اللواء عرعر: إيه اللي عملته مع الأولاد في النادي ليلة إمبارح يا حيوان؟
العسكري هلال: والله العظيم ما حصل مني أي حاجة غلط يا سعادة الباشا.
اللواء عرعر: زعلَّت الولد الصغير منك ليه يا ولد؟ أنا باعتك معاه النادي عشان تخلي بالك منه ولا عشان ترجعه البيت زعلان؟
العسكري هلال: يا سعادة الباشا أنا مزعلتوش، أنا كنت واخد بالي منه، وعيني كانت عليه مرمشتش (لم تغمض)، لكن هو اللي أدَّير ورا ضهري وشبكلي ديل (ذيل)، وأنا مش واخد بالي، وبعدين يعني سعادته هو والأساتذة العيال صحابه هاتك يا ضحك وتريقة (استهزاء) وأنا مش واخد بالي، لما خدت بالي كشيت (صرخت) فيه بس، وقولتله عيب كدا يا سامح بيه، ما هو برضو كل حاجة وليها حدود يا باشا.
اللواء عرعر: حدود إيه يا حيوان؟ وماله لما يركبلك ديل! ما أبوك في البلد له ديل، وأمك في البلد ليها ديل.
العسكري هلال: سعادة الباشا، خلي أبويا وأمي بعيد إلهي يستر عرضك.
اللواء عرعر: وكمان بترد عليَّ يا حيوان، دوَّر نفسك مكتب، انتباه يا عسكري، أنا هرجعك الوحدة تاني عشان تتربى هناك، وهخليك تبوس الجزم (الأحذية)، وتفقد مدة يا حيوان.
يصور هذا الحوار المقتضب موقع العسكري هلال، القروي الساذج الذي يؤدي دوره الفنان أشرف عبد الباقي، من السلطة، فهو يتحمل إهانات رئيسه الأعلى اللواء عرعر الذي يؤدي دوره الفنان سامي سرحان، الذي لا يأمر العسكري بتنظيف مكتبه من الغبار فحسب بل أيضًا يأمره بالاعتناء بأطفاله.
من خلال هذا المشهد في فيلم “الإرهاب والكباب” وغيره الكثير والكثير من المشاهد، سبق للسينما المصرية أن غاصت إلى أعماق أبعد من عرض سلبيات التجنيد الإجباري في مصر وما تسلبه من عقول أبنائها لا من أعمارهم فقط، حتى سُخرة العساكر جرى تناولها سينمائيًا بصورة أشد صراحة.
عقود وعقود مرت دون أن تختلف صورة العسكري، فحكاية التجنيد الإجباري التي سردها الفيلم تشي أن عقارب الساعة متوقفة داخل المؤسسة العسكرية المصرية، حيث يمثِّل المجندون فيها قاعدة الجيش والفئة الأكبر بين أفراده، والأداة الأساسية للحكومة المصرية في التصدي للإرهاب.
بعيدًا عن سرديات السينما التي تبدلت في السنوات الأخيرة، لا يبدو أن حكايات العساكر أوشكت على الانتهاء، ففي السطور التالية، يروي مجندون سابقون وحاليّون في الجيش المصري لـ”نون بوست” ما حدث – وما زال يحدث – معهم في أثناء مدة خدمتهم العسكرية، إلا أن ما يذكره هؤلاء المجندون لا يعدو رصدًا لحقائق مريرة عاشتها أجيال ممن أدوا الخدمة العسكرية.
“قضيت فترة التجنيد الإجباري في خدمة حيوانات القائد بدلاً من خدمة الوطن”، يقول جاد
في خدمة القائد لا الوطن
بحسب شهادات العديد من المجندين، فإن معظم أوقاتهم لا يقضونها في الأعمال العسكرية، بل على العكس تمامًا، يجري تطويع جهل الأبرياء بضرب السياط خدمةً للسلطة، فُيجبرون على الانخراط في أعمال السُخرة لدى الضباط مثل قيادة السيارة وشراء احتياجات زوجات الضباط، وغيرها الكثير من الأعمال.
آخرون تحدثوا عن الزج بهم في المشروعات القومية التي ينفذها الجيش، وفي حين أن منهم مَنْ يلتحق بالتجنيد في مزرعة أو مصنع أو فندق تابع لأحد قيادات القوات المسلحة، خاصة المتقاعدين منها، هناك أيضًا من يقضي مدة خدمته يعمل في إحدى محطات البنزين التابعة للجيش.
