزمة قانونًا أو لا نهتم بقراءتها على الإطلاق قبل النقر بشكل أعمى على “أوافق”، ناهيك عن أننا نسلم معلوماتنا الشخصية الحساسة لأي جهة تطلبها بكل سهولة.
وجدت دراسة أجرتها شركة ديلويت (Deloitte)، وهي أكبر شركة خدمات مهنية في العالم، على 2000 مستهلك أمريكي أن 91% منهم يوافقون طواعيةً على الشروط والأحكام القانونية دون قراءتها قبل تثبيت التطبيقات، وتسجيل الدخول إلى نقاط الاتصال، وقبول التحديثات، والتسجيل في الخدمات عبر الإنترنت مثل بث الفيديو، وفي الفئة العمرية من 18 إلى 34 عامًا، تصل نسبة قبول الشروط والأحكام دون قراءتها إلى 97%.
يبدو الرقم أعلى من ذلك في تجارب أخرى، ففي عام 2020، طلب موقع مجموعة الخصوصية الرقمية “برو بريفاسي” (ProPrivacy) من مستخدمي الإنترنت المشاركة في استطلاع كجزء من دراسة بحثية للسوق مقابل مكافأة قدرها دولار واحد.
طلب الاستطلاع من المشاركين الموافقة على الشروط والأحكام، ثم تتبع عدد المستخدمين الذين نقروا عليها لقراءتها. أولئك الذين نقروا واجهوا اتفاقية مستخدم طويلة من آلاف الكلمات.
كانت هذه الاتفاقية تتضمن بين السطور بنودًا خطيرة، مثل البند الذي يمنح والدتك الإذن بمراجعة سجل تصفح الإنترنت الخاص بك، والآخر الذي يسلم حقوق التسمية لطفلك البكر.
من بين 100 شخص، نقر 19 شخصًا على صفحة الشروط والأحكام، لكن شخصًا واحدًا فقط قرأها جيدًا بما يكفي ليدرك أنه سيوافق على منح الطائرات بدون طيار حق الوصول إلى المجال الجوي فوق منزله.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها الباحثون الخداع لتوضيح حقيقة مفادها أن لا أحد أو أن عددًا قليلاً من الأشخاص يقرأون العقود عبر الإنترنت وشروط الخدمة واتفاقيات الترخيص وسياسات الخصوصية والاتفاقيات الأخرى التي تظهر بانتظام على شاشاتهم.
في عام 2016، طلب اثنان من أساتذة الاتصالات – جوناثان أوبار من جامعة يورك في تورنتو بكندا وآن أولدورف هيرش من جامعة كونيتيكت الأمريكية – من طلاب الجامعات الانضمام إلى خدمة تواصل اجتماعي وهمية “نيم دروب” (NameDrop) والموافقة على شروطها لتقييم مدى تجاهل الأفراد لسياسات الخصوصية وشروط الاستخدام.
كشفت النتائج أن غالبية الطلاب تخطوا سياسات الخصوصية، واختاروا خيار “الانضمام السريع” ليصبحوا أعضاء في الشبكة الاجتماعية الجديدة غير الموجودة أصلاً، لكن وفقًا لبعض الفقرات المدرجة في الاتفاقية، فقد وافقوا على الوصول إلى هذه الخدمة مقابل التنازل عن طفل بكر في المستقبل ومشاركة البيانات مع وكالة الأمن القومي وأصحاب العمل.
ومع ذلك، لم يهتم سوى ربع الطلاب البالغ عددهم 543 طالبًا بالنظر إلى التفاصيل الدقيقة، وفي المتوسط، قضى هؤلاء المنضمون الأكثر حرصًا حوالي دقيقة واحدة للنظر إلى آلاف الكلمات التي تشكل اتفاقيات الخصوصية والخدمة الخاصة بـ”نيم دروب”، وبعد ذلك وافق 98% من المشاركين على هذه الشروط والأحكام الخيالية.
