ترجمة وتحرير نون بوست
نادرًا ما تُسمع الأصوات الفلسطينية في العاصمة واشنطن المركز السياسي للولايات المتحدة، لكن في قلب المدينة على مسافة قصيرة من البيت الأبيض والكابيتول هيل، هناك مساحة جديدة للفنانين الفلسطينيين ورواة القصص لعرض تجاربهم.
يقول متحف الشعب الفلسطيني إنه يهدف لأن يكون مكانًا يستطيع فيه الفلسطينيون مشاركة قصصهم وحكاياتهم الشخصية وتعبيراتهم الفنية لتجاوز الشتات والتحطم والحدود، منذ افتتاحه في يونيو الماضي انضم المتحف إلى سلسلة من المتاحف والمعارض الفنية التي وجدت ملجأ لها في العاصمة الأمريكية.
أسس المتحف بشار نصار – 31 عامًا – الذي يعرف المتاحف جيدًا خاصة تلك التي تعرض تجارب الشعوب المضطهدة مثل متحف الهولوكوست والمتحف الوطني للهنود الأمريكيين ومتحف لاوجاي، لكن نصار – الذي جاء من الضفة الغربية عام 2011 للدراسة – يقول إنه أدرك عند قدومه أن هناك شيئًا مفقودًا، يقول نصار: “لم أجد أي مكان للفلسطينيين يستطيعون فيه مشاركة قصصهم وتاريخهم وثقافتهم”، لذا ألهمه المتحف الوطني لتاريخ وثقافة الأفارقة الأمريكيين بفعل شيء ما.
عرض حياة الفلسطينيين
نشأ نصار في قرية النحالين بالضواحي الجنوبية لبيت لحم وكان يعمل في مزرعة الأسرة، حاول نصار معظم حياته العثور على طرق لنشر الثقافة الفلسطينية، وعندما كان في الضفة الغربية ساعد في “خيمة الأمم” وهي مبادرة تعليمية بمزرعة الأسرة، يقول عنها: “كان الناس يأتون من دول مختلفة ويجتمعون معًا للتعلم والمشاركة وبناء جسور الأمل والوفاق”.
جاء نصار إلى الولايات المتحدة للدراسة في جامعة مينونايت الشرقية في فرجينيا، وفي عام 2015 شارك في تأسيس مشروع متحف النكبة، وهو معرض متنقل زار أكثر من 50 مكانًا في الولايات المتحدة بما في ذلك نيويورك وواشنطن وكاليفورنيا.
باستخدام قطع صنعها الفنانون خصيصًا للمشروع، كان هدفه عرض الحياة الفلسطينية من خلال الأعمال الفنية وغيرها من أشكال رواية القصص، وقد تبرع بعض الأفراد بأعمالهم في المشروع للمتحف وتبرعت كذلك بعض المؤسسات مثل ناشونال جيوغرافيك ومعهد الدراسات الفلسطينية، كما أن العديد من زملاء نصار في المشروع أصبحوا في مجلس إدارة المتحف الآن.
يقول نصار بشأن المعرض المتنقل: “نحن فخورون جدًا بما فعلنا، لقد جنينا ثمار ما زرعناه”، استمر المشروع في الشارع حتى عام 2018، وبعدها قرر أصحاب عقار في حي دوبونت سيركل في واشنطن التبرع بمساحة في الطابق الأرضي لاستضافة متحف دائم لفلسطين.
بداية الحديث
واجهت المؤسسة الجديدة عدة تحديات أولها اتخاذ قرار بشأن ما يتضمنه المكان الجديد، الذي استغرق قرابة العام، وفي النهاية وبعد المشاورات بدأ اتخاذ القرارات بشأن ما سيقدمه المتحف، يتضمن الموضوع الرئيسي تاريخ الشتات الفلسطيني مع التركيز على مرونة وإنجازات الفلسطينيين الذين اضطروا لترك بلادهم، وكيف حافظ الشتات على التاريخ والثقافة خلال العقود اللاحقة.
كان نصار قلقًا من أن لا يلبي المشروع توقعاته، فالمتحف يجب أن يمثل جميع الفلسطينيين، لكن قلقه زال بمجرد افتتاح المتحف، يقول نصار: “كان شيئًا قويًا ومؤثرًا أن نرى ما عملنا عليه لمدة 4 أو 5 سنوات”، لكن هذ المتحف ليس أول متحف للفلسطينيين، فقد تأسس متحف فلسطيني العام الماضي في كونيتيكت.
يقول نصار: “مثل متحف كونيتيكت، سوف يعرض المكان التاريخ والفن والثقافة الفلسطينية، لكنه سيركز على القصص بشكل أكبر”، ورغم أن المتحف لا يتجاوز مساحة الشقة، فإنه قادر على نقلك في رحلة عبر الزمان والمكان.
ينقسم المكان إلى قسمين رئيسيين: الأول معرض دائم يسلط الضور على الآثار التاريخية والثقافية من فلسطين، والثاني يعرض أعمال الفنانين الفلسطينيين، عندما يدخل الزائر لأول مرة سيلتقي بعرض لأوانٍ زجاجية وفخارية من الخليل التي تشتهر بأعمال الخزف والزجاج، كما يُعرض إناء فخاري نبطي – يعود عمره لأكثر من 2000 عام – على جدار الشهرة الذي يلقي الضوء على الشخصيات الفلسطينية الرئيسية من القرن الماضي، وهناك قطع فنية معروضة على سبيل الإعارة.
