تتجدد تهديدات النظام السوري باستعادة السيطرة على أخر معاقل الثوار والمعارضة السورية في مدينة إدلب الشمالية، إذ أشار الأسد البارحة في مقابلة مع قناتي “السورية” والإخبارية” السورية إلى جاهزية الجيش السوري في القضاء على “آخر فلول الإرهابيين” على حد تعبيره. تصريح يشير إلى وجهة المعركة القادمة -وربما الأخيرة- في الحرب في سوريا.
أضاف الأسد في تصريحه: “إن لم يخرج المسلحون من إدلب إلى تركيا فأمامهم خياران: إما العودة إلى الدولة أو الحرب”. موضحًا أنه قد تم بالفعل الإتفاق مع روسيا وإيران على وقت بدء العملية بينما استغل الفرصة للتأكيد على العلاقة الوطيدة التي تربطه بين البلدين واصفًا إياها “بمعركة عسكرية واحدة، ومعركة سياسية واحدة”.
تتميز مدينة إدلب عن باقي المدن بكونها كانت ملجأ للهاربين من ويلات القصف السوري والروسي وملاحقات النظام المستمرة للثوار والناشطين، فقد آوت كل من رفض المصالحة أو التسليم مع النظام حتى باتت أهميتها بالنسبة له انتصارًا في القضاء على الثورة السورية. إلا أن هذه المدينة اليوم تقف أمام معركة وشيكة سيقع ضحيتها الآلاف، وفي ظل نيّة دولية لإنهاء الملف السوري بأي ثمن.
تشكًل مدينة إدلب نهاية الثورة السورية بالنسبة للنظام وعاصفة عسكرية وإنسانية جديدة
هنا يجدر بنا السؤال حول أعداد المدنيين المقيمين داخل المدينة، من أطفال وجرحى ولاجئين من مناطق أخرى، بالإضافة إلى أوضاع القطاع الصحي والدفاع المدني والمدارس وغيرها الكثير من المنشأت والتجمعات المدنية وعن فرص النجاة بالنسبة للمدنيين وهو ما سنتطرق إليه من خلال الحديث مع سكّان من داخل مدينة إدلب.
أعداد المدنيين وأحوالهم
يقول غياث رجب، لموقع “نون بوست” وهو ناشط سوري من داخل مدينة إدلب “أن لا أحد هنا يخاف من تهديدات النظام وروسيا بالقتل أو القصف إلا أن هناك قلق كبير بين السكان بشأن تسليم المنطقة إلى النظام ضمن واحدة من الاتفاقيات الكثيرة الجارية. إذ يعتقد الكثيرون أن الأمر لم يعدّ بيدّ النظام السوري بل هو شأن دولي كبير.
وبالرغم من انخفاض مساحة شمال غربي سوريا بعد معارك شرق السكة من 8319 كم مربع إلى 6609 كم مربع، إلا أنه بسيطرة النظام السوري وروسيا على العديد من القرى والبلدات ضمن المنطقة المنزوعة السلاح والبالغ عددها 67 قرية وبلدة، قدرت الخسارة في مساحة الأراضي بـ 457 كم مربع لتبقى مساحة الشمال السوري في الوقت الحالي 6152 كم مربع عدا مناطق درع الفرات وغصن الزيتون.
يعدّ الشمال السوري الآن في المرتبة 13 عالميا ً من ناحية الكثافة السكانية.
مما يعني خسارة الشمال السوري من جديد 91.6 %من مساحته الإجمالية التي يعيش فيها الآن حوالي 4 ملايين و703 آلاف شخص، بينهم مليون و674 آلاف نازح ومُهجّر قسرياً من مناطق أخرى مجاورة، بالإضافة إلى وجود ما يقارب 17 ألف لاجئ فلسطيني وعراقي داخل نطاق مدينة إدلب. بينما يبلغ عدد الأيتام تحت 18 سنة 190 ألف يتيم، و188 ألف شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة.
أما أعداد الأرامل اللواتي يعشن دون معيل فيصل عددهن إلى حوالي 36 ألف أرملة. وقد زاد الأمر صعوبة حين بدأت قوات النظام والمدفعية الروسية شن غارات وقصف جوي على بعض المناطق في نهاية نيسان الماضي إذ لجأ خلال هذه الفترة ما يقارب مليون شخص مما يفوق قدرة المنطقة على التحمل.