قد يكون عدد الأشخاص الذين يقرؤون الشروط والأحكام بالفعل أقل من ذلك، حيث وجدت دراسة أخرى أن 0.1% فقط من المتسوقين وصلوا إلى اتفاقية ترخيص المستخدم النهائي، ومعظمهم قرأوا جزءًا صغيرًا فقط.
“أكبر كذبة على الإنترنت”
تكافئ بعض الشركات العملاء الذين يقومون بفحص وقراءة التفاصيل الصغيرة. في عام 2019، فازت دونيلان أندروز، المعلمة في مدرسة ثانوية بجورجيا، بمبلغ 10 آلاف دولار لقيامها بما فشل العشرات من قبلها في القيام به. لقد قرأت بعناية 7 صفحات من التفاصيل الدقيقة لعقد تأمين السفر الذي اشترته لرحلة إلى إنجلترا.
قدمت شركة تأمين السفر “سكوار موث” (Squaremouth) الجائزة إلى أول شخص اكتشف سطرًا صغيرًا في سياستها، وأرسل بريدًا إلكترونيًا بشأن المسابقة إلى الشركة التي تصدر سياسة تُعرف باسم “تن ليج” (Tin Leg).
حدث ذلك بعد 23 ساعة من بدء الحدث، وبعد إصدار 73 وثيقة تأمين تحدد المكافأة، من الواضح أن مشترييها لم يقرؤوا السياسة، وتطلق الشركة على المسابقة اسم “الدفع مقابل القراءة”، وهي محاولة لمكافأة أولئك الذين يقرؤون وثائق السياسة من البداية إلى النهاية.

شركات أخرى تحاول لفت انتباه المستهلكين إلى مثل هذه المخاطر. في عام 2017، وافق 22 ألف شخص اشتركوا في خدمة “الواي فاي” العامة المجانية على أداء 1000 ساعة من خدمة المجتمع، وأصبحوا ملزمين قانونيًا بالعديد من الأعمال بما في ذلك تنظيف المراحيض في المهرجانات، وإزالة العلكة من الشوارع، وتخفيف انسدادات المجاري يدويًا.
قدمت شركة “بيربل” (Purple)، ومقرها مانشستر، جائزة لأي شخص يقرأ الشروط والأحكام بالفعل، ويضع علامة على “شرط خدمة المجتمع” الذي أدرجته الشركة لمدة أسبوعين، لتسليط الضوء على قلة وعي المستهلكين بما يشتركون فيه عند وصولهم إلى خدمة “الواي فاي” المجانية. في النهاية، ادعى شخص واحد القيام بذلك.
ليس من المستغرب أن يوافق الناس على أي شيء للحصول على خدمة الواي فاي المجانية، وهو ما يصفه الخبير الأمني ميكو هيبونين بقوله: “أكبر كذبة على الإنترنت هي أنني قرأت الشروط والأحكام ووافقت عليها”.
وفي إطار سعيها لإثبات ذلك، أجرت شركة الأمن السيبراني “إف-سيكيور” (F-Secure) التابعة لهيبونن تجربة مماثلة في بعض المناطق الأكثر ازدحامًا في العاصمة البريطانية لندن، حيث شغلت خدمة “واي فاي” مجانية يمكن لأي شخص استخدامها مقابل التخلي عن طفله الأكبر إلى الأبد.
تم ذكر هذا البند غير الملزم قانونيًا تحت مسمى “شرط هيرودس” المختبئ في شروط وأحكام الشبكة المجانية، لإظهار مخاطر استخدام خدمات الوصول إلى الإنترنت. قام 6 أشخاص بالتسجيل، وهو ما يسلط الضوء على مدى سهولة استعداد المستهلكين للتنازل عن حقوقهم.
