ترجمة وتحرير نون بوست
عندما خدعت نيودلهي شعب ولاية جامو وكشمير لفرض تعتيم شامل على الاتصال وممارسة الضغط عليهم في الخامس من آب/أغسطس سنة 2019، والذي تلاه إلغاء وضع المنطقة شبه المستقل، توقع الجميع، بما في ذلك المتغطرس ناريندرا مودي ومساعدوه الشوفينيون حدوث ردود فعل خاصة في وادي كشمير المضطرب.
مع ذلك، من المرجح أن تتمثل التوقعات التي يمكن تصورها لهذا الرد في اللجوء إلى التشدد على نطاق واسع مثل التسعينيات، أو في ثورة هائلة مثل الثورة القائمة في فترة 2008-2009، أو في حدوث ضجة شاملة مثل التي حدثت بعد إعدام برهان واني أو حتى شيء جديد. على الرغم من ذلك، جاء الرد عكس ردود الفعل التقليدية وبأكثر الوسائل إزعاجا للحكومة الهندية، حيث أنه ترك الدوائر السياسة الهندية في حيرة، وربما في دهشة.
خلال الأيام القليلة الأولى من الاضطرابات الحالية، لجأ شعب كشمير إلى ما أصبحت “قاعدة جديدة” في الوادي والتي تمثلت في الاشتباك مع القوات الهندية ورمي الحجارة. ومن جهتها، ردت القوات الهندية بطريقة وحشية رمزية باستخدام البنادق الهوائية والغاز المسيل للدموع، وحتى إطلاق الذخائر الحية على المتظاهرين في بعض الحالات.
قُوبلت حوادث الاحتجاج المنعزلة على الرغم من مشاركة الآلاف من الناس فيها، إما بقمعها عن طريق القوة الوحشية، أو بعدم تلقّي التقارير الإعلامية الضرورية حولها
في البداية، نفت الحكومة الهندية اندلاع أية احتجاجات. وفي وقت لاحق، وبعد تردد كبير، اعترفت بوجود هذه الاحتجاجات حيث تولت وسائل الإعلام الهندية المرتزقة بالترويج “للحياة الطبيعية” المزيفة. ومن جهتها، كشفت بعض وسائل الإعلام غير الحزبية وبعثات تقصي الحقائق الطوعية النقاب عن الوجه الحقيقي لنظام مودي الفاشي وعن بعض الحقائق البشعة التي تحدث على أرض الواقع.
في الواقع، مثّل وادي كشمير تجسيدًا للحقيقة الموسومة بالحقد حول مدى قسوة “ديمقراطية المطالب” في التعامل مع “المواطنين المملوكين دون اعتبارهم مواطنيها” باسم “الأمن الوطني” – وذلك بداية من فرض حظر تجول شامل في الوادي وصولا إلى اعتقال حتى السياسيين المؤيدين للهند. ومن اعتقال حوالي 13 ألف شاب إلى التعذيب المروّع أثناء الاحتجاز بهدف تحقيق أثر رادع.
سواء كان ذلك نتيجة فرض الإغلاق الأمني الذي حوّل كشمير إلى سجن مفتوح، أو تعتيم كامل على المعلومات الذي من شأنه أن يُجبر الوادي على الدخول في العصور المظلمة، لم تظهر انتفاضة واسعة النطاق ومنسقة ضد الاستعمار الهندي بعد.
في شأن ذي صلة، قُوبلت حوادث الاحتجاج المنعزلة على الرغم من مشاركة الآلاف من الناس فيها، إما بقمعها عن طريق القوة الوحشية، أو بعدم تلقّي التقارير الإعلامية الضرورية حولها، مع العلم أنها لم تسفر في نهاية المطاف عن أي إزعاج لأعمدة السلطة في نيودلهي، ناهيك عن استيقاظ ضمير المجتمع العالمي النائم.
خطوة الهند الخبيثة لإخضاع كشمير قد قضت على الخلافات التي كانت قائمة سابقًا بين الناس فيما يتعلّق بميولهم السياسية، حيث اجتمعوا حول أجندة مشتركة واحدة
من المتصور أن المخططين في نيودلهي سبق وأن تصوروا مثل هذا الرد وإرسال الآلاف من الجنود الإضافيين إلى أكثر مناطق العالم كثافة من الناحية العسكرية فضلا عن تركيز تعتيم الاتصالات على وجه الحصر على قمع أي مظاهر للمعارضة في الوادي المحتل. ومع ذلك، أثبت سكان كشمير أنهم أبرع حتى من المسؤولين عن تغيير الوضع الراهن في المنطقة الذي دام لعقود من الزمن، وأنهم توصلوا إلى استجابة مبتكرة تتمثل في عصيان مدني سلمي واسع النطاق.
في البداية، روت وسائل الإعلام المختلفة هذه الظاهرة، التي سلطت عليها الضوء مجموعة من أربعة ناشطين في تقريرهم لتقصي الحقائق المثير للفكر. وأكدت وسائل الإعلام على إضافة بعد جديد في مقاومة كشمير ضد نيودلهي. ووفقًا للتقرير، تفتح المتاجر في معظم أنحاء كشمير أبوابها في الصباح والمساء فقط – حتى يتمكن الأشخاص من إدارة احتياجاتهم الأساسية – في حين أن المدارس والكليات على الرغم من بقائها مفتوحة، تفشل في جذب حتى الحد الأدنى من قوة الطلاب. علاوة على ذلك، يُعتبر الحضور ضعيفا للغاية في المكاتب.
