حالة من التفاؤل المشوب بالترقب تخيم على الشارع المصري في أعقاب مخرجات اللقاء الذي جمع بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، على هامش قمة سوتشي الروسية التي عقدت في 23/24 أكتوبر الجاري.
اللقاء يأتي بعد التصريحات المنسوبة لأبي أحمد التي أشار فيها إلى أن بلاده “ستحشد الملايين” إذا اضطرت لخوض حرب بسبب النزاع مع مصر على مشروع سد النهضة الذي تشيده إثيوبيا على نهر النيل، وهو ما أثار حفيظة المصريين ودفع الخارجية المصرية لإصدار بيان إدانة وتنديد بما جاء فيها.
تلك التصريحات التي ربما لم تكن الأولى من نوعها، إذ خرج وزير خارجية إثيوبيا الأسبق تيدروس أدهانوم بتصريحات مشابهة في 2015، قال فيها: “مصر أضعف من أن تدخل حربًا معنا”، إلا أنها الأجرأ والأخطر منذ رئاسة آبي أحمد – الفائز بجائزة نوبل للسلام قبل أيام – لحكومة بلاده، وهو ما تسبب في حالة الزخم الإعلامي والسياسي المصاحب لها.
ورغم توضيح رئيس الوزراء الإثيوبي خلال لقاء السيسي بأن تصريحاته حول السد “أخرجت عن سياقها”، بحسب ما نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط (حكومية) الخميس، عن الرئاسة المصرية، والاتفاق على استئناف المباحثات عبر رسائل طمأنة متبادلة من الطرفين إلا أن تاريخ المفاوضات عبر السنوات الثمان الماضية لم يكن في صالح المتفائلين بشأن ماهو قادم.
انفراجة مؤقتة
ردود فعل مصرية متفائلة في أعقاب اللقاء، ورغم أنه لم يتجاوز حاجز الوعود الشفهية الكلامية كما حدث في السابق، إلا أن البعض يعتبره نقطة مهمة لتجاوز معضلة اللجوء إلى الخيار العسكري والذي سيطر على المساحة الأكبر من اهتمام رواد السوشيال ميديا خلال الأيام القليلة الماضية.
الكاتب الصحفي محمود غلاب يرى أنه قد “حدثت انفراجة جديدة في ملف سد النهضة، بعد اللقاء الذى تم بين الرئيس السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبى أحمد بمدينة سوتشي الروسية.. مصر ليست عندها مشكلة في بناء إثيوبيا لسد النهضة، بشرط ألا ينتقص هذا البناء من حقوق مصر التاريخية في مياه النيل”.
وأضاف في مقاله المنشورة بصحيفة “الوفد” المصرية الحزبية أن “مصر أيضاً القلب الكبير الذى يحتوى شطحات بعض الأشقاء والأصدقاء، وأيضاً مصر دولة سلام، ولكن دائما نقول إن للصبر حدودا. فمياه النيل بالنسبة لمصر خط أحمر وأمن قومي ومسألة حياة أو موت، ومصر دولة سلام، ولكن لا تنازل عن أي حق من حقوقها مهما كلفها ذلك، وتملك من الإجراءات التي تمكنها من ذلك، ولكنها مصر دولة القانون، ودولة الحقوق والواجبات تفضل المفاوضات، وتحترم القنوات الدولية، وفي نفس الوقت مصر جاهزة للدفاع عن حقها في أي وقت.. ونحن نصدق أبي أحمد ونحترم تعهداته للمرة الثانية، ولكن يجب ألا يفهم البعض صبر مصر خطأ”.
