“وصل إلى نهاية النفق بينما كانت كلابنا تلاحقه. فجر سترته فقتل نفسه وأطفاله الثلاث. شوهت الانفجارات جثته. وانهار النفق فوقه”، بلغة منتشية أعلن الرئيس الأمريكي مقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أبو بكر البغدادي في غارة قادتها القوات الأمريكية ليل السبت في سوريا.
فرحة عارمة كست وجه وصوت ترامب وهو يعلن هذا الخبر الذي جاء في وقت مثالي بالنسبة له، إذ سبق أولى جلسات الكونغرس للتحقيق في مسألة عزله المقرر لها الخميس المقبل، الأمر الذي ربما يخفف حدة الانتقادات الموجهة للرجل كون ما حدث انتصارًا يحسب له.
خطوة كهذه من شأنها زيادة أرصدة ترامب لدى الشارع الأمريكي قبيل بدء حملته الانتخابية استعدادًا للماراثون نحو ولاية رئاسية ثانية خلال العام المقبل، لكن يبقى السؤال: هل من الممكن أن تكون القشة التي ستنقذه من ملاحقة الديمقراطيين له داخل البرلمان للإسراع من خطوات عزلة؟
ويواجه الرئيس الأمريكي حملة مناهضة من الديمقراطيين داخل مجلس النواب بسبب محاولته – عبر مكالمة هاتفية مسجلة – إقناع رئيس أوكرانيا بالتحقيق في تصرفات منافس ترامب السياسي جو بايدن بهدف تشويه صورته قبيل الانتخابات المقبلة، حيث وصف الديمقراطيون هذا التحرك بأنه “سوء استغلال للسلطة ربما يعرض الأمن الوطني الأمريكي للخطر” وهو ما يستوجب عزله من منصبه.
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) October 27, 2019
إنجاز في توقيت مثالي
سياسيًا يعد قتل شخص بحجم البغدادي إنجازًا يحسب للرئيس الأمريكي يمكن توظيفه بصورة أو بأخرى لتحقيق أهداف سياسية، وهو ما يعيد للأذهان واقعة مقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في مايو 2011، حينها احتفلت حشود كبيرة من الأمريكيين أمام البيت الأبيض فرحًا بالعملية، بخلاف ما شهدته معظم الولايات من احتفالات عارمة خاصة في ميدان التايمز وموقع مركز التجارة العالمي في نيويورك وبالقرب من البنتاغون.
التوقيت كان نقطة محورية في العملية التي جاءت بالتزامن مع ما يواجهه ترامب من موجات متلاطمة من الانتقادات هنا وهناك، حتى بات الحديث عن عزله أو على الأقل تراجع شعبيته بما لا يسمح له خوض الانتخابات الرئاسية القادمة، من المسلمات المطروحة على طاولة النقاش السياسي، داخل أمريكا وخارجها.
وبعيدًا عن الشكوك التي أثيرت بشأن دوافع إعلان العملية في هذا التوقيت وما صاحبها من إخفاء جثته بعيدًا عن كاميرات الفضائيات وفلاشات الصحفيين، فإن لغة الجسد التي تملكت ترامب وهو يعلن الخبر ومدى الفرحة التي غمرته، تعكس مدى ما يأمله في تحقيق هذا الانتصار حزمة من الأهداف التي ربما تنتشله من مأزقه السياسي الراهن.
نشوة الانتصار لم تقف عند مجرد إعلان مقتل البغدادي فحسب، بل أعاد ترامب الحديث عن العملية في تغريدة أخرى في اليوم التالي قال فيها “هذا فوز كبير لأمريكا كذلك للرئيس ترامب” فيما يبدو بعد عودة القوات الأمريكية الخاصة سالمة إلى قاعدتها، وهو ما يشي بتوظيفه لهذه العملية من أجل التباهي بها بين الحين والآخر، وذلك لتكسير موجة الإدانات المتواصلة.
