ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: مارك دوبويتز وهنري سوكولسكي
ماذا لو كانت المفاعلات النووية الهدف للهجوم الصاروخي الدقيق الذي وقع الشهر الماضي على منشآت النفط السعودية؟ لكنا الآن ننظّف كارثة تشيرنوبل في الشرق الأوسط. وتتمثل العبرة التي ينبغي أخذها من ذلك في عدم بناء مزيد من المفاعلات الضخمة في المنطقة، نظرا لخطر نشاطها الإشعاعي.
تملك المملكة العربية السعودية خططا لبناء مجموعة من محطات الطاقة النوويّة الضخمة. وفي الأثناء، تنفق الإمارات العربية المتحدة 20 مليار دولار لاستكمال أربعة مفاعلات تجارية في محطة براكة للطاقة النووية، في حين شرعت كل من مصر وتركيا في بناء محطتين روسيّتين ضخمتين للطاقة النووية. في الوقت نفسه، تمتلك إيران مفاعلين نشطين إلى جانب أنها بدأت في بناء مفاعلين آخرين. لكن بعد الهجوم الصاروخي الذي شنته إيران على المملكة العربية السعودية في الرابع عشر من أيلول/سبتمبر، أصبحت هذه المحطات معرضة لخطر الإبادة.
تعدّ الصواريخ دقيقة التوجيه السبب الرئيسي وراء الهجوم. فبعد فترة وجيزة من الهجوم الإيراني على السعودية، كشفت الصور عن إصابة كل صهريج نفط في بقيق في المكان نفسه، وقدَرت دقّة الصواريخ بمتر واحد، التي من شأنها أن تجعل حتى أضخم المفاعلات أهدافا سهلة. وبدلاً من استهداف الجزء الأكثر حماية من المحطة، وهو مبنى الاحتواء الخرساني الكبير الذي يغطي قلب المفاعل، يمكن للصواريخ الدقيقة أن تعرض مرافق المفاعل الاحتياطية الرئيسية للخطر.
هناك مجمّع تخزين الوقود المستهلك بالمفاعل، حيث أن استهدافه واستنزاف مضخات التبريد فيما بعد سيساهم في احتراق الوقود المستنفذ، وهو ما يخاطر بإطلاق نشاط إشعاعي كبير
من بين النقاط المستهدفة، نجد مولدات الديزل الكهربائية الاحتياطية التي تبنيها محطات الطاقة. كما أن ضرب هذه المولدات الكهربائية ينجر عنه تجريد المفاعل النووي الاحتياطي من الطاقة الاحتياطية التي تحافظ على سلامته وسلامة أنظمة مضخات التبريد التي تعمل عند توقّف كهرباء الشبكة المزوّدة بسبب انقطاع التيار الكهربائي أو العواصف أو الهجمات. بعد ذلك، يأتي دور خطوط الطاقة الكهربائية الرئيسية القادمة إلى المحطة، حيث أن ضرب كل من هذه الخطوط ومولدات الديزل الكهربائية الاحتياطية سيساعد على اختراق مضخات التبريد في المحطة وأنظمة الأمان للطاقة النووية كلها.
وتجدر الإشارة إلى أن انهيار قلب المفاعل وحرائق الوقود في مجمّع تخزين الوقود المستهلك سيكونان مضمونين، وذلك على غرار كارثة فوكوشيما. ومع ذلك، هناك نقطة هدف أخرى، وهي غرفة التحكم في المفاعل والتي غالبا ما تتمركز خارج الجدران العازلة للمفاعل. فضلا عن ذلك، سينجرّ عن ضرب هذه الغرفة إحداث خلل في المحطة، مما سيتسبب مرة أخرى في انهيار المفاعل.
علاوة على ذلك، هناك مجمّع تخزين الوقود المستهلك بالمفاعل، حيث أن استهدافه واستنزاف مضخات التبريد فيما بعد سيساهم في احتراق الوقود المستنفذ، وهو ما يخاطر بإطلاق نشاط إشعاعي كبير. في المقابل، ما مدى حجم النشاط الإشعاعي الذي سينتشر؟ في هذا الصدد، قدّرت اللجنة التنظيمية النووية الأمريكية أن احتراق الوقود المستنفد من محطة طاقة نموذجية من المرجح أن يؤدي إلى إطلاق ضعف الإشعاع الضار الذي انتشر في كارثة فوكوشيما. وبناء على ذلك، تتوقع اللجنة التنظيمية النووية إرساء منطقة إجلاء منشودة أكبر بحوالي 700 مرة مما تطلبته كارثة فوكوشيما.
