لطالما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب صريحًا للغاية بالأشياء التي يريد تحصيلها من دول العالم كافة، وتشهد على ذلك تصريحاته شديدة الفظاظة والوضوح التي تطالب الدول بالدفع مقابل الحماية أو لقاء أشياء أخرى، ولن يكون كلامه بخصوص “حصته” من نفط سوريا وعزمه التعاقد مع شركات عالمية للاستثمار فيه وكأنه المالك الفعلي له، الأخير بهذا الخصوص.
كما أن ترامب ليس الأول أو الوحيد الذي أراد حصته من الثروة النفطية السورية التي لا تكاد تذكر أمام ثروات الدول الأخرى وإنتاجها، فقد سبقه إلى ذلك تنظيم الدولة “داعش” الذي اغتنى وموّل “خلافته” منه، والمليشيات الكردية التي اسست بدورها كيانًا داخل سوريا وموّلته من النفط السوري، واليوم تصارع أمريكا عليه مع دعوات روسية لاسترداده لحكومة دمشق وبالتالي تحصل روسيا على حصتها، بالإضافة لحصتها المضمونة من الغاز وامتيازات حصرية أخرى.
النفط السوري
كانت سوريا تنتظر قبل عام 2010، أكبر اكتشاف نفطي في تاريخها، بحسب شركات أجرت مسحًا على شواطئ البحر المتوسط، ووفقًا للتقديرات المتوقعة فإن المنطقة التي أجري عليها المسح تحوي على 2.5 مليار برميل، ما يمثل 0.2% من إجمالي الاحتياطيات العالمية.
وفي عام 2010 وصل الإنتاج النفطي السوري إلى 385 ألف برميل يوميًا، مشكلًا 24% من الناتج الإجمالي السوري، ويدخل من هذه الثروة إلى الميزانية العامة 25%، فيما يعطي 40% من حجم عائد الصادرات إلى الدولة، وتعتبر ألمانيا وإيطاليا أكبر سوقين للخام السوري، إلا أن العقوبات على هذا المجال ساهمت بإيقاف إيرادات النفط بشكل كامل.
إلا أن شركات النفط العالمية والتي كانت تحاول الاستثمار في سوريا توقفت بعد فرض عقوبات أمريكية وأوروبية على نظام بشار الأسد الذي أمعن في قتل شعبه، وعلى إثر ذلك وبعد تشعب السيطرة على هذه الثروة بين أطراف متعددة، وبحسب إحصائيات لوزارة نفط نظام الأسد فقد بلغت خسائر سوريا في قطاع النفط والغاز خلال سنوات النزاع، 74,2 مليار دولار أميركي.
أما بالنسبة للغاز فبلغ إجمالي الغاز الحر والمرافق المنتج في النصف الأول من 2011 5.483 مليار متر مكعب بمعدل يومي 30.29 مليون متر مكعب بزيادة مقدارها 3.009 ملايين متر مكعب في اليوم عن إنتاج 2010. إلى ذلك وبمساعدة روسيّة وبفعل سيطرة النظام على أبرز مناطق الغاز في سوريا، ونتيجة لمسوحات سابقة، أعلن وزير النفط والثروة المعدنية السوري علي غانم، البدء بالإنتاج التجاري للغاز من البحر في العام 2023، مؤكدًا أن “الاحتياطي المقدر لبلوك بحري واحد من الغاز يعادل احتياطي البر كاملًا في البلاد.
وتتركز الثروة النفطية السورية في شرقي سوريا وخصوصًا في محافظة دير الزور والحسكة وبعض النقاط في الرقة كما أن تواجدًا خفيفًا في حمص وريفها على الرغم من غناها بالغاز، وفيها توجد أكبر المصفاة المركزية للنفط في سوريا.
ففي دير الزور، يوجد أكبر الحقول وهو حقل العمر كما يوجد حقل التنك، إضافة حقل الورد، والتيم، والجفرة، وكونيكو، ومحطة الـ”تي تو” (T2)، وهي محطة تقع على خط النفط العراقي السوري.
