تواصل حركة النهضة التونسية الفائزة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، غير أنها لم تعلن إلى الآن رئيس هذه الحكومة المرتقبة، فهل سيكون رئيس الحركة راشد الغنوشي أم أمينها العام زياد العذاري بعد تأكيد مجلس شورى النهضة أن رئيس الحكومة سيكون من داخل الحزب.
انتظار التكليف الرسمي
تنتظر النهضة حاليًا حسم القضاء الإداري مسألة الطعون المقدمة، حتى تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج النهائية للانتخابات التشريعية التي أجريت في الـ6 من شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، فتعلن بدورها الشخصية التي سترأس الحكومة المرتقبة.
وينص الفصل 89 من الدستور التونسي على تكليف رئيس الجمهورية، مرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي الحاصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب، في أجل أسبوع من إعلان النتائج النهائية للانتخابات، بتكوين الحكومة خلال شهر يجدد مرة واحدة.
وبموجب الدستور التونسي الجديد الصادر في فبراير/شباط 2014، يكون رئيس الوزراء المنتمي لأكبر حزب بالبرلمان التونسي هو المهيمن على معظم السياسات الداخلية، في حين يتحمل رئيس الجمهورية المسؤولية المباشرة عن الأمور الخارجية والدفاع.
يحسب للغنوشي تأثيره الكبير في حزبه، فوجوده منح النهضة قوة كبيرة، وجعل منها حزبًا قويًا متماسكًا متحكمًا في القرار السياسي والحكم في البلاد
حلت حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية في المركز الأول بعد نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت في 6 من أكتوبر/تشرين الأول ونالت 52 مقعدًا من أصل 217 يتألف منها مجلس نواب الشعب، بحسب نتائج رسمية أولية أعلنتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
وقبل إعلان رئيس حكومتها القادم، أعدت حركة النهضة ما سمتها “وثيقة للتعاقد الحكومي” القادم، تتضمن خمسة محاور تتعلق بمحاربة الفساد ودعم الحوكمة الرشيدة وتعزيز الأمن ومحاربة الفقر ودفع التنمية واستكمال المؤسسات الدستورية، وستكون محور مفاوضات مع الأطراف السياسية.
وسبق أن أكد رئيس مجلس شورى حركة النهضة، عبد الكريم الهاروني، أن رئيس الحكومة الجديدة سيكون من الحركة، وهذا خيار غير قابل للتفاوض، وأشار الهاروني إلى “حق النهضة في أن تقود الحكومة على أساس برنامج”، قائلاً: “بالنسبة للقانون الأساسي للحركة فإن رئيس الحركة هو المرشح للمناصب العليا في الدولة، تبقى هذه الفرضيات مفتوحة في رئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة”.
الغنوشي رئيسًا؟
قررت النهضة تحمل المسؤولية السياسية في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد بتعيين رئيس منها للحكومة القادمة، وقد وضعت عددًا من قادتها ومسؤوليها حتى تختار من بينهم من تراه مؤهلاً لهذا الأمر المهم.
أبرز هؤلاء، وفق العديد من المقربين للنهضة، زعيم الحركة راشد الغنوشي، فهو الأقرب إلى شغل منصب رئاسة الحكومة في البلاد، عملًا بالقانون الداخلي للحركة، حيث ينص الفصل الـ32 ضمن الفرع الثالث من القانون الأساسي لحركة النهضة على ترشح رئيس الحزب لشغل المناصب العليا في الدولة وله ترشيح من يراه مناسبًا لذلك بدلاً عنه بعد تزكية هذا المرشح من مجلس الشورى.
زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي
يذكر أن النهضة بدأت رسميًا مشاورات تشكيل الحكومة، وللإشارة فإن الأحزاب المعنية بهذه المشاورات هي حزب التيار الديمقراطي وائتلاف الكرامة وحركة الشعب، فضلًا عن حركة “تحيا تونس” التي يترأسها رئيس الحكومة الحاليّ يوسف الشاهد.
وكان مجلس شورى حركة النهضة، قد أعلن تكوين لجنة برئاسة الغنوشي، تتولى إدارة المفاوضات المتعلقة بتشكيل الحكومة، مع الأحزاب الفائزة وفق برامج محددة.
ويعتبر المفكر والسياسي الإسلامي التونسي راشد الغنوشي الأبرز لتولي رئاسة الحكومة، ليس كونه رئيس الحركة فقط، بل لدوره الكبير في نجاح تجربة التوافق الوطني، ونجاح التجربة التونسية الاستثنائية، ما جعل البعض يعتبره صمام أمان للتوافق الوطني، الأمر الذي يفسر تنامي شعبيته والتعاطف الذي يحظى به.
