لا تزال أزمة المنفذ الحدودي الفاصل بين الأراضي التونسية والليبية مستمرة لليوم الخامس على التوالي، في ظل غياب اتفاق رسمي بين سلطتي البلدين على إجراءات جديدة لتنظيم العمل داخل معبر رأس جدير الذي أثيرت بشأنه أزمة مؤخرًا وخلق حالة من الاضطراب على الجانبين.
وكانت إدارة معبر رأس جدير قد أصدرت يوم الأربعاء 23 من الشهر الجاري، تعليمات بغلق المعبر الحدودي مع تونس إلى أجل غير محدد، بعد ازدحام وتكدس المسافرين من الجانب الليبي وتلقي شكاوى عدة من المواطنين تفيد بوجود عرقلة وسوء معاملة من السلطات التونسية في المعبر، وناشدت إدارة المعبر وزير الداخلية بحكومة الوفاق التدخل لمعالجة الموقف، وأوضح مسؤول بالمعبر أن متوسط الزمن المستغرق لعبور الحدود مساء أمس تجاوز 20 ساعة دون وجود أسباب واضحة ومقنعة تستوجب العرقلة.
وتتوقف بفعل هذا القرار الليبي الداخلي أيضًا حركة التجارة البينية التي تمثل نشاط أغلب أبناء بن قردان لتعود المنطقة إلى الركود الذي تعيشه منذ مدة ولم تشهد انتعاشة إلا منذ أقل من أسبوعين، باستئناف التجار هذا النشاط بعد اتفاق بين البلدين الجارين.
جدل في ليبيا
تناقلت صفحات التواصل الاجتماعي عدة أسباب وراء غلق المعبر من الجانب الليبي، ومنها ما رُوج بخصوص طريقة معاملة الليبيين بالمعبر من الجانب التونسي، وتعطيلهم في العبور إضافة إلى خلافات بين مسيري المعبر الليبيين، فيما اشتكى عدد من المسافرين، من الصعوبات التي يواجهونها في العبور إلى تونس، وتحديدًا الحالات المرضية، ما يجعلهم ينتظرون لوقت طويل يصل إلى 24 ساعة.
وحمّل الليبيون، حكومة الوفاق أزمة المعبر، لكونها الحكومة المسؤولة عن المعبر والجهات الأمنية تابعة لها، مشيرين إلى أن سلطات طرابلس لم تعمل لإيجاد حلول لأزمة طالت لسنوات.
أخبار معبر راس جدير الان غضب من قبل المسافرين و مدة انتظار تصل 24 ساعة و أكثر
Posted by أخبار معبر راس جدير اليوم و سعر الصرف on Wednesday, October 16, 2019
ووفق رصد لـ”نون بوست” شمل تعليقات الليبيين عن الأزمة على مواقع التواصل الاجتماعي، هناك اتهامات للجانب التونسي بتعطيل توافدهم وتسهيل عملية تنقلهم، مطالبين سلطات بلادهم باتخاذ الإجراءات اللازمة في الغرض، فيما أرجع آخرون الأزمة إلى سوء عمل منظومة بلادهم وتسلط بعض التشكيلات العسكرية في مدينة زوارة وتحكمها بالمنفذ، إضافة إلى
مهربي الوقود المستفيدين من حالة الفوضى التي تعيشها البلاد منذ سنوات.
قفل منفذ راس إجدير بقرار داخلية الوفاق بسبب سوء معاملة الجانب الامني التونسي للمسافرين الليبين ..أعتقد أنه قرار متأخر…
Posted by حسام الحريزي on Thursday, October 24, 2019
معلومات مؤكدة عن إرجاع المسافرين وسحب الأختام من معبر رأس اجدير علما ان من يسيطر على المعبر هي ميليشيا جهوية ولاسلطة لحكومة الصخيرات عليه …. #شمس_ليبيا
Posted by أخبار راس اجدير العاجلة . on Wednesday, October 23, 2019
الموقع والتهديدات
يحد رأس جدير شمالًا البحر الأبيض المتوسط، وجنوبًا ملاحة البريقة في أقصى غربي ليبيا، وتعتبر مدينة بن قردان أقرب نقطة تونسية إلى رأس جدير، إذ تبعد عنه نحو 70 كيلومترًا، أما في الجانب الليبي فتعتبر مدينة أبو كماش أقرب نقطة من رأس جدير وتبعد عنه 20 كيلومترًا، وبين البلدين خط حدودي يبلغ طوله نحو 500 كيلومتر، وهو ما يضع تونس أمام تحديات كبيرة في هذا الإطار.
