يأتي الشتاء ككل عام منذ 9 سنوات على سكان كل المخيمات السورية بأصعب الظروف ويفرض على الناس تحديات عليهم تجاوزها بأقل الخسائر. فالتحديات المعتادة مثل مشاكل الطبابة أو التعليم أو حتى وجود مرافق صحية تصبح أكثر قسوة وخطورة في الشتاء. إذ تودي العواصف والأمطار والثلوج بحياة العشرات سنويًا، بينما تسارع الجمعيات الخيرية ومؤسسات الدعم القليلة إلى جذب اهتمام العالم نحو حجم المشكلة لجمع المساعدات بشتى الطرق.
فيما يتكرر سؤال “لماذا لم نأخذ الأمر بالحسبان قبل وقوع الكارثة” كل عام طارحًا عدم استباق وقوع المشكلة وتداركها وهذا ما يسعى هذا التقرير إلى الحديث عنه من خلال الاستعانة بتقرير تفاعلي دقيق نشرته “وحدة التنسيق والدعم” عرض أوضاع 226 مخيمًا تقع ضمن 11 تجمع في محافظتي حلب وإدلب، فيما بلغ عدد النازحين الذين شملهم التقرير 280،568 مهجّرًا من خلال مراقبة وتسجيل التركيبة السكانية للمخيمات وأعداد المقيمين وإبراز حقيقة القطاع الصحي والأمن الغذائي والتعليم.
تقوم كل المخيمات السورية تقريبًا على لحد الأدنى من الخدمات والمساعدات المتوفرة في المنطقة، إلا أن حال مخيمات معينة أسوأ بكثير من غيره ويزداد الوضع فيها سوءًا مع قدوم الفصل الكارثي، مما يجعل بعضها بحاجة لتدخل فوري، مثل مخيم دير البلوط وقادمون اللذان يحتاجان إغاثة قطاع الصحة لتأمين الرعاية والفحوص الدورية نظرًا لزيادة النزوح في الفترة الأخيرة، فأكثر من 75% من سكان هذه المخيمات بحاجة إلى العناية الصحية.
وأيضًا معاناة عدة مخيمات أخرى مثل مخيم الأزرق وحياة كريمة وتجمع الزراعة والمدينة المنورة ومخيم الدلاما من نقص في مياه الشرب والاستخدام النظيف، نظرًا لغياب أيّ مصدر طبيعي أو صناعي للمياه كالآبار أو شبكات توزيع المياه مما يؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار المياه إذ يبلغ سعر المتر المكعب من البئر -غير الصالح للشرب- حوالي 600 ليرة سورية وهو ما يعجز الأهالي عن تأمينه.
يعتبر مخيم الرحمة في ريف إدلب أكثر مخيم يضم أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة المصابين بالشلل الكامل بمعدل 9135 شخص
وقد وصلت أعداد اللاجئين في هذه المخيمات التي تتوزع كلها في شمال سوريا إلى 144.28 ألف نازح أكثرهم موجودون في مخيم أطمة بمجموع 94456 ألف شخص بالغ منهم 84.892 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين الـ 6 أشهر و الـ 5 سنوات، بينما تشكل النساء 52% من المجموع كاملًا. كما يعتبر مخيم الرحمة في ريف إدلب أكثر مخيم يضم أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة المصابين بالشلل الكامل فيصل عددهم إلى 9135 شخص أيّ 30% من مجمل سكان المخيم.
المأوى والسكن
يبقى قطاع المأوى والسكن وحال الخيم أو البيوت الطينية بشكل عام المشكلة الأولى والرئيسية لكل مخيمات اللاجئين السوريين داخل سوريا أو خارجها، فهو القطاع الأهم لاستمرارية العيش بشكل آمن إن شئنا الحديث عن أهمية التحرك وتقديم المساعدات قبل قدوم الشتاء وتعريض اللاجئين إلى الموت بردًا تحت الثلوج أو خلال العواصف الرعدية. إذ أن كل الخيم داخل مخيميّ دير البلوط وخربة الجوز بحاجة إلى عازل أرضي وآخر مطري بشكل رئيسي بينما تعاني 50% من المخيمات المتبقية من نقص في الخيم المعزولة أو المجهزة لمقاومة تغيرات فصل الشتاء.
فيما تصل نسبة الغرف التي تحتاج إلى إصلاح وترميم في بنيتها الأساسية بمتوسط 30% لكل المخيمات في شمال سوريا. فتتوزع بين حاجة 92% من الكرفانات في مخيم أطمة لعازل حراري و 38% لعازل مطري و36% لكرفانات تحتاج للإصلاح في مخيم باب السلامة.
كما يصل عدد العائلات الذين بحاجة إلى مأوى بأي شكل كان في مخيم أطمة إلى 979 عائلة، و420 في مخيم باب السلامة، و315 في سلقين، و149 في مخيم الرحمة، و143 في قاح، و 50 في الكرامة فيما تعيش نسبة كبيرة منهم حاليًا في خيم للأصدقاء أو الأهل. بينما تتباين الاحتياجات في عدة قطاعات مختلفة من بينها:
الوضع الصحي
تنتشر الأمراض بكثرة في هذه المخيمات لأسباب تختلف بين طبيعة بيئة المخيم وبين غياب الرعاية الصحية والنظافة أو حتى إقامة الفرد في خيمة أو بدون، ويعتبر انتشار الجرب هو الأكثر في جميع المخيمات كمخيم دير بلوط وسلقين وسرمدا وجرابلس وباب السلامة وحارم وخربة الجوز وقاح والرحمة والكرامة ومخيم أطمة الحدودي. فيما يأتي القمل في المرتبة الثانية ومرض اللشمانيا في المرتبة الثالثة كأكثر الأمراض انتشارًا. بينما تبعد أقرب نقطة طبية تخدم المخيم 1886 متر ما يعني صعوبة أكبر في الوصول لتلقي الرعاية اللازمة.
