تشهد موريتانيا في الفترة الأخيرة، حركية كبيرة في مجال الطاقة، نتيجة الاكتشافات المهمة للغاز في أراضيها وحدودها البحرية. اكتشافات جديدة تؤهل هذا البلد العربي الواقع غرب القارة الإفريقية لدخول نادي كبار منتجي الغاز الطبيعي في العالم.
حقل “بئر الله”
آخر هذه الاكتشافات، أعلنت أمس الإثنين، حيث أعلن وزير النفط والطاقة في موريتانيا محمد ولد عبد الفتاح، اكتشافات جديدة من الغاز في الحوض الساحلي لبلاده وأنها ستفتح آفاقًا واعدة، وقال عبد الفتاح، في تدوينة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، إن هذه الاكتشافات توجد في منطقة “بئر الله” الواقعة في المياه الموريتانية بالمحيط الأطلسي، وستفتح آفاقًا واعدة لبناء قطب غازي جديد في موريتانيا.
من جانبهما قالت شركتا “كوزموس إنيرجي” (أمريكية) و”بريتيش بتروليوم” (بريطانية) العاملتين في مجال التنقيب عن الغاز والنفط، في بيان إنهما “تمكنتا من تحقيق أحد أكبر اكتشافات الغاز الطبيعي في السنوات الأخيرة في المياه قُبالة سواحل موريتانيا”.
وجاء في بيان صادر أمس الإثنين، عن الشركتين، أن الاكتشافات في منطقة “بير الله” تتوزع بين بئرين هما: “أوركا ومارسوين”، ووصف البيان بئر أوركا بأنه “أكبر اكتشاف للهيدروكربونات في المياه العميقة في العالم حتى الآن في هذا العام، ما يوضح الجودة العالمية لحوض الغاز الموريتاني”.
نحو 9 مليارات برميل من الغاز تحتويها المنطقة المكتشفة
وقدرت كمية الغاز المحتمل أن تحويها المنطقة بما يعادل 8.9 مليار برميل من المكافئ النفطي، مما قد يجعلها أحد أكبر الاكتشافات في العالم منذ اكتشاف شركة إيني الإيطالية حقل ظُهر المصري الذي يحوي 30 تريليون قدم مكعبة من الغاز عام 2015.
شهدت أنشطة الاستكشاف خلال السنوات الأخيرة في موريتانيا تحولات كبيرة خاصة بعد تطبيق قانون المحروقات الجديد
في ضوء الاكتشاف بالبئر أوكرا- 1، أشارت كوزموس إلى أنها قررت مد الجدول الزمني لبيع جزء من حصتها في المنطقة للعام المقبل، وأضافت أن هذا الاكتشاف يؤكد توقعاتها بخصوص هذا الحقل، ويسير في الطريق الصحيح نحو توصيل أول كمية من الغاز في النصف الأول من عام 2022.
وقال الرئيس التنفيذي لكوزموس آندرو إنجليس في بيان: “يقدم أوكرا- 1، الذي نعتقد أنه أضخم اكتشاف للهيدروكربونات في المياه العميقة في العالم حتى الآن هذا العام، مزيدًا من الأدلة على الجودة العالمية لحوض غاز موريتانيا”.
وتوقعت الشركة الأمريكية وجود احتياطي من الغاز في هذه المنطقة يقدر بـ50 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي المسال، أي ما يعادل إجمالي إنتاج إفريقيا حاليًّا لمدة 7 سنوات، ويمكن أن يستمر إنتاج الغاز من تلك الاحتياطات لمدة تصل إلى نصف قرن.
ويقع الحقل الغازي الجديد الذي يعرف باسم “بير اللَ” التي تعني باللغة العربية “بئر الله”، داخل المياه الإقليمية الموريتانية، على بعد ستين كيلومترصا إلى الشمال من بئر السلحفاة الكبير، الواقع على الحدود مع دولة السنغال.