والجدير بالذكر أن بعض أصحاب المفاعلات النووية يذكرون مخاطر الهجمات الجوية. وفي هذا الصدد، أعلنت بيلاروس عن نشرها لدفاعات جوية وصاروخية حديثة لمواجهة هجمات عسكرية محتملة ضد مصنعها النووي الجديد. بالإضافة إلى ذلك، دافعت إيران والجزائر و”إسرائيل” عن مفاعلاتهم النووية، كما أشار المسؤولون في الإمارات العربية المتحدة إلى أن لديهم مثل هذه الأنظمة.
في المقابل، هل ستعمل هذه الأنظمة ضد نوع الصواريخ عالية الدقة التي أطلقتها إيران على السعوديين؟ يذكر أنه في هجوم أيلول/ سبتمبر، حلَقت خمسة وعشرون الطائرات دون طيار المهاجمة والقذائف الطائرة من دون أن يقع اكتشافها، كما أنها لم تتشابك مع أي من الدفاعات الجوية للرياض (والتي تضمنت أنظمة باتريوت الأمريكية ومنظومة سكاي جارد الألمانية ونظام الدفاع شاهين الفرنسي).
يشك بعض الخبراء في أنه لا يمكن لأي نظام دفاع جوي حالي أن يقدّم ما هو أفضل من ذلك. وكان الهجوم السعودي مصدر صدمة لكل من كبير المسؤولين السياسيين في البنتاغون ورئيس وزراء “إسرائيل”،. ومن جهتها، حذرت الولايات المتحدة علنًا من أن الناتو لا يمكنه حاليًا التعامل مع مثل هذه الصواريخ التي تحلق على ارتفاع منخفض. وعلى الرغم من دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى إرساء برنامج لتطوير الدفاع الجوي الإسرائيلي بمليارات الدولارات للتعامل معهم، إلا أن تأمين مثل هذه الدفاعات، لن يكون سهلاً.
ما يُثير الاهتمام أن جيران الشرق الأوسط يعتبرون أن كل مفاعل ضخم تملكه دولة في المنطقة هو بمثابة عُدّة لصنع قنبلة نووية مستهدفة عسكريًا
في هذه الأثناء، تحتاج دول الشرق الأوسط إلى المزيد من المفاعلات، حيث ينطبق ذلك على إيران وتركيا ومصر والإمارات العربية المتحدة والأردن والمغرب والجزائر والمملكة العربية السعودية. وفي الواقع، لا تحتاج أية دولة في الشرق الأوسط الغارق في الغاز الطبيعي والطاقة الشمسية إلى الطاقة النووية. وتُعتبر الكهرباء المتجددة التي تعمل بالغاز أرخص كثيرا ويُمكن صنعها بطريقة أسرع.
في الحقيقة، ما يُثير الاهتمام أن جيران الشرق الأوسط يعتبرون أن كل مفاعل ضخم تملكه دولة في المنطقة هو بمثابة عُدّة لصنع قنبلة نووية مستهدفة عسكريًا. وفي سنة 1980، بدأت إيران أولى محاولاتها لتدمير مفاعل اوسيراك النووي التابع للديكتاتور العراقي صدام حسين في غارة جوية من أربع طائرات، ثمّ أنهى المقاتلون الإسرائيليون المهمة في سنة 1981.
بدورها، هاجمت الطائرات العراقية مفاعل بوشهر الإيراني ست مرات بين سنة 1984 و1988. ومن جهته، أطلق حسين ثلاثة صواريخ على منشأة ديمونة الإسرائيلية خلال حرب الخليج في حين استهدفت ودمرت القوات الجوية الأمريكية معظم المنشآت النووية العراقية. أما المملكة المتحدة والولايات المتحدة، فقد واصلتا قصف المواقع النووية العراقية المشتبه فيها بعد الحرب. وفي سنة 2007، دمرت الطائرات الإسرائيلية المفاعل النووي السوري غير المعلن عنه في مدينة دير الزور.
في أواخر سنة 2017، ادعى الحوثيون أنهم أطلقوا صاروخ جوّال على محطة براكة للطاقة النووية في الإمارات. وفي ذلك الوقت، نفى المسؤولون الإماراتيون وقوع الهجوم وادعوا أن براكة كانت “محصنة” نظرا لأن “لديها نظام دفاع جوّي قادر على التعامل مع أي تهديد من أي نوع”. وفي الوقت الراهن، ينبغي على الإماراتيين وأي شخص آخر يشجّع المفاعلات في الشرق الأوسط أن يقلق من أن أحلامهم النووية قد تتلاشى وتصعد في شكل “سحابات إشعاعية”.
المصدر: واشنطن إكزامينر