تشحن منظمة الأمن الغذائي العالمي بشكل يومي 5.600 شاحنة و20 باخرة و92 طائرة محملة بالغذاء للمناطق الفقيرة أو المتأثرة بالصراعات حول العالم، وفقًا لموقعها الرسمي. ويستقبل مئات الملايين من المستفيدين في الأماكن المنكوبة حول العالم ما يعرف بالسلل الغذائية، والتي تشكل المحورالأهم لدى جميع المؤسسات الإنسانية العاملة في مجال الإغاثة.
وفي حين ترصد ميزانيات هائلة، تقدّر في بعض الأحيان بملايين الدولارات، بهدف دعم الأمن الغذائي حول العالم عبر توزيع السلال، يتساءل كثيرون حول فائدة السلة الغذائية في معالجة الأمر، كما تقام الكثير من المناظرات في أوساط المستفيدين أو العاملين في المجال الإغاثي حول ما إذا كان الأفضل هو توزيع المواد الغذائية أو إعطاء قيمتها النقدية للمستفيد.
نحاول في هذا التقرير طرح النقاش الدائر حول جدوى توزيع الحصص الغذائية من خلال مقارنتها بقيمتها النقدية، من وجهة نظر الناس (متلقي المساعدات) من جهة، والعاملين في هذا المجال من جهة أخرى. كما سنحاول استعراض التحديات التي تترافق مع توزيع السلل الغذائية أو المبالغ النقدية. وفي حين تنتشر هذه الممارسة في جميع أنحاء العالم، سنأخذ سوريا كحالة دراسية لهذا الموضوع.
محتويات السلل الغذائية
سأل “نون بوست” أم محمد، سيدة سورية مقيمة في مدينة حماة السورية، عن تجربتها باستقبال المساعدات الغذائية من منظمات عالمية ومحلية. تشرح أم محمد تجربتها مع عدة منظمات إغاثية، قائلة: “استلم سلة غذائية من منظمة الهلال الأحمر بشكل شهري، وتحتوي السلة مواد غذائية متنوعة ولكنها مكرّرة بشكل شهري دون أي تغيير، كما أنني لا أستهلك معظم المواد الغذائية التي تحتويها، فأقوم بأخذ الأرز والزيت من السلة وبيع أو استبدال ما تبقى منها للسوق المحلي، مثل المعكرونة والسكر والحمص وخصوصاً العدس الذي يقدم بكميات مبالغ بها، وفي بعض الأحيان أوزع هذه المواد بشكل مجاني على أصدقائي أو جيراني”.
تضيف السيدة السورية أم محمد أن عمليات بيع واستبدال السلل الغذائية المقدمة من منظمة الهلال الأحمر السوري تجري على مرأى من العاملين والموظفين بالمنظمة في أثناء التوزيع، الذين لا يأخذون بدورهم أي ردة فعل
من جهتها أشارت رولا ملهم، عاملة في المجال الإنساني، في حديث لـ “نون بوست” أن المواد الغذائية المتضمنة في هذه الحصص غير مدروسة.
“يخضع اختيار المواد الموجودة في السلة الغذائية للمعايير العالمية من حيث القيمة الغذائية وقيمة السعرات الحرارية، بدلاً من أن يأخذ بعين الاعتبار ثقافة الشريحة المستهدفة أو رغبتهم الحقيقية، ولهذا السبب يشتكي معظم المستفيدين من تكدس أكياس المعكرونة وغيرها من المواد الغذائية التي لا يستهلكها الشعب السوري بكثرة”.
وتضيف السيدة السورية أم محمد، أن عمليات بيع واستبدال السلل الغذائية المقدمة من قبل منظمة الهلال الأحمر السوري تجري على مرأى من العاملين والموظفين في المنظمة أثناء التوزيع، والذين لا يقومون بدورهم بأية ردة فعل.
“سبب آخر يدفعني لبيع بعض المواد الغذائية الموجودة في هذه السلة أو استبدالها هو أن بعض المواد جودتها متدنية، وفي بعض الأحيان تحوي حشرات وغير صالحة للاستهلاك”. من جهة أخرى، تمتدح أم محمد عمل بعض الجمعيات الإنسانية المحلية، مثل الجمعية المعنية بمساعدة المطلقات في حماة:
“تعمل هذه المنظمة على توزيع نوع واحد من المواد الغذائية شهرياً، حيث استلم في كل شهر مادة غذائية واحدة ومختلفة عن الشهر السابق، ولكن بكمية جيدة، وجميعها مواد يحتاجها كل بيت سوري، مثل اللحوم والأجبان والزيتون والزيوت أو حتى النقود، بالإضافة إلى توزيع سلة منوعة في رمضان. أعتقد أن هذه طريقة أفضل للمساعدة بحيث تضمن تلبية حاجات مختلفة لدى المستفيد على مدار السنة”.
