في لقاء جمع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” ونظيره الصيني “شي جين بينغ” في أواخر الشهر الماضي، تم توقيع اتفاق غير مسبوق بقيمة 400 مليار دولار لتزويد الصين بالطاقة الروسية لمدة 30 عامًا.
بذلك تستطيع الشركة الصينية الوطنية والشركة التابعة لها بتروتشاينا، والتي تعتبر واحدة من أكبر عشر شركات في العالم، تأمين إمدادات الغاز الطبيعي الضروري لتغذية النمو الاقتصادي الصيني في المستقبل، مما سيؤدي أيضًا إلى تنامي هيمنة النفوذ الصيني على الاقتصاد الروسي.
ومن جهة أخرى، يعزز هذا الاتفاق العلاقات بين الجانبين ويرسخ أهمية التعاون الروسي الصيني الاستراتيجي، الذي يعتبر ضرورة لا يمكن للاقتصاد الروسي المهدد بالانهيار الاستغناء عنها، بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على روسيا بسبب سياستها تجاه أوكرانيا.
ودفعت التطورات السياسية الأخيرة في أوكرانيا بروسيا إلى إبرام هذا الاتفاق الذي قدمت فيه روسيا تنازلات لم تقدمها خلال أكثر من عشر سنوات من المفاوضات الساخنة.
التدفقات الرأسمالية الخارجية:
وأدت العقوبات المفروضة إلى تزايد التدفقات الرأسمالية الخارجية، والتي أصبحت بالفعل أحد الشواغل الرئيسية بالنسبة للكرملين، فمنذ بداية العام، تركت الحكومة 50.6 مليار دولار في رصيد الدولة مما تسبب في تراجع سعر صرف الروبل بنسبة 9 في المائة منذ يناير/ كانون الثاني، وإلى زيادة في التضخم وانخفاض في المقدرة الشرائية بنسبة 7.3 في المائة مقارنة بالعام السابق.
وفي ظل التدهور الاقتصادي الذي تشهده روسيا، لم يكن للسلطات الروسية أي خيار سوى أن تعترف بأن أفضل السيناريوهات لعام 2014 سيكون جمود الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وهو ما يعتبر تراخيًا مذهلاً، إذ يتناقض مع التصريحات التي سبق وأن أعلنها بوتين عن ارتفاع معدل النمو بنسبة 4.2 في المائة في عام 2011، علمًا بأنه وقع تصنيف روسيا إثر ذلك التصريح وعلى الفور “ثالث أكبر معدلات النمو بين الاقتصاديات الكبرى في العالم”.
وبالتالي أصبحت موسكو حريصة على جذب مستثمرين جدد، وزيادة توطيد العلاقات خاصةً مع جارتها الشرقية، على أمل أن تقلص من رصيد الفوائض الصينية وتحقق التوازن مع سجل المدفوعات، وهكذا أصبحت هذه الصفقة الضخمة من أولى الأولويات.
وسيتم الإعلان قريبًا عن تأسيس هيئة استثمارية مشتركة، وكذلك إنشاء صندوق للاستثمار بين روسيا والصين، والتي سوف تزيد من دعم الترابط بين البلدين في ثلاثة قطاعات استراتيجية وهي:
– في مجال تجهيز البنية التحتية والعقارات والمعادن: حجم العمليات المتوقع يقدر بضعف المبلغ الإجمالي للأصول التي اشترتها الصين خلال السنوات الخمس الماضية.
– وسوف تفتح أيضًا نجاحات كبيرة في مجال تطوير الاستثمارات المشتركة التي يحتاج إليها الاقتصاد الروسي الذي سيتحمل مسئولية تمويل مشاريع ضخمة، نظرًا لأنه من المقرر أن تستضيف روسيا نهائيات كأس العالم لكرة القدم في سنة 2018.
– تجديد البنية التحتية وإنتاج الطاقة لتزويد أسواق بلدان الشرق النامية، وعلى سبيل المثال أعلنت بكين أنها ستساهم بالفعل بما يصل إلى 20 مليار دولار لإنجاز خطوط الأنابيب اللازمة لضمان التسليم في عام 2018.