يعتبر الغنوشي من مؤسسي حركة الاتجاه الإسلامي التي غيرت اسمها لاحقًا إلى حركة النهضة، حوكم أكثر من مرة بسبب نشاطه الدعوي والسياسي زمن الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، وعاش نحو عقدين في المنفى بالعاصمة البريطانية لندن، ثم عاد إلى تونس بعد سقوط نظام بن علي عام 2011، وأسهم مع حركته في تذليل عقبات المرحلة الانتقالية بعد فوزها في انتخابات المجلس التأسيسي.
يحسب للغنوشي تأثيره الكبير في حزبه، فوجوده منح النهضة قوة كبيرة، وجعل منها حزبًا قويًا متماسكًا متحكمًا في القرار السياسي والحكم في البلاد، فحركة النهضة تعتبر الحزب الأول في البرلمان التونسي وصاحبة أكبر عدد من المستشارين البلديين.
بروز الغنوشي لم يكن داخليًا فقط، بل خارجيًا أيضًا، حيث كثف زياراته الخارجية للتسويق للنموذج الاستثنائي التونسي وإقناع المستثمرين والمسؤولين الأجانب وصناع القرار بأهمية دعم الديمقراطية التونسية، كما أنه كثيرًا ما يستقبل بمقر حزبه بالعاصمة، كبار الشخصيات من وزراء ونواب برلمانيين لدول أجنبية تزور تونس.
في حال اختياره رئيسًا للحكومة، سيعمل الغنوشي على استثمار علاقاته الخارجية التي اكتسبها خلال السنوات الماضية وبالأخص مع الاتحاد الأوروبي في حل مشاكل البلاد الاقتصادية والاجتماعية، كما سيعمل على أن يكون الشخصية الجامعة داخل الحركة وخارجها.
زياد العذاري.. الشاب الصاعد
الشخصية الثانية التي يمكن أن تشغل منصب رئيس الحكومة القادمة، هو زياد العذاري الذي يعتبر من القيادات الشبابية الصاعدة في حركة النهضة الإسلامية، فرغم ضعف تاريخه النضالي والسياسي فقد استطاع أن يكون الرجل الثاني في الحركة.
يشغل العذاري (1975) حاليًا منصب وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي وذلك منذ شهر سبتمبر/أيلول 2017، وهو محامٍ ومستشار مختص في الشؤون الاقتصادية والعلاقات الدولية مرسم لدى هيئتي المحامين بكل من تونس وفرنسا، وكان العذاري يباشر عمله في مكتب محاماة واستشارة دولية في باريس.
يأمل العديد من أنصار النهضة والمقربين منها، أن تصدر الحركة قيادات شبابية لشغل مناصب مهمة في الدولة عوض إسنادهم مهام التعبئة الشعبية خلال التظاهرات والاجتماعات فقط
انتخب زياد العذاري في أكتوبر/تشرين الأول 2011 عضوًا عن حركة النهضة بالمجلس الوطني التأسيسي، وشغل خطة الناطق الرسمي باسم حركة النهضة في أكتوبر 2013 كما وقع انتخابه في أكتوبر 2014 نائبًا عن حركة النهضة بمجلس نواب الشعب.
في فبراير/شباط 2015، عين العذاري وزيرًا للتكوين المهني والتشغيل وذلك في حكومة الحبيب الصيد التي جاءت إثر انتخابات 2014، قبل أن يشغل في أغسطس/آب 2016، خطة وزير للصناعة والتجارة، وذلك في حكومة يوسف الشاهد الأولى.
يعتبر زياد العذاري مرشحًا قويًا لشغل منصب رئاسة الحكومة فهو الرجل الثاني في حركة النهضة كونه يشغل خطة الأمين العام للحركة منذ شهر يوليو/تموز 2016 خلفًا للأمين العام السابق علي عريض القيادي البارز في الحركة الإسلامية.
الأمين العام لحركة النهضة زياد العذاري
إلى جانب ذلك، فإنه يحظى بدعم قوي من قيادات الحركة، فهو من أبرز القيادات الشابة التي أثبتت جدارتها في مختلف المناصب التي تولتها سواء داخل النهضة أم في مجلس نواب الشعب أم الحكومة، ويأمل العديد من أنصار النهضة والمقربين منها، أن تصدر الحركة قيادات شبابية لشغل مناصب مهمة في الدولة عوض إسنادهم مهام التعبئة الشعبية خلال التظاهرات والاجتماعات فقط، فقد أثبت الشباب قدرة كبيرة على العمل لصالح الحركة وتونس.
في انتظار إعلان رئيس الحكومة القادم تعمل حركة النهضة التونسية حاليًّا على التشاور مع الأحزاب السياسية الفائزة بمقاعد في البرلمان التي يمكن العمل معها على برنامج الحكومة القادمة حتى تخرج البلاد من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية الخانقة.