أما في الحسكة فيوجد حقل الرميلان، والذي يضم 1322 بئرًا من النفط، بالإضافة إلى حقل السويدية الذي ينتج الغاز إضافة للنفط، ويشكل هذان الحقلان ما يقرب من 200 ألف برميل يومياً. أي حوالي 50% من إنتاج سوريا النفطي، قبل العام 2011. إضافة إلى هذه الحقول يوجد بعض الآبار في محافظة الرقة كما أن محافظة حمص تحوي على حقل الشاعر ذو الإنتاج الخفيف.
9 سنوات من الصراع على النفط
كما هي الخريطة السورية، كان حال نفطها، فقد تعاقبت عليه خلال 9 سنوات تبدّلات كثيرة بالسيطرة على المناطق النفطية، وكانت هذه السيطرة تغيّر في شكل إنتاجه وأماكن تصديره وأين تذهب عائداته، إلا أن كل ذلك كان عشوائيًا وغير منظم، الأمر الذي جعل هذه الثروة بين أيادي أساءت استخدامها، تارةً بتمويل إرهابها كتنظيم “داعش”، أو سرقة النفط والاستئثار به كتنظيم “قسد”، وضاع حق الشعب السوري في ذلك.
في بداية معارك تلك المرحلة في هذه المنطقة سيطر الجيش الحر على بعض الآبار النفطية التي لم يستفد منها إلا بشكل عشوائي وخفيف إلى حدٍ ما. إلا أن “جبهة النصرة” أزاحت الجيش الحر وسيطرت على بعض الآبار وأصبحت تبيع النفط الخام للتجار المحليين الذين يعملون على تكريره بطرق بدائية ومن ثم بيعه بطرق مختلفة.
لم يدم ذلك طويلًا، إذ أن تنظيم “داعش“، منذ تأسيسه بدأ ضربات مركزة على تلك المناطق المليئة بالنفط، ليستطيع تمويل نفسه من مصادر الطاقة. وفي تقرير للخزانة الأمريكية عام 2015 كان التنظيم يجني من عائدات النفط ما يقارب 40 مليون دولار شهريًا، وكان يشترط دفع ثمن النفط الخام بالدولار الأمريكي محددًا سعر البرميل وقتها بـ 40$.
وفي ذروة الإنتاج الداعشي للنفط بلغ إنتاجه إلى ما يقارب 40 ألف برميل من حقول دير الزور بشكل أساسي، فيما يتم تصدير النفط إلى كافة أنحاء سوريا، وتصل إلى مناطق النظام ومناطق المعارضة التي كانت تستهلك بدورها 50% من الإنتاج، فيما كانت تحصل عمليات تهريب إلى دول مجاورة كتركيا وكردستان العراق.
وفي سياق تهريب النفط ذكرت تقارير أن نفط داعش وعبر وسطاء كان ينتهي به المطاف في “إسرائيل”، وفي تحقيق نُشر عام 2015 ذكر موقع “العربي الجديد” أن “التنظيم لا يبيع لإسرائيل مباشرة، بل إلى السماسرة. لكن في الوقت نفسه لا يهمه لمن تصل البضاعة في النهاية وأين يكرّر النفط. كذلك لا يهم التجار الإسرائيليين مصدر هذه البضاعة، وإنما سعرها الرخيص”. وكان التنظيم يورد النفط للنظام السوري عبر وسطاء يعملون مع الجهتين، إلا أن النظام السوري كان يرسل بعض المعدات وقطع الغيار والمواد اللازمة لصيانة الآبار مقابل أن يمده “داعش” بالنفط.
ومع بداية انحسار التنظيم وبدء سيطرة الميلشيات الكردية على المناطق النفطية، كان التحالف الدولي يمهد لاستلام هذه الوحدات المقاتلة آبار النفط والإفادة منها والتصرف فيها، ومع القضاء على “داعش” بشكل نهائي أحكمت “قوات سوريا الديمقراطية” قبضتها على غالب النفط السوري في مناطق دير الزور والحسكة والرقة، وتبقى للنظام حقلٌ واحد وهو حقل الشاعر في حمص.
