ترجمة وتحرير: نون بوست
ثبُت أن تغيير الوقت له تداعيات سيئة على صحتنا، ويمكن كذلك أن يؤدي إلى تفاقم التوتر السياسي وإعاقة التجارة. وبناء على ذلك، تسعى مجموعة من الأكاديميين للتخلص من المناطق الزمنية للأبد.
احتلّت بلدة سوماروي، وهي جزيرة نرويجية صغيرة يضيئها النور بشكل دائم صيفا ويسودها الظلام الدامس شتاء، عناوين الصحف في شهر حزيران/ يونيو سنة 2019، في ظل ورود أخبار حول مفهوم “الوقت”. وفي هذا الشأن، قال تشيل أوفي فيدينغ، قائد الحملة على صفحة موقع فيسبوك “إذا أردتَ طلاء منزلك على الساعة الثانية صباحا، لا مشكلة في ذلك. وإذا أردنا السباحة على الساعة الرابعة صباحا، فسيكون ذلك ممكن أيضا”.
في الواقع، تبين لاحقًا أنّ هذه الأخبار إنما هي حيلة دعائية للترويج للسياحة في الجزيرة، ولكن ليس من السهل التخلص من فكرة أن الوقت غير قابل للتغيير كما نعتقد. وفي شهر آذار/ مارس سنة 2019، صوّت البرلمان الأوروبي على مقترح إلغاء تغييرات التوقيت الصيفي، والسماح بدلا من ذلك للدول الأعضاء باختيار ما إذا كانوا يفضلون اختيار البقاء في فصل الصيف أو فصل الشتاء طوال السنة.
من جهة أخرى، أولاً، يوجد تاريخ طويل حول كيفية ظهور هذه المناطق الزمنية. وقبل اعتماد الساعة الميكانيكية، كان الأشخاص يحدّدون الوقت باستخدام المزولة الشمسية. ويعني ذلك وجود تباين في الوقت حتى بين المسافات القصيرة. وعلى سبيل المثال، منتصف النهار في أكسفورد، قد تكون منتصف النهار وعشر دقائق في لندن. في غضون ذلك، أُنشأ تبعا توقيت غرينتش في سنة 1675.
الوقت وكيفية إدارته يعتبر موضوعا مثيرا للجدل إلى حد ما ومثير للقلق من الناحية التاريخية
وتجدر الإشارة إلى أن المناطق الزمنية كانت من بنات أفكار المهندس الأسكتلندي المولد، السير ساندفورد فليمنغ، حين شعُر بالانزعاج الشديد حين لم يتمكّن من لحاق القطار في أيرلندا في سنة 1876. وفي هذا السياق، قال الأستاذ الجامعي في الجغرافيا في كلية الآداب والعلوم، ستانلي برون، “كان المعيار المُستخدم لحساب يوم يمتد 24 ساعة هو 15 درجة على خط الطول، وبالتالي وقع إنشاء نظريًا مناطق زمنية باحتساب 15 درجة على المستوى الدولي مع نقطة” التقاء” تبلغ 180 درجة على خط الطول الأول الواقع وسط المحيط الهادئ”.
لا نولي عادة إنه أهمية بالغة لهذا الأمر، ولكن الوقت وكيفية إدارته يعتبر موضوعا مثيرا للجدل إلى حد ما ومثير للقلق من الناحية التاريخية. وبغض النظر عن مقدار الخلاف المتعلّق بالتوقيت الصيفي في بلدان مثل أستراليا والولايات المتحدة، غيّر المغرب توقيته لمدة شهر خلال شهر رمضان سنة 2019 (على الرغم من قراره بإلغاء تعديلات التوقيت الموسمي في 2018)، كما قررت جمهورية ساو تومي وبرينسيب الديمقراطية، وهي دولة جزرية تقع في قارة أفريقيا، تغيير توقيتها والعودة إلى استخدام توقيت غرينتش بعد أن كانت تعتمد على توقيت غرب إفريقيا قبل سنة. وخلال السنة التي سبقتها، قررت كل من كازاخستان وولاية في روسيا تغيير المناطق الزمنية بشكل دائم.