يقول المجند السابق بإحدى الكتائب العسكرية بمدينة أبورديس بمحافظة جنوب سيناء، ويُدعى جاد منصور: “في اليوم الأول من وصولي الوحدة الأساسية بعد قضاء 40 يومًا في مركز التدريب، سأل قائد الكتيبة، وكان برتبة مقدِّم أركان حرب، عن شخص يجيد التعامل مع الحيوانات”.
كان السؤال غريبًا بالنسبة لجاد، لكن كونه من محافظات الصعيد، حيث الاهتمام بالزراعة وتربية الماشية، اختاره قائد الكتيبة بعد رفع إصبعه ليكون مسؤولاً عن مزرعة الكتيبة، أو بالأحرى كما يقول “مزرعة القائد”، التي تشمل عددًا من الماشية والأشجار المثمرة، وهو الأمر الشائع بالنسبة للمزارع التي يمتلكها قادة الكتائب التابعة للواء.
ورغم امتعاضه مع مرور الوقت من دوره الذي يؤديه، فضَّل جاد قضاء فترة خدمته الإجبارية في هذا المكان، ويقول: “لما بسمع اللي بيحكيه زمايلي أو اللي كنت بشوفه بعيني من تكدير وإهانة وضرب وطوابير ونظافة كنت أحمد ربنا إني بعيد عنهم”.
يضيف جاد في حديثه لـ”نون بوست” أن ما يفعله لم يكن أبدًا مشابهًا لما رسمه في مخيلته عن عمل الجيش والمعارك التي يخوضها والعمليات العسكرية التي يُروج لها على شاشات التليفزيون، لكن في النهاية، “قضيت فترة التجنيد الإجباري في خدمة حيوانات القائد بدلاً من خدمة الوطن”، يقول جاد.
<em>صورة لمجند يبيع خيار وكوسة أثارت الجدل على مواقع التواصل</em>
مجند آخر، يُدعى محمد إسماعيل، وهو حاصل على بكالريوس تجارة، ويقضى مدة خدمته العسكرية في الغردقة، يقول إنه اُضطر أن يكون مسؤولاً عن “كانتين” الكتيبة خلال فترة غياب زميله، لكنه فوجئ بأوامر تُلزمه بالاستمرار في مسؤوليته عندما حقق خلال فترة قصيرة صافي ربح عجز زميله عن تحقيقه.
يضيف محمد في حديثه لـ”نون بوست”: “رغم أنني كنت مسؤولاً عن محطة رصد الطائرات داخل الكتيبة، لكن القائد اختار عسكري مؤهل متوسط عشان يكون مسؤول عن محطة الرصد، وشاف (رأى) أنه من الأفضل بالنسبة له أن أكون مسؤولاً عن الكانيتن، واتضح لي ساعتها أن كل اللي يهمه هو الفلوس من خلال سبوبة الكانتين”.
ويبدو من حديث محمد أنه لم يكن العسكري الوحيد المُستغل داخل الكتيبة، إذ يكمل حديثه قائلاً: “في أول يوم في الكتيبة القائد بيسأل مين معاه حرفة زي السباكة أو النجارة أو الزراعة والقيادة والحلاقة، واللي بيقع عليهم الاختيار بعدها يبعتهم (يرسلهم) القائد أو ممكن يجامل بيهم قائد تاني أعلى منه لو احتاج حد منهم يخلصله شغلانة في كتيبته أو حتى في بيته، ودا خلا عساكر كتير ميقولوش إن معاهم صنعة، لأن كل ما تكون مجتهد تزيد مسؤولياتك في الجيش”.
بخلاف هؤلاء الأصحاء الذين يستغلهم القادة في أعمالهم الخاصة، يروي عمرو. س أنه “في كتيبة واحدة كان في أكثر من حالة مَرَضية يُفترض أنها تحصل على إعفاء من أداء الخدمة العسكرية، لكن بدلاً من ذلك، يدخل هؤلاء الجيش، ويقول لهم القادة: “قدموا تظلم بعد ما تترحلوا على وحدتكم الأساسية”.
يذكر عمرو أن الكتيبة التي كان بها بمنطقة فايد بمحافظة الإسماعيلية كان بها أكثر من حالة مَرَضية تستدعي الإعفاء من دخول الجيش
بالنسبالي، يقول عمرو، كان عندي حَوَل في العين، ومشيت في الإجراءات لمدة 6 شهور لحد ما أخدت شهادة بعدم اللياقة الطبية، رغم إن فترة التجنيد بتاعتي كانت سنة واحدة، وخلال الفترة دي، كان القائد يقول إن كل واحد في الجيش له مهمة، ولأن حالتي لا تسمح أن أقف خدمة ليلية، كانت مهمتي تنظيف الحمامات، وفي أوقات قلة العساكر، بيجبروني أقف خدمة”.
