“أنا فعلًا خايف من عصابات الأجهزة الأمنيّة. أنا محامي، لا أجيد سوى القانون، وأخاف أن يكون مصيري مثل جوليو ريجيني. لو حدث لي أي شيء، فالأجهزة الأمنية هي الفاعل، ومش ناوي أتواطأ”.
بهذه الرسالة القصيرة، التي ذُيّلت بترجمة إنجليزيّة موجهة إلى وسائل الإعلام الأجنبية، وثّق الحقوقيّ المصريّ الأبرز، جمال عيد، أسلوبًا جديدًا، قال إن السّلطات المصريّة قد بدأت في استخدامه تُجاه معارضيها خلال الفترة الأخيرة؛ وهو الاعتماد على وكلاء غير تابعين للأجهزة الأمنيّة بصورة مباشرة، لتنفيذ مهامّها التي اعتادت عليها منذ الثالث من يوليو/ تموز ٢٠١٣، من ضربٍ وردعٍ واعتقال.. فما الذي حدث مع جمال ليدّعي مثل هذا الادّعاء؟
ثلاثة اعتداءات
بحسب جمال عيد، مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان، فإنه قد تعرّض خلال شهر منذ ٢١ سبتمبر/ تموز الماضي إلى ثلاثة اعتداءات ومحاولات ترويع، بدأت بسرقة سيارته الشخصيّة من جهةٍ غير معلومة، ورفعها على “ونش” ومصادرتها في شارع الجزائر، بمنطقة المعادي، في القاهرة.
الحادثة الثانية – كما دوّن عيد – الذي قابل الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون خلال زيارته الأخيرة إلى مصر لمطالبته بالضغط على النظام لوقف انتهاكاته ضد المعارضين، كانت اعتداءً مباشرًا من أحد الأشخاص الذين لا يعرفهم، أمام أحد المطاعم المعروفة في المعادي الجديدة، وانتهت بإصابته في “الضلوع” وسرقة هاتفه المحمول.
وأحدث هذه الاعتداءات، كانت حادثة قيام أفراد مسلحين بتحطيم سيارةٍ قام عيد باستعارتها من إحدى الباحثات في “الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان”، وتدعى “روضة علي” (محامية)، أسفل منزله، الواقع في دائرة قسم البساتين، بدلا من السيارة التي قام “الونش” بمصادرتها.
لماذا يتهم عيد أجهزة الأمن؟
أنا فعلا خائف من عصابات الاجهزة الأمنية ، انا محامي لا اجيد سوى القانون، واخاف أن يكون مصيري مثل جوليو ريجيني ، لو حدث…
Posted by Gamal Eid on Thursday, October 31, 2019
وفقًا لعيد، فإن هناك مؤشراتٍ قاطعة تدلّ على انتفاء الشبهة الجنائية وراء هذه المحاولات، وضلوع السلطات المصرية في تدبيرها ورعايتها بشكل يصعب معه الإحاطة بالتفاصيل الكاملة؛ حيث أصرّ الشخص المسلّح في المحاولة الثانية على اختطاف “شنطة الأوراق” التي كان يحملها على كتفه، بالرغم من نجاحه في سرقة الهاتف الشخصي. ولما أخذ الجيران وأفراد الحراسات الخاصة يتجمعون، اضطر المسلح إلى الهرب، بعد أن قام بضربه ضربًا مبرحًا بـ”كعب المسدس” على كتفه.
وعندما استفاق عيد من صدمة الاعتداء، هرع إليه ثلاثة أشخاص، يحمل أحدهم جهاز اتصال “لاسلكي” (قدّم نفسه على أنه ضابط مباحث) لسماع ما حدث منه بشكل شخصي، ثم طلبوا منه أن يركب معهم سيارة “ميكروباص” لنقله إلى قسم الشرطة لسرعة عمل “محضر” بالواقعة. ولكن، قبل أن يصلوا جميعًا إلى القسم، طلبوا منه النزول والذهاب وحده، على أن يلحقوا به إلى هناك.
