ترجمة وتحرير: نون بوست
(أختيرت هذه المادة للترجمة من المركز الإستراتيجي للثقافات الروسي نظرًا لأهميّتها وهي لا تعبّر عن سياسة نون بوست)
في خضم تطبيق الاتفاقية الروسية التركية بشأن المنطقة الآمنة في شماليّ شرقيّ سوريا، ظهرت تقارير تفيد بأن دمشق تخطط في بداية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، لشن هجوم عام على آخر معاقل المعارضة في محافظة إدلب. ومن جهته، أكد الرئيس السوري هذه المعلومات.
وفي الحقيقة، تعتبر السيطرة على إدلب بمثابة تنفيذ لمذكرة سوتشي، وبالتالي نهاية الحرب الأهلية في سوريا. وعلى هذا الأساس، سيتم الانتقال من ميدان المعركة إلى طاولة المفاوضات السياسية حول الهيكل الدستوري المستقبلي لسوريا.
على العموم، لن تتداخل العملية المقبلة مع اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، التي انطلقت في 30 تشرين الأول/ أكتوبر في جنيف. وتجدر الإشارة إلى أن العملية السورية ستستهدف مواقع جماعة “هيئة تحرير الشام”. وفي الحقيقة، تتجاهل هذه الجماعة عملية السلام بصفة كلية، علما وأنها تسيطر بقيادة زعيمها الجولاني، على محافظة إدلب بالكامل تقريبا. وعلى هذا الأساس، لن تستفيد الحكومة السورية فقط بهزيمة “هيئة تحرير الشام” وإنما أيضا المعارضة المعتدلة، التي عانت من هذه الجماعة.
بشار الأسد، فيما يتعلق بعملية إدلب. اللمسات الأخيرة قبل العملية.
في الواقع، هناك العديد من العوامل التي حفزت الأسد على القيام بهذه العملية. فعلى سبيل المثال، نُقلت المعارضة المعتدلة من المنطقة، بطلب من تركيا، إلى زئفراتي لمحاربة الأكراد، بالإضافة إلى القضاء على زعيم تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي، في إدلب.
الأسد يحدد المهام لقادة الجيش السوري
في الحقيقة، ما يُثير الاهتمام أن البغدادي، كان مختبئا في مواقع هيئة تحرير الشام، مما يحيل إلى العديد من الاستنتاجات. وعموما، يعني ذلك وجود تحالف بين تنظيم الدولة وهيئة تحرير الشام. وبناء على ذلك، يجب على المجتمع الدولي أن يعترف بأن تدمير هيئة تحرير الشام، التي تسيطر على المحافظة بأكملها؛ يعد هدفا مشروعا لعملية مكافحة الإرهاب التي سيقوم بها الجيش النظامي السوري، لاستعادة المحافظة.
من جانبها، يجب على واشنطن أن تدرك اعتراضاتها السابقة على هجوم دمشق على إدلب. أما بالنسبة لتركيا، فستكون هناك بعض الأسئلة الموجهة إليها، خاصة وأنها تعارض هي الأخرى الهجوم الذي شنّه الجيش السوري في إدلب. وعلى سبيل المثال، كيف يمكن أن يختبئ البغدادي خلف الحدود التركية، في الإقليم الخاضع لسيطرة الجيش التركي؟ وكيف تمكن من الانتقال من الرقة نحو إدلب، إن لم يكن عبر الأراضي التركية؟
والجدير بالذكر أن التصريحات التي أدلت بها أنقرة حول الوضع الطبيعي في المنطقة الآمنة التي تسيطر عليها في إدلب غير صحيحة. كما أن أنقرة لم تفي بوعودها فيما يتعلق بحل هيئة تحرير الشام، عند إنشاء منطقة آمنة. وعلى هذا الأساس، ليس لدى تركيا أي حق معنوي أو قانوني للاحتجاج على رغبة دمشق في استعادة إدلب.
في الحقيقة، كان من الممكن أن يكون الهجوم على إدلب قد بدأ منذ وقت سابق، إلا أن الجيش السوري امتنع عن ذلك مؤقتا لتعزيز موقفه في روج آفا الكردية، التي استعادتها دمشق مؤخرا بمساعدة موسكو. وفي الواقع، يتمثل الهدف الرئيسي للجيش السوري هناك في إقامة سلطة تحت سيطرته عبر خط نقل التعزيزات والإمدادات من سد الطبقة في الفرات عبر الرقة والحسكة، إلى الحدود السورية العراقية.
