انتهى التصعيد العسكري، غير المسبوق، على الحدود السورية – اللبنانية بين قوات من الجيش السوري من جهة ومجموعات تابعة لحزب الله اللبناني من جهة أخرى، باتفاق وقف إطلاق النار بين وزارة الدفاع السورية ونظيرتها اللبنانية بهدف الحفاظ على أرواح المدنيين والعمل على زيادة التنسيق والتعاون بين مخابرات البلدين.
الاشتباكات العنيفة، التي اندلعت خلال اليومين الماضيين، وصفت بـ “الخطيرة”، كما أنها أثارت جدلًا واسعًا بين الأوساط الشعبية السورية واللبنانية، نظرًا لسياقات التصعيد وخلفياته ومدى ارتباط ميليشيا حزب الله اللبناني وفلول النظام السابق في إثارة الفوضى على جانبي الحدود.
ورغم أن تفجر الاشتباكات جاء بعد تصفية عناصر ينتمون لحزب الله اللبناني لثلاثة عناصر من قوات النخبة في “اللواء 103” التابع للجيش العربي السوري في وزارة الدفاع السورية؛ إلا أن تطور الاشتباكات أفسح المجال أمام تساؤلات عديدة.. ما وراء التصعيد على حدود البلدين الجارين؟
ماذا يجري على الحدود؟
في 16 آذار \مارس الجاري قام عناصر من حزب الله اللبناني باختطاف ثلاثة عناصر من قوات الجيش السوري قرب سد قرية زيتا بريف حمص الغربي المحاذي للحدود اللبنانية، ونقلهم إلى قرية القصر اللبنانية وتصفيتهم ميدانيًا.
وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو مصور يظهر تعذيب عناصر الجيش السوري من قبل مسلحين ورميهم بالحجارة حتى الموت، ما دفع وزارة الدفاع السورية إلى تأكيدها باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة نتيجة التصعيد الخطير من قبل ميليشيا حزب الله.
ودفعت الوزارة بتعزيزات عسكرية إلى منطقة الحدود اللبنانية الشمالية الشرقية مع سوريا، حيث اندلعت اشتباكات مسلحة بالأسلحة الخفيفة والثقيلة على جانبي الحدود، امتدت إلى قصف مدفعي استهدف مواقع عسكرية لميليشيا حزب الله، في بلدة القصر وقرى مجاورة ضمن محافظة بعلبك الهرمل اللبنانية.
بينما تعرضت منطقة القصير في ريف حمص الغربي لقصف مدفعي مصدره الأراضي اللبنانية، فيما استخدمت المجموعات من داخل لبنان، صواريخ موجهة من نوع “كورنيت” في استهداف مواقع وآليات بعضها تابع للجيش السوري، ومجموعة من الصحفيين والإعلاميين أثناء قيامهم بالتغطية فرب الحدود اللبنانية السورية.
من جانبه، نفى حزب الله، علاقته بالأحداث التي جرت على الحدود، خلال بيان صدر عن العلاقات الإعلامية الأحد 16 آذار/مارس الجاري، جدد خلاله، “التأكيد على ما سبق وأعلنّا عنه مراراً، بأن لا علاقة لحزب الله بأي أحداث تجري داخل الأراضي السورية”.
في المقابل، أوضح الجيش اللبناني، أنه بعد مقتل سوريين وإصابة آخر عند الحدود اللبنانية السورية محيط منطقة القصر – الهرمل، نقل الجريح إلى أحد المستشفيات للمعالجة وما لبث أن فارق الحياة.
واتخذ الجيش اللبناني تدابيرًا أمنية استثنائية في المنطقة قبل أن يجري اتصالات مكثفة مع الجانب السوري لتسليم الجثامين الثلاثة صباح الإثنين آذار/مارس الجاري، مشيرًا إلى تعرض قرى وبلدات لبنانية في المنطقة الحدودية للقصف من جهة الأراضي السورية؛ مما دفع الوحدات العسكرية إلى الرد على مصادر النيران بالأسلحة المناسبة، وتعزيز انتشارها وضبط الوضع الأمني.
ومشطت قوات الجيش السوري القرى السورية المحاذية للحدود اللبنانية غربي مدينة القصير في ريف حمص، بهدف طرد ميليشيا حزب الله من القرى والمناطق السورية التي تتخذها كأماكن مؤقتة لعمليات التهريب والتجارة، حسب ما نقلت وكالة “سانا” عن مصدر من الوزارة مساء الإثنين آذار/مارس الجاري.