الانتقال إلى الشرق:
تشير بعض التفاصيل حول صفقة الطاقة المبرمة بين موسكو وبكين، إلى ضعف الموقف الروسي على مدى الأشهر القليلة الماضية، إلى جانب وجود رغبة لدى بوتين للدخول في تحالف طويل المدى مع العملاق الأسيوي الصيني؛ لإيقاف نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة وخارجها، غير أن المفاوضات حول أسعار الغاز كانت حجرة العثرة الرئيسية أثناء عملية التفاوض الطويلة، حيث رفضت بكين العديد من الشروط التي طالبت بها موسكو.
مع العلم أنه منذ انطلاق المفاوضات كان الموقف الروسي أكثر صلابة خاصة أثناء النظر في الأسعار العالية التي تدفع حاليًا من قبل بكين لإمدادات الغاز الطبيعي المسال، حيث يؤكد متابعون أن روسيا وافقت على الأسعار الجديدة بسبب الأزمة الأوكرانية التي غيرت موازين القوى بين البلدين لفائدة الصين.
“CLSA” شركة متخصصة في تحليل شئون الطاقة في أسيا، قالت إن سعر تسليم الغاز الروسي إلى الحدود الصينية في هذه الصفقة كان منخفضًا جدًا، حيث نزل إلى 350 دولار لكل ألف متر مكعب، كما ينبغي مقارنة هذا الرقم مع العرض الحالي الذي قدمته روسيا إلى أوكرانيا، والذي يتمثل في 385 دولار لكل ألف متر مكعب.
وتضمنت اتفاقيات التعاون بين الصين وروسيا وضع استراتيجيات السياسة الخارجية المشتركة بينهما، والتي كثفت في الآونة الأخيرة بشكل ملفت، ومن بينها الاتفاقات الضمنية ضد الأيديولوجية الليبرالية الغربية وكذلك التدخل في سوريا لدعم نظام الأسد، كما يبدو أيضًا أن العلاقات بين البلدين قد وصلت الآن إلى مستوى أكثر فعالية عسكريًا واقتصاديًا، كما كثرت الشائعات حول بيع طائرات روسية مقاتلة وصواريخ أرض جو (سام) للصين، وأنواع أخرى من المعدات العسكرية التي من شأنها تعزيز موقف بكين في نزاعها مع طوكيو بشأن الجزر دياويو/ سينكاكو.
وبالمقابل قامت موسكو وبكين بإجراء تدريبات بحرية مشتركة في بحر الصين الشرقي، وإرسال رسائل واضحة إلى اليابان وفيتنام والفلبين وكذلك إدارة أوباما.
في حين تلقت الصين مؤخرًا زيادة في هجمات من المسلمين الأويغور الانفصاليين في شينجيانغ، حيث أدان بوتين بحزم هذه الهجمات وعرض المساعدة لتعزيز التعاون مع بكين “في مكافحة جميع أشكال الإرهاب والتطرف”.
وأما في مجال اقتصاد، وقع كلا الطرفين إعلانًا مشتركًا خلال الشهر الماضي يهدف لدعم التكامل الاقتصادي المشترك بينهم وبين حلفائهم بالمناطق المشتركة مثل: خط الحرير الذي يمثل الطريق الاقتصادية بين الصين والاتحاد الأوروبي.
وذكر النص النهائي الصادر عن مؤتمر شنغهاي الرسمي، بإلزام الجانبين بالتقارب في مشاريعهم، وإزالة ألغام الماضي والتوترات التي من شأنها نشر العدائية في أنحاء أسيا الوسطى، كما يتعهد الجانبين بمضاعفة مستوى التجارة الثنائية بين سنة 2015 و2020، لتصل إلى 200 مليار دولار قبل العقد القادم، بالإضافة إلى إنشاء وكالة تصنيف دولية مشتركة لمنافسة المؤسسات الغربية في خطوة أولى نحو إقامة نظام بنية اقتصادية إقليمية مستقلة.
المصدر: ترجمة نون بوست من الجزيرة