خلال حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، لم تقتصر الخسائر على القتل والدمار والتهجير، بل امتدت إلى فقدان آلاف الغزيين الذين اختفوا دون أثر، وهي مأساة مضاعفة لعائلاتهم، إذ يخشى الأهالي أن تكون الحيوانات الضالة قد نهشت أجساد أبنائهم، خاصة بعد انتشار مشاهد مروعة لجثث متناثرة في الشوارع، تتجمهر حولها الكلاب والقطط الجائعة، فدفعهم خوفهم إلى البحث المستمر عن أي أثر لمن فقدوا.
وبسبب غياب المعلومات والشفافية بشأن مصير المفقودين لدى الاحتلال الإسرائيلي، لجأ الأهالي إلى مواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة للبحث عن أبنائهم، حيث يشاركون صورهم في مجموعات خاصة على “واتساب” و”تليغرام”، ويناشدون المنظمات الدولية، وعلى رأسها الصليب الأحمر، إضافة إلى الأسرى المحررين الذين خرجوا من سجون الاحتلال، أملًا في الحصول على إجابة.
من قلب هذه المأساة ووسط الحاجة الإنسانية الملحّة، وُلد “المركز الفلسطيني للمفقودين والمخفيين قسرًا” ليكون صوت العائلات الباحثة عن مصير أبنائها، محاولًا الإجابة عن أسئلتهم المؤلمة: هل هم في المعتقلات الإسرائيلية؟ هل تبخرت أجسادهم تحت نيران القصف؟ أم تحوّلوا إلى هياكل عظمية بعدما التهمت أجسادهم الحيوانات الضالة؟
“نون بوست” حاور غازي المجدلاوي، مسؤول وحدة البحث في “المركز الفلسطيني للمفقودين والمخفيين قسرًا”، للحديث عن دور المركز في الوصول إلى المفقودين، والمعيقات التي تواجه عملهم في البحث والرصد والتوثيق، ومدى تفاعل الأهالي والجهات المختصة، وفي مقدمتها الصليب الأحمر.
كيف وُلدت فكرة تأسيس “المركز الفلسطيني للمفقودين والمخفيين قسرًا”؟ وما الدافع الأساسي وراء هذه المبادرة الإنسانية؟
انبثقت فكرة تأسيس المركز نتيجة الارتفاع الكبير في أعداد المفقودين والمخفيين قسرًا جراء العدوان الإسرائيلي على غزة.
وأمام هذه الكارثة الإنسانية، برزت الحاجة إلى إنشاء منصة متخصصة تعمل على توثيق البيانات، فيما كان الدافع الأساسي هو تسليط الضوء على معاناة الأهالي، والسعي للكشف عن مصير المفقودين من خلال جهود قانونية وإعلامية.
من هم القائمون على إدارة المركز؟ وهل هناك من بينكم من يحمل تجربة شخصية في فقدان أحد أفراد عائلته؟
يضم فريق المركز مجموعة من الحقوقيين والناشطين والصحفيين المتخصصين في التوثيق والعمل الإنساني. وقد مرّ العديد من أعضاء الفريق بتجربة شخصية في فقدان أقارب أو أصدقاء خلال العدوان، ما جعل عملهم في هذا المجال أكثر التزامًا وإنسانية.
هل يقتصر دوركم على الرصد والتوثيق فقط، أم أنكم تبذلون جهودًا عملية في البحث عن المفقودين؟ وما هي الآلية التي تعتمدونها في توثيق الحالات؟
لا يقتصر دور المركز على الرصد والتوثيق فقط، بل يشمل أيضًا الضغط القانوني والإعلامي، إلى جانب بذل جهود عملية للبحث عن المفقودين، وقد نجح فريقنا القانوني في التوصل إلى مصير عدد من المفقودين، حيث تبيّن أنهم محتجزون في السجون الإسرائيلية.
أما عملية توثيق الحالات، فتتم عبر منصة إلكترونية تتيح للأهالي تسجيل بيانات ذويهم، يليها التحقق من صحة المعلومات من خلال التواصل المباشر معهم، ثم اعتماد الحالات رسميًا في قاعدة البيانات الخاصة بالمركز.