“This is a big win for America, and also for President Trump.” @nypost
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) October 29, 2019
إشادات من الجمهوريين والديمقراطيين
إشادات كبيرة صاحبت إعلان مقتل البغدادي، من الحزبين، الجمهوري والديمقراطي على حد سواء، حيث علق السيناتور لينزي غراهام الذي كان قد وجه انتقادات قاسية لقرار الرئيس الانسحاب من سوريا، قائلاً “هذا سيغير قواعد اللعبة. هذه لحظة يجب أن نفخر فيها جميعًا، بجيشنا الأمريكي ومؤسسات مخابراتنا. إنها لحظة يقول فيها أشد منتقدي الرئيس ترامب: أحسنت يا سيادة الرئيس”.
أما زعيم الأغلبية الجمهورية السيناتور ميتش مكونبيل فقال إنه يشعر بالامتنان للرئيس ترامب وفريقه على أسلوبهم في القيادة، فيما نشر السيناتور كيت رومني أشد الجمهوريين انتقادًا للرئيس تغريدة شكره فيها على إرسال البغدادي إلى جهنم.
وفي السياق ذاته وجه عدد من النواب الديمقراطيين التهنئة للرئيس ترامب والشعب الأمريكي على هذا الإنجاز على رأسهم السيناتور جيان شاهين عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ والنائب حكيم جيفريز رئيس الهيئة البرلمانية للديمقراطيين في مجلس النواب.
شهد الشارع الأمريكي ردود فعل إيجابية على مقتل زعيم تنظيم الدولة، معتبرين أن هذا يوم تاريخي في مسيرة الولايات المتحدة السياسية، ونجاح يحسب لترامب وإدارته، وذلك وفق تعليقات الكثير من المواطنين الأمريكيين على تغريدة الرئيس الأمريكي التي أعلن فيها الخبر.
انتقادات وتحفظ
رغم الفرحة التي عمت الكثير بسبب هذه الخطوة والإشادات التي وجهت لترامب بعد إعلانها، فإن الكثيرين يرون أن مقتل البغدادي لا يمثل نهاية “داعش”، والرئيس لا يملك إستراتيجية في المنطقة، بل وانتقدوا الرئيس لخروجه عن العرف بتقاعسه عن إطلاع جميع قيادات الكونغرس التي يطلق عليها اسم “عصابة الثمانية” قبل الغارة.
وكان ترامب عن قصد قد أشار إلى تعمده عدم إبلاغ نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب خصمه الرئيسي من الديمقراطيين التي لعبت دورًا رئيسيًا في التحقيق بتعاملاته في أوكرانيا بهدف عزله، معلومات عن توقيت العملية وتفاصيلها، وعزا ذلك إلى مخاوفه من تسرب المعلومات وتعريض حياة الجنود الأمريكيين للخطر.
من جانبها استنكرت بيلوسي هذا التصرف، وأشادت في بيان لها أشادت بالدور الذي أدته القوات المسلحة الأمريكية، مضيفة “لا بد من إطلاع المجلس على هذه الغارة التي تم إخطار الروس بها مسبقًا دون قيادات الكونغرس الكبرى وكذلك على إستراتيجية الإدارة عمومًا في المنطقة”.
وكان ترامب قد تعرض لانتقادات حادة من الجمهوريين والديمقراطيين على السواء بسبب قراره المفاجئ سحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، الأمر الذي فتح الباب أمام تدخل عسكري تركي لاستهداف الأكراد حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، نظرًا لما يمثلونه من تهديد لأمن أنقرة القومي.