تتمثّل إجابة كل من هانك وهنري حيال كل هذا الارتباك في إنشاء منطقة زمنية واحدة للعالم بأسره. وإذا كانت الساعة التاسعة مساءً في لندن، فينبغي أن تكون أيضًا التاسعة مساءً في كانبيرا. في الوقت الراهن، يقع استخدام الوقت العالمي الموحد من قبل طياري الخطوط الجوية لأسباب واضحة، بالإضافة إلى التمويل الدولي والتجارة، للتأكد من أن المعاملات تحدث في الوقت ذاته. وفي هذا السياق، قال هانك: “نحن الآن جميعًا نستخدم التوقيت ذاته”، مضيفا “لذلك ينبغي علينا جميعًا أن نستخدم التوقيت ذاته”. وحتى الآن، تبدو هذه الحجة مقنعة للغاية.
لكن حتى في ظل غياب هذا التقلّب اللامتناهي، تعد المراوغات في المنطقة الزمنية موجودة في جميع أنحاء العالم. وهناك بعض الأمثلة الصارخة، فلدى روسيا 11 مثالا، بينما تملك الصين مثالا واحدا فحسب. وتعتبر نيبال المكان الوحيد في العالم حيث يتم ضبط الوقت (بشكل غير مفهوم) على ربع ساعة بعد الساعة المحددة، بينما في مدينتين أستراليتين على نصف ساعة، وتلتزم إسبانيا بتوقيت أوروبا الوسطى على الرغم من كونها تتماشى جغرافيا مع المملكة المتحدة، مما يعني أن مواطنيها يعانون من المشاكل المرتبطة باختلاف التوقيت بشكل مستمر، مما يعني أن جدولهم اليومي لا يتوافق مع ساعاتهم البيولوجية. فهل تعتبر حقيقة الوجود غير المنطقي للمناطق الزمنية سببا كافيا لإلغائها؟
لكن كيف سيبدو هذا الأمر من الناحية العملية؟ تستخدم كل من الصين والهند، وهما دولتان متراميتا الأطراف تمتدان على مناطق زمنية عديدة، وقت قياسي واحد فحسب. ومن الممكن اعتبارهما نموذجا لاختبار الوقت العالمي الموحد. في الواقع، تمتد الصين على خمس مناطق زمنية، وهذا يعني أن توقيت الطرف الغربي من البلاد يختلف عن الشرق بحوالي أربع ساعات.
غيرت فنزويلا منطقتها الزمنية في ظل حكومة هوغو تشافيز للدلالة على تقرير المصير السياسي وتجنبا لمشاركة المنطقة الزمنية نفسها مع الولايات المتحدة عدوتها اللدود
على الرغم من ذلك، لا يُستخدم سوى توقيت بكين، الذي أنشأه الحزب الشيوعي لأول مرة لتحفيز الشعور بالوحدة الوطنية. ويشير انعدام وجود ساعات رسمية يقع تكييفها محليا للعمل والمدرسة إلى أن أولئك الذين يقيمون في بكين يستيقظون في الظلام، أو يتوجهون للنوم قبل مغيب الشمس. وفي هذا الإطار، قال برون إن “حياتهم تختلف بفارق ثلاث أو أربع ساعات من التوقيت الشمسي المحلي”.
يمكن ملاحظة ذلك بشكل أكثر تطرفا في مقاطعة شينجيانغ الغربية التي تشكل نقطة التقاء للتوترات السياسية. ففي حين تعتمد قومية الهان التي تشكل غالبية السكان توقيت بكين، يعتمد المسلمون الإيغور التوقيت المحلي الذي يسبق بساعتين، وقد تم استغلال ذلك من الناحية السياسية في السابق، حيث اعتُقل رجل من الإيغور سنة 2018 لأنه ضبط ساعته على التوقيت المحلي.
لا يمكن اعتبار الأمر غريباً تمامًا، حيث تم استخدام المناطق الزمنية على مر التاريخ كأدوات سياسية (يرى هانكي وهنري أن إدخال التوقيت العالمي سينهي هذا الأمر). ووفقًا لجوناثان هاسيد، الأستاذ المساعد في العلوم السياسية بجامعة ولاية آيوا، قررت كوريا الشمالية سنة 2015 إعادة ضبط ساعاتها بتأخير نصف ساعة للدعوة لتوقيت بيونغ يانغ تأكيدا على استقلالها السياسي واحتفالا بالذكرى السبعين لتحرير كوريا من الاستعمار الياباني. مع ذلك، ضُبطت الساعات مرة أخرى سنة 2018 لتتماشى مع كوريا الجنوبية بعد تحسّن العلاقات بين الجارتين.
في سياق مشابه، غيرت فنزويلا منطقتها الزمنية في ظل حكومة هوغو تشافيز للدلالة على تقرير المصير السياسي وتجنبا لمشاركة المنطقة الزمنية نفسها مع الولايات المتحدة عدوتها اللدود. في هذا الشأن، يوضح هاسيد “بأنها بمثابة وسيلة لتمرير القرارات السياسية للمجتمع الدولي وللمواطنين في الداخل”.
