البيان المالي لما تعتزم حكومة المغرب إنفاقه وتحصيله من موارد خلال السنة المقبلة لم يحتو على تدابير إيجابية، حيث حافظ مشروع قانون المالية لـ2020 على نفس البنية تقريبًا التي لم تخضع لأي تغيير منذ سنوات، ما أدى إلى ارتفاع نسبة الفقر واتساع فجوة الفوارق الاجتماعية، فضلاً عن الزيادة في الضرائب المحلية والوطنية من أجل تقليص عجز المالية، إذ من المتوقع أن يستقر هذا العجز عند 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال 2020.
قطاع التعلم.. على رأس أولويات الإنفاق
تقول مسودة قانون المالية إن زيادة الرواتب في القطاع العام أبرز العوامل المؤثرة في العجز، حيث بلغت تكلفة الزيادة 6 مليارات درهم، فيما خُصص 26 مليار درهم لتدعيم القدرة الشرائية للطبقة الفقيرة، وعلى رأس أولويات الإنفاق أدرج قطاع التعليم، حيث ارتفعت ميزانيته إلى 72.4 مليار درهم، في حين من المرتقب أن ترتفع ميزانية قطاع الصحة إلى 18 مليار درهم.
زيادة ميزانية التعليم ليست وحدها كفيلة بإنقاذ القطاع
ارتفاع ميزانية البلاط الملكي
ميزانية البلاط الملكي لم تعرف أي انخفاض، بل على العكس، رُفعت رواتب الموظفين العامين في البلاط إلى 538 مليون درهم، ما يعادل تقريبًا 54 مليون دولار أمريكي برسم السنة القادمة، بينما كانت تقل عن 500 مليون درهم في ميزانية العام الحاليّ، وتفسر الحكومة هذه الزيادة بأنها جزء من الزيادة في رواتب الموظفين العموميين التي أقرتها الحكومة خلال 2019.
القصر الملكي بالعاصمة الرباط
أما المناصب الجديدة في البلاط الملكي خصص لها مشروع المالية 200 منصب مالي جديد، من أصل 23 ألف منصب قررت الحكومة إحداثه خلال العام المقبل، حيث حصلت وزارة الداخلية على النصيب الأكبر بعد إقرار أكثر من 9 آلاف منصب مالي جديد، متبوعة بإدارة الدفاع التي تشمل جيش القوات المسلحة، بـ5 آلاف منصب مالي جديد، فيما حصلت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني على 700 منصب مالي مخصص لتسوية وضعية الموظفين الحاصلين على الدكتوراه الذين وظفوا كأساتذة مساعدين، وبالتالي ستحذف المناصب المالية التي كان يتولاها هؤلاء في القطاعات الوزارية، وفضلاً عن ذلك سيتم إحداث 15 ألف منصب لفائدة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين لتوظيف أساتذة.
العثماني: قريبًا سترفع الحكومة الدعم تدريجيًا عن المواد الأساسية
خفضت الحكومة تكلفة دعم السكر والدقيق وغاز الطهي إلى 13.64 مليار درهم خلال العام المقبل، بعدما كانت تكلفة الدعم هذا العام تبلغ 18 مليار، حيث من المرتقب ارتفاع أسعار هذه المواد الأساسية الثلاثة، بعدما أصدرت حكومة بنكيران السابقة قرارًا يقضي برفع الدعم تدريجيًا عن السكر والدقيق وغاز البوتان، وجاء رئيس الحكومة الحاليّ سعد الدين العثماني ليعلن العام المنصرم اقتراب موعد الرفع التدريجي للدعم عن المواد الاستهلاكية في إطار إصلاح صندوق المقاصة.
زيادة الضريبة على الخمور
البيرة والخمور سترتفع أسعارها كذلك، بما أنها ستشهد دمجًا في الضريبة على القيمة المضافة مع الضريبة على الاستهلاك، تطبيقًا لتوصيات المناظرة الوطنية بشأن الضرائب، حيث أقر قانون المالية الرفع من الضريبة على استهلاكها بين 900 و1000 درهم في الهيكتوليتر بالنسبة إلى البيرة التي بها كحول، فيما ستتراوح الضريبة على استهلاك الخمور بين 700 و800 درهم للهكتوليتر.
ارتفاع أسعار البيرة والخمور
مسودة المالية اقترحت كذلك رفع رسوم استيراد الثلاجات ذات السعة من 50 إلى 100 لتر ومصابيح LED من 2.5% إلى 30%، وتبرر الحكومة هذه الزيادة بحماية الإنتاج الوطني ومواجهة تحديات اتفاقيات التبادل الحر، حيث يواجه المغرب اكتساح ثلاجات تركيا والصين التي أغرقت الأسواق المحلية.
الحلويات والبسكويت ستعرف كذلك زيادة في رسوم استيراد المواد الأساسية المستعملة في صنعها أي السكر الخام وبودرة الحليب والقمح الصلب، حيث اقترح مشروع قانون المالية رسوما بنسبة 2.5% .