حقل “سلحفاة آحميم”
قبل هذا الحقل، اكتشفت موريتانيا حقلاً مشتركًا للغاز الطبيعي مع السنغال، وتبلغ احتياطات الغاز التي اُكتشفت في هذا الحقل الذي يقع على بعد نحو 300 كيلومتر جنوب غرب العاصمة نواكشوط في مياه المحيط الأطلسي، نحو 25 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي عالي الجودة.
ويتكون المشروع من منصة عائمة للإنتاج والتخزين والتفريغ تعالج الغاز وتزيل المكونات الهيدروكربونية الثقيلة ووحدة التسييل العائمة للغاز الطبيعي، ووفقًا لشركة بريتش بتروليوم فمن المتوقع أن ينتج المشروع ما متوسطه 2.5 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويًا في مراحله الأولية.
وتعمل شركة بريتش بيتروليوم البريطانية، بالشراكة مع “كوسموس” الأمريكية في هذا الحقل الواقع في عمق المحيط الأطلسي والمشترك بين موريتانيا والسنغال، ومن المنتظر أن يبدأ حفر أول بئر للإنتاج بداية سنة 2021، وسيتم وضع الأنابيب، ومع نهاية العام ستصل المحطة العائمة لتخزين وتفريغ الإنتاج إف. بي. إس. أو التي كانت تشيد في الصين.
اكتشافات غازية جديدة في منطقة “بير الَّ” Birallah بحوضنا الساحلي تفتح آفاقا واعدة لبناء قطب غازي جديد…
Posted by Mohamed ABDEL VETAH on Monday, October 28, 2019
مع مطلع عام 2022 سيبدأ الانتاج هذا الحقل، حيث ستصل أيضًا محطة الغاز الطبيعي المسال إف. إل. إن. جي قادمة من سنغافورة وتبدأ مرحلة توصيل هذه المحطات فيما بينها وتوصيلها بالآبار، لتبدأ عملية التصدير.
وسبق أن وقع رئيسا موريتانيا والسنغال على اتفاق لتقاسم إنتاج الغاز في هذا الحقل الضخم الذي اُكتشف في المياه الإقليمية المشتركة، ويجري العمل على بدء استغلاله منذ سنوات، وتتضمن تفاصيل الاتفاق الموقع بين الطرفين فرض الضرائب على مشغِلي المشروع وتمويل الشركتين الوطنيتين (الشركة السنغالية للنفط والشركة الموريتانية للمحروقات)، وآليات تسويق الغاز الطبيعي المسال.
تعتبر شركة بريتش بتروليوم البريطانية أهم مستثمر أجنبي بمجال الغاز بموريتانيا، وتمتلك الحصة الرئيسية بحقل الغاز المشترك بين موريتانيا والسنغال، فيما تعتبر شركة كوزموس إنرجي الأمريكية صاحبة السبق في مجال الاكتشافات النفطية، حيث كانت أولَ جهة تعلن وجود كميات كبيرة من الغاز في السواحل الموريتانية السنغالية سنة 2015، واستعانت بها شركة “بريتش بتروليوم” بعد انسحاب شركة شيفرون من أعمال التنقيب عن الغاز بموريتانيا سنة 2015.
الدخول في نادي كبار المنتجين
يؤكد العديد من الخبراء في هذا المجال، وجود كميات كبيرة من الغاز في أرض موريتانيا، وذلك بالنظر إلى العمليات الاستكشافية في هذا المجال، حيث أكدت هذه الأعمال لشركة كوسموس بداية العام 2016، أن الحوض الساحلي الموريتاني يتوافر على احتياطات كبيرة من الغاز، في حقلي سلحفاة آحميم الكبير – أكبر حقل للغاز في غرب إفريقيا – وبير الله، في المقطع الثامن، بالإضافة إلى حقول أخرى تأكدت معالمها في المقاطع المجاورة التي لم تصلها بعد عمليات التنقيب.
