عُرض فيلم Ad Astra للمرة الأولى بمهرجان فينيسيا السينمائي في 29 من أغسطس الماضي ثم عُرض في حفل افتتاح مهرجان الجونة السينمائي بمصر وذلك قبل بدء العرض التجاري للفيلم بجميع دول العالم، وAd Astra هو مصطلح لاتيني يعني “عبر النجوم”، إذ تدور أغلب أحداث الفيلم في الفضاء بصورة تتهادى بعبقرية لا مثيل لها على الشاشة، يصور فيها المخرج جيمس غراي عالمًا من الاغتراب والتناقضات بين الأرض والسماء، بين الحضور والغياب وبين الواقع والمتخيل، كل هذا يتم عبر الحوار الداخلي لبطل الفيلم براد بيت.
ابن يبحث عن والده المفقود في الفضاء
منذ المشهد الافتتاحي للفيلم الذي كتب السيناريو الخاص به جيمس غراي بالتعاون مع إيثان روس تشعر بأنه فيلم خاص تم العمل عليه باحترافية وبقدر كبير جدًا من التأني وربما ذلك ما يبرر صعوبته، ليس فقط على المستوى الفني ولكن أيضًا على مستويات الأداء والإخراج، وكذلك على مستوى الحوار الذي توغل كثيرًا في النفس الإنسانية وحاول البحث عن معنى الحياة.
المشهد الافتتاحي للفيلم
يبدأ الفيلم الذي تدور أحداثه في المستقبل القريب بمشهد سقوط رائد الفضاء روي كليفورد ماكبريد عن أحد جوانب المحطة الفضائية وذلك بعد خروجه منها لإصلاح عطل ما، فيما بعد يعرف روي أن سقوطه كان بسبب انبعاث حراري كوني أطلق جزئيات طاقة عالية تسببت بخلل كهربائي هائل حول العالم، وبمرور الوقت يصبح الإشعاع أقوى مما يهدد الحياة على كوكب الأرض بأكمله.
وللبحث عن أسباب تعرض الأرض لتلك الانبعثات تطلب وكالة الفضاء من روي الذهاب في رحلة لكوكب نبتون من أجل البحث عن والده كليفورد ماكبريد أعظم رائد فضاء في الوكالة وصاحب مشروع ليما، أول بعثة للبشر خارج النظام الشمسي، ورغم أن روي كان على يقين أن والده فارق الحياة في مهمة فضائية منذ أكثر من عشرين عامًا فإن الوكالة أكدت له أن والده ربما ما زال على قيد الحياة في كوكب نبتون.
نحو الفضاء
على غرار فيلم غراي الأخير، The Lost City Of Z قد يبدو Ad Astra قصة مغامرة تقليدية، لكنه في الواقع رحلة داخلية متطورة فكريًا متقنة بدقة يتصارع فيها البطل مع أفكاره الداخلية دون إظهار أي مشاعر على السطح، وهنا تكمن تحديدًا عبقرية أداء الممثل براد بيت، فهو شخص غير اجتماعي لا يمكنه التواصل مع المحيطين به وغير انفعالي ولا يتحدث كثيرًا، ولهذا كان على بيت طوال الفيلم تمثيل الدور بأقل الكلمات واللمسات والتعابير الممكنة والمشاعر التي تخالجه التي يجب أن نشعر نحن المشاهدين بأن البطل كافح كثيرًا لكبحها.
وربما لهذا السبب يستخدم غراي باستمرار كادرات مقربة على وجه براد بيت ليمنح المشاهدين فرصة اصطياد التعبيرات البسيطة، في البداية نشعر بأن الفيلم يتحدث عن رحلة الفضاء ولكنها في الحقيقة رحلة داخل نفس البطل روي، ففي محاولته للم الشمل مع والده وفي طريقه لكوكب نبتون كانت تجول داخل الشخصية مزيج من مشاعر مرتبكة تجمع بين الحب والغضب والخيانة لأن والده كان دائمًا يفضل عمله على أسرته.