تكثر حاجة مخيميّ جرابلس وباب السلامة وسلقين وأطمة إلى المعدات الطبية
أيضًا تنقسم احتياجات كل مخيم بين معدات طبية وأجهزة وعاملين في القطاع الصحي إذ يحتاج مخيم دير البلوط وجرابلس وسرمدا وحارم وقاح وباب السلامة والرحمة والكرامة إلى أدوية ومستهلكات طبية لعلاج المرضى بينما تكثر حاجة مخيميّ جرابلس وباب السلامة وسلقين وأطمة إلى المعدات الطبية. بالإضافة إلى حاجة كل المخيمات تقريبًا للكادر النسائي في التمريض وغيرها من الوظائف.
قطاع المياه والصرف الصحي
يعتبر الحصول على المياه من أكبر المشاكل التي تعاني منها أغلب المخيمات السورية، فعلى سبيل المثال مياه مخيم دير البلوط كلها غير صالحة للشرب مما يجعل من سعر المتر المكعب الواحد أكثر من 600 ليرة. كما يوجد 180 مخيم لا يحتوي على آبار ماء صالحة للشرب بينما تتراوح حصة الفرد الواحد من المياه الغير نظيفة بين 15 و20 لتر في 22 مخيم فقط.
ومن ناحية أخرى فإن النظافة وآليات جمع القمامة تغيب كليًا عن المشهد فلا مكبات للنفايات في 1274 مخيم، مما يضطر إدارة المخيم لتجميع النفايات وإخراجها دفعة واحدة أو قيام كل خيمة بحرقها يدويًا ومن ثم نقلها إلى خارج المخيم وهو ما تقوم به 2350 خيمة مما يضاعف من انتشار الأمراض والجراثيم بين السكان.
حال المخيمات بعد تأثرها بهطول الأمطار
أما في قطاع الصرف الصحي فتكثر الحمامات الخاصة التابعة لخيم الأفراد والتي صنع أغلبها بمواد أولية كالحجارة والإسمنت بينما يعدّ وجود حمامات عمومية معدومًا في مخيم حارم وخربة الجوز وجرابلس وباب السلامة وأطمة. أما الحمامات المتوافرة في باقي المخيمات فيبلغ عددها 4846 منها 3458 لا تصلها المياه النظيفة.
أيضًا هناك مسألة غياب آليات تصريف الأمطار التي ستكون عبئًا ثقيلًا خلال الأشهر المقبلة إذ لا يوجد أيّ آلية لتصريف المياه في 130 مخيم كما يصل أعداد المخيمات التي من المتوقع أن تتعرض لأزمة طوفان إلى ما يقارب 169 مخيمًا تقريبًا.
الأمن الغذائي والمساعدات
بالرغم من وجود عدد لا بأس به من المؤسسات والجمعيات التي تحاول تقديم المساعدات لأهالي المخيمات في الشمال السوري إلا أن حاجة السكان تتزايد باستمرار، بالأخص في الوقت الذي ترتفع فيه نسبة المواليد الجدد والنساء الحوامل والحاجة المضاعفة للرعاية الخاصة فتعيش بعض المخيمات في شح كبير من السلل الغذائية والمعونات كمخيم حارم ودير البلوط وسلقين وخربة الجوز وباب السلامة إذ لم يتم توزيع الخبز أو أيّ طعام آخر مجاني في هذه المخيمات إلا بمعدل 10 أيام فقط خلال الشهر الماضي.
المدارس والتعليم
يفوق عدد المدارس المتوقفة على تلك التي تقدم خدماتها في مخيم أطمة الحدودي فيما هو أقل في باقي المخيمات الأخرى كالرحمة والكرامة، بينما تسجل كل المخيمات نقصًا في عدد المدرسين أو المعلمين المساهمين بالرغم من وجود عدد كبير من المتطوعين الراغبين بتقديم المساعدة إلا أن نقص الخبرات والإمكانيات لا يسعف لتحقيق النتيجة المطلوبة.
إنشاء مدارس المخيمات بأقل الإمكانيات
كما يوجد نقص حادّ في المواد والكتب والقرطاسية والأثاث اللازم لتشغيل بعض المدارس في مخيم حارم، خربة الجوز، قاح، الرحمة، الكرامة، ومخيم أطمة. بينما يحتاج مخيميّ جرابلس وسرمدا وخربة الجوز والرحمة والكرامة إلى دعم للكتب الدراسية والمناهج.
تنبئ كل هذه الإحصائيات بخطر كبير يهدد حياة الآلاف من اللاجئين وتقضي على احتمال العيش حتى في المأوى المؤقت الذي لجأوا إليه هربًا من الموت قتلًا على يد النظام، لتصبح الطبيعة والإهمال والتسويف هي القاتل.