لعالم الساحرة المستديرة قصصها الطويلة وأبطالها المحبوبين من لاعبين موهوبين ومشاهير ورؤساء نوادي إلى مدربين جهابذة و”مجانين” تابعت وسائل الإعلام حركاتهم وسكناتهم، غير أنّ الجماهير هي ما تشكل المحور الأساسي الذي تدور حوله اللعبة والضلع الرابع الذي يصنع قيمة المباريات والبطولات.
وللإفريقي قصته الخاصة، حيث عاد النادي التونسي إلى واجهة الأحداث محليًا وإقليميًا ليس للقب حققّه أو لمنافسة تألق فيها أو لـ”تيفو” جميل كـ(دخلة حنظلة لرسام المقاومة الفلسطينية ناجي العلي) يحمل رسالة رفعها المحبين من فوق مدارج الملعب، ولكن الحدث صنعه هذه المرة اللاعب رقم 12 جماهير الأبيض والأحمر بتفانيهم وتضحيتهم في سبيل إبقاء اسم فريقهم عاليًا، مرددين كعادتهم أغنيتهم الشهيرة “ماني ناسي الإفريقي إنت عينيّا”، ومتعاهدين على الوقوف إلى جانب ناديهم لتخطي الأزمة المالية كلٌ حسب مقدرته ووضعه الاجتماعي.
النادي والشعب
ويعد الإفريقي، من أعرق النوادي التونسية وأحد أبرز المتراهنين التقليديين على لقب البطولة إلى جانب منافسيه الترجي الرياضي التونسي، والنجم الرياضي الساحلي والنادي الرياضي الصفاقسي، ويملك الفريق ثاني أكبر عدد من الكؤوس المرفوعة بعد الترجي، وثاني أكبر عدد من البطولات بعد الترجي كذلك، ويضم عدة اختصاصات أخرى غيرة كرة القدم أهمها: كرة اليد، كرة السلة، السباحة.
وتأسس النادي في 4 أكتوبر 1920 في حي باب جديد بالعاصمة زمن الحماية الفرنسية (سُمي قبل هذا التاريخ النادي الإسلامي الإفريقي)، عرف الفريق بعد الاستقلال أساسًا 3 فترات ذهبية أولها في أواخر الستينات ثم في السبعينات، قبل أن يمر بفترة صعبة في الثمانينات لم يستطع فيها الفوز بأي لقب بين 1981 و1989، وعاد إلى منصة التتويجات سنة 1990 بفوزه بالبطولة المحلية ثم برباعية تاريخية (بطولة، كأس، كأس إفريقيا للأندية البطلة، الكأس الأفروآسيوية) في عام واحد.
ويرى مختصون في الإعلام الرياضي أنّ ما يُميز الإفريقي هو جمهوره الذي يُعد ظاهرة (phenomenon) في عالم كرة القدم فريدة من نوعها وتمثل استثناءً في تونس والعالم العربي، فرغم تراجع نتائج الفريق وابتعاده عن منصات التتويج ظل “شعب” الإفريقي وفيًا لناديه وتخطى كل حدود التضامن والتكافل المتعارف عليها.
وكان المدرب السابق للإفريقي الجزائري عبد الحق بن شيخة وصف محبي النادي التونسي بالظاهرة، مشيرًا إلى أنّهم يذكرونه بجمهور مولدية الجزائر، متابعًا “وجب احترام هذه الجماهير، الإفريقي ليس لديه جمهور بل له شعب”.
الأزمة وسوء إدارة
يعيش النادي التونسي أزمة حقيقة على المستوى التسيير، بسبب سوء تصرف الهيئة الحالية التي فشلت على جميع المستويات في توفير الاستقرار الإداري، إضافة إلى حالة العسر المالي المتأتية من “إرث” الرئيس السابق سليم الرياحي (مرشح الانتخابات الرئاسية ورئيس حزب الوطني الحر) الذي أوهم الأحباء بخلاص الديون للترويج لحملته الانتخابية، ويرى بعض المحبين أنّ الرياحي دخل قلعة الإفريقي لغايات سياسية وغير رياضية، وأغرق النادي في نفق ديون لا مخرج منه.
وفي سياقٍ ذي صلة، يُرى مراقبون للشأن الرياضي أنّ الفريق حتى وهو في أسوأ حالاته وأشدها حرجًا يبقى ملجأ لبعض الفاسدين الذين لا هم لهم سوى ملئ أرصدتهم البنكية وتصدر الشاشات وعناوين الصحف، وأنّ أزمة الإفريقي تعمقت بفعل “تناطح” رجالته ومموليه والمتنفذين من أصحاب القرار، وأنّ النادي ضحية لحرب المصالح الشخصية وبات حلبة لتصفية الحسابات، فيما عجزت هيئة عبد السلام اليونسي عن تجاوز أبسط الإشكاليات ولم شمل العائلة “الإفريقية” من رجال أعمال ورؤساء ولاعبين سابقين لتجاوز الأزمة.