اجتماع الابن والأب
في المستقبل القريب سيتم غزو القمر وتستخدم موارده بشكل تجاري، كما ستُستغل الحيوانات من أجل تجارب الفضاء، وهو الأمر الذي ظهر بوضوح في رحلة روي التي انتهت بلقاء والده، إذ سيعرف روي أن مشروع والده أساس الكارثة التي تتعرض لها الكرة الأرضية، فبعد أن اختلف الأب مع فريقه قتلهم جميعًا وكسر شيئًا تسبب في تلك الإشعاعات، أما عن سبب عدم عودته للأرض فهو رغبته في إصلاح ما أفسده، يدرك روي في نهاية المطاف أنه وعلى الرغم من كل التكنولوجيا والتقدم العلمي الهائل الذي حققه البشر يظل هناك دوم شيء ناقص، فكلما ذهب الإنسان خارجًا نحو الفضاء يزداد إدراكه بما لا يدع مجالًا للشك أن اللغز العظيم يتمثل في شخصه هو.
مؤثرات بصرية
رغم أن الفيلم يرتكز في ثيمته الأساسية على البطل الذي يبحث عن والده ثم يكتشف بأنه يبحث عن ذاته، فإن ذلك لا يمنع أن الفيلم امتلك ما يجعله فيلم خيال علمي بامتياز من ناحية التصوير واستخدام المؤثرات البصرية بشكل ممتاز، حيث تعاون غراي مع المصور السينمائي هويت فان هويتما ومصمم الإنتاج كيفين تومبسون ومشرف المؤثرات البصرية آلن ماريس الذين قدموا صورًا رائعة بينما يتنقل روي من الأرض إلى القمر ثم إلى كوكب المريخ ومنه إلى كوكب نبتون في تسلسل استثنائي وغير متوقع ينقل روعة الفضاء الخارجي، وخلال عرض هذه المشاهد كان يطغى على الفيلم سكون هائل تماهى بشكل إبداعي مع سكون العالم خارج النظام الشمسي.
رائد الفضاء روي في كوكب المريخ
جدير بالذكر أن اختيارات غراي في التصوير السينمائي كلاسيكية بامتياز حيث يختار دومًا التصوير على خام نتجاتيف ويستخدم الكاميرا المثبتة على حامل عوضًا عن الكاميرا الديجتال، فالمدرسة الحديثة التي تميل لاستخدام الكاميرا المحمولة على الكتف لا تستهويه أبدًا، وهذا الطابع الكلاسيكي في التصوير يستكمله باستخدام الخدع البصرية عوضًا عن ألاعيب الجرافيك ليبدو الفضاء في فيلمه أقرب لمدرسة كريستوفر نولان الكلاسيكية في فيلم الفضاء الشهير Interstellar الذي صوره هويت فان هويتما نفس المصور السينمائي لفيلم Ad astra.
نجم عام 2019 بامتياز
طوال أحداث الفيلم نتابع أداء براد بيت الذي عاش صراعًا طوال حياته، بين كرهه لأبيه ورغبته في أن يكون مثله ولهذا التحق للعمل بالفضاء مثله، نراقب أيضًا سكونه الدائم وأنينه الداخلي، ورغم أن شخصية روي باردة، فإنها تغيرت كثيرًا خلال الرحلة نحو الفضاء، كل هذا جسده برايد من خلال صوت ثابت تقريبًا عبر السرد.. نغمة الصوت لم تتغير أبدًا رغم الصراع الداخلي وهي خصيصة يجب أن تتوافر في رائد الفضاء إذ يكون هادئًا طوال الوقت حتى يستطيع التصرف في المواقف الصعبة.
كان الدور يحتاج إلى ممثل سيستخدم تعبيرات وجهه فقط أغلب الوقت وقد أدى براد بيت الدور ببراعة، والحقيقة أن هذا الدور ليس الوحيد الذي مثله بيت هذا العام باحترافية، فبعد حالة التخبط الأخيرة التي دخل فيها النجم الأمريكي منذ بداية هذا العقد عاد بقوة من خلال فيلم Once Upon a Time in Hollywood قبل تمثليه لفيلم AD Astra، ولهذا فمن المتوقع أن يحصل على ترشيحين أوسكار هذا العام، أفضل ممثل في دور مساعد عن فيلم Once Upon a Time in Hollywood وأفضل ممثل رئيسي عن دوره في فيلم AD Astra.