وتحت عنوان “حكمة مصر فى «سد النهضة»“.. يقول الكاتب عماد الدين أديب إن “خيار العمل العسكري ممكن لكنه صعب، ومكلف وتهدده مسألة طول خطوط الإمداد والتموين والدعم بسبب المسافة الجغرافية لمسرح العمليات.. والآن يتم العمل على مستويين، أولاً مستوى اللقاء بين الرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء أبى أحمد في سوتشي. المستوى الثاني هو دعوة مصر لوجود وسيط قادر على المساعدة في حلحلة الخلاف، وفى هذا المجال قبلت مصر فوراً مبادرة واشنطن لاستضافة جلسات حوار وتفاوض في العاصمة الأمريكية”.
وأضاف أديب “أن هناك محاولات لجرّ مصر بقوة إلى استنزاف قوتها في صراعات إقليمية وجذبها إلى حرب بحرية في المتوسط ضد عمليات قرصنة الغاز التركية وجذبها أيضاً إلى حرب أخرى في البحر الأحمر تجاه إثيوبيا. الرئيس السيسي يدرك ذلك منذ أن كان رئيساً لجهاز الاستخبارات العسكرية والاستطلاع، ثم وزيراً للدفاع كان همه الأول هو تسليح مصر بالعتاد اللازم لخوض أي حرب إقليمية خارج حدود مصر إذا دعت الحاجة القصوى، خاصة حينما يكون الصراع هو حماية ثرواتها في الطاقة أو المياه أو كلتيهما.. إذن، مصر تتفاوض وتقبل بالوساطة وتحاول أن تستنفد الدبلوماسية إلى آخر مدى، وتتسلح بأقوى ترسانات السلاح التي جعلتها تقفز من المركز الـ17 إلى المركز التاسع في ميزان التسلح العالمي”.
استدعاء صفقة القرن
وفي الجهة الأخرى ذهب الكاتب وائل قنديل إلى ماهو أبعد من ذلك، لافتا إلى أنه “لا السيسي ولا أبي أحمد، ولا الظروف الدولية والإقليمية، تسمح بالتفكير، مجرّد التفكير، في خيار الحسم العسكري، والأرجح أن القصة برمتها تأتي في إطار تهيئة الرأي العام في دول الأزمة لتجرّع قرارات وإجراءات غير مسبوقة في التاريخ، تخص مياه النيل”
قنديل في مقاله في العربي اللندنية أضاف أنه “يمكن النظر إلى التصعيد في أزمة سد النهضة، باعتباره مفتعلًا ومصطنعًا، وبالتنسيق بين أطراف المشكلة، بهدف تحويل الموضوع إلى ملفٍّ دولي وإقليمي، يتجاوز أطرافه المباشرة، بحيث يكون الأمر كله في عهدة دونالد ترامب، وهو ما يعني مباشرةً أن تل أبيب حاضرة على الخط، حتى وإن غابت عن الاجتماعات والمفاوضات الأمريكية الخاصة بالنيل”.
ذلك السيناريو – وفق مصادر خاصة به – لم يعد مستبعداً تماماً؛ بل إنه ربما بات السيناريو الأقرب، في ظل الموقف الصعب الذي تمرّ به مصر في تلك الأزمة؛ نظراً إلى رفض إثيوبيا التصور المصري الخاص بملء خزان السد مع إثيوبيا، وفشل كل المفاوضات، مع استمرارها في مواصلة عملية البناء، واقترابها من عملية التشغيل الرسمي للسد في 2021، على حد قوله.
وأختتم الكاتب المصري موضحًا: “هنا تحضر قصة الأحلام والأطماع الصهيونية القديمة في مياه نهر النيل، والتي أطلت مع مسار كامب ديفيد واندفاع الرئيس السابق أنور السادات في هذا الطريق، الأمر الذي تجد أصداءه في كتاب وزير الخارجية الأسبق، بطرس غالي (طريق مصر إلى القدس)، والذي يسرد فيه جوانب من حماس السادات لتوصيل مياه النيل إلى الكيان الصهيوني، عن طريق ترعة السلام… لو وضعت ذلك كله أمام إصرار دونالد ترامب على اللعب في خرائط المنطقة، وجنونه بمشروع صفقة القرن، وانصياع عبد الفتاح السيسي الكامل له، واعتقاده المطلق بأن استمراره مرهونٌ بإرادة الكيان الصهيوني وحمايته ودعمه، فليس تحليقًا في الخيال أن يكون النيل أحد ضحايا صفقة القرن”.
