رسميًا.. دخلت ترتيبات التجارة التفضيلية بين إيران واتحاد أوراسيا حيز التنفيذ، أمس الأحد، وفق ما أعلنت طهران. ومن المقرر أن تشمل 862 سلعة، منها 360 تفضيلية ممنوحة من إيران إلى الدول الأعضاء في اتحاد أوراسيا و502 تفضيلات ممنوحة من الأخير إلى طهران.
اعتبر رئيس منظمة تنمية التجارة الإيرانية، حميد زادبوم، أن هذا الاتفاق يمثّل بدايةً قويةً للتجارة بين الطرفين التي يصل حجمها حاليًّا 2.6 مليار دولار، مشيرًا إلى أنه بعد عام من ذلك ستبدأ المفاوضات بشأن ترتيبات التجارة الحرة إلى أن يُوقع على اتفاقية بهذا الشأن في غضون ثلاثة أعوام.
وفي السياق نفسه كشف زادبوم زيادة حجم الصادرات الإيرانية بنسبة 22.5% في الأشهر الست الأولى من هذا العام، مضيفًا أن هذه الإحصاءات تظهر جيدًا أن عملية التصدير تسير بشكل جيد رغم القيود والعقوبات المفروضة على الاقتصاد الإيراني.
وقد أُعلن سابقًا تصدير البضائع غير النفطية من جمارك طهران خلال الأشهر الـ6 الأولى من هذا العام بما يزن 70 مليون طن وقيمتها 20 مليار و900 مليون دولار، منها 33 مليون دولار تتعلق بتصدير السجاد والصناعات ذات الصلة من كاشان.
وتأتي هذه التصريحات في وقت تشير المصادر الإيرانية إلى الانفتاح الاقتصادي للإمارات على إيران، لتكشف الأخيرة، الأسبوع الماضي أن دولة الإمارات أفرجت عن 700 مليون دولار من الأموال الإيرانية المجمدة أخيرًا، رغم توقعات الانكماش التي أبداها صندوق النقد الدولي.
في ظل الضغوط الاقتصادية التي تشنها الولايات المتحدة ضدها واستهدفت جل القطاعات على رأسها النفط الذي يعد المورد الأول للبلاد، لم تجد إيران بدًا من تجاوز حدودها وتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع جيرانها ومحيطها الإقليمي كخيار إستراتيجي للصمود وتخفيف حدة التوتر دون تقديم تنازلات.
وفي هذا الإطار يعد الاتحاد الأوراسي (روسيا وبلاروسيا وكازاخستان وأرمينيا وقرغيزيستان) بجانب منطقة القوقاز الشمالي في الاتحاد الروسي أحد أبرز المسارات التي لجأت إليها طهران لتعزيز العلاقة معهم خلال الآونة الأخيرة في محاولة منها لمواصلة صمودها في مواجهة واشنطن وعقوباتها التي ضيقت الخناق بصورة كبيرة على الإيرانيين طيلة السنوات الماضية.
“الانضمام إلى الاتحاد الأوراسي يعتبر فرصة غالية لإيران لكي تستغل طاقاتها في جميع المجالات لتنمية البلاد أكثر” وزير الطاقة الإيراني
فرصة ثمينة
من جانبه يرى ممثل غرفة التجارة الإيرانية-الروسية ومقرّها موسكو، مهدي آزادواري، أن عضوية إيران في الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي الذي يضم العديد من الجيران الشماليين لإيران، يمثّل فرصة استثنائية لرجال الأعمال والشركات الإيرانية لتوسيع صادرات إيران غير النفطية.
كما نصح رجال الأعمال الإيرانيين والشركات الخاصة بدراسة خريطة طريق تجارية طويلة الأجل من خلال تحليل مستقبل السوق وظروف التجارة بين إيران والدول الاعضاء في الاتحاد الاقتصادي الأورآسيوي لرفع الربحية وزيادة ميزان التجارة في بلدنا في النهاية، بحسب تصريحاته لوكالة الأنباء الإيرانية “إرنا”.
ويرى أزادواري أن توفير تسهيلات جديدة وإلغاء القوانين المرهقة للتجار والمستثمرين، أحد أهداف الاتفاقية التجارية، ويمكن رؤية تطوّر العلاقات التجارية بين إيران وآسيا في المستقبل، معربًا عن أمله في أن تتمكن بلدان المجموعة الاقتصادية الأوروبية الآسيوية أيضًا من تعزيز أنشطتها الاقتصادية من خلال المعرفة أكثر بالفرص المتاحة للتجارة والاستثمار مع إيران.
وفي السياق ذاته، قال وزير الطاقة الإيراني رضا أردكانيان: “الانضمام إلى الاتحاد الأوراسي يعتبر فرصة غالية لإيران لكي تستغل طاقاتها في جميع المجالات لتنمية البلاد أكثر”، مشيرًا إلى أنه يمكن الاستفادة من هذه الفرصة لتنمية التعاون في مجال الكهرباء مع الدول الأعضاء في الاتحاد.
وأضاف أردكانيان “الدول الأعضاء في اتحاد أوراسيا ترحب بالمتخصصين الإيرانيين، وهذا التعاون سيؤدي إلى تنمية السلام والمودة بين الجميع”، ويضم الاتحاد الأوراسي: روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان وأرمينيا وقرغيزستان.