ومع ذلك، بمجرد أن نواجه مشكلة معينة ناشئة عن العقد أو مرتبطة به، يتغير موقفنا، فقد أظهرت الدراسات أن عدد الأشخاص الذين يعودون لمراجعة عقودهم بعد مشكلة ما يتضاعف بالنسبة لتأجير السيارات، و3 أضعاف بالنسبة لقضايا التنظيف الجاف، ويرتفع إلى ما يقرب من 7 أضعاف بالنسبة للحساب المصرفي.
ومن غير المستغرب أن معظم الناس لا يعتقدون أن هذا خطأهم، بل يفترضون أن الأمر يتعلق بشيء لم يكونوا على علم به وقت الشراء أو يعتقدون أنه يمكن إصلاحه بسهولة.
والواقع أن الدراسات تؤكد على الخطأ الذي يرتكبه هؤلاء، إذ تشير نتائج إحدى الدراسات إلى 8% فقط من الأشخاص قرأوا عقد حساب مصرفي، و19% قرأوا عقد تأجير سيارة، و25% قرأوا عقد التنظيف الجاف قبل الالتزام بالصفقة، وبالمثل، أفاد أكثر من 80% من المشاركين في دراسة مختلفة أنهم “لا يقرأون على الإطلاق” هذه الاتفاقيات.
لماذا لا نقرأها؟
السبب وراء هذا السلوك هو أن النص غالبًا ما يكون بطول مسرحية للأديب الإنجليزي ويليام شكسبير، ومكتوب ليتم فهمه واستخدامه في محكمة مختصة، وليس من قبل مستخدم الإنترنت اليومي، والنتيجة النهائية لذلك هي أنها غير مفهومة فعليًا بالنسبة للمستهلك العادي.
على سبيل المثال، بافتراض معدل قراءة يصل إلى 240 كلمة في الدقيقة، من المقدَّر أن تستغرق شروط خدمة “سبوتيفاي” حوالي 36 دقيقة، في حين ستستغرق شروط تطبيقات مثل خدمة “زووم” أو “تيك توك” 31 دقيقة.
كذلك ستحتاج وقتًا يتراوح بين 27 دقيقة لقراءة شروط وأحكام فيسبوك، و23 دقيقة لمنصة “إكس” (تويتر سابقًا)، وساعة كاملة لأي من منتجات “مايكروسوفت”. وعلى سبيل المقارنة، فإن قراءة كتاب “فن الحرب” للكاتب الصيني الجنرال صن تزو سوف يستغرق 50 دقيقة فقط.
باختصار، تحتاج لقراءة ما بين 5 آلاف إلى 10 آلاف كلمة قبل أن تبدأ في استخدام أي خدمة رقمية، وإذا كان لديك 50 تطبيقًا على جهازك فأنت تحتاج إلى حوالي 300 ساعة لقراءة أكثر من 5 ملايين كلمة من الشروط والأحكام.
ومن غير المستغرب إلى حد ما أن يجد استطلاع أجرته مؤسسة “يوروباروميتر” (Eurobarometer)، التي تجري بانتظام مجموعة من استطلاعات الرأي العام نيابة عن مؤسسات الاتحاد الأوروبي، أن 67% من الأشخاص الذين لم يقرؤوا بيانات الخصوصية بشكل كامل وجدوها طويلة للغاية، وأن 38% وجدوها غير واضحة أو صعبة الفهم.
ووفقًا لاستطلاع أجرته شركة الأبحاث “فارير فايننس” (Fairer Finance) في لندن، فإن التفاصيل الصغيرة الموجودة في بعض وثائق التأمين على السيارات تصل الآن إلى أكثر من 30 ألف كلمة، أي عدد كلمات أعلى من تلك الموجودة في رواية “موسم الهجرة إلى الشمال” للكاتب السوداني الطيب صالح، ومن غير المستغرب أن يعترف 73% من الأشخاص بعدم قراءة جميع التفاصيل، ومن بين أولئك الذين يفعلون ذلك، يقول 17% فقط أنهم يفهمون ذلك.