وتختتم أم محمد حديثها بالقول إنها تفضل توزيع مبالغ نقدية على توزيع الحصص الغذائية التي ليست بالضرورة مفيدة دائماً.
كم تكلفة السلة؟
رغم أن السلل الغذائية الموزعة قد لا تنال رضى الكثير من المستفيدين، فإن تجميعها وتوصيلها ينطوي على الكثير من التكاليف بلا شك. على سبيل المثال الميزانية المرصودة من منظمة الغذاء العالمي فقط من أجل سوريا، بين أكتوبر 2019 ومارس 2030 هي 171 مليون دولار.
عبد الله السويد، مدير مكتب فريق ملهم التطوعي في مدينة كفرنبل – إدلب، شرح في حديث لـ “نون بوست” أن المساعدات القادمة من خارج الدولة كما في حال المساعدات المقدمة من منظمة الغذاء العالمي التابعة للأمم المتحدة WFP عادة ما تكون تكلفتها أكبر من قيمتها الحقيقية، وذلك بسبب تجميع المواد الغذائية في دول الجوار ومن ثم إدخالها.
“في بعض الأحيان تكون تكلفة السلة المقدمة من برنامج الغذاء العالمي 100 دولار وفقًا لحساباتهم، ولكن بعد وصولها لداخل سوريا وبحساب قيمة المواد الموجودة في السلة نجد أنها بقيمة 60 دولارًا مثلاً، أعتقد أن الحصص الغذائية المجهزة داخل سوريا هي حل أفضل للعائلات نظرًا لوفرة المواد المتضمنة بها وقلة تكلفتها”.
من جهتها قدّرت رولا ملهم تكلفة توزيع السلل الغذائية بأنها تتراوح بين 25 دولارًا وحتى 170 دولارًا في بعض الأحيان، حيث تعتمد التكلفة على عدة عوامل أهمها بُعد المكان المستهدف وسهولة أو صعوبة الوصول إليه.
وقالت: “برأيي إن الاستمرار بتوزيع الحصص الغذائية في الأماكن التي يتوافر فيها أسواق محلية يمكن الشراء منها هو حل لا يتناسب مع الحاجة الموجودة، ويمكن الاستعاضة عنه بتوزيع المبالغ النقدية، في حين يبقى توزيع السلل الغذائية في الأماكن المحاصرة – التي لا يتوافر فيها أسواق محلية او مواد غذائية يمكن شراؤها – هو الحل الوحيد”.
أحمد العمر نازح في بلدة أطمة شمال سوريا، يوافق رأي غيره من المستفيدين، من حيث تأكيد جدوى المساعدة النقدية أكثر من المواد الغذائية، خصوصًا في المشاريع طويلة الأمد
وتشير رولا إلى أن بعض المنظمات العالمية تعمد إلى توزيع السلل الغذائية وسلل المواد الصحية ومواد التنظيف كوسيلة لضمان وصول هذه الاحتياجات إلى جميع أفراد الأسرة لضمان تحسين وضع العائلة.
وفي هذا السياق، يؤكد أبو سامي، وهو لاجئ سوري يقيم في لبنان وأب لأربعة أطفال، أن المواد الموجودة فيما يعرف بسلل النظافة المقدمة من مفوضية شؤون اللاجئين في لبنان ذات جودة متدنية جدًا، أما السلل الغذائية فهي تحوي كميات قليلة قد تكفي لعدة أيام فقط أو ربما يومين.
“طريقة صرف المساعدة نقدًا أفضل بكثير من تقديم المواد ضمن سلل، حيث يختار الشخص الوقت والمكان المناسب لشراء ما يريد، وتمنع تلاعب الجهات المكلفة بالتوزيع بكمية ونوعية المواد الموزعة، وتحفظ كرامة المستفيد من المساعدة”، وفقًا لأبو سامي.
أحمد العمر، نازح في بلدة أطمة شمال سوريا، يوافق رأي غيره من المستفيدين، من حيث تأكيد جدوى المساعدة النقدية أكثر من المواد الغذائية، خصوصًا في المشاريع طويلة الأمد، ويقول بهذا الخصوص: “معظم السلل الغذائية كانت إسعافية، أغلبها مواد لا يمكن للمتلقي الاستفادة منها، يتم الاحتفاظ بالبعض منها، وباقي المواد الجافة تُباع بأبخس الأثمان بسبب كثرتها وتعرضها للتسوس والخراب بحال بقيت مدة طويلة لذلك يصرفها المستفيد فورًا مع الإبقاء على كمية قليلة، أما المشكلة الأكبر فإن المنظمات المانحة تعتمد التقليد في محتويات السلل”.
