ترجمة وتحرير نون بوست
منذ انطلاق عملية نبع السلام ضد الجماعات الإرهابية المنسوبة لحزب العمال الكردستاني، نُشرت دعاية “الأتراك ضد الأكراد” لعرقلة مكاسب حملة مكافحة الإرهاب. ومن بين كل محاولات “التحريض على الخطاب” منذ انطلاق عملية نبع السلام، تتمثل أبشع الأكاذيب التي تقال علنا في أن الحرب قائمة بين الأتراك والأكراد، وتستند هذه الحجة إما إلى الجهل التام أو تمثّل محاولة متعمدة للتضليل.
يبلغ عدد سكان تركيا حوالي 15 مليون كردي يتمتعون بالحقوق المدنية نفسها التي يتمتع بها جميع المواطنين الآخرين، كما تمتلك تركيا رؤساء والعديد من الوزراء من أصول كردية. وفي هذا الصدد، فاز حزب العدالة والتنمية الحاكم بأصوات ما لا يقل عن نصف المواطنين الأكراد في تركيا، ويعمل أكثر من 100 نائب في حزب العدالة والتنمية من أصول كردية في البرلمان التركي.
من جهتهم، يخدم أكثر من 10 آلاف جندي كردي في القوات المسلحة التركية، كما يشغل البعض منهم حتى المناصب العليا. وتجدر الإشارة إلى أن رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية التركية من أصل كردي. لذلك، لسائل أن يسأل؛ هل يمكنك أن تجد مثل هذه الأمثلة خلال فترة حكم صدام حسين في العراق أو فترة حكم بشار الأسد في سوريا أو حسن روحاني في إيران؟ لم أُشر إلى حكومة برهم صالح في العراق لأنها على وشك الانقسام بسبب سياسات صدام وآثار الغزو الأمريكي.
إن الأكراد كانوا على علم بأنهم موضع ترحيب قبل رسم حدود اتفاقية سايكس بيكو
من جهة أخرى، توجد 4.5 مليون حالة زواج بين الأتراك والأكراد، إذ أنه عندما هاجم صدام الأكراد، وجد 500 ألف منهم ملاذا في تركيا، وعندما هاجمهم والد بشار الأسد، وجد أكثر من 100 ألف منهم مأوى في تركيا. وحينما هاجمهم الأسد الابن، وجد أكثر من 300 ألف من الأكراد ملاذاً في تركيا، لأن الأكراد كانوا على علم بأنهم موضع ترحيب قبل رسم حدود اتفاقية سايكس بيكو، وبأنهم سيكونون موضع ترحيب في أي وقت، وذلك على عكس ما حدث في سوريا تحت حكم حزب البعث العربي الاشتراكي أو في إيران تحت حكم الملالي الذي يتم خلاله إعدام الأكراد لأسباب سياسية.
في الماضي، عانى الشعب الكردي بالتأكيد من مظالم خطيرة في تركيا. فعلى سبيل المثال، لم يُسمح للأمهات بالتحدث باللغة الكردية أثناء زيارة أبنائهن في السجن. وفي مرحلة ما، أثار التحدث باللغة الكردية في الشوارع المشاكل. وفي فترة من الفترات، استبدلت ألوان إشارات المرور في مدينة ديار بكر بحيث لا تتم محاذاة اللون الأصفر والأحمر والأخضر فوق بعضها البعض، لتمثل بذلك ألوان علم حكومة إقليم كردستان العراقية. في المقابل، انتهت هذه الممارسات في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي قال في سنة 2005: “لا يجب على الدول القوية إنكار الأخطاء التي ارتُكِبَت في الماضي. وفي الواقع، لا تنتمي المشكلة الكردية إلى جزء معين واحد من هذا المجتمع، حيث تنتمي للمجتمع برمّته”.
في الحقيقة، هناك بعض الإصلاحات التي حققتها حكومة حزب العدالة والتنمية بين سنة 2004 و2014، وذلك على الرغم من معارضة حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية الشديدة، التي تتمثّل في الحق في الدفاع عن النفس باللغة الكردية والتعليم باللغة الكردية في المدارس الخاصة، واختيار اللغة الكردية كمنهج انتقائي في المدارس الحكومية.