مناطق السيطرة على ضفاف الفرات
في هذه المنطقة، يقوم الجيش السوري بتعبئة للسكان العرب على مدى هذه المساحة الشاسعة ويتم تشكيل وحدات جديدة. وفي الحقيقة، يتم تنفيذ ذلك طوعا، نظرا لأن العرب المنحدرين من قبائل بدوية، شعروا بالاضطهاد مقارنة بالأكراد المسلحين. ونظرا للظروف المتردية الصعبة، يدفع الجيش المال للعائلات مما يشجع الرجال على الانضمام إلى صفوف القوات الحكومية.
من جانبها، لا تزال القوات العسكرية التابعة للجيش السوري، مثل الفرقة الرابعة والفرقة الخامسة والعشرين (قوات النمر سابقا) التابعة للجنرال سهيل والحرس الجمهوري وغيرهم، تتركز على الجبهات في شمال اللاذقية وإدلب على طول منطقة سهل الغاب في شماليّ غربيّ حماة. وفي الآونة الأخيرة، وسّع الرئيس السوري موقع هذه القوات، مشيرًا إلى أن كل شيء جاهز للهجوم القادم.
الأسد وقائد فرقة القوات الخاصة الخامسة والعشرين (قوات النمر سابقا) سهيل، قبل الهجوم.
تقدُّم الفرقة الميكانيكية الرابعة التابعة للجيش السوري إلى مواقع الصدمات.
في الوقت الراهن، تظهر المعارك الأولية الشرسة لقرية كوباني (عين الجبل) الجبلية. وبعد معركة عنيفة استمرت لثلاثة أيام، تمكنت القوات المسلحة السورية من السيطرة على منطقة السويقة. كما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن العشرات من الإرهابيين قُتلوا، حيث من المتوقع أن يزيد حجم خسائرهم.
التوجه إلى كوباني
المعركة من أجل كوباني
تتجلى أهمية السيطرة على كوباني في أن هذه المنطقة المحصنة قريبة من قاعدة الحميميم الجوية (حوالي 65 كيلومترا)، علمًا وأنه انطلاقًا من هذه القاعدة ينطلق أكبر عدد من الصواريخ والطائرات دون طيار. وفي انتظار الهجوم الرئيسي، تقوم الطائرات دون طيار والمروحيات من قاعدة الحميميم بشكل دوري بمراقبة مواقع المسلحين حول كوباني وفي ريف إدلب الجنوبي.
علاوة على ذلك، قصفت هذه الطائرات المقر الرئيسي لهيئة تحرير الشام في هذه المنطقة، ومراكز الدفاع في عدة مدن، على غرار تفتناز وكفرنبل وسرمين. وفي السياق نفسه، سلّمت القوات المسلحة الروسية مؤخرا مجموعة كبيرة من الأسلحة والمعدات العسكرية في قاعدة طرطوس السورية، من أجل شن هجوم إدلب.
القوات الجوية الروسية
في شأن ذي صلة، تكمن الأهمية الاستراتيجية لتحرير كوباني في أن هذه المنطقة الجبلية المحصنة تغطي المخرج المؤدي إلى مدينة جسر الشغور، التي تعتبر مفتاح شماليّ محافظة إدلب. ووفقا لبعض التقارير، تتركز في هذه المنطقة أكبر المجموعات المسلحة المصنفة كمنظمات إرهابية، والمنحدرة من روسيا وغيرها من دول رابطة الدول المستقلة، على غرار، الحزب الإسلامي التركستاني.
شماليّ إدلب
بغض النظر عن كيفية تشكيل المفاوضات في جنيف، لن يكون من الممكن تجنب القتال في إدلب، إذ أنه لن تكون هناك أية تسوية سلمية مع كل من هيئة تحرير الشام وتنظيم الدولة. كما أن أفضل طريقة بالنسبة للجماعات المعارضة المسلحة في إدلب، هي الانضمام إلى جيش الأسد في حربه ضد الفصائل، حيث سيساهم ذلك في تعزيز موقف هذه الجماعات المعارضة في المفاوضات المستقبلية بشأن الهيكل الدستوري في سوريا.
المصدر: المركز الإستراتيجي للثقافات