شركات التأمين ليست وحدها التي أصدرت شروطًا وأحكامًا مطولة، فقد بلغ إجمالي عدد الكلمات المكتوبة بخط صغير لحساب بنك “إتش إس بي سي” (HSBC) أكثر من 25 ألف كلمة، أي حوالي 70 صفحة، فمَنْ لديه الوقت الكافي لقراءة صفحة تلو الأخرى من المصطلحات القانونية المعقدة لاكتشاف الأجزاء المثيرة للقلق؟
في عام 2015، قرر أليكس هيرن، الصحفي في صحيفة “الغارديان” البريطانية، عدم القيام بأي شيء لمدة أسبوع سوى قراءة الشروط والأحكام الخاصة بالخدمات التي كان يستخدمها لسنوات، والتي لا يقرأها البقية منا، ويسارعون في تحديد المربع الذي يحمل علامة “لقد قرأت الشروط والأحكام ووافقت عليها”.
النتيجة النهائية: استغرق الأمر 8 ساعات لتصفح 146 ألف كلمة قانونية في 33 وثيقة شروط خدمة فقط، استغرقت قراءة كل وثيقة حوالي 15 دقيقة فقط، ويصف ذلك بقوله: “ما زلت أقضي أكثر من 8 ساعات من الأسبوع جالسًا أقرأ صفحة تلو الأخرى من النثر الجاف الذي لا يمكن اختراقه”.
في استطلاع “برو بريفاسي”، ادعى أكثر من ثلثي المشاركين أنهم قرأوا الاتفاقية، وعندما انتهت المهمة، قدَّموا نفس الأعذار القديمة: الأمر يستغرق الكثير من الوقت لقراءتها كلها، ووثقوا في أن المنظمة تضع مصالحهم في الاعتبار أو أنهم ببساطة لم يهتموا.
في الحقيقة، تدفعنا معظم المنصات دفعًا لعدم قراءة الشروط والأحكام، فمعظمها تستخدم نصوص قانونية بالأساس كُتبت بمصطلحات وصياغات طويلة ومعقدة ومملة يصعب على معظم الناس فهمها، وهذا ما أكده اختبار “فلاش كينكايد” الشهير المصمم للإشارة إلى مدى صعوبة فهم النصوص.
تحتاج شروط وأحكام بعض المنصات إلي شخص ذي مستوى تعليم جامعي لاستيعاب تفاصيلها رغم أن الكثير من مستخدميها ربما هم من شرائح المراهقين أو متوسطي التعليم.
وجدت دراسة أُجريت على أكثر 500 موقع إلكتروني شيوعًا في الولايات المتحدة، أن متوسط مستوى سهولة قراءة هذه الاتفاقيات المستخدمة يُضاهي متوسط درجات المقالات في المجلات الأكاديمية، مما يجعلها غير متاحة لمعظم الناس.
كما أن هذه الشروط والأحكام صُممت خصيصًا لحماية الشركات من أي التزامات أو خلافات قانونية محتملة أكثر من كونها مصممة لمساعدة المستهلك على اتخاذ قرار مستنير.
وفي بعض الأحيان، تمنح العقود هذه الشركات السلطة المطلقة لإيقاف المستخدم أو إزالة المحتوى وفقًا لمعاييرها الخاصة، وتتعمد بعض الشركات إخفائها وتعقيد طرق الوصول إليها.
والأهم من ذلك، قد لا يكون لدى المستهلكين الكثير من الخيارات. إذا لم يوافقوا، فلن يتمكنوا من الوصول إلى الشبكة اللاسلكية أو التطبيق الجديد أو أي شيء يريدون استخدامه، وليس هناك ما يمكنهم فعله حيال ذلك.
وبطبيعة الحال، فإن الشخص الذي يعتمد على جوجل أو فيسبوك أو إكس ليس في وضع يسمح له بالتفاوض على اتفاق منفصل خاص به، فلماذا إذًا يقضي وقتًا في عقد لا يمكنه تغييره أو رفضه؟ لذا فإن مشكلة النقر للموافقة الحقيقية قد لا تكمن في فشل الأفراد في أداء ما يتوجب أن يقوموا به في المقام الأول.