نسبة النمو لن تتجاوز2.7%
المحصول الفلاحي للمغرب لم يكن مبشرًا بالنجاح
حسب توقعات خبراء صندوق النقد الدولي فإن النمو الاقتصادي للمغرب لن يتجاوز 2.7% في ظل انخفاض محصول الحبوب بسبب نقص الأمطار، وهو نفس الرقم الذي يؤكده البنك المركزي، لكن مشروع مالية 2020 يفترض أن النمو الاقتصادي سيبلغ 3.7% خلال العام المقبل حسب توقعات الحكومة التي تتوقع تحقيق محصول من الحبوب قدره 7 ملايين طن، فضلاً عن سعر النفط الذي يقدر بـ67 دولارًا للبرميل، ولم يتجاوز معدل النمو خلال العام الحاليّ 2.9%.
تشجيعًا للقطاع الثقافي اقترح مشروع قانون المالية تخفيض الضريبة على القيمة المضافة على تذاكر الدخول إلى المتاحف والسينما والمسارح إلى 10% عوض 20% وهي النسبة المعمول بها حاليًّا. بالنسبة لمجال الرياضة يهدف القانون إلى تحويل الجمعيات والأندية الرياضية إلى شركات حيث اقترح إعفاء هذه الشركات الرياضية من الضربة على الشركات لمدة خمس سنوات، لكن بعد انقضاء هذه المدة يطبق عليه سعر 20%.
التونة المجمدة ستعرف انخفاضًا في رسوم الاستيراد إلى 10% عوض النسبة المعمول بها التي تصل إلى 40%، وذلك قصد حفظها وتعليبها في المغرب، كما يقترح مشروع المالية الإعفاء من الضريبة على القيمة المُضافة على عمليات استيراد مضخات الماء التي تعمل بالطاقة الشمسية أو بأي مصدر من الطاقات المتجددة التي تستعمل في القطاع الزراعي.
رفع الامتيازات الضريبية عن المعدات الفلاحية
الامتيازات الضريبية لمعدات الفلاحة سوف تنتهي بحلول 2020 بعد أن اقترح مشروع المالية وضع حد للأنظمة التعريفية الاستثنائية التي تطبق نسبة 2.5% من رسوم الاستيراد على بعض المواد والمنتجات الموجهة للقطاع الفلاحي، ويتعلق الأمر باستيراد معدات السقي وتغطية المزروعات ومعدات الرعي وآليات استغلال المياه الجوفية.
ملجأ التهرب الضريبي
الاتحاد الأوربي وضع المغرب في المنطقة الرمادية كأحد البلدان التي تشكل ملجأ للتهرب الضريبي للشركات، ومن أجل إبعاد شبهة الملاذ الضريبي عمدت الحكومة إلى إجراء جديد يستهدف شركات الخدمات العاملة في المركز المالي للعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، حيث تخضع حاليًّا لسعر منخفض للضريبة على الشركات لا يتعدى 8.75% من رقم المعاملات عند التصدير، في حين أن رقم معاملاتها الداخلي يخضع للسعر العادي للضريبة على الشركات.
ناطحتا السحاب “التوأم”.. أكبر المراكز التجارية في الدار البيضاء
وبما أن المغرب التزم بملاءمة أنظمته الضريبية مع المعايير الدولية، فسيطبق سعر 15%، كسعر موحد على الشركات التي لها وضعية المركز المالي للدار البيضاء سواء على رقم معاملاتها عند التصدير أم المحلي، كما يطبق السعر نفسه أيضًا على فروع الشركات الجهوية أو الدولية أو مكاتب الشركات غير المقيمة التي تعمل في المركز المالي للدار البيضاء.
الحكومة بلا رؤية واضحة
الحكومة في صيغتها الجديدة تفتقر لبرنامج واضح من أجل تنفيذ مشروع قانون المالية لسنة 2020، على ما يرى نبيل بن عبد الله الكاتب العام لحزب التقدم والاشتراكية، وهو الحزب الذي انسحب من الحكومة قبيل إعلان التعديل الحكومي وفضل الخروج إلى المعارضة، بعدما اقترح رئيس الحكومة تقليص عدد الوزراء، ولم يتبق لهذا الحزب الشيوعي سابقًا إلا حقيبة يتيمة عوض حقيبتين وزارتين.
وربما يجد البعض أن هذه المقاربة عدمية وسلبية لكن بن عبد الله يؤكد أن حزبه لا يرفض قانون المالية رغم اعتراضه على بعض القضايا.
أكثر المواد إثارة للجدل في قانون مالية 2020 هي المادة 9 التي تنص على منع إخضاع ممتلكات الدولة والجماعات الترابية للحجز رغم صدور أحكام قضائية في مواجهتها، ويلزم هذا البند الأفراد الدائنين الحاملين لسندات أو أحكام قضائية تنفيذية نهائية ألا يطالبوا الدولة بالأداء، لعل ذلك سيعمل على إحياء جدل قانوني وسياسي عرفه المغرب خلال مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2017 على خلفية ما بات يعرف بأزمة “المادة 8 مكرر” واعتبرها العديد من رجال القانون تحقيرًا للأحكام القضائية، واضطرت الحكومة إلى سحبها من المشروع.