بعد سنتين من إعلان هذه النتائج، قدمت 3 شركات عملاقة للتنقيب عن النفط والغاز في الحوض الساحلي الموريتاني هي إبريتش بتروليوم البريطانية وتوتال الفرنسية وشيل الأمريكية، ما يؤكد احتمال مضاعفة الاكتشافات السابقة عدة مرات، خلال السنوات القادمة، وفق العديد من الموريتانيين.
وشهدت أنشطة الاستكشاف خلال السنوات الأخيرة في موريتانيا تحولات كبيرة خاصة بعد تطبيق قانون المحروقات الجديد، الذي يمثل إطارًا جديدًا يهدف إلى تحديث شروط منح تصاريح النفط وتحسين حصة الدولة وتعزيز المؤسسة الوطنية، ويقضي القانون الجديد بحصول الشركة الوطنية للمحروقات على 10% من أسهم الشركة طيلة فترة الاستغلال، مع تحمل المشغل ماليًا لذلك، والحفاظ على مستوى مقبول من التزام مشغلي النفط.
يأمل الموريتانيون أن تعود هذه الاكتشافات بالفائدة على عموم البلاد، وأن يحسن النظام السياسي الحاليّ استغلال هذه الثروات الباطنية المهمة وألا تحتكرها فئة دون أخرى
نتيجة لذلك، تم توقيع 14 عقد استكشاف والإنتاج في المواقع البحرية والبرية، منها 11 عقدًا في مرحلة الاستكشاف، كما تم الانتهاء من آخر عملية تقسيم مساحية في يوليو عام 2017 الذي يرفع عدد الكتل البحرية إلى 32 وداخل الساحل إلى 44.
وكانت موريتانيا قد وقعت مطلع سنة 2017، عقودًا للتنقيب عن النفط والغاز في مياهها الإقليمية مع بي. بي وتوتال الفرنسية، وهو ما يجعل المنافسة على أشدها بين تلك الشركات، الأمر الذي سيعود بالنفع على البلاد مستقبلاً.
وبدأ نشاط التنقيب عن النفط في موريتانيا في سيتينات قرن الماضي واستمر حتى عام 1992، دون أن يؤدي إلى اكتشافات تجارية، وبعد فترة انقطاع استؤنفت العمليات بشكل مكثف إلى حد كبير في نهاية التسعينيات، وتنتج موريتانيا في الوقت الحاليّ نحو 5 آلاف برميل من النفط يوميًا، وفق بيانات صندوق النقد الدولي.
امتيازات مهمة
هذه الاكتشافات الضخمة لحقول الغاز الطبيعي، ينتظر أن تكون ذات عائدات مالية كبيرة من شأنها أن تعود بالفائدة على الاقتصاد الموريتاني المتدهور، وتخرج البلاد من براثن الفقر الذي تعيش فيه، حيث تعد موريتانيا من أفقر الدول في غرب القارة الإفريقية.
اكتشافات الغاز الطبيعي سيكون لها أهمية كبيرة على مستقبل البلاد
تقدر نسبة البطالة في موريتانيا بـ33%، وترفض الحكومة الاعتراف بارتفاع نسبة البطالة إلى هذا الحد، وتعتبر أنها لا تتجاوز 10%، إلا أن إحصاءات البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية ودراسات الباحثين تؤكد أن ثلث الشباب في موريتانيا يعانون من البطالة، وتسجل موريتانيا أعلى معدل للبطالة في صفوف الرجال حول العالم، وتبلغ نسبة الفقر في موريتانيا 46% من مجموع السكان، 75% من الفقراء من سكان الأرياف، مما يجعل الفقر ظاهرة ريفية بامتياز.
يأمل الموريتانيون أن تعود هذه الاكتشافات بالفائدة على عموم البلاد، وأن يحسن النظام السياسي الحاليّ استغلال هذه الثروات الباطنية المهمة وألا تحتكرها فئة دون أخرى كما كان معمولاً به في السابق، ما جعل أزمات البلاد تتفاقم.