يدّعي التقرير أن خيبة أمل واسعة النطاق تسود في الوقت الحالي في الوادي وأن الناس ليسوا مستعدين للتفاعل ولإجراء أي معاملات أخرى مع اتحاد الهند أو ممثليه- ليس بسبب الخوف من أي منظمة مسلحة – ولكن بسبب الانتباه إلى إرادتهم الواعية. وعموما، يشعر الناس في الوادي بالخيانة والتجاهل والتهميش بسبب اتخاذ القرار التبعي المتعلق بتاريخهم وثقافتهم وهويتهم، الأمر الذي يُشبه بعض التدابير الاستغلالية التي تتخذها قوة إمبريالية فيما يتعلق برعاياها الاستعمارية.
على نحو مماثل، يضيف التقرير أن خطوة الهند الخبيثة لإخضاع كشمير قد قضت على الخلافات التي كانت قائمة سابقًا بين الناس فيما يتعلّق بميولهم السياسية، حيث اجتمعوا حول أجندة مشتركة واحدة. لكن لابد من مقاومة التحرك الصارخ من جانب الهند، مهما كانت التكاليف النهائية.
مكانة الهند الدولية ستتلطّخ أكثر وقد تكون استجابة المجتمع الدولي المتحجّرة في شكل رد أكثر صرامة
يعدّ التمرّد السائد في كشمير تجسيدا لعداوة السكان المحليين للهند، الذي تزداد حدّته يوميا في ظل تشديد القيود عليهم. إلى جانب العصيان المدني السلمي، فإن ميل الشباب إلى الانضمام إلى القتال في ازدياد. ومع ممارسة الهند للمزيد من القمع فإنه من المرجح أن تزداد نزعة حمل السلاح لدى الشباب مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى وقوع المزيد من حوادث العنف وعدم الاستقرار. واستجابة لذلك، ستطلق القوات الهندية العنان لوحشيتها الرمزية، ولكن من المرجح أن يترتب على ذلك حلقة مفرغة من انضمام المزيد من الشباب إلى القتال. في الأثناء، من المتوقع أن تسفر استجابة الهند القوية والشرسة لهذا الحراك عن بؤس أهل كشمير.
من خلال القرار الذي أعلن عنه في الخامس من آب/ أغسطس، حاصر نظام مودي نفسه في طريق مسدود. ففي حال أعادت حكومته قنوات الاتصال وأنهت القيود الصارمة المفروضة على سكان كشمير، وبالنظر للإحباط السائد، فإن الانتفاضة الواسعة والمنسقة جيّدا ستصبح ممكنة ــ الأمر الذي يجعل من كشمير فعليًا “بركانا ثائرا” يهدد بالانفجار في أي وقت ملائم.
مع غياب هيبة التوجيه الرمزي الدولي، وإذا طال أمد القيود المفروضة والضغط المشدد، فإن مكانة الهند الدولية ستتلطّخ أكثر وقد تكون استجابة المجتمع الدولي المتحجّرة في شكل رد أكثر صرامة. ولعل هذه القرائن كانت واضحة في اجتماع لجنة مجلس الشيوخ الأمريكي للعلاقات الخارجية، الذي اجتمع لعقد جلسة استماع بشأن وضع حقوق الإنسان في جنوب آسيا، لكنه ركز بشكل كبير على قضية كشمير.
مع ذلك، لا يبدو أن مودي الأناني قد تخلى عن خطة “كشمير الجديدة” وهو ما يتضح من الإعلان الصادر مؤخرًا عن إجراء استطلاعات رأي للهيئات المحلية في جامو وكشمير. ولكن ظلّت أغلب القيود مفروضة في الوادي إلى جانب رفض كافة الأحزاب التي تتخذ من جامو وكشمير مقراً لها المشاركة فيما وصفته بأنه “انتخابات قسرية”.
تتطلّب القضية المبجّلة تضحية كبيرة، ومن أجل تفادي الظاهرة الوشيكة التي تتمثّل في خضوع كشمير للأغلبية الهندية، باتت المقاومة الممتدّة أمرا حتميًا
في أعقاب ذلك، من المتوقع أن يضمن حزب بهاراتيا جاناتا التابع لمودي نصرا ساحقا، مع نسبة مشاركة جملية لن تتجاوز الصفر. هكذا تخطط الهند كأكبر ديمقراطية زائفة في العالم لوضع استراتيجية لطمس مؤهلاتها غير الديمقراطية خلف غطاء الانتخابات المزورة. استنادا إلى خطة رئيس الوزراء “كشمير الجديدة”، فإن كبار السياسيين المسنين – الذين أكدوا لأجيال للهنود على ولائهم فقط ليُخانوا ويسجنوا مؤخرًا – سيصبحون غير ملائمين وسوف يحلّ محلّهم جيل جديد من السياسيين الأكثر حماسة ولكن لا يرتقون إلى مستوى التطلعات وسيكونون بمثابة ممثلين للديمقراطية الهندية المزيّفة في جامو وكشمير.
في حين أن “العصيان المدني السلمي” الذي مارسه أهالي كشمير قد حيّر السلطات الهندية – وهي حقيقة تجلّت في إعلان غطّى صفحة كاملة في 11 تشرين الأول/ أكتوبر في العديد من الصحف التي مقرها كشمير والذي حثّ السكان المحليين على استئناف حياتهم الروتينية – فإن التحقيقات تتحور حول المدة التي سيستمر فيها العصيان ومدى تأثيره؟
دون أدنى شك، يأتي هذا التحدّي بتكلفة باهظة للغاية تشمل الجوانب الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية والإنسانية، ولكن القدرة على الصمود ستكون عاملًا حاسمًا لمستقبل شعب كشمير. تتطلّب القضية المبجّلة تضحية كبيرة، ومن أجل تفادي الظاهرة الوشيكة التي تتمثّل في خضوع كشمير للأغلبية الهندية، باتت المقاومة الممتدّة أمرا حتميًا.
المصدر: مودرن ديبلوماسي