وعلي عكس ما يبدو أنها خدمات أو تطبيقات مجانية، تشير الأبحاث إلى أن المستهلكين يميلون أكثر إلى قراءة الشروط والأحكام قبل الالتزام عندما تكون تكلفة المنتج أو الخدمة كبيرة، أو عندما يُنظر إلى العقد على أنه قصير، وهناك اعتقاد بأنهم سيكونون قادرين على تغيير شروط العقد أو التأثير عليها.
ماذا تعني الموافقة؟
على الرغم من حسن نوايانا، فإن معظمنا يوقع ببساطة على الشروط والأحكام الموجودة على تطبيق الهاتف المحمول أو موقع الويب أو لم نكلف أنفسنا عناء قراءتها على الإطلاق قبل النقر على “موافقة”، ونادرًا ما نقرأ التفاصيل الدقيقة، ونفشل في تقدير العواقب، لكن ما الذي تقوم بالتوقيع عليه بالفعل؟
شروط الخدمة هي وثيقة قانونية تحمي الشركة، وتشرح للمستهلكين القواعد المتبعة عند استخدام الخدمة، ومن ناحية أخرى، فإن سياسة الخصوصية هي وثيقة قانونية تشرح للمستخدمين كيف سيتم جمع بياناتهم واستخدامها من قبل الشركة وأي أطراف ثالثة أو شركات تابعة. عندما تنقر على “أوافق” على هذه المستندات، فإن موافقتك تكون ملزمة قانونًا.
الكثير مما تم تضمينه في هذه المستندات قد يبدو غير ضار نسبيًا، ولكن هناك بعض الثغرات التي يجب الانتباه إليها، مثل منح الشركة الحق في بيع معلوماتك الشخصية لأطراف ثالثة، أو تتبع تحركاتك باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، أو جمع معرِّفات جهازك أو تتبع عنوان بروتوكول الإنترنت (IP) الخاص بجهازك الجوال.
ويحذر الخبراء بشكل خاص من الشركات التي تطلب ترخيصًا حصريًا أو دائمًا لصورك أو لبياناتك الشخصية، ويقولون إنه هذه الأنواع من الشروط يمكن أن تكون ضارة للغاية، لأنها تمنح الطرف الآخر الحق الوحيد وغير المحدود في استخدامها لأي غرض وفي أي منطقة إلى الأبد.
ولكن هناك الكثير في العقود التي تتطلب النقر للموافقة عليها، والتي من شأنها أن تجعل الكثير من الأشخاص يتوقفون إذا علموا بها، ويُنصح بحتمية تأكد المستهلكين من عدم موافقتهم أبدًا عليها أو على اتفاقيات الخصوصية الأخرى التي لا تشير إلى كيفية حصول المستخدم على الخصوصية، بل بالأحرى كيف سيتم تجريدهم منها.
على سبيل المثال، يمنح المستخدمون الخدمات المستندة إلى الويب – والأطراف الثالثة التي تتعاقد معها الخدمات، والتي لا يعرف المستخدمون عنها شيئًا – الحق في الاحتفاظ ببياناتهم وتحليلها وبيعها. وفي كثير من الأحيان، يتخلى الأشخاص أيضًا عن حقهم في اللجوء إلى المحكمة إذا حدث خطأ ما.
ومع ذلك، نعرض أنفسنا للخطر دون داعٍ من خلال التوقيع على جميع أنواع الحقوق المتعلقة بالبيانات الشخصية التي يجمعها التطبيق أو موقع الويب، وكيفية استخدامها، ومع مّنْ يشاركونها ومدة الاحتفاظ بها، ويفترض البعض أن أسوأ ما ستفعله معظم الشركات هو بيع أسمائهم وبريدهم الإلكتروني إلى طرف ثالث يريد الإعلان لهم.
