ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: جاريد مالسين و أميرة الفقي
اختطف ضباط الأمن الناشطة السياسية إسراء عبد الفتاح من سيارتها في العاصمة المصرية يوم 12 تشرين الأول/ أكتوبر، ثم عصبوا عينيّها واقتادوها إلى منشأة أمنية. وصرّح محاميان كانا قد زاراها في السجن بأنها صُفعت وضُربت على ذراعيها وظهرها وهُدّدت بالصعق الكهربائي حين طالبها الضباط بكلمة سر هاتفها المحمول. وحسب هذين المحاميان، اللذين كان أحدهما ينوبها، عندما رفضت إسراء عبد الفتاح الانصياع ربط الضباط يديها وساقيها وعمدوا إلى خنقها بسترتها الخاصة واستخدموا أصابعها عنوة لفتح الهاتف.
اعتقلت السلطات المصرية أكثر من 4300 شخص منذ بدء الاحتجاجات الشهر الماضي المطالبة بعزل الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقد كانت موجة الاعتقالات هذه المرة الأكبر منذ تولي السيسي السلطة في سنة 2014. لقد جُرّد بعض المعتقلين من ملابسهم وضُربوا وخُنقوا، وحُرقوا بالسجائر، وذلك وفقًا لما أفاد به الأشخاص الذين تعرضوا للانتهاكات وعائلاتهم والمحامين وجماعات حقوق الإنسان.
قالت إسراء عبد الفتاح، وهي مدونة وناشطة، إنها تعرضت للتعذيب على أيدي قوات الأمن المصرية.
من جهتها، لم تستجب الحكومة المصرية لطلب التعليق على الادعاءات المتعلقة بسوء معاملة المعتقلين في الحجز لديها، بما في ذلك السيدة عبد الفتاح، التي كانت قيد الاحتجاز حتى يوم الجمعة. وفي وقت سابق، رفضت الحكومة المصرية مثل هذه الاتهامات.
في الواقع، إن مصر متهمة منذ فترة طويلة بممارسة التعذيب على المعارضين السياسيين، حيث أفادت جماعات حقوق الإنسان بأن الانتهاكات تعكس تصعيدا في تعامل حكومة السيسي مع موجة جديدة من الاحتجاجات على قضايا تتعلق بالقمع السياسي وانحدار مستويات المعيشة، والتدابير القصوى التي أظهر استعداده لاتخاذها لإخماد الاحتجاجات. وإلى حدود الوقت الحالي، يبدو أن إجراءاته أثبتت نجاعتها وذلك وفقا لما أدلت به جماعات حقوق الإنسان، حيث تراجعت حدة المظاهرات العامة في الأسابيع الأخيرة.
على الرغم من أن الاحتجاجات لم تكن ضخمة مقارنة بانتفاضة سنة 2011، إلا أنها كانت بمثابة عرض نادر لتحدي الدولة الأمنية في مصر
وصل السيسي إلى السلطة في أعقاب انقلاب عسكري في سنة 2013 أنهى تجربة مصر القصيرة مع الديمقراطية بعد ثورة الربيع العربي سنة 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك. وفي السنوات التي تلت ذلك، فرضت الحكومة قيودا جديدة على وسائل الإعلام والاتصالات الرقمية، وحظرت أكثر من 500 موقع على شبكة الإنترنت، ومنعت الاحتجاجات غير المرخّص لها في الشوارع. وفي مطلع هذه السنة، أجرت الحكومة استفتاءً شكليا كرّس شرعية سلطة الجيش ومنح السيسي القدرة على البقاء في السلطة حتى سنة 2030 على الأقل.
بدأت الاحتجاجات الأخيرة بعد أن نشر مقاول حكومي سابق سلسلة من مقاطع فيديو شوهدت على نطاق واسع اتهم فيها السيسي بالفساد، وهو الاتهام الذي نفاه الرئيس المصري. وعلى الرغم من أن الاحتجاجات لم تكن ضخمة مقارنة بانتفاضة سنة 2011، إلا أنها كانت بمثابة عرض نادر لتحدي الدولة الأمنية في مصر، كما فتحت الباب أمام احتمال حدوث المزيد من الاضطرابات، الأمر الذي كان سببا في زعزعة استقرار حكومة السيسي.
تُظهر هذه السلسلة من الصور احتجاز قوات الأمن المصرية لمتظاهر في ميناء مدينة السويس الشهر الماضي.