لماذا تدخلت واشنطن؟
على مدار 8 سنوات كاملة هي عمر المفاوضات بين القاهرة وأديس أبابا لم تتدخل واشنطن بشكل مباشر وواضح كما اليوم، إذ اقتصر حضورها على عبارات دبلوماسية فضفاضة، مثل “نحن نعبر عن قلقنا المتزايد من التوتر حول مياه نهر النيل، ونناشد كل الأطراف العمل معا لحل الخلافات حول سد النهضة عن طريق التعاون فيما بينهم”.
غير أنه ومع تصاعد الأزمة في الأيام القليلة الماضية بادرت الولايات المتحدة برعاية لقاء يجمع بين السيسي وأبي أحمد للوصول إلى نقطة مشتركة لحلحلة الأزمة تجنبًا للوصول إلى طريق مسدود يكون الخيار العسكري فيه أحد الخيارات المقترحة على طاولة الحلول.
الخارجية المصرية في بيانها الصادر تعليقاً على تصريحات رئيس وزراء إثيوبيا الصادمة ألمحت إلى قبولها دعوة أمريكية لعقد لقاء مع الجانب الإثيوبي، تزامنت هذه الدعوة مع رعاية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقاء السيسي – آبي أحمد في سوتشي قبل يومين.
دبلوماسي أمريكي سابق، في تفسيره للتدخل الأمريكي بهذه الطريقة في هذا التوقيت، قال إن “الخوف من أن تلعب روسيا أو الصين دورا كبيرا في حل النزاع حول سد النهضة هو العامل الرئيسي الذي دفع واشنطن للتدخل، خاصة مع استضافة موسكو القمة الروسية الأفريقية”.
وأضاف في تصريحات نقلتها “الجزيرة نت” أن عرض موسكو القيام بدور الوساطة بين القاهرة وأديس أبابا سبب إزعاجا كبيرًا لواشنطن كونها أكبر جهة داعمة للدولتين من حيث كم المساعدات العسكرية والاقتصادية الذي يتخطى ملياري دولار سنويا.
البعض يرى أن العلاقات القوية التي تجمع بين أمريكا والدولتين قد تسمح لها بلعب دور بنّاء يقلل من حجم الخلافات بين الطرفين، على عكس الوضع تماما مع الجانب الروسي الذي يسعى رويدًا رويدًا لتعزيز حضوره في مختلف الملفات الإقليمية والدولية، ساحبا بساط الريادة من العملاق الأمريكي في كثير من الميادين.
وتجمع أمريكا علاقات جيدة مع كل من القاهرة وأديس أبابا، فالأولى تلقت مساعدات أميركية بلغ مجموعها 80 مليار دولار خلال العقود الأربعة الأخيرة، فيما تعد الثانية أكبر الدول المتلقية للمساعدات الاقتصادية والتنموية الأميركية بين دول القارة الأفريقية، وبلغ ما تلقته عام 2018 مليار دولار، كما تمثل الجالية الإثيوبية في الولايات المتحدة –التي تمثل المرتبة الثانية ضمن الجاليات الأفريقية بعد الجالية النيجيرية بما يزيد عن 400 ألف شخص- عنصرا هاما في حسابات واشنطن.
حالة من فقدان الثقة تخيم على الشارع المصري بشأن رسائل الطمأنة التي بعث بها آبي أحمد بشأن مفاوضات السد خاصة وأنها ليست الأولى من نوعها التي أخل بها وخالفها، فيما يعول أخرون على دور الوساطة الأمريكية والروسية في الضغط على أديس أبابا لتجنب التصعيد مع القاهرة.