تتجه بريطانيا إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في ديسمبر/كانون الأول المقبل، وهي ثالث انتخابات خلال أربعة أعوام فقط لتجاوز الجمود السياسي في ملف البريكست، بعد عجز رئيس الوزراء بوريس جونسون، الحصول على تأييد برلماني للاتفاق الذي أبرمه مع بروكسل، في آخر أيام المهلة المحددة له.
انتخابات مبكرة
هذه الانتخابات البرلمانية المبكرة، وافق على إجرائها أغلبية أعضاء مجلس العموم البريطاني، حيث صوت لصالح مشروع القانون 438 عضوًا مقابل 20 عضوًا رفضوه، ويتطلب تمرير المقترح الآن موافقة مجلس اللوردات والغرفة العليا في البرلمان البريطاني عليه، وسيكتسب المقترح قوة القانون بعد توقيعه من الملكة إليزابيث الثانية.
وحدد موعد لهذه الانتخابات يوم 12 من شهر ديسمبر/كانون الأول، وستعد هذه المرة الأولى التي تجرى فيها انتخابات في شهر ديسمبر/كانون الأول منذ عام 1923.
يذكر أنه قبل يومين، رفض مجلس العموم للمرة الثالثة طلب جونسون إجراء انتخابات، وصوت 299 عضوًا في مجلس العموم بالموافقة في جلسة الإثنين، بينما رفض المشروع 70 عضوًا آخر، ولم يحقق جونسون أغلبية ثلثي الأعضاء المطلوبة، بناءً على قانون البرلمان الخاص بالمدة المحددة.
وجاءت الموافقة على مقترح تعديل موعد الانتخابات العامة بعد أن قبلت حكومة جونسون مقترح “الديمقراطيين الليبراليين”، الذي يسلك طريقًا تشريعيًا مختلفًا، من خلال طرح مشروع قانون يعدل موعد الانتخابات، ويحتاج لموافقة أغلبية برلمانية بسيطة (أكثر من 50%).
يمكن لهذا المشروع تعديله من نواب المعارضة الذين يمتلكون الأغلبية البرلمانية عمليًا، من هذه التعديلات مثلاً جعل سن التصويت 16 عامًا أو إلزام الحكومة بقبول الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي، أو السماح لمواطني الاتحاد الأوروبي بالتصويت في الانتخابات العامة، وجميعها ترفضها حكومة جونسون.
وسبق أن عمل “الديمقراطيون الليبراليون” و”القومي الإسكتلندي”، اللذان يمتلكان أكثر من 50 نائبًا في البرلمان البريطاني، معًا على مشروع قانون يسمح بدعم التوجه الحكومي لتقديم موعد الانتخابات العامة، مقابل ضمان حكومة جونسون الالتزام بموعد الانتخابات الجديد وعدم تأجيله إلى ما بعد “بريكست”، وذلك نتيجة لتردد حزب “العمال” في دعم مقترح لـ”الديمقراطيين الليبراليين” الأسبوع الماضي بالتشريع للاستفتاء الثاني كمخرج من المأزق الحاليّ.
وكان حزب العمال وأحزاب المعارضة الأخرى قد اقترحوا إجراء الانتخابات في 9 من ديسمبر/كانون الأول، رغبة منهم في مشاركة الطلاب في الانتخابات كونهم في تلك الفترة في عطلة، الأمر الذي رفضته حكومة جونسون وأصرت على موعد 12 من نفس الشهر.
تأجيل البريكست
موافقة المعارضة البريطانية على إجراء هذه الانتخابات في ديسمبر المقبل، جاءت عقب موافقة الاتحاد الأوروبي على تمديد موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الذي كان مقررًا ليوم الغد الخميس، وهي المرة الرابعة التي يتم فيها تمديد موعد الخروج.
وأعلن رئيس المجلس الأوروبي، أول أمس الإثنين، أن الاتحاد الأوروبي وافق على تأجيل “بريكست” حتى 31 من يناير/كانون الثاني، وقال توسك في تغريدة عبر “تويتر”: “وافقت دول الاتحاد الـ27 على منح بريطانيا تمديدًا مرنًا لـ(بريكست) حتى 31 من يناير 2020. وستتم صياغة القرار رسميًا من خلال عرض مكتوب”، وكان توسك قد خاض مناقشات مكثفة مع سفراء دول الاتحاد خلال نهاية الأسبوع للتوصل لاتفاق بشأن تمديد موعد “بريكست” وإقناع الجانب الفرنسي بهذا الأمر، من دون الحاجة للدعوة إلى قمة أوروبية طارئة.