رغم أن المادة 7 من القانون 127 لعام 1980 تنص على “يُعفى من الخدمة العسكرية والوطنية نهائيًا من لا تتوافر فيهم اللياقة الطبية لتلك الخدمة”، فإن عمرو يذكر أن الكتيبة التي كان بها بمنطقة فايد بمحافظة الإسماعيلية كان بها أكثر من حالة مَرَضية تستدعي الإعفاء من دخول الجيش، ومنها من كان عنده انزلاق غضروفي، وآخر كان يعاني من السمنة المفرطة وصعوبة الحركة، وثالث يعاني من صعوبة في السمع، وهو نفس الوضع بالنسبة للكتائب الأخرى.
السُخرة.. قصة التحول من مقاتل إلى بائع
قبل عامين، أثارت صورة تُظهر مجندًا بالجيش المصري جالسًا على “أقفاص” خضار يبيع الخيار والكوسة، أمام منفذ بيع للقوات المسلحة، جدلاً واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن مع مرور الوقت، لم تعد صور المجندين الموزعين على منافذ البيع التابعة للجيش والشرطة، والعربات المتنقلة بالميكرفونات، أمرًا مثيرًا للدهشة، بل ليس غريبًا أن ترى الآن رُتبًا عسكرية عالية تمارس هذا النشاط علانية.
وليس ثمة دليل على ذلك أكثر من متابعتك لأحد المنافذ المنتشرة بكثافة على مستوى محافظات الجمهورية، وفي إحداها التي زرناها في ميدان الثقافة بمحافظة سوهاج، كان ضابط برتبة نقيب – وتحت إمرته مجندان بلباس عسكري – يعرض أصناف بضاعته (لحوم وخضراوات ومعلبات وغيرها) كأنه تاجر ماهر لم يدرس العلوم العسكرية داخل الكلية الحربية.
المجند يقضي خدمته العسكرية في عمل مدني بلا مقابل تقريبًا بدلاً من زميله المدني الباحث عن فرصة عمل دون جدوى
يقول علي. م: “أنا جبت واسطة عشان أخرج برا الكتيبة، وأقضي فترة الخدمة بتاعتي في منفذ من منافذ القوات المسلحة، لأني سمعت إن الشغل في الكتيبة كله إهانة ومعاملة ميري رغم إن العساكر في الكتيبة بيقولوا إنهم مش بيعملوا حاجة غير النظافة طول اليوم”.
يضيف علي في حديثه لـ”نون بوست”: “كنت بروَّح كل يوم أنام في البيت وأرجع تاني يوم الصبح كأني موظف حكومي، لكن الفرق بيني وبينهم إني كنت بقضي 16 ساعة في المنفذ، وكمان مكنتش بأخذ راتب شهري غير 350 جنيهًا، وفي الغالب كنت بدفع ضعف الفلوس دي مرتين مواصلات وأكل وشرب، لكن في سبيل راحتي كنت باخد الفلوس من أبويا وكأني طفل صغير”.
بخلاف المئات من منافذ البيع التي يديرها مجندون، يتوسع مفهوم السُخرة ليشمل استهلاك المجندين في مشاريع الجيش المصري وأعماله المدنية على نحو يثير جدلاً واسعًا، فلا ضرائب ولا رقابة على هذه الأنشطة، كما أن المجند يقضي خدمته العسكرية في عمل مدني بلا مقابل تقريبًا بدلاً من زميله المدني الباحث عن فرصة عمل دون جدوى، وهي سياسة حذر كثيرون من آثارها الكارثية على الاقتصاد المصري من ناحية، وكفاءة القوات المسلحة من ناحية أخرى.
في مواجهة الإرهاب.. واقع المجندين بالجيش المصري
بطبيعة الحال، لا يمكن النظر إلى ما يؤديه هؤلاء المجندون على أنه الدور الأساسي المنوطين به، لأنه من المفترض أن يتعلموا كيفية التدريب من أجل الحرب بدلاً من استغلال حدود الطاعة الواجبة عسكريًا بين المجندين والرتب الأعلى، واستخدامهم كخادمين يدبرون لهم ولأسرهم شؤون حياتهم اليومية.