جدير بالذكر أن حكومة حسن روحاني في 2016 كانت قد اقترحت على الجيران الشماليين الذين يشكلون الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي، انضمام طهران إلى هذا الاتحاد، وهو الاقتراح الذي رُحب به على الفور نظرًا لمكانة إيران في المنطقة، وبعد عامين من المفاوضات المكثفة وتقييم كمية وجودة السلع والتعريفات التفضيلية بين البلدين، تم التوصل إلى نتائج مثمرة في مايو الماضي.
وقد أُنشئ الاتحاد الاقتصادي الأوراسي مطلع 2015 على أساس الاتحاد الجمركي بين روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان، وانضم إليه لاحقًا كلّ من أرمينيا وقرغيزستان في السنة ذاتها، ونصّت الاتفاقيات المبرمة على حرية تنقل السلع والخدمات ورؤوس الأموال واليد العاملة بين دول الاتحاد.
وبعد انضمام إيران للاتحاد من المقرر أن يصل عدد سكانه إلى 270 مليون نسمة بعد أن كان 190 مليونًا، كما يبلغ حجم المبادلات التجارية الخارجية للدول الأعضاء في الاتحاد 750 مليار دولار، وبإمكانها تغطية 65% من حاجاتها الاقتصادية من خلال المبادلات البينية عبر هذا الاتحاد.
هناك بنى تحتية وتاريخية قوية تربط بين أوروبا وآسيا، كما تجمعهما حدود مسامية للغاية ومتحركة باتجاهين، لا سيما بعد سقوط جدار برلين، الأمر الذي يتطلب من أوروبا أن تكون أكثر ذكاءً في إعادة تشكيل خريطة توجهاتها الخارجية
تفاؤل بشأن المستقبل
كثير من المتابعين لم يطلعوا بشكل كامل على حجم كيان الاتحاد الأوراسي، وبعيدًا عن تواضع إمكانياته بداية نشأته قبل 4 أعوام، فإنه بات اليوم أحد أبرز اللاعبين على ساحة الاقتصاد الدولي، فوفق بعض الخبراء، سيكون الاتحاد علامة فارقة في دفع خريطة التحالفات الاقتصادية العالمية إلى إعادة التشكّل مرة أخرى.
خبير العلوم السياسية، البرتغالي برونو ماكايس توقع انكماش دور الاتحاد الأوروبي في العالم بشكل عام، ليس بسبب ضعفه أو انهياره أو تراجع قدرته على المواكبة، بل بسبب بزوغ نجم منطقة جغرافية أخرى أهم وأوسع بكثير، من شأنها أن تحل محل دول أوروبا الشرقية والغربية على حد سواء.
ماكايس الذي عمل وزير دولة سابق للشؤون الأوروبية، ويشغل حاليًّا منصب كبير مستشارين في مؤسسة “فلنت غلوبال” في لندن، في كتابه الذي يحمل عنوان “فجر أوراسيا: على خطى النظام العالمي الجديد”، قال: “أوراسيا أضخم منطقة برية في الكرة الأرضية، وهو المكان الذي شهد ولادة وتطور أعظم الحضارات في تاريخ الإنسان على الأرض”، كما ينقل عن مؤرخ مهم هو جون دارون قوله في عام 2007: “مركز الجاذبية في تاريخ العالم الحديث يقع في أوراسيا”.
كما لفت إلى أن منطقة أوراسيا التي تضم 90 بلدًا، وتغطي مساحة لا تقل عن 55 مليون كيلومتر مربع، ويزيد عدد سكانها على 5 مليارات شخص، وتمتد على مجمل الأراضي الأوروبية والآسيوية، من لشبونة إلى شنغهاي أو إلى جاكارتا، سيكون لها حضور اقتصادي قوي خلال السنوات القادمة.
ويرى الكاتب البرتغالي أن هناك بنى تحتية وتاريخية قوية تربط بين أوروبا وآسيا، كما تجمعهما حدود مسامية للغاية ومتحركة باتجاهين، لا سيما بعد سقوط جدار برلين، الأمر الذي يتطلب من أوروبا أن تكون أكثر ذكاءً في إعادة تشكيل خريطة توجهاتها الخارجية، وأن تعيد النظر في علاقاتها مع دول هذا الكيان الجديد.
وكانت إيران قد أعلنت يونيو/حزيران الماضي تكثيفها لتحركات التعاون مع روسيا تمهيدًا للانضمام إلى الاتحاد، وفق ما أعلن وزير الطاقة وقتها الذي اعتبر أن هذه الخطوة كفيلة بزيادة حصة بلاده في السوق الروسية، وهو ما يعني القدرة على الصمود أمام العقوبات الأمريكية دون تقديم أي تنازلات سياسية.
ورغم عدم كفاية هذا التحرك في تعويض طهران عن تداعيات العقوبات الأمريكية التي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الإيراني، فإنه يعد خطوة جيدة لتقليل حجم التأثير السلبي، كونه بداية لسلسلة من الخطوات على هذه الشاكلة، لكن يبقى السؤال: هل تقف واشنطن مكتوفة الأيدي أمام هذا الالتفاف؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.