اجتاحت حملة التضامن التي أطلقها محبو الإفريقي مواقع التواصل الاجتماعي تزامنًا مع الذكرى الـ99 لتأسيس لناديهم وأعربوا عن استعدادهم التام لمزيد تمويل الحساب البنكي وخزينة النادي لتخليصه من الديون وغلق ملف الخطايا نهائيًا
وتكدست العقوبات الصادرة في حق النادي التونسي من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) نتيجة تفاقم ديونه وعجز مجلس إدارته عن تسوية مستحقات عدد من المدربين واللاعبين الذين دافعوا عن ألوانه طوال الأعوام الثلاثة الماضية، وعدم التزام النادي بالعقود المبرمة.
والنادي ملزم بسداد ديون قدرت بـ17 مليون دينار تونسي أي ما يُعادل 6 مليون دولار، وفي حال تعذر عليه السداد فإنّ الـ(فيفا) ستسلط عليه عقوبات قد تصل إلى حد هبوط الفريق للدرجة الثالثة، وسحب 40 نقطة من رصيده، ومنعه من الانتدابات لمدة تصل إلى 5 سنوات.
في مقابل ذلك، ورغم وضعية النادي الحرجة وتراجع نتائجه في رابطة الأندية المحترفة في المواسم السابقة، إلا أن محبي الإفريقي صاحب القاعدة الأكبر نسبيًا على الصعيد الجماهيري (محليًا) لم يخلعوا القميص ولم يتنكروا للأمجاد وأهازيج الفوز في الـ”الفيراج” (المكان الأكثر حركية ونشاط في الملعب)، وأطلقوا حملة شعبية على مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك لجمع التبرعات.
هبة “الشعب”
اجتاحت حملة التضامن التي أطلقها محبو الإفريقي مواقع التواصل الاجتماعي تزامنًا مع الذكرى الـ99 لتأسيس ناديهم وأعربوا عن استعدادهم التام لمزيد تمويل الحساب البنكي وخزينة النادي لتخليصه من الديون وغلق ملف الخطايا نهائيًا، وأعلن القائمون على الحملة عن مواصلة دعم فريقهم لتسديد بقية الديون عبر إنشاء صفحات على الفيسبوك وحثّ الأحباء على ضرورة الانخراط في المساهمات العينية، ومن أبرزها صفحة تحمل عنوان ”مائة ألف كلوبيست = 2 مليار شهريا” وتضمّ حوالي 33 ألف مشترك قاموا بنشر مئات الصور للوصولات البنكية والتحويلات المالية.
وفي تصريح لـ”نون بوست” قال عضو تحالف مئوية النادي الإفريقي، هشام الحاجي، “أنا من المؤمنين أن النادي الإفريقي هو أوضح صورة يمكنها أن تكون انعكاسًا صادقًا و دون مساحيق لما يعيشه المجتمع التونسي من تحولات وذلك من تأسيس النادي إلى يوم الناس هذا، و كما تُعاني تونس حاليًا من الفساد وهدر الموارد والإفلات من العقاب يُعاني النادي الإفريقي من هذه الأعراض، وكما تجد تونس نفسها مرتهنة لمؤسسات الإقراض الدولية يجد النادي الإفريقي نفسه في كماشة “الفيفا”.
تخوض جماهير الأفريقي سباقًا ضد الزمن لإيجاد حلول فعالة وعاجلة لسداد مستحقات اللاعبين السابقين وتفادي عقوبات إضافية منتظرة
وأضاف الحاجي ” وضعية النادي دفعت بعض المسؤولين بالتنسيق مع الجامعة التونسية لكرة القدم إلى استحثاث الأحباء على تعبئة موارد مالية هامة وفي ظرف وجيز، الدعوة وجدت أصداء إيجابية لدى أحباء النادي الإفريقي وأمكن جمع مليون و نصف المليون دينار تونسي في ظرف وجيز لا يتجاوز الشهر وشهدت الحملة مشاهد إيثار غير مسبوقة، يكفي أن نستحضر موظفًا يمنح راتبه الشهري وامرأة تتبرع بالمبلغ الذي خصصته لاقتناء مواد غذائية ضرورية وغيرها من المشاهد، لنقف على شدة تعلق الأحباء بجمعيتهم وعلى أنّ عشق الإفريقي “عقلية “، وعدديا لم يتجاوز عدد المتبرعين سبعة آلاف على أقصى تقدير وهو ما يعني أنّ القادم أفضل وأنّ المستحيل ليس إفريقيا”.