إذا كنت قد وافقت بالفعل على بعض أو كل هذه القواعد دون قراءة، فلا بد أن تعلم أن الأفراد والجماعات المشبوهة وشركات التطفل المالي تقوم باستمرار باستخراج معلوماتك الشخصية واستغلالها لتحقيق مكاسب مالية، والتجسس عليك باستخدام أدوات المراقبة المتطورة.
على سبيل المثال، إذا كانت لديك حساب على أحد مواقع التواصل الاجتماعي -وهذا شيء مؤكد- فأنت قد وافقت على منح المنصة الحق لاستغلال أي محتوى تنشئه عليها، وعلى استخدام معلوماتك في أنشطة إعلانية، وتصميم إعلانات تستهدفك وتتبع استجابتك لها.
لا يقتصر الأمر على استهدافك بالإعلانات فقط، بل يمكن أن ينتهي الأمر ببعض هذه المعلومات في أيدي شركات التأمين الصحي، وشركات التأمين على الحياة، وحتى أصحاب العمل، وجميعهم يتخذون قرارات حاسمة بشأن حياتنا، ومع ذلك فإننا في الغالب نتغاضى عن كل هذه المخاطر عندما يُطلب منا ذلك.
أنت كذلك وافقت على السماح بجمع معلومات عن نشاطك بشكل عام على الإنترنت خارج المنصة، على سبيل المثال، تضمن سياسات فيسبوك للشركة الحق في تخزين أي صورة ترفعها وتحتفظ بها لمدة 90 يومًا حتى بعد أن تحذفها من حسابك.
أمّا “إنستغرام” التي تمتلكها شركة “ميتا”، فله الحق في إنهاء الخدمة أو إزالة أي محتوى وفقًا لتقديرهم الخاص، بل يمكنه أخذ اسمك إذا ما استطاعت شركة أو أي فرد آخر تقديم مطالبة قانونية للحصول عليه.
هذا الشرط يوجد في العديد من المنصات الأخرى بصياغات مشابهة، ولا يملك العميل الحق في الشكوى أو المقاضاة، فمثلاً، سياسة منصة “سبوتيفاي”، تجعلك توافق على السماح لها بجمع صورك وموقعك وجهازك.
أمَّا جوجل، فموافقتك تمنح الشركة الحق في جمع المعلومات الشخصية الخاصة بك، وتخزينها على الحاسوب الخاص بك، دون أن تعرف طبيعة البيانات التي تجمعها.
وإذا كنت تستخدم جهاز أيفون، فأنت قد وافقت على أن يقوم المساعد الصوتي “سيري” (Siri) بحفظ كل أوامرك الصوتية وتخزينها في خوادم الشركة لمدة 6 أشهر على الأقل.
وبشكل عام، لا تكتفي المنصات بجمع المعلومات الخاصة بتسجيل حسابك عليها أو تفاصيل نشاطك على المنصة، بل تجمع معلومات من أطراف خارجية حول نشاطك على الإنترنت، وقد يكون من ضمنها عنوان بروتوكول الإنترنت (IP) الخاص بجهازك ومواقع الويب التي تزورها والألعاب والتطبيقات المفضلة وعمليات الشراء التي تقوم بها على الإنترنت.
كما أن كثيرًا من المنصات والخدمات الرقمية تمتلك معايير خاصة بحذف المحتوى أو تعطيل الحسابات أو إيقافها دون أن يمتلك العميل الحق في الاعتراض. كل هذا يتم بمجرد الموافقة على شروط وأحكام هذه المنصات.
في النهاية، هناك عدد قليل من القوانين أو اللوائح التي تحمي الخصوصية عبر الإنترنت، لذا فإن حماية معلوماتنا الشخصية من أعين المتطفلين قد يبدو وكأنه ممارسة لا جدوى منها، ولكن يمكننا جميعًا اتخاذ خطوات لإحباط مراقبة الشركات على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع، يبدأ ذلك بقراءة التفاصيل الدقيقة.