قال محمد زارع، مدير المكتب المصري لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، إن “هناك نوعا من الجنون. فقد زادت حدة جنون العظمة لدى هذا النظام المصاب أساسا بالارتياب”.
اعترف مسؤول قضائي مصري كبير، طلب عدم الكشف عن هويته، بحدوث التعذيب، إلا أنه نفى أن تكون الانتهاكات منهجية حيث قال إن “قوات الأمن ليست ملائكة. بالطبع ستُرتكب الأخطاء”. حيال هذا الشأن، انتقد مسؤولو الأمم المتحدة والمشرعون الأمريكيون السيسي بسبب رده على الاحتجاجات الأخيرة. ومع ذلك، يواصل الرئيس ترامب الإعراب عن دعمه للرئيس المصري، الذي وصف نفسه بأنه حصن ضد التطرف في المنطقة. ولكن قالت جماعات حقوق الإنسان إن العديد من الضحايا ما زالوا رهن الاحتجاز، بينما يرفض آخرون التحدث علنًا عن تجاربهم خوفًا من التعرض للمزيد من الأعمال الانتقامية على أيدي قوات الأمن.
قال المعارض البارز علاء عبد الفتاح أنه كان معصوب العينين وتعرض للركل واللكم بعد اعتقاله مؤخرًا.
في خطوة غير عادية، تقول جماعات حقوق الإنسان إن ضباط الأمن عذبوا بعض أبرز الناشطين السياسيين في البلاد، مما أظهر أن الحكومة تتصرف دون تسليط العقاب على المذنبين. ومن بين هؤلاء الناشطين نذكر السيدة عبد الفتاح، وهي مدوّنة وناشطة ساعدت في تأسيس حركة شباب 6 نيسان/ أبريل، كما أنها واحدة من الجماعات التي حفزت المنتفضين في سنة 2011.
أخبر علاء عبد الفتاح، وهو معارض بارز آخر لا تربطه أي علاقة بالسيدة عبد الفتاح، محاميه بأنه كان معصوب العينين وأنه لُكِم ورُكِل بعد اعتقاله في 29 أيلول/ سبتمبر. ووفقًا لشكوى رسمية مقدمة من عائلته، التي اطلعت عليها صحيفة “وول ستريت جورنال”، جُرِّد عبد الفتاح بعد ذلك من ملابسه الداخلية وأُجبر على المشي بين صفين من الأشخاص الذين قاموا بضربه على ظهره.
وفقاً لنشطاء حقوقيين، قُبض على محامي السيد عبد الفتاح، محمد الباقر، في 29 أيلول/ سبتمبر بعد حضوره إلى مكتب نيابة أمن الدولة العليا في مصر للاستفسار عن موكله، حيث جُرّد من ممتلكاته الشخصية، وحرم من الحصول على ملابس نظيفة وعلى الطعام والماء والعلاج الطبي لطفح جلدي أصيب به جراء نومه على أرضية زنزانته. وقد ظَلّ محتجزًا حتى يوم الجمعة.
قال رجل آخر، وهو طالب يبلغ من العمر 24 سنة رفض الكشف عن اسمه، إنه قُبض عليه في 22 أيلول/ سبتمبر بعد أن فتشت الشرطة هاتفه في الشارع وسط القاهرة وعثرت على صورة للاحتجاج قام بإرسالها لصديق. وأضاف الطالب، وهو أجنبي قدِم إلى مصر في رحلة قصيرة، أنه نُقل إلى مرفق أمني في القاهرة أين جرّده ثلاثة ضباط من ملابسه وشدّوا شعره وضربوه بواسطة حزامه الخاص في جلسة تعذيب استمرت لساعة.
أورد هذا الطالب أنه كان معصوب العينين ومقيّدًا بالسلاسل إلى الحائط، حتى أثناء الأكل والنوم، في غرفة مزدحمة بالمعتقلين الآخرين لمدة أسبوع. وأوضح الطالب الذي أثبتت صحيفة “وول ستريت جورنال” قصته بشكل مستقل، أنه تعرض برفقة محتجزين آخرين للتعذيب مرارًا في غرفة معينة في الطابق الأول من المبنى. كما قال الطالب مشيرا إلى ما هدده به ضابط في مرحلة ما: “سأخصيك، وسأريك ما يفعله 220 فولت لجسم بشري”. أُطلق سراحه لاحقا وعاد إلى بلده الأصلي.
الصحيفة: وول ستريت جورنال