وبحكم موقعه الإستراتيجي، ساهم المعبر في انتعاش تجارة البضائع والسلع وتهريب المحروقات والسجائر والذهب، وخدمات تبديل العملات بطريقة غير القانونية، في مدن الجنوب التونسي حيث تتراجع التنمية وترتفع البطالة.
أعرب مسؤولون تونسيون أكثر من مرة عن صعوبة التفاوض مع نظرائهم الليبيين بشأن الإجراءات الجمركية، في ظل الفوضى التي تعيشها البلاد منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011
يمثل رأس جدير المعبر الحدودي بين تونس وليبيا، البوابة الرئيسية المشتركة بين البلدين إلى جانب معبر الذهيبة وازن، ويشكل، إضافة إلى دوره في تنشيط الحركة التجارية، مصدر قلق للسلطات التونسية لارتباطه بتهريب السلاح من ليبيا، وفي عام 2016 شهدت مدينة بن قردان المحاذية للمعبر اشتباكات مسلحة بين قوات الأمن التونسي ومجموعات مسلحة يعتقد أنها تنتمي إلى تنظيم الدولة، مما دفع تونس لغلق المعبر وتشديد مراقبة الحدود خوفًا من محاولات التسلل.
وفي سياقٍ ذي صلة، ومنذ شن اللواء المتقاعد خليفة حفتر هجومًا على طرابلس، دفعت تونس بتعزيزات عسكرية وأمنية ومددت العمل بحالة الطوارئ، ويرى مراقبون أن تونس تواجه مخاطر جمة، خاصة بعد الانقسامات الحادة التي شهدها الغرب الليبي وتتخوف من أن الجماعات المتشددة قد تستغل وضع المعارك الجارية في طرابلس لإعادة الانتشار والسيطرة على مناطق بعينها.
وأعرب مسؤولون تونسيون أكثر من مرة عن صعوبة التفاوض مع نظرائهم الليبيين بشأن الإجراءات الجمركية، في ظل الفوضى التي تعيشها البلاد منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011.
الجانب الليبي.. غياب الدولة
وفي ذات الإطار، يؤكد بعض التونسيين من أبناء جهة بن قردان أن الإغلاق المتواتر للبوابة الحدودية مرده سوء إدارة الجانب الليبي للمنفذ، نافين أن تكون سوء معاملة الجمارك التونسية وراء قرار تعليق حركة التنقل.
وقال أدمن صفحة “بنقردان تي في” على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، في تصريح لـ”نون بوست” إن من يتحدث على سوء معاملة التونسيين لإخوانهم الليبيين فقد جانب الصواب، والحقيقة أن المواطنين التونسيين من تعرضوا لاعتداءات صارخة كالضرب والإهانة وسلب الأموال، مضيفًا أن السيارات الليبية التي تدخل إلى تونس يصل عددها إلى ألف أو يفوق مقابل 50 سيارة تونسية تدخل التراب الليبي يقع تعطيلهم لأكثر من 48 ساعة وتُفرض عليهم أتاوات تبلغ 200 و300 دينار وفي حال رفضهم الدفع تُثقب إطارات سياراتهم.
بلاهي فمة كعبات ليبية لادين لاملة مش لكل اما فمة فئة من الشعب الليبي ✋احشموا على رواحكم في تعليقاتكم شنوة منطق يا توانسة…
Posted by ben guerdan TV on Friday, October 25, 2019
بدوره، أوضح رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا أحمد حمزة في تصريح لـ”نون بوست” أن “المشكلة الأكبر لأزمة منفذ رأس جدير الحدودي مع الجانب التونسي الشقيق هو سوء إدارة المنفذ من القائمين عليه وغياب السلطة الحقيقة التي تشرف على البوابة وتسهر على تطبيق القانون”، مضيفًا “جل مشاكل المسافرين الليبيين ومعاناتهم وتأخر دخولهم للجانب التونسي هو نتيجة إعطاء الأولوية والأسبقية لمهربي الوقود والسلع من كلا الجانبين وذلك على حساب المواطنين الليبيين المسافرين الذين من بينهم الحالات المرضية والعلاجية والإنسانية الطارئة، وذلك نظرًا لخضوع المنفذ بشكل كامل لسلطة المهربين وعصابات التهريب والمتعاونين معهم من عناصر إدارة المنفذ الحدودي رأس جدير”.
