“ذئاب منفردة” موالية لتنظيم داعش تضع المغرب على رأس أهدافها وتخطط لتحويل البلاد إلى “حمام دم”، وما زالت شجرة أخطر تنظيم إرهابي في العالم متفرعة في مناطق مختلفة من المملكة، فيما تواصل الأجهزة الأمنية كبح أنشطة الجهاديين المغاربة، حيث جرى مؤخرًا تفكيك خلية إرهابية أعلنت ولاءها لأبي بكر البغدادي، تتكون من سبعة أشخاص خططوا لضرب منشآت اقتصادية حساسة من شأنها الإضرار بالمصالح الاقتصادية للبلاد، وهي الخلية الـ13 الموالية لتنظيم داعش التي تعلن السلطات المغربية تفكيكها خلال العام الحاليّ.
عناصر موالية لداعش
قواعد خلفية
وقعت أخطر خلية إرهابية في قبضة السلطات المغربية في الساعات الأولى من يوم الجمعة 25 من أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ، في بلدة طماريس الشاطئية ضواحي الدار البيضاء (كبرى المدن)، حيث تلقت دعمًا من شخص سوري ما زال البحث عنه جاريًا، كما يعمل “أميرها” معلمًا للسباحة ولها امتدادات في كل من مدينتي وزان وشفشاون شمال البلاد، حيث اتخذت هناك قاعدة خلفية عبارة عن بيوت آمنة في الجبال، كانت ستلجأ إليها بعد تنفيذ عملياتها.
صور – ندوة صحفية نظمها المكتب المركزي للأبحاث القضائية للاطلاع على مستجدات تفكيك خلية إرهابية يوم الجمعة الماضي في كل من الدار البيضاء ووزان وشفشاون.
Posted by المكتب المركزي للأبحاث القضائية on Monday, October 28, 2019
المكتب المركزي للأبحاث القضائية، نظم مجموعة من عمليات التفتيش ومداهمات أسفرت عن اعتقال المتورطين وحجز مجموعة من الأسلحة النارية والذخائر كانوا يعتزمون استعمالها لتنفيذ الهجمات، فضلاً عن حجز أجهزة اتصال لاسلكي وزورق مطاطي وأدوات غطس وأقنعة وأعلام لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
عبد الحق الخيام مدير مكتب التحقيقات القضائية
“البْسيج” أو “إف بي آي” المغرب
مدير مكتب الأبحاث القضائية عبد الحق الخيام، كشف خلال مؤتمر صحفي، يوم الإثنين 28 من أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ، أن هذه المعدات التي ضبطت بحوزة العقل المدبر للخلية الإرهابية في منطقة طماريس، حيث كان يعمل “أميرها” معلم سباحة، مصدرها منطقة الساحل الإفريقي، أدخلها الشخص السوري قيد البحث، وأشار المسؤول الأمني إلى أن الخلية كانت تخطط لتنفيذ هجمات عبر البحر، حيث كان ميناء الدار البيضاء من المناطق التي كانت الخلية تخطط لاستهدافها.
حاول أمير الخلية الالتحاق بتنظيم داعش سنة 2016، لكن عناصر التنظيم المتطرف الذين كان على تواصل معهم، عبر موقع فيسبوك وتطبيق تلغرام، حثوه على تنفيذ عمليات في المغرب وبعثوا له وسيطًا لتزويده بالمعدات اللوجستية، حسب ما كشفه مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، وهو مكتب تابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (الاستخبارات)، يشار إليه اختصارًا بـ”البسيج” ويعتبر النسخة المغربية لوكالة التحقيقات الفيدرالية الأمريكية “إف بي أي المغرب”، حيث يعمل على نحو مباشر مع نظرائه الأوروبيين والأمريكيين، ويتلقى عناصره تدريبًا مكثفًا ذي مستوى عالٍ من الكفاءة.
عرض أسلحة ضبطها مكتب الأبحاث القضائية – أرشيف
يظل استهداف المغرب من التنظيمات الإرهابية قائمًا، فمنذ 2002 فككت الأجهزة الأمنية 174 خلية إرهابية، وأحبطت 352 مشروعًا تخريبيًا استهدف مواقع حساسة بالبلاد، وخلال الفترة نفسها أوقف الأمن المغربي 2970 مشتبهًا فيه بالانتماء إلى خلايا إرهابية، بينهم 277 في حالة عود، أي حُكم عليهم وقضوا فترة محكوميتهم وأُطلق سراحهم، واعتقلوا مرة أخرى في قضايا أخرى تتعلق بالإرهاب، ومن بين الخلايا التي جرى تفكيكها هناك 60 خلية مرتبطة بتنظيم داعش.
16 من مايو.. أفظع هجوم إرهابي
أفظع الهجمات الإرهابية في تاريخ المغرب شهدتها العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء في 16 من مايو 2003، نفذها 14 متشددًا أتوا من ضاحية فقيرة، يحملون أحزمة ناسفة، وتوفي نتيجتها أكثر من 40 شخصًا، حيث استهدفوا مطعم “Casa de España” أي دار إسبانيا، وكان الهدف التالي فُندق فرح ذي الخمس نجوم ثم استهدفوا مقبرة يهودية، واستهدف مهاجمان آخران المركز الاجتماعي اليهودي في المدينة لكن لم يصب أحد لأن المركز كان مغلقًا وقتئذ، وقد أشارت أصابع الاتهام بضلوع جماعة تسمى بـ”السلفية الجهادية” وراء الحادث، بعدها، وقعت عمليات مشابهة بأثر أقل، وراءها أيضًا متشددون، وكان آخرها ما حدث يوم 28 من أبريل 2011، حين استُهدِف مقهى أركانة، في ساحة جامع الفناء بمراكش، عبر انفجار أودى بحياة عدة ضحايا.