من جهتها، قالت عضوة الهيئة المديرة لرابطة أحباء النادي الافريقي ورئيسة لجنة الهوية والثقافة، ليلى الشابي، في تصريح لـ”نون بوست” إنّ لحملة تهدف إلى مساعدة النادي في خلاص الخطايا وتقليل حجم عقوبات الفيفا، متابعةً القول: ” الجماهير قررت الاعتماد على نفسها وأخذ زمام الأمور لتجنب نادينا مصير سيئ في وقت تلكأ فيه كل مسؤول عن القيام بواجبه، وضعنا هدف مليار (300 ألف دولار) في كل شهر وربي يوفقنا”، مضيفةً “رؤساء سابقون كسعيد ناجي ضخ البارحة 50 الف دينار ومنير البلطي وبعض اللاعبين السابقين والأطباء والمحامين والإعلاميين وهناك فنانين سيقومون بحفلات مداخيلها ستكون للنادي، ولا ننسى أبناء الأحياء الشعبية الشعلة المبادرة وقادتها الحقيقيون، هم من قام من الأول خطوة جمعوا الأموال كل بقدر والآن يسعون للقيام بمنافسة بين الأحياء لجمع أكثر ما يمكن”.
حي التضامن، حي الانطلاقة، العمران الأعلى، الرفاهة، قصر سعيد، حي بن خلدون، حي التحرير حدائق المنزه وماجاورهم لمة النادي…
Posted by Mouna Zoummit on Wednesday, October 30, 2019
من جانبه، أكّد كريم المشراوي (مشجع) في تصريح لـ”نون بوست” أنّ الحملة تأتي في إطار رد الجميل إلى النادي الإفريقي الذي أسعدهم في كثير من الأوقات، مضيفًا “العلاقة بين الجماهير والنادي غير خاضعة لمنطق التحليل النفسي أو مقاربات علم الاجتماع، علاقة حب استثنائية، نحن نعشق النادي في أوج قوته ولحظة ضعفه، نحبه في انتصاراته وانكساراته، هل رأيتم من قبل جمهور يدعم ناديه بهذا الجنون؟”.
وتابع: “للذين ينتقدون حملة الدعم ويصفونها بالتسول، أقول، أنتم لم تصلوا بعد إلى مرحلة الشغف الرياضي لا تعلمون معنى الانتماء أو الفخر، أمّا نحن فنعتبر النادي الإفريقي أمًّا تربينا بين ذراعيها وأرضعتنا محبتها، فهل يُسأل الابن لماذا ينفق على أمه إذا مرضت أو وهنت؟”.
بدوره، وصف الصحافي الرياضي لطفي النايب في حديثه لـ”نون بوست” حملة التبرعات بـ”هبّة” جماهيرية تداعت منذ أن أُطلقت صيحة فزع من المسؤولين حول الوضعية المالية والخطايا والعقوبات التي تهدد النادي بسبب الديون، مضيفًا “هناك من تبرع بمنحة تقاعد لفائدة ناديه وآخر كفيف في رصيده 100 دينار أودعها في الحساب البنكي للنادي، وآخرون كثيرون وبأشكال مختلفة ساهموا ولازالوا عن مصادر تمويل أخرى من أجل تجنيب فريقهم عقوبات الـفيفا القاسية.
النادي الافريقي : هبة جماهيرية لإنقاذ الجمعية
النادي الافريقي : هبة جماهيرية لإنقاذ الجمعية #AttessiaSport —————- البث المباشر ➡️ https://9tv.tn/ytlive قناة التاسعة على اليوتيوب ➡️ https://9tv.tn/youtube قناة التاسعة على الانستغرام ➡️ https://instagram.com/attessia_tv
Posted by Attessia TV قناة التاسعة on Monday, October 21, 2019
وفي تحيين لقيمة الأموال المجمعة، أوردت صفحة (forza ca) التابعة للنادي أنّ المبلغ الذي تم تجميعه تجاوز المليون ونصف دينار أي ما يُعادل 562 ألف دولار.
?⚪ و الله حياتي ما على بالي بيها… #ClubAfricain #FTFlitigesCA
Posted by Forza-CA ( Site , forum et radio ) on Friday, November 1, 2019
وتخوض جماهير الأفريقي سباقًا ضد الزمن لإيجاد حلول فعالة وعاجلة لسداد مستحقات اللاعبين السابقين وتفادي عقوبات إضافية منتظرة، إضافة إلى مساعدة ناديهم على تحقيق انطلاقة الناجعة في الدوري المحلي وباقي المسابقات.