وفي المرة الثالثة التي انتهت بتهشيم سيارة زميلته، بدأ الجناة يحومون أسفل منزله، فتشكك بهم الأهالي، فقدّم الفاعلون أنفسهم كضبّاط مباحث، أتوا للتقصّي عن أحد المتهمين، فصدّقهم الجناة من هيئتهم؛ حيث كان قائد المجموعة يدخّن “سيجارًا” ويحمل “طبنجة”.
وقبل أيامٍ من العملية الأخيرة، قامت الأجهزة الأمنية بالقبض على أحد الناشطين العاملين في الشبكة العربية والمقربين بشكل كبير من عيد ويدعى “عمرو إمام”، فكان التحقيق كلّه عن أنشطة جمال عيد، وتعاملات شبكته الحقوقيّة.
شرح تفصيلي لخمس جرائم لعصابات الأمن ارتكبت ضدي وضد الشبكة العربية خلال شهر واحد! واعتراف، في البلطجة هما يكسبوا، بالقانون لو النائب العام اشتغل، انا اكسب،
Posted by Gamal Eid on Friday, November 1, 2019
وخلال هذه الحوادث جميعًا، رفضت أجهزة الشرطة التعاون مع المجني عليه، بالرغم من امتلاكه أدلةً قاطعةً تقود إلى معرفة الفاعلين بسهولة؛ كتفريغ الكاميرات المحيطة بهذه الأماكن، وشهادة الحاضرين، وأرقام الهواتف التي يقول إنها استخدمت في إرسال تهديدات شخصية له، تدعوه إلى التوقف عن أنشطته الحقوقية. بل وأصدرت الشرطة بيانًا تتهمه فيه “بإثارة الدول الأجنبية على مصر” من بوابة حقوق الإنسان.
ما طبيعة هذا التنظيم؟
من المعروف في الحالة المصريّة، أن أجهزة الأمن تشغّل “بلطجية” تسمّيهم وسائل الإعلام التابعة للنظام (المواطنين الشرفاء)، حيث وثّقت شبكة الجزيرة الإخبارية في فيلم استقصائي بعُنوان “المندس” هذه الظاهرة بالصوت والصورة، بدءًا من أحداث العنف التي اندلعت بين المتظاهرين وقوات الأمن خلال ثورة الخامس والعشرين من يناير، والتي نجم عنها سقوط ضحايا بالعشرات من جانب المحتجين، قالت السلطات وقتها إن المسؤول عنها “طرف ثالث”، وصولًا إلى المظاهرات والاشتباكات المدنية – الإخوانية، عام ٢٠١٢.
كما استعانت بهم أجهزة الأمن بشكل واضح في السيطرة على مظاهرات ما سُمي بـ”التحالف الوطني لدعم الشرعية” عقب انقلاب الثالث من يوليو، خاصّة في محافظة الإسكندريّة، وأظهرت تسجيلات مصورة معاونتهم للشرطة في اعتقال المتظاهرين بمحيط ميدان التحرير خلال انتفاضة سبتمبر الأخيرة؛ ولكنّ هذه الشهادات الموثقة تبدو مختلفةً هذه المرة.
فبحسب عيد، فوجئ ضباط الشرطة عند إخبارهم بالمجموعة التي كانت تحمل جهاز “لاسلكي”، وقامت باقتياده في سيارة، ثم رفضت إكمال الطريق إلى القسم. وقد أطلعه أحد ضباط القسم التابع له عيد أن الجهات التي تقوم بتتبعه، هي “جهات عليا” لا تربطها صلة مباشرة بالأمن؛ بما يوحي أنها تعمل بشكل منفصل نسبيا عن أجهزة الأمن.