وأشار المصدر، إلى أن العمليات تستهدف قرية حوش السيد علي السوري التي أصبحت وكرًا لميليشيا حزب الله في أيام النظام البائد، إضافةً إلى تجمعات وتحركات ميليشيا حزب الله في المنطقة.
وأدت التوترات الأمنية في منطقة الحدود إلى مقتل مواطنين سوريين إثنين جراء القصف الذي طال الأراضي السورية، إضافة إلى 8 مقاتلين من الجيش السوري، أما على الجانب اللبناني فقد قتل سبعة أشخاص وأصيب نحو 52 آخرين قرب منطقة الحدود اللبنانية الشمالية الشرقية، حسب وزارة الصحة اللبنانية.
وفي وقت متأخر من ليل الإثنين/صباح الثلاثاء، توصلت وزارة الدفاع السورية ونظيرتها اللبنانية إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار على الحدود بين سوريا ولبنان، وتعزيز التنسيق والتعاون بين الجانبين، خلال اتصال هاتفي بين وزير الدفاع اللبناني، اللواء ميشال منسي، ونظيره السوري، اللواء مرهف أبو قصرة.
منطقة حدودية متداخلة
لم تكن التوترات في منطقة الحدود بين سوريا ولبنان وليدة التطورات الأخيرة؛ وإنما تعد امتدادًا للاشتباكات العنيفة التي اندلعت في 7 من شباط/فبراير الماضي ضمن قرية حاويك السورية بين قوات تابعة للجيش السوري ومجموعات مسلحة من العشائر، تسببت في وقوع قتلى وأسرى من الجانبين ليتم تسليمهم بعملية تبادل بعد تدخل الجيش اللبناني.
ويرجع سبب الاشتباكات آنذاك إلى إعلان الأمن العام في الإدارة السورية الجديدة شن عملية واسعة تهدف إلى مكافحة الاتجار بالمخدرات وتفكيك معامل الكبتاجون التابعة لحزب الله والفرقة الرابعة، في ريف حمص الغربي، الذي يعد بوابةً رئيسية لتهريب المواد المخدرة بين لبنان وسوريا.
وتتداخل المنطقة الحدودية السورية اللبنانية جغرافيًا وديموغرافيًا، حيث تتكون من ست قرى وهي جرجامش، زيتا، حوش السيد علي، حاويك، العقربية أكوم، في منطقة القصير الواقعة في ريف حمص الغربي، تسكنها عائلات عشائرية من الطائفة “الشيعية”، زعيتر، وعلاو، وناصر الدين، وجعفر، وهي عوائل منقسمة بين القرى السورية ومنطقة بعلبك – الهرمل اللبنانية.
وتتشارك سوريا ولبنان حدودًا برية تصل إلى 375 كيلومترًا تمتد من الجولان السوري المحتل وصولًا إلى محافظة طرطوس على ساحل البحر الأبيض المتوسط، حيث تشكل معظم الأراضي الحدودية بالنسبة للبنان، بينما تعد المنطقة الممتدة بين الهرمل اللبنانية والقصير السورية واحدة من أكثر المناطق حساسية، نظراً لتداخل السكان والعلاقات العشائرية الوثيقة بين جانبي الحدود.
وتربط الأراضي السورية مع الأراضي اللبنانية من جهة الشمال والشمال الشرقي بمحاذاة محافظتي طرطوس وحمص السوريتين، خمسة معابر رسمية، العريضي، العبودية، تل كلخ، مطربا، جوسية، إلا أن المعابر لا تعمل في الوقت الحالي بسبب تعرضها للقصف من قبل الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب ضد حزب الله اللبناني، بينما يبقى الاعتماد حاليًا على معابر التهريب غير الشرعية التي تديرها العشائر المقربة من حزب الله.
وتشير تقارير، إلى أن حمل السلاح لدى العشائر قائم منذ سنوات، لكنها حصلت على دعم من حزب الله اللبناني، بعد دخوله الأراضي السورية لدعم النظام البائد، حيث وفر الحزب لهم غطاءً سياسيًا ودعمًا عسكريًا في الجانبين السوري واللبناني، حيث ينتشر عناصر الحزب إلى جانب عناصر الفرقة الرابعة على الجانب السوري.
لكن بعد سقوط نظام الأسد استخدمت المنطقة الحدودية كخط أمني لتهريب عناصر الفرقة الرابعة وفلول النظام إلى لبنان ما يرجح تنسيق ودور بارز للفلول من عناصر النظام البائد، وعناصر حزب الله في المشاركة في العمليات العسكرية انطلاقاً من داخل الأراضي اللبنانية.