تؤكد بعض العناصر على الهوية الفلسطينية قبل تأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، مثل منشور مجلة ناشونال جيوغرافيك الذي يعرض الحدود العثمانية للدولة الفلسطينية عام 1914، وكذلك الثوب التقليدي والطوابع التي تعود إلى وقت الانتداب البريطاني لفلسطين، كانت تلك الطوابع متداولة منذ عام 1920 وحتى عام 1948.
يستعرض المتحف نكبة 1948 من خلال عرض بعنوان “النكبة والشتات”، حيث ينشر صورًا لجوازات سفر منذ الانتداب البريطاني وعقود زواج من أوائل القرن العشرين بالإضافة إلى صور فلسطينيين يحملون مفاتيح منازلهم السابقة، يقول نصار إن جمع هذه العناصر كان من أصعب أعمال المعرض، ويضيف: “هذه الأوراق وجوازات السفر كانت عزيزة للغاية على هؤلاء الناس خاصة الفلسطينيين الذين سُرقت منهم هوياتهم أو تم محوها، لكن لا يحرص الجميع على إثبات هويتهم الفلسطينية”.
إعادة تخيل المستقبل
في القسم الثاني من المتحف، تقول الفنانة السورية ومنسقة المتحف ندى عوة إن هناك تركيزًا على الحياة تحت الاحتلال الإسرائيلي، يقدم المعرض الفن كشكل من أشكال المقاومة، مثل الشخصية الكاريكاتورية الشهيرة حنظلة، وهي رسم لطفل صغير يقف بظهره ويداه معقودتان خلف ظهره وأحد شخصيات الفنان الفلسطيني ناجي العلي التي تستخدم كرمز للمقاومة الفلسطينية.
تقول عودة: “العمل الفني ليس فنًا حتى تفهم لغته”، في لوحة الفنانة الفلسطينية الكندية داليا الشربيني “وقت اللعب المطلق” تصور الفنانة طفلين على الجانب المقابل لجدار الفصل العنصري الإسرائيلي الذي يفصل الفلسطينيين عن بعضهم البعض في الضفة الغربية المحتلة، في عام 2004 أصدرت محكمة العدل الدولية قرارًا بأن هذا الجدار غير قانوني.
تقول الشربيني إن عملها يمزج بين السيريالية والواقعية وهو صرخة إنسانية من أجل السلام، فالجدار بالنسبة لها ليس أكثر من مكان يلعب عليه الأطفال، أما أحمد حميدات الذي نشأ في مخيم الدهيشة للاجئين في بيت لحم فيستخدم الألوان المائية والإكريلك والزيت والحبر وأقلام الفحم كمصدر إلهام للوحاته، يقول حميدات: “يعرض فني محنة اللاجئين ويذكر الناس أن النكبة ما زالت حقيقة مستمرة بالنسبة لنا، من المهم لي أن يرى العالم أن اللاجئين الفلسطينيين يؤمنون بحق العودة إلى بلادهم، فحتى لو مات الكبار ما زالت الأجيال الشابة تتذكر معاناة أسلافهم”.
خطط النمو
يتمتع المتحف بوجوده في قلب واشنطن لكن الحكومة الأمريكية أصبحت معادية للفلسطينيين منذ انتخاب ترامب عام 2016، فالإدارة الحاليّة تتبع سياسات موالية للاحتلال مثل نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس وخفض المعونات لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن الذي كان يعمل كسفارة فلسطينية.
لكن نصار ما زال متفائلًا وأوضح أن المتحف نفسه واجه عدة عقبات سياسية، وفي عطلة نهاية الأسبوع عند افتتاحه استقبل أكثر من 400 زائر فلسطيني وغير فلسطيني، يقول نصار: “يشعر الناس بالفخر لأن هناك متحفًا يعرض ثقافتهم ويشعرون بالاتصال مع تاريخهم، وبالنسبة لبعض الأمريكيين الذين جاءوا فهم يقولون إن المتحف إضافة عظيمة للمشهد الثقافي في واشنطن”.
يعمل المتحف على تبرعات الأفراد التي قد تقل عن 100 دولار أو تصل إلى 5 آلاف دولار بالإضافة إلى 5 دولارات رسوم الدخول، ويخطط مجلس الإدارة للتوسع والعثور على مكان أكبر حال ظهرت فرصة تمويل جديدة، أما الآن يقول نصار إن هدفه الأساسي التركيز على المساحة الحاليّة والتأكد من رواية القصة الفلسطينية.
يقول نصار: “هناك الكثير من المفاهيم الخاطئة عن القصة الفلسطينية وهذا المكان طريقة جيدة لمشاركة القصة بطريقة لا تشكل تهديدًا لأحد، وفي مكان يكون الناس منفتحين فيه لسماع القصة”.
المصدر: ميدل إيست آي