ما حجم ملف المفقودين اليوم؟ كم عدد الحالات المسجلة لديكم؟ وكيف يتفاعل الأهالي مع منصتكم لتوثيق الحالات؟
يتراوح عدد المفقودين والمخفيين قسرًا بين 8,000 و10,000 شخص. ومنذ إطلاق المنصة، تم توثيق عدد كبير من الحالات، وحتى الآن تم اعتماد أكثر من 200 حالة رسميًا بعد التحقق من البيانات، مع استمرار تسجيل المزيد من البلاغات من قبل الأهالي الذين يسعون جاهدين لمعرفة مصير أحبائهم.
لماذا يتعمد الاحتلال إخفاء الفلسطينيين؟ وما انعكاس ذلك على التركيبة الاجتماعية للسكان؟
يستخدم الاحتلال الإخفاء القسري كأداة قمعية لكسر إرادة الفلسطينيين، وإحداث حالة من الرعب والضغط النفسي داخل المجتمع.
تنعكس هذه الممارسات بشكل مدمّر على التركيبة الاجتماعية، حيث تعيش آلاف العائلات في حالة من القلق وعدم اليقين بشأن مصير أبنائها، ما يترك آثارًا نفسية عميقة، خاصة على الأطفال والنساء الذين يعانون من تداعيات الفقد والانتظار الطويل.
هل تمكنتم من تحقيق اختراقات في هذا الملف؟ إلى أي مدى ساهم المركز في مساعدة العائلات على الوصول إلى معلومات عن أبنائهم؟
رغم التحديات، نجح المركز في الكشف عن مصير عدد من المفقودين من خلال فريقه القانوني، كما ساعدت المنصة الإلكترونية العديد من العائلات على تقديم بلاغات وتوثيق حالات فقدان لم تكن مسجلة سابقًا، وهو ما يعزز فرص البحث عنهم مستقبلاً ويزيد من الضغط القانوني والإعلامي لكشف حقيقة ما يحدث للمفقودين.
ما أبرز التحديات التي تواجهونها في رصد وتوثيق حالات المفقودين؟
– صعوبة الوصول إلى المناطق التي شهدت حالات فقدان بسبب استمرار العدوان.
– رفض الاحتلال الكشف عن مصير المعتقلين والمخفيين قسرًا.
– نقص المعدات والتقنيات الحديثة اللازمة للتعرف على الجثامين، خاصة مع منع دخول فحوصات الـDNA إلى غزة.
– قلة الدعم المالي واللوجستي التي تحد من القدرة على توسيع نطاق العمل.
ما أبرز الاحتياجات التي تنقصكم لمواصلة عملكم في هذا الملف الإنساني الحساس؟
نحتاج إلى دعم قانوني ودولي أكبر للضغط على الاحتلال من أجل الكشف عن مصير المفقودين، بالإضافة إلى توفير موارد مادية وتقنية، مثل معدات البحث وأجهزة فحص الحمض النووي (DNA) لتحديد هويات الجثامين المجهولة.
هل هناك تعاون حقيقي بينكم وبين الجهات الحكومية أو الدولية لدعم جهودكم؟
نحن نسعى إلى بناء شراكات مع منظمات دولية، مثل الصليب الأحمر ومؤسسات حقوق الإنسان، لكن حتى الآن، لم نشهد تحركًا جادًا من الجهات الأممية، مثل اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري في الأمم المتحدة.
إلى أي مدى يشكّل إغلاق المعابر عائقًا أمام عملكم، خاصة فيما يتعلق بالحصول على المعدات والتقنيات اللازمة للبحث؟
يشكّل إغلاق المعابر عائقًا كبيرًا أمام عملنا، إذ يمنع إدخال المعدات الحيوية اللازمة للبحث، مثل المعدات الثقيلة لانتشال الضحايا من تحت الأنقاض، بالإضافة إلى فحوصات الـDNA التي تُعد ضرورية للتعرف على الجثامين المجهولة.
كما أن الحصار الإسرائيلي يحدّ من قدرة الفرق الميدانية على التنقل والوصول إلى جميع المواقع المتضررة، وهو ما يُعقّد جهود البحث عن المفقودين.