تجدد الاشتباكات أعاد افتتاح ملف ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان، بهدف ضبط المعابر غير الشرعية التي تستخدم لتهريب الممنوعات بما فيها السلاح والمخدرات والوقود، الذي طالبت به حكومة سعد الحريري اللبنانية في عام 2010، بعد اجتماع مع رأس نظام الأسد إلا أن الملف أغلق لاحقًا دون الشروع في تطبيقه.
ويرجع ترسيم الحدود الحالي إلى ما قبل الاستقلال من الانتداب الفرنسي في البلدين، حيث كانا يخضعان بين عامي 1920 و1943، لحكم المفوض السامي الفرنسي، دون تحديد نقاط حدودية بينهما، ما جعل المنطقة بعد الاستقلال ممرًا لعمليات تهريب الممنوعات من قبل مسلحي العشائر اللبنانية السورية.
ما وراء التصعيد في منطقة الحدود؟
الارتباطات الجغرافية والديموغرافية جعلت من المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا، ممرًا لتهريب وتجارة الكبتاجون والأسلحة والوقود بعدما حول حزب الله الأراضي السورية واللبنانية إلى أرض مشاع في عهد نظام الأسد، طيلة السنوات الماضية في منطقة القصير والقرى الحدودية في ريف حمص، بمشاركة الفرقة الرابعة والحرس الثوري الإيراني.
وعلى الرغم من نفي حزب الله علاقته في التطورات التي تحصل قرب منطقة الحدود إلا أن وزارة الدفاع السورية أكدت دوره البارز في رعاية عصابات تهريب عبر الحدود غرب حمص، حيث تكشف العديد من المؤشرات ضلوع مجموعات محسوبة عليه في إثارة الفوضى في منطقة الحدود وذلك لصالح الحزب ومن خلفه إيران، بعدما خسرا وجودهما العسكري ومصالحهما التي تمر بالجغرافيا السورية.
ويرى الباحث في مركز جسور للدراسات، أنس شواخ، أن التوترات الأمنية تندرج في سياقين، الأول محاولة ميليشيا حزب الله اللبناني بدفع إيراني الرد على سقوط النظام البائد وجر سوريا إلى حرب استنزاف جديدة بعدما تمكن الجيش السوري من فرض الاستقرار في الساحل من خلال مكافحة فلول النظام البائد.
وأضاف، خلال حديثه لـ “نون بوست”، أن السياق الثاني، يندرج ضمن محاولة حزب الله وميليشيات العشائر الموالية له، في اختبار قدرة حرس الحدود السورية وإمكانية اختراقها والبحث عن نقاط ضعف تهدف لإعادة فتح نقاط تهريب جديدة بعدما أعلن الجيش السوري عن تمشيط المنطقة الحدودية خلال الأسابيع الماضية مما تسبب في إغلاق العديد من ممرات التهريب غير الشرعية.
بينما اعتبر الباحث، أحمد رمضان، في تغريدة نشرها على منصة “إكس”، أن خطورة ما يحصل في الحدود السورية اللبنانية، يرجع إلى دور حزب الله بعدما جلب قواته من الجنوب اللبناني وحشدها مقابل مدينة القصير، بهدف الدخول إلى سوريا لصالح هجمات فلول النظام السابق التي عرفت بأحداث 6 من آذار/مارس الجاري، إلا أن الانقلاب فشل.
وأضاف، أن الحزب تلقى توجيهات بهدف فتح معركة مع سوريا وتأزيم الوضع خدمة لأجندات إيران والتخفيف عن الحوثيين، وفتح بازار المساومات الذي تتقنه طهران، لقاء مصالح اقتصادية مع واشنطن، مشيرًا، إلى أن حزب الله كيان وظيفي، يخدم كل الأطراف إلا لبنان، وجرائمه في سورية لم تجفَّ دماؤها بعد، وهزيمته في جنوب لبنان ما زال صداها يتردد، إلا أنه يسارع في فتح معركة مع الجيش السوري لخلط الأوراق.
ختامًا.. تسعى إدارة دمشق إلى ضبط الحدود السورية مع لبنان من خلال تكثيف الإجراءات الأمنية غربي محافظة حمص، بهدف مكافحة عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات بين البلدين، ومطاردة فلول النظام السابق وحزب الله، الذين يتخفون خلف العشائر ويحاولون إعادة تنظيم نشاطاتهم غير المشروعة القائمة على صناعة وتهريب الكبتاجون.