وفي تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن محافظات الرقة والحسكة ودير الزور تضم قرابة 20 حقل نفط يخضع 11 منها لسيطرة قوات سورية الديمقراطية و”هذه الحقول الـ 11 ذات قدرة إنتاجية أضخم بكثير من الحقول الواقعة تحت سيطرة قوات النظام السوري، أي أنَّ قوات سوريا الديمقراطية تُسيطر على 80% من إنتاج النفط والغاز في سوريا”.
ووجدَ التقرير أن حقول النفط التابعة لـ “قسد”، يمكن أن تنتج ما يقارب الـ 14000 برميل نفط يومياً، وتبيع برميل النفط الخام للنظام السوري بقرابة 30 دولاراً، أي بعائد يومي يقدر بـ 420 ألف دولار، وبعائد شهري يقدر بـ 12 مليون و600 ألف دولار، وبعائد سنوي يقدر بـ 378 مليون دولار سنوياً.
من جهته عقد حزب الاتحاد الديمقراطي التابع لـ “قسد”، اتفاقاً مع النظام السوري، على بيع كامل انتاج حقل “التنك” النفطي بريف دير الزور لحكومة النظام، واتفق الجانبان على شراء النظام برميل النفط من الحزب بـ 41 دولاراً.
وقالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، إن “قسد”، تلعب دورا مهماً، في تزويد نظام الأسد بالنفط الخام في سوريا رغم العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة. إلى جانب ذلك، ذكرت وسائل إعلام في يوليو الماضي أن إلهام أحمد، الرئيسة المشتركة في الهيئة التنفيذية “مجلس سوريا الديمقراطية” وهو الجناح المدني لـ “قسد”، “فوّض رجل الأعمال الإسرائيلي موتي كاهانا بتمثيل المجلس في جميع الأمور المتعلقة ببيع النفط السوري في المناطق التي تسيطر عليها”. وترى “قسد” أنه “لا سبيل للحفاظ على هذه المظلة سوى بتطوير العلاقات مع إسرائيل، لكون الأخيرة أقرب طريق إلى قلب واشنطن”.
السيطرة الأمريكية على النفط
بالتزامن مع الاستمرار الحالي لسيطرة “قسد” التي تسعى الولايات المتحدة بشكل أو بآخر الحفاظ على مصالحها معها حتى ولو لأمد قصير، ظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب البارحة بخطاب الإعلان عن مقتل البغدادي ليقول إن “النفط في سوريا مهم للولايات المتحدة، وإنها تبحث استثماره مع شركات عالمية، وأضاف ترمب “أن بلاده يجب أن تأخذ حصتها من النفط السوري في شمالي وشرقي سوريا”، لافتًا أنه سيقوم بصفقة تجارية مع شركات عالمية لاستثمار النفط السوري.
وقبيل بدء تركيا لعمليتها ضد المسلحين الأكراد سحبت واشنطن كامل قواتها من سوريا باستثناء قوة قال ترمب إن عددها محدود، وستتولى حماية النفط. وصرح ترامب “لدينا جنود في قرىً شمال شرق سوريا قرب حقول النفط. هؤلاء الجنود الموجودين في تلك القرى ليسوا في طور الانسحاب”. مضيفا في كلمة له بالبيت الأبيض “قلت دائما إذا كنا سننسحب فلنحم النفط”، ويبتغي ترمب إعطاء جزء من وارد النفط لـ “قسد”.
من جهتها قالت مجلة “نيوزويك“، نقلًا عن مسؤول في البنتاغون، إن الولايات المتحدة، “تنوي إرسال دبابات أبرامز لحماية حقول النفط في شرق سوريا، بعد إعلان واشنطن نيتها ترك قوات لها في مناطق شرق دير الزور الغنية بالنفط بدعوى حمايتها من داعش.
إلا أن هذا الأمر لم يرق لموسكو التي تحمي نظام الأسد وتريد إعادة كل الأراضي السورية إلى سيطرته بما فيها النفط، لتكيل الاتهامات لواشنطن بـ “اللصوصية”، وقال بيان لوزارة الدفاع الروسية، إن” ما تفعله واشنطن حاليًا من وضع اليد والسيطرة على حقول النفط شرق سوريا، يدل بكل بساطة على عقلية اللصوصية على مستوى عالمي”.