وتابع حمزة قوله: “منفذ رأس جدير الحدودي يجب أن يخضع بشكل فعلي لسلطة وزارة الداخلية وإنهاء هذه المهزلة، وإلا سيبقي تحت سلطة “دولة” زوارة الشقيقة التي تفرض سلطتها وهيمنتها على المنفذ لصالح عصابات تهريب الوقود والسلع من المارقين من أبناء هذه المدينة”.
الحلول والآليات
في تصريح لـ”نون بوست”، قال المحلل السياسي عصام الزبير إن حل أزمة المعبر المتكررة لا يكون إلا بتسيير إجراءات المسافرين وعدم العرقلة واحترام القوانين والضوابط ومعاملة الوافدين من الجانبين بكل احترام عند إتمام إجراءاتهم في كل المنافذ، مضيفًا أن ربط الجمارك والجوازات بمنظومات إلكترونية بين البلدين سيساهم في تنظيم عمل المعبر وتسهيل حركة المرور والأهم سيمكن السلطات الأمنية للجانبين من ضبط المجرمين والإرهابيين والملاحقين قضائيًا.
ومن بين الإجراءات التي اقترحها الزبير، توحيد إجراءات الجمارك وتوحيد التسعيرة ورفع الضرائب بين البلدين في المنتج المحلي وإيقاف تهريب السلع والوقود والتعامل على قوانين وضوابط كل من البلدين، واختتم الزبير حديثه إلى “نون بوست” قائلًا: “لا بد أن يعلم التونسي أنه بحاجة لليبي والليبي بحاجة إلى التونسي، فالبلدان مكملان لبعضهما البعض وهذا متأصل وعريق بينهما، خاصة أن الشعبين تربطهما علاقات أخوة ومصاهرة”.
بدوره قال مصطفي عبد الكبير رئيس المرصد التونسي (منظمة غير حكومية)، إن عدد المسافرين الذين يعبرون المنفذ يوميًا يفوق الـ2500 مسافر وعدد العربات يتجاوز 650 عربة خلال الـ24ساعة، فيما تخطى عدد الشاحنات الكبرى والعابرة للقارات 100 شاحنة خلال اليوم الواحد، إضافة إلى قيمة المبادلات التجارية الكبيرة والضخمة، مؤكًدًا أن المعبر واجهة للبلدين خاصة أن عددًا من الوفود والشخصيات الدبلوماسية والسياسية تعتمد المنفذ في تنقلاتها”.
يرى مراقبون أن أزمة المعبر الحدودي مرجحة الاستمرار في ظل تواصل الأزمة الليبية والعمليات العسكرية التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة، وعجز حكومة الوفاق على فرض سلطتها على جميع المناطق
وأضاف عبد الكبير أن كل هذه المعطيات تؤكد حاجة المعبر الحدودي إلى إمكانيات لوجستية ومادية هائلة، إضافة إلى ضرورة توافر إرادة سياسية عالية وروح المسؤولية الكبيرة من الجانبين، تضمن الاستقرار وانسياب الحركة وفق آليات تنظم العمل من الضفتين.
وشدد رئيس المرصد التونسي على أن الوضع المعقد الذي تمر به ليبيا أثر على عمل واستقرار المعبر، غير أن حاجة كل الأطراف لهذا المعبر الإستراتيجي لا يجب أن تخضع لأهواء أي طرف من الجانبين، وقد سُجلت تجاوزات من الطرفين، مشيرًا أن الأطراف المسؤولة والمعنية بالملف ستطرح الإشكاليات والعوائق قصد معالجتها وستكون هناك قرارات في الأيام القادمة مع عودة حركة التنقل وانسباب السلع بالشكل المعتاد، مضيفًا القول: “لن نسمح لأي طرف بأن يكون سببًا في تعطل حركة التنقل بين أبناء الشعب الواحد، حواراتنا متواصلة والتقدم باتجاه الحل واضح”.
إلى ذلك، يرى مراقبون أن أزمة المعبر الحدودي مرجحة الاستمرار في ظل تواصل الأزمة الليبية والعمليات العسكرية التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة، وعجز حكومة الوفاق عن فرض سلطتها على جميع المناطق، ولكنها قد تهدأ نسبيًا بفضل جهود منظمات المجتمع المدني والمبادرات التي تقودها بعض الشخصيات من المناطق الحدودية التي تربطهم علاقات تاريخية، وإمكانية تجاوب الجانب التونسي مع دعوات إيجاد حل لأزمة الانتظار الطويل للسيارات الليبية في المعبر وتسهيل مرورها.