في هذا الشأن، يقول محمد شعبان، ضابط احتياطي سابق بالجيش، قضى 3 سنوات في منطقة شلاتين، منهم سنتان كمندوب لقرب بيته من منطقة تجنيد أسيوط، إن السبب وراء عمل المجندين في أشياء ليس لها علاقة بالأعمال العسكرية أن القيادات العسكرية يرون أن البلد ليست في حالة حرب، وهو ما يبرر عدم تدريب المجندين على أسلحة متطورة.
<em>مجند مصري يعبر الموانع خلال إحدى جولات التفتيش</em>
يتحدث محمد جمال لـ”نون بوست” عن مدة 6 أشهر قضاها خلال فترة التأهيل العسكري داخل كلية الضباط الاحتياط، ويقول إنه طوال هذه المدة لم يُدربوا إلا على العرض العسكري الذي قدموه في حفلة تخرجهم، وذلك حتى تخرج الحفلة بالشكل الجمالي الذي يُبهر جنرالات الجيش، في حين أن هذه العروض لا تُعتبر دليلاً على التفوق العسكري للجيش المصري.
في نوفمبر/تشرين الأول، استبقت أجهزة الدولة عرض قناة “الجزيرة” فيلم وثائقي بعنوان “العساكر” بسيل من الانتقادات عقب عرض الإعلان الترويجي للفيلم، واعتبره الإعلاميون الموالون للنظام طعنًا في الجيش المصري، لكن تلك الحملة الإعلامية وفرت للفيلم دعاية واسعة النطاق لم يحلم لها القائمون عليه.
سلط الفيلم الضوء على سلبيات عديدة لم تكن مفاجئة لكنها ماثلة، فالمجندون يقضون فترة التجنيد في أعمال لا جدوى منها، كما لا يستفيدون من التدريب العسكري كما كان يتوقع أكثرهم، فساعات التدريب فضلاً عن ندرتها لا تتم إلا بمعدات متهالكة تعود لعقود مضت، في حين ينصرف معظم الوقت في استيفاء المظاهر والشكليات التي سيراها القادة في العروض وجولات التفتيش.
عبد القوي سلامة، مجند سابق قضى عامين في شمال سيناء، يقول: “كل ما فعلته في فترة التدريب العسكري هو الرماية في وضع الرقود، لكن لم نتدرب على الرماية في وضع الوقوف أو الحركة كما يحدث في المعارك على أرض الواقع، وبدلاً من ذلك، دربونا على الخطوة العسكرية كل يوم، تمهيدًا للعرض العسكري الذي حضره قائد سلاح المشاة بمركز تدريب “المشاة 1″ بمنطقة دهشور بمحافظة الجيزة”.
يروي السيد عاطف، وهو مجند سابق قضى سنة واحدة داخل الجيش، أنه خلال حديثه مع صف ضابط في الكتيبة أخبره الأخير أنهم يسيرون وفق مبدأ “ريح العسكري يتعبك واتعب العسكري يريحك”
رغم ذلك، يقول عبد القوي، إنه أُرسل في أواخر فترة خدمته العسكرية للمشاركة في “العملية الشاملة سيناء 2018” التي أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وكان تسليحه “آر بي جي” رغم أنه لم يُدرَّب على استخدامه، ويضيف: “حتى الأسلحة اللي كانت مع زملائي كانت سيئة وقديمة ومختلفة عن اللي بنشوفها في التليفزيون”.
هنا لا بد من أن تأتي النهاية المؤلمة التي تربط بين افتقار المجندين للإعداد والتدريب ودفعهم للموت في بؤر مشتعلة مثل سيناء التي لا يتوقف استهدافهم فيها بشكل شبه يومي.
“ريَّح العسكري يتعبك واتعب العسكري يريَّحك”
يروي السيد عاطف، وهو مجند سابق قضى سنة واحدة داخل الجيش، أنه خلال حديثه مع صف ضابط في الكتيبة أخبره الأخير أنهم يسيرون وفق مبدأ “ريح العسكري يتعبك واتعب العسكري يريحك”، لذلك كان صف الضباط ومعهم الضباط يبدعون في اختراع الأعمال الشاقة التي تُنهك المجندون وتبدد قواهم البدنية لدرجة لا يستطيعون معها مقاومة التعب خلال فترة الحراسة الليلية.
وبحسب السيد، الذي تحدث لـ”نون بوست”، فإن معظم هذه الأعمال تحمل إهانة وإساءة لآدمية المجندين، خاصة الحاصلين منهم على شهادات عليا، ويذكر منها تسوية أرضية الملعب وجمع القمامة حول مبيت الضباط والقادة وري الأشجار أو الوقوف في وضع الثبات لفترة طويلة بدعوى تدريبهم على قوة التحمل أو وغير ذلك الكثير كما يقول.