فيما اتهمت الدفاع الروسية واشنطن بتهريب النفط إلى خارج الحدود السورية، وقالت إنه و”تحت حماية جنود الولايات المتحدة الأمريكية، وموظفين من مؤسسات أمنية خاصة، تُهرب شاحنات النفط المستخرج من حقول شرقي سوريا إلى دول أخرى، وفي حالة حدوث أي هجوم على مثل هذه الشاحنات، تتدخل القوات الخاصة الأميركية والطيران الأميركي لحمايتها على الفور”.
ولا يبدو أن السيطرة الكردية ستستمر لأمد بعيد، كما يقول الكاتب والباحث السوري مهند الكاطع لـ “نون بوست”، ويتساءل حول ما إذا كان الروس والنظام “سيكملون ما بدأه الأتراك ويقضون على فلول قسد ويبسطون نفوذهم على حقول النفط؟!”، ويذكر أن الإجابة عن ذلك السؤال تتوقف على عدة عوامل أهمها الموقف الأمريكي في المرحلة المقبلة، وفي حال رفض الأمريكان ربما ستستمر استفادة الميليشيات الكردية من النفط لفترة أطول.
لكن الكاطع لا يرى أن سيطرة “قسد” بتواجد الأمريكان ستكون طويلة بالقدر الذي يمكن له أن يمتد لأعوام، فقسد لن تبقى أكثر مما بقيت حتى الآن، خاصة أن المناطق خارج العمق 32 كيلومترًا التي ستكون عبارة عن منطقة آمنة مفترضة تقيمها تركيا، عربية 100% ولا قاعدة شعبية للميليشيات الكردية فيها.
أزمة وقود في سوريا
روسيا والغاز السوري
روسيا التي تتهم واشنطن بـ “اللصوصية”، لم تنظر إلى نفسها وهي تنهب ثروات الغاز السوري عبر بشار الأسد الذي يدفع كل ذلك ضريبةً لتثبيته في الحكم وحمايته من السقوط، إذ أن شركات روسية كـ “زاروبيج نفط” و”زاروبيج جيولوجيا” و”أس تي غه انجينيرينغ” و”تيخنوبروم أكسبورت” باشرت بتنفيذ أعمال التنقيب الجيولوجي لاستكشاف موارد الطاقة في البر والبحر بسوريا.
وفي اتفاقية للتعاون بين البلدين عام 2018، نصت على تعاون الجانبين في تنفيذ مشاريع تطوير وإعادة تأهيل حقول كل من “النفط والغاز ومناجم الفوسفات” وغيرها من المشاريع، كما أنه في عام 2013 وقع نظام الأسد مع روسيا اتفاقًا يشمل عمليات تنقيب في مساحة 2190 كيلومترًا مربعًا من المياه الإقليمية السورية، ويمتد على مدى 25 عامًا، وفي حال اُكتشف النفط أو الغاز بكميات تجارية، ستسترد موسكو النفقات من الإنتاج.
كما أن موسكو وبالإضافة إلى استيلائها على حقول الغاز في تدمر بعد استرجاعها من تنظيم “داعش”، باتت تسيطر كلياً على الفوسفات في سوريا، وتقوم بتسيير دوريات لمراقبة المنشآت السورية لصناعة الأسمدة بالقرب من حمص، وتحتوي سوريا على واحد من أكبر احتياطات الفوسفات في العالم، والذي يعد أهم عنصر لصناعة الأسمدة، فيما يسيطر الروسي غينادي تيموشينكو على مواقع الفوسفات في سوريا، الجدير بالذكر أن تيموشينكو هو صديق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
إلى ذلك فإن مما سبق يتضح أن الخاسر الأكبر والوحيد من الثروات التي تملكها سوريا هو الشعب السوري الذي تتناوب روسيا وأمريكا على نهبه عبر أدواتها المتواجدة في المنطقة، ويعاني المواطن السوري بين الفينة والأخرى من أزمات بعضها أو ربما كلها يتعلق بالوقود، فأزمات وقود السيارات والتدفئة والكهرباء وغاز الطبخ، كلها ترجع إلى عدم الاستفادة من طاقة البلاد المنهوبة.