طور المغرب وصفته الأمنية رغم أنه يواجه تهديدًا إرهابيًا أقل بكثير من جيرانه في شمال إفريقيا، بصرف النظر عن كونه مصدرًا أساسيًا للجهاديين الذين يقاتلون تحت راية داعش والجماعات الجهادية الأخرى بالمنطقة، فوفق إحصاءات رسمية سابقة، فإن عدد المغاربة الذين انضموا إلى القتال في صفوف تنظيم داعش في العراق وسوريا يتجاوز 1600 شخص، منهم 350 طفلاً وامرأةً تقريبًا معتقلين لدى مليشيا “قوات سورية الديمقراطية”.
الجهاديون المغاربة لم يكونوا بنفس الخبرة والمهارة التي أظهرها جهاديون من بلدان مختلفة، رغم أنهم تلقوا تدريبهم في نفس المعسكرات
في القرن الماضي، ترك عدد من المغاربة وطنهم ليقاتلوا تحت راية الجهاد في صراعات مختلفة، في أفغانستان والبوسنة والشيشان والعراق وغيرها من مناطق النزاع، وفي بداية التسعينيات عاد المقاتلون المغاربة ليؤسسوا جماعة جهادية، حيث كانوا يسعون إلى إقامة الخلافة الإسلامية في المغرب.
لقد شاركوا في التنظيمات الجهادية العابرة للحدود، لكن هؤلاء الجهاديين المغاربة لم يكونوا بنفس الخبرة والمهارة التي أظهرها جهاديون من بلدان مختلفة، رغم أنهم تلقوا تدريبهم في نفس المعسكرات، فلم يرتق المقاتلون المغاربة إلى مستوى كفاءة الجماعات الجهادية المنحدرة من مصر وليبيا، وفق ما ورد في تقرير نشره المعهد الأمريكي “ستراتفور” للدراسات الإستراتيجية والأمنية.
تحديث الحقل الديني
في السنوات الأخيرة، عمل المغرب على ترسيخ نفسه كحصن منيع ضد التطرف الديني، حيث توجه منذ عام 2005 إلى إعلان خطة شاملة لتحديث الحقل الديني، فكانت البداية بإعادة هيكلة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وإحداث مجالس علمية محلية بعناصر نسائية لأول مرة، وإعادة هيكلة المجلس العلمي الأعلى، المصدر الوحيد للفتوى، الذي يترأسه ملك البلاد.
تلا ذلك تأسيس معهد لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، لا يستفيد منه المغاربة فقط، إنما أيضًا وافدون من دول عديدة، وذلك بهدف تكوين ديني مؤسساتي، يغلق الباب أمام الإيديولوجيات الدينية التي قد تنتج متطرفين عوض رجال دين يأخذون بالفقه الأشعري والمذهب المالكي والتصوف السني، كثوابت للدين الإسلامي في المغرب.
علاوة على ذلك، نفذت وزارة التربية الوطنية إجراءات تندرج في إطار تدابير لمنع التطرف من خلال مراجعة مناهج التربية الإسلامية نزولاً عند رغبة العاهل المغربي محمد السادس، بهدف احتواء ظاهرة التطرف الديني انطلاقًا من المدارس والمناهج التعليمية.
أمير المؤمنين محمد السادس يترأس الدروس الحسنية التي تقام كل رمضان
عمومًا ينظر المغاربة إلى الملك محمد السادس كزعيم ديني، حسب تقرير أعده معهد “بيكر” الأمريكي للسياسة العامة، حيث استطاعت سلطة الملك التصدي للفكر المتطرف، فمعظم المغاربة الذين شملهم الاستطلاع، يرون في ملكهم مصدرًا للسلطة الدينية، بعد أن حصل على أعلى ثقة بـ70% من المجيبين الذين أشاروا إلى أنهم “يثقون” أو “يثقون تمامًا” في الملك محمد السادس فيما يخص القضايا الدينية. كما يعتبر التشكيك في الزعامة الدينية للملك محمد السادس من المحرمات في المغرب، فهو زعيم سياسي وديني على حد سواء لقبه أمير المؤمنين.
القيادات الحالية في #داعش كالبغدادي وغيره ممن يتم حصدهم هذه الأيام هم جزء من شكل معين من داعش ، وليسوا كل داعش هم يمثلون…
Posted by Basil Haffar on Tuesday, October 29, 2019
أخيرًا، يكاد يجمع المتابعون على أن نهاية أبو بكر البغدادي لا تعني بالضرورة نهاية التنظيم فضلًا عن أن تكون نهاية الإرهاب، فيما يرى آخرون أن تشكلات جديدة ستنبثق من قلب داعش أكثر قسوة ووحشية منه، وتعمل بطريقة مختلفة عن الطريقة التي أدار بها البغدادي “خلافته”، لتؤسس فصلًا جديدًا من المواجهة قد يكون أكثر صعوبة في مكافحته، عماده العمليات الفردية والخلايا النائمة.