بعيدا عن السياسة، ترتبط المناطق الزمنية بتأثيرات صحية خطيرة. وعلى سبيل المثال، توجد في الهند منطقة زمنية واحدة يشهد السكان غرب البلاد شروق الشمس وغروبها في وقت متأخر. وينبغي عليهم على الرغم من ذلك اتباع ساعات العمل الرسمية نفسها. وعلى الصعيد العملي، يعني ذلك أن الناس ينامون في وقت متأخر إلا أنهم يستيقظون باكرا مما قد تكون له عواقب وخيمة.
في ظل غياب القيود التي تفرضها منطقة زمنية معينة، ستكون المواقع المختلفة حرة التدخل في ساعات العمل والجداول الزمنية المحلية
وبشأن هذا الموضوع، أوضح المرشح لنيل الدكتوراه بجامعة كورنيل، موليك جيغناني، الذي كتب ورقة حول الموضوع “بأنه يقل احتمال التحاق الأطفال المحرومين من النوم بالمدرسة، كما ينخفض الوقت الذي يقضونه في الدراسة، ويزيد الوقت الذي يقضونه في أنشطة الترفيه المستقرة”.
علاوة على ذلك، كشفت دراسات أخرى عن تأثير مشابه على الحدود الغربية للمناطق الزمنية في الولايات المتحدة، حيث ترتفع معدلات الإصابة بسرطان الثدي والسمنة ومرض السكري وأمراض القلب في هذه المناطق. وعموما، يعود ذلك بشكل أساسي إلى اختلال التزامن في الإيقاعات اليومية المرتبطة بضرورة الاستيقاظ في الظلام.
هل يمكن أن يحل التوقيت العالمي بعض هذه القضايا؟ يعتقد هانكي أنه في ظل غياب القيود التي تفرضها منطقة زمنية معينة، ستكون المواقع المختلفة حرة التدخل في ساعات العمل والجداول الزمنية المحلية. وعلى الرغم من أنه سيتم ضبط جميع الساعات على الوقت نفسه، إلا أن ساعات العمل ستختلف بحسب الموقع، وستكون أكثر انسجاما مع إيقاعات الساعة البيولوجية، لأنه سيتم تحديد الأوقات المحلية وفقًا للشمس أو العادات الاجتماعية المحلية، التي يتم تحديدها عبر الشمس أكثر من المناطق الزمنية. ونظرا لأنه لن يكون هناك مناطق زمنية، ستنتهي هذه المشكلة”.
في الواقع، يعني ذلك وجود موقع في الغرب يبعد ساعتين عن توقيت غرينيتش قد يطبق ساعات عمل جديدة من 11 صباحًا إلى السابعة مساءً باعتبار التوقيت الشمسي. هل يمكن أن يسبب هذا التغيير في ضبط الوقت، الفوضى؟ يشبَه هانكي ذلك بالانتقال من فهرنهايت إلى سيلسيوس. لكن بالنظر إلى أننا لا نربط أحداث اليوم بالحرارة، فربما يجب أن نتوقع قدرا أكبر من الاضطراب.
لكن إذا كان اعتماد توقيت عالمي قد ينتج عنه احترام أكبر لإيقاعاتنا اليومية، فقد يكون ذلك أفضل. في الشأن ذاته، يرى العلماء بأن التوقيت الوحيد الذي يجب أن يكون مهما هو التوقيت الشمسي. وتوجد المزيد من الأدلة على أن الانحراف عن ساعة الجسم البيولوجية خلال العصر الحديث يعد مصدر جميع أنواع المشاكل الصحية والنفسية، فهل يمكن أن يكون التوقيت العالمي هو الحل؟
فضلا عن ذلك، يعتقد هانكي أنه “لا من مفر من اعتماد توقيت عالمي في مرحلة ما ذلك أن الوقت مرن وغير ثابت، حيث يرى بأن المسافة لا تعني شيئًا في عصر الفضاء الإلكتروني والفضاء الزمن الإلكتروني. ويتفق معه برون عبر القول إن “المهم هو أن يكون متصلاً بمختلف الأغراض. وإذا ما كانت هناك حواجز تقف عقبة أمام الكفاءة، يجب السعي لإزالتها حيث تعتبر المناطق الزمنية أحد هذه الحواجز”.
المصدر: وايرد