لا شك أن هذه الضغوط النفسية تدفع الكثير من المجندين إلى الانتحار أو الهروب خلال فترة الخدمة العسكرية، التي تتراوح بين السنة والثلاث سنوات، طبقًا للقانون العسكري، في حين أن التهرب من التجنيد لا يعني إلا حجز مكان في زنازين السجن الحربي.
ليس غريبًا أن يكون اليوم الأخير للمجندين فى الجيش أشبه بالعرس أو الخروج من السجن، رغم أنهم فقط أنهوا فترة التجنيد الإجباري في الجيش سالمين
فيما يتعلق بحالات الانتحار، يروي الحاج ناصر. ع والد أحد المجندين الذين قضوا خلال فترة الخدمة العسكرية، أن ابنه انتحر منذ عامين بسبب سوء معاملة أحد الضباط له، في حين قالت الأجهزة الأمنية إن أسباب الوفاة كانت طبيعية.
الوالد الذي ما زال يرفض قبول التفسيرات التي قُدمت له عن أسباب الوفاة، قال في حديثه لـ”نون بوست”: “كان بيشكيلنا كتير من الضابط دا وإزاي كان بيعامله ويحمله فوق طاقته لأنه رفض يشتغل في مكتبه “سيكا”، يعني مسؤول عن خدمته، لحد ما في مرة قالنا إنه مش عايز يرجع الكتيبة تاني، فضغطت عليه يرجع عشان يخلص جيشه ويشوف مستقبله، وبعدها بكام يوم جالنا خبر وفاته”.
لهذا السبب، لا يحظى التجنيد الإجباري عادة بسمعة طيبة في مصر بحكم نمط الحياة القاسي الذي يتعرض له شباب لم يألفوا تلك الخشونة، وتبدو مبررات ذلك مفهومة بالطبع، لكن غير المبرر امتزاج ذلك بنسق ممنهج من الإهانات المختلفة التي لا يمكن أن تبني جنودًا أسوياء يفيدون وطنهم.
عام 2016، نشرت شبكة “بي بي سي” تحقيقًا بعنوان “موت في الخدمة”، جرى العمل عليه لأكثر من عامين، وحققت الشبكة في وفاة 13 حالة لمجندين بين عامي 2008 و2015، وقد صنَّفت السلطات 10 منها أنها حالات انتحار، لكن بعد تحقيقات وجيزة، طُويت العديد من هذه القضايا بسرعة.
ومع تزايد شكوى المجندين أنفسهم من تعرضهم لانتهاكات بالغة، يلجأ بعضهم إلى التدخين أو الإدمان خلال فترة التجنيد الإجباري، ويبرر أحد المجندين، وُيدعى محمود فيصل لجوئه إلى التدخين، بقوله: “كنت بحاول أنسى اللي بيحصل، وكنت بفرغ كل غضبي في السيجارة، وكنت أعرف ناس لما بتنزل إجازة بتجيب معاها مخدرات”.
<em>مجندون يحتفلون بانتهاء مدة الخدمة العسكرية</em>
لهذه الأسباب، ليس غريبًا أن يكون اليوم الأخير للمجندين فى الجيش أشبه بالعرس أو الخروج من السجن، رغم أنهم فقط أنهوا فترة التجنيد الإجباري في الجيش سالمين، لذلك يستغل البعض هذا اليوم في إقامة الحفلات، وهو الحال نفسه لمن لم يحالفه الحظ بدخول الجيش، فيقيم لهذه المناسبة ما يسمونه “الليلة”، وهي أشبه بليلة العرس، لكنها تخلو من العروسة.
رغم ذلك، لا تنتهي فترة التجنيد الإجباري بالنسبة للمجندين وضباط الاحتياط بانتهاء المدة الأساسية التي يقضونها داخل الوحدات العسكرية، بدلاً من ذلك، يبقون على قوة الاحتياط لمدة تصل في بعض التخصصات العسكرية إلى 9 سنوات، والكثير منهم يُستدعون أكثر من مرة خلال هذه الفترة.
يقول وليد محروس، وهو مجند سابق كان مسؤولاً عن الأمن في الكتيبة، أنه اُستدعي حتى الآن 3 مرات منذ أنهى خدمته العسكرية في محافظة السويس عام 2018، وفي كل مرة كما يقول “كنا مضطرين نروح الكتيبة لأن دا أمر عسكري، واللي يخالفه ممكن يتسجن أو يدفع غرامة، رغم أننا زي كل مرة نمارس اللاشيء بنشاط”.