وبحساب المناطق القابلة للسكن إلى جانب مقارنتها بأعداد السكان المدنيين المتواجدين في المنطقة وصلت الكثافة السكانية في شمال غربي سوريا إلى مستويات قياسية قدرت بـ 817 نسمة/كم مربع، ليصبح الشمال السوري في المرتبة 13 عالميا ًفي الكثافة السكانية.
إنذار بكارثة إنسانية ولا مكان للهرب
يعتبر وضع القطاع الصحي في إدلب متغيرًا باستمرار نتيجة الهجمات والمعارك الكثيرة التي عانت منها منطقة الشمال السوري ككل في الأشهر القليلة الماضية إذ أن الاعتماد في المداخلات والمشافي الطبية كان كله منصبًا على عاتق فرق مدينة إدلب. وحين قمنا بسؤال القائمين على إدارة بعض المشافي ومراكز الصحة والطبابة وقادة الفرق الاسعافية عن قدرتهم على الصمود في حال بدء المعركة في الأيام القليلة الماضية فأتت الكثير من الأجوبة بأنه يمكن للفرق الموجودة على الحدود التركية الصمود لوقت أطول مما تستطيع عليه باقي المنشآت.
وفي حديثنا مع المدير الإداري لمشفى الإخاء التخصصي للنسائية والأطفال في إدلب، حسام اللحام، قيّم بأن الوضع الصحي في إدلب يعتبر “متوسطًا من حيث الرعاية الأولية، بمعنى أن المستوصفات متوفرة في حين أن وضع المشافي سيء خاصة بعد استهداف المنشآت والكوادر الطبية مما أدى لإيقاف المشافي عن العمل” خاصة في المنطقة الجنوبية.
يؤكد رجب كلام اللحام قائلًا لـ “نون بوست” إن “طواقم الإسعاف في المناطق الشمالية والحدودية ممتازة وسريع ومتوافر دائمًا بينما بات ضعيفًا جدًا في المناطق الجنوبية نتيجة الاستهداف المتكرر لمراكز الدفاع المدني والنقاط الطبية وتحول سيارات الإسعاف لأهداف للطيران الروسي في المعارك الأخيرة”.
واقع صحي وطبي سيء مرشّح ليزداد سوءًا في حال اندلاع المعركة التي أنذر بها الأسد وأكدتها روسيا في تقارير عدة في الأيام الأخيرة. وفي هذا السياق يؤكد اللحام الأثر الإنساني الكارثي على إدلب قائلًا: “إن أبرز المخاطر في حال هجوم النظام على إدلب هو الكثافة البشرية الهائلة مما ينذر بكارثة صحية وإنسانية وإغاثية خاصة مع وقف المعونات في العديد من المناطق وانعدام وجود مناطق قادرة على استيعاب هذا الكم الهائل من النزوح مجدداً”.
يفرض النظام السوري بعد إعادة سيطرته على مناطق المعارضة مبالغ مالية كبيرة على الناس في حال أرادوا العودة إلى منازلهم
لا يرى سكان مدينة إدلب الكثير من مسارات الهرب أمامهم عند بدء المعركة، فلا مكان آمن ولا فرصة للجوء جديد، فيما تبقى عيون الكثيرين موجهة نحو المنطقة التركية الآمنة الجديدة على أمل أن تكون مكانًا محتملًا للّجوء إليه في حال اشتد القصف خلال المعركة، فحسب ما قاله الناشط غياث رجب: “الناس يعتبرون مناطق درع الفرات وغصن الزيتون هي الخيار الأول ثم تأتي تركيا في المرتبة الثانية”.
لكن تبقى احتمالية عدم قدرتهم على العودة إلى مناطقهم فيما إذا سيطرت قوات النظام أمرًا مقلقًا بالنسبة للكثير من العائلات، بسبب عمليات الاعتقال والإخفاء القسري، إضافة إلى فرض مبالغ مالية مرتفعة في حال رغبتهم باستعادة بيوتهم وأملاكهم التي نزحوا منها سابقًا. فهل يدفع هذا القلق أهالي إدلب للبقاء فيها حتى وإن استعادها الأسد تحت سيطرته؟