To my British friends,
The EU27 has formally adopted the extension. It may be the last one. Please make the best use of this time.
I also want to say goodbye to you as my mission here is coming to an end. I will keep my fingers crossed for you.
— Donald Tusk (@eucopresident) October 29, 2019
ونقلت وكالة “رويترز” عن مصدر مقرب من ماكرون قوله إن ثالث تأجيل لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيأتي مشروطًا برفض إعادة التفاوض على اتفاق الانسحاب وإعطاء الضوء الأخضر للدول الأخرى في التكتل للاجتماع دون بريطانيا لمناقشة مستقبله.
واضطر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى تقديم طلب لبروكسل، وفقًا لقانون ملزم، لتمديد أجل خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي لمدة ثلاثة أشهر، كما اضطر إلى التخلي عن تعهده بالانفصال بأي ثمن في الموعد المحدد.
الخروج من المأزق السياسي
الغاية من الذهاب إلى انتخابات مبكرة هو إيجاد حل للخروج من المأزق السياسي الناجم عن عملية بريكست، حيث يحاول رئيس الحكومة بوريس جونسون، إيجاد الصيغ الكفيلة لتمرير خططه التي رُفضت في أكثر من مرة بالبرلمان.
وترفض المعارضة البريطانية الخروج بلا اتفاق، ما يعني خروج المملكة المتحدة فورًا من الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة والترتيبات المصممة لتيسير حركة التجارة، ويحذر العديد من السياسيين وأصحاب الأعمال من الآثار المدمرة لذلك على الاقتصاد.
وسبق أن صوت أعضاء البرلمان أكثر من مرة لإظهار معارضتهم للخروج بلا اتفاق، ويشتمل الاتفاق الجديد على المحددات الرئيسة لانسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك “فاتورة الانفصال” وهي القيمة المادية التي يتعين على المملكة المتحدة سدادها للاتحاد الأوروبي عند مغادرتها.
في هذه الانتخابات المبكرة، سيحاول زعيم المحافظين جونسون الفوز بأغلبية جديدة أكثر تماسكًا تسمح له بالمضي قدمًا في إقرار قوانين تفعيل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
ويتحدث الاتفاق الجديد أيضًا عن حقوق المواطنين الأوروبيين الذين يعيشون في المملكة المتحدة بعد الانفصال، كما يشتمل على موضوع أيرلندا الشمالية والإجراءات الجمركية والتنظيمية التي ستُعتمد عند الحدود الفاصلة بين شطري الجزيرة الأيرلندية.
وحسب الاتفاق الجديد، فإن أي تمديد تطلبه الحكومة البريطانية، يجب أن ينال موافقة مجلس العموم، أسوة بموافقة الاتحاد الأوروبي، وينص الاتفاق على “إلغاء” قواعد أصول الموافقة ما يسمح للحكومة بالتصديق على اتفاق الخروج، فور إقرار مشروع القانون من البرلمان، كما ينص الاتفاق على أن مجلس العموم سيصوت على المفاوضات بشأن العلاقة المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي وكذلك على صيغة العلاقة التجارية النهائية بين المملكة المتحدة والتكتل الأوروبي.
يأمل البريطانيون في إنهاء ملف البريكست قريبًا
في هذه الانتخابات المبكرة، سيحاول زعيم المحافظين جونسون الفوز بأغلبية جديدة أكثر تماسكًا تسمح له بالمضي قدمًا في إقرار قوانين تفعيل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في ظل فشله وحزبه في إقرار الاتفاق الذي توصل إليه أو الخروج دون اتفاق. وسبق أن خسر جونسون الأغلبية المطلقة في مجلس العموم، بانشقاق نائب في حزب المحافظين، واستبعاد 21 عضوًا آخر من الحزب، بعدما صوتوا مع جانب المعارضة.
وكانت رئيسةُ الحكومة البريطانية السابقة تيريزا ماي، توصلت والقادة الأوروبيون أواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى اتفاق خروج، لكنها لم تتمكن من تحصيل موافقة البرلمان عليه ما أدخل المؤسسة السياسية البريطانية في حالة استعصاء أرغمت ماي على تقديم استقالتها.
تمثل هذه الانتخابات السابقة لأوانها، فرصة جديدة ليقرر البريطانيون ما الذي يريدونه بالفعل، بالنسبة إلى خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، أي أنها بمثابة استفتاء ثانٍ، ففي حال نجح أنصار البريكست ستخرج بريطانيا من الاتحاد وفي حال فوز المعارضين ستتعقد الأمور أكثر.