ويرى العمر أن “الاستفادة من السلل قليلة نسبيًا لأن حاجة الأسرة تتضمن أشياء لوجستية غير الطعام، أهمها اللباس، فلو كانت المنحة مالية وليست غذائية لاستطاعت العائلة المهجرة أو المتضررة تدبر أمورها، أما فرض السلة كدعم مع عدم وجود منحة لباقي الاحتياجات أفقدها قيمتها، ولو كانت المنحة مالية بدل السلة قد تستثمر العائلة المبلغ بمشروع صغير ممكن أن يغنيها عن المنحة بعد مدة معينة وبما يحفظ كرامة هؤلاء”.
ومما يدعم آراء الناس نذكر مقالًا نشره موقع CNBC الأمريكي، حول دراسة أجريت على اللاجئين في لبنان، جائ في نتائجها أن المساعدات النقدية أدت إلى مساعدة الكثير من الأطفال على متابعة حياتهم المدرسية التي كانت ستتدمر حال إرسالهم للعمل مقابل أجور زهيدة.
بيع السلل الغذائية
للتغلب على الشكاوى المتكررة من المستفيدين بشأن الحصص الغذائية، يعمد الكثير منهم إلى بيع السلل الغذائية أو استبدالها مع الباعة المحليين.
عاطف نعنوع، مدير فريق ملهم التطوعي، يؤكد أن بيع السلل الغذائية هو من أكبر المشاكل التي تواجه العمل الإغاثي. ويقول: “يبيع الكثير من المستفيدين السلل الغذائية المجانية للاستفادة من قيمتها المادية بشراء مواد هم بحاجة لها، وهذه مشكلة نظرًا لامتلاء الأسواق المحلية بالمساعدات الإنسانية غير المخصصة للبيع، وتباع مقابل نصف تكلفتها الأساسية”.
من المفترض أن تراقب المنظمة نتائج التوزيع لمدة شهر أو شهرين، وانتشار المواد الموزعة في السوق المحلي بعد عملية التوزيع إشارة إلى أن شكل الاستجابة في هذا المكان خاطئ
أما رولا ملهم فتعلّق على هذه الظاهرة بأنها تشير إلى ضعف أو عدم وجود آليات مراقبة وتقييم للمشاريع الإغاثية التي تنفذها هذه المنظمات.
وقالت: “من المفترض أن تراقب المنظمة نتائج التوزيع لمدة شهر أو شهرين، وانتشار المواد الموزعة في السوق المحلي بعد عملية التوزيع إشارة إلى أن شكل الاستجابة في هذا المكان خاطئ، والمستفيد لم يحصل على حاجته، كما يجب إجراء تقييم من خلال سؤال المستفيدين عن آرائهم بشأن المساعدة التي حصلوا عليها”.
الاستجابة السريعة والبرامج طويلة الأمد
أشار نعنوع خلال حديثه إلى أن توزيع المساعدات بشكل شهري حتى الآن بعد مرور تسع سنوات من بداية الأزمة السورية، دفع بالبعض إلى الاستسلام وفقدان الرغبة بالعمل، من خلال الجلوس في المنزل وانتظار المساعدة الشهرية من دون وجود أي تطلعات للمستقبل.
“الحصص الغذائية حل ممتاز بحالات الاستجابة السريعة، عند حدوث نزوح جماعي أو أي طارئ آخر، ولكن هذا لا يعني الاستمرار باستخدام هذه الأموال المقدمة من المنظمات والحكومات العالمية لتقديم الحصص الغذائية، في حين يمكننا استخدامها لإنشاء المشاريع التنموية” أوضح نعنوع.
وفي حين يتهم الكثيرون المنظمات الإغاثية بضعف فعالية المساعدة المقدمة من قبلهم، يزداد ميول المنظمات الإغاثية العالمية إلى تقديم المساعدات على شكل أموال نقدية، وذلك لأنه وفقاً للخبراء فإن التقنيات الحديثة تتيح تحويل النقود بتكلفة أقل مما سبق وبسرعة أكبر من توصيل المساعدات العينية، كما تتيح الأموال النقدية الفرصة للمستفيد بشراء ما هو بحاجة له فعلاً.
من جهة أخرى يجادل بعض العاملين في المجال الإنساني بأن المساعدات المالية لا يمكن أن تحل محل المساعدات العينية في كثير من الأحيان، كما هو الحال في البلدان التي تحتاج لقاحات ضد الأمراض المزمنة، أو بحالة الإستجابة للكوارث الطبيعية، أو مثلاً في حال احتياج بعض القرى الفقيرة إلى مصدر مياه شرب نظيفة.