هل ينقذ ترامب؟
في الوقت الذي يعول ترامب على هذا الانتصار في تحسين صورته وتقوية موقفه أمام الكونغرس خلال جلسة الخميس، فإن البعض يرى أن هذا الإنجاز لن يغير من الواقع شيئًا، وهو ما أشار إليه لانهي تشين الباحث بمؤسسة هوفر الذي عمل مستشارًا لحملة ماركو روبيو في انتخابات الرئاسة عام 2016 وحملة ميت رومني في 2012 بقوله “لا أعتقد أن هذا الحدث يغير بالضرورة مسار حياتنا السياسية بأي شكل من الأشكال، لكنه من دون شك انتصار هائل للرئيس ترامب”.
وأضاف تشين “في السنوات السابقة كان بوسعك أن ترى كيف يمكن أن يؤدي ذلك إلى توقف التصريحات السياسية لبضعة أيام على الأقل. لا أتوقع أن يحدث ذلك هذه المرة”، في إشارة إلى احتمالية تأثير عملية البغدادي على مستقبل التحقيق في إجراءات العزل.
وعليه يرى كثيرون أنه من المستبعد أن يصرف سقوط البغدادي أنظار النواب عن تحقيق العزل الذي اكتسب زخمًا في أعقاب سلسلة من الشهادات الضارة بموقف ترامب التي يسعى الجمهوريون على نحو متزايد لتفنيد ما جاء فيها، حيث أشار السيناتور جون ثون، ثاني أكبر الجمهوريين في مجلس الشيوخ، للصحفيين في أعقاب شهادة أدلى بها دبلوماسي أمريكي رفيع في جلسة مغلقة يوم الأربعاء الماضي إن الصورة التي يعكسها التحقيق “ليست طيبة” وذلك في علامة محتملة على تراخي التأييد الجمهوري لترامب.
We have declassified a picture of the wonderful dog (name not declassified) that did such a GREAT JOB in capturing and killing the Leader of ISIS, Abu Bakr al-Baghdadi! pic.twitter.com/PDMx9nZWvw
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) October 28, 2019
شهادة بولتون
تترقب الدوائر الأمريكية حسم قضية استدعاء مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون للإدلاء بشهادته في جلسة سرية أمام لجان المجلس، وذلك بعد شهرين على انطلاق تحقيقات مجلس النواب الساعية لبدء إجراءات العزل، علمًا بأن حتى كتابة هذه السطور لم يتم التأكد من إدلاء بولتون بشهادته أم لا.
وتقول مصادر في الكونغرس إنّهم قد يستدعون بولتون للشهادة في جلسات علنية من المتوقع أن تبدأ في الأسابيع المقبلة، وفق ما نقلت وكالة “رويترز“، من بينهم آدم شيف رئيس لجنة المخابرات في المجلس وأحد الديمقراطيين الذين يقودون تلك الجهود.
شيف في حديثه لمحطة (إيه. بي. سي) التليفزيونية قال “من الواضح أن لديه معلومات وثيقة الصلة (بما نحقق فيه) ونريده أن يدلي بشهادته – في إشارة لبولتون -، غير أن هذا الأمر قد لا يكون سهلاً، فقد حاول مسؤولون في البيت الأبيض منع مسؤولين حاليّين وسابقين من الإدلاء بشهادتهم في التحقيق وحققوا بعض النجاح. ومن بين من رفضوا الانصياع لمذكرات تطلب وثائق وزير الخارجية مايك بومبيو وكبير موظفي البيت الأبيض مايك مولفاني وأيضًا رودي جولياني المحامي الشخصي لترامب. لكن بعض الشهود الآخرين مثلوا أمام اللجنة رغم أوامر الإدارة برفض ذلك”.
وكانت العديد من التقارير قد أشارت إلى انزعاج بولتون من الدور الكبير الذي منحه ترامب لمحاميه الخاص رودي جولياني في التخطيط لدفع أوكرانيا إلى بدء تحقيقات عن بايدن، وخلال المرة الوحيدة التي تحدث فيها بعد مغادرته منصبه الشهر الماضي، هاجم بولتون سياسة ترامب الخارجية، كما هاجم بشدة الديمقراطيين في الوقت ذاته.