هل يبدو هذا وكأن حزب العدالة والتنمية لديه مشكلة مع الأكراد، بخلاف إعطائهم حقوقهم المستحقة التي طال انتظارها؟
بالإضافة إلى ذلك، أُشير إلى الحق في استخدام الأسماء الكردية في الوثائق الرسمية والحصول على المطبوعات الدعائية للحملة الانتخابية باللغة الكردية، وهو حق يمارسه نواب ووزراء حزب العدالة والتنمية، إلى جانب إنشاء معاهد علم الكوردولوجيا في الجامعات الحكومية وإنشاء قناة تلفزيونية عمومية يطلق عليها “تي آر تي 6” والتي تُبث باللغة الكردية فقط على مدار 24 ساعة طوال أيام الأسبوع.
علاوة على ذلك، نذكر الحق في إنشاء قنوات إذاعية وتلفزيونية خاصة يسمح لها أيضا بالبث باللغة الكردية، وخدمة وكالة الأنباء الحكومية باللغة السورانية واللهجة الكرمانجية الكردية، وتنظيم المسرحيات الكردية في المسارح وتوزيع الكتب الكردية بحرية للمرة الأولى. كما أُدرجت أيضا درجة الدكتوراه في البرنامج الكردي في جامعة دجلة في مدينة ديار بكر، ولكن هل يبدو هذا وكأن حزب العدالة والتنمية لديه مشكلة مع الأكراد، بخلاف إعطائهم حقوقهم المستحقة التي طال انتظارها؟
دعنا نتطرّق إلى قضية تقديم وحدات حماية الشعب على أنهم “الأكراد” في سوريا، كما لو كان ذلك ممكنا وبشكل غير عنصري، أن نحدد مجموعة سكانية كاملة تحت راية جماعة مسلحة واحدة. وفي هذا الصدد، سأبدأ بإدراج أسماء القادة الأكراد السوريين الذين اغتالتهم وحدات حماية الشعب.
باختصار، لا تعدّ تركيا مجرد بلد “صديق للأكراد”، وإنما هي بلد الأكراد الذين يتعايشون جنبًا إلى جنب مع المواطنين الأتراك الآخرين
من بين هؤلاء القادة، نذكر رئيس حزب تيار المستقبل الكردي، مشعل تمو، وابن شقيقه، محمد كليف شيوان، وهو أحد كبار أعضاء حزب تيار المستقبل الكردي، ومحمود والي الذي شُهر بأبو جاندي وهو عضو بارز في المجلس الوطني الكردي. كما نذكر العضو البارز في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، شيرزاد حاج رشيد، ونصر الدين برهك، العضو البارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني والمقرّب من الرئيس مسعود مصطفى بارزاني.
علاوة على ذلك، نجد صالح بدر الدين وهو الأمين العام السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي فر إلى العراق هربا من اغتياله من قبل من وحدات حماية الشعب ومصطفى مسلم وهو شقيق القائد الأسبق لحزب الاتحاد الديمقراطي، صالح مسلم، الذي لجأ إلى تركيا للهروب من اغتياله على يد وحدات حماية الشعب.
في شأن ذي صلة، تتواصل القائمة مع 52 سياسيا الأكراد الذين اغتالتهم وحدات حماية الشعب من أجل تعزيز سلطتها. وتجدر الإشارة إلى أن حزب العمال الكردستاني اتبع الاستراتيجية العنيفة نفسها في تركيا خلال الثمانينات. وباختصار، لا تعدّ تركيا مجرد بلد “صديق للأكراد”، وإنما هي بلد الأكراد الذين يتعايشون جنبًا إلى جنب مع المواطنين الأتراك الآخرين. أما بالنسبة لوحدات حماية الشعب، فهي جماعة مسلحة تستخدم الإرهاب كوسيلة إما لاضطهاد أو إسكات الأكراد الذين لا يلتزمون بقواعدهم، ناهيك عن كونها الممثل الوحيد لجميع الأكراد السوريين.
المصدر: ديلي صباح