وغيري اتقتل بدم بارد، وشباب اتسجنوا وعمرهم بيضيع،، نظام بدأ حكمه بالدم، وامتداد لنظام حكم بالطوارئ ٣٠سنه ووزير داخليته اللي مفروض ينشر الأمن اتسجن بتهمة ممارسة السخرة، العبودية!! تسقط العصابة
Posted by Gamal Eid on Friday, November 1, 2019
ويُرجح روايةَ عيد عن طبيعة هذا التنظيم، أحدُ مقاطع البث المباشر التي بثّها شابّ بورسعيديّ، ناشط في مجال الدفاع عن حق المواطنين في الإسكان المدعوم، سبتمبر الماضي، ويظهر محاولة عناصر مدنية اقتحام منزله لإلقاء القبض عليه، ولكنهم تفاجأوا بوجود “باب من الحديد” خلف الباب الخشبيّ الذي قاموا بتحطيمه، فحاولوا إقناعه بالفتح طواعيةً، وعند سؤاله عن هوياتهم، وسبب تكسير الأبواب بهذه الطريقة؛ رفضوا إظهارها.
فلما ارتاب هذا الشابّ، وفشل في إثنائهم عن محاولات اقتحام المنزل أو التعرف على الجهة القانونية التابعين لها، قام بالاتصال بقسم الشرطة، (خلال البث المباشر)، فأخبروه أنهم لا يعرفون حقيقة ما يحدث وأنهم لم يرسلوا تشكيلا للقبض عليه؛ فلاذَت هذه العناصر بالفرار. وبعد بلاغاتٍ قام هذا الشابّ بتقديمها لرئاسة الجمهورية والنائب العام بخصوص هذه الواقعة، أُذيع خبر تعرّضه للاختفاء القسريّ.
وقد بدأ النظام الحالي استخدام هذا الأسلوب في تأديب المعارضين، مع النائب العامّ الأسبق هشام جنينة، المشهور باشتغاله على ملف الفساد المالي للأجهزة السيادية، غداة الإعلان عن تحوّله إلى عضو في فريق المرشح الرئاسي المعتقل سامي عنان؛ حيث أدى اعتداء “مجهولون” عليه إلى إصابته بجرح طولي في الوجه وكسرٍ في الأنف، ثم حوكم محاكمةً عسكرية يسجن حاليًا على ضوء قراراتها لمدة ٥ سنوات.
كما تعرضت الناشطة الحقوقية المعروفة بمشاركتها في ثورة يناير، إسراء عبد الفتاح، إلى نفس هذا السيناريو منذ نحو أسبوعين؛ قبل أن يتمّ اعتقالها وعرضها على النيابة بتهمٍ متعلقة باشتغالها في مجال حقوق الإنسان.
فاعلية هذه الإجراءات
يرجّح الصحفي والباحث علاء بيّومي في لقاء مع قناة “العربي”، أن يتمكن السيسي من سحق ما تبقى من المعارضة والأصوات الرافضة لطريقته في الحكم، خلال الفترة القصيرة المقبلة؛ نظرًا لعدّة عوامل، أهمّها امتلاكه رؤيةً واضحةً للحكم، تقوم على إستراتيجية حكم الفرد المخلص القادم من المؤسسة العسكرية، بالطريقة الأمنيّة التي يدخل في كنفها بعض الوكلاء عند التعامل مع الشخصيات الحسّاسة، مدعومًا في ذلك بالمال الخليجي، والصمت الأوروبي، وبعض اكتشافات الغاز والبترول الأخيرة، ومستغلًا في الوقت ذاته إدارة الرئيس الأمريكي ترامب التي تجتهد في رفع أيديها عن المنطقة.
وفي المقابل، يعترف جمال عيد إنه يشعر بالخوف من هذه الاعتداءات المتكررة، والتي لا يعلم على أي مصير سوف تنتهي؛ ولكنه، لا يملك الفرصة لـ”التواطؤ” أو التراجع عن مساره؛ حيث قامت الدولة بالتضييق عليه عبر الحجز على أمواله الخاصة ومنعه من السفر وتلفيق اسمه في عدد من القضايا السياسية (على حد تعبيره)، فيما يقبع زملاؤه في السجون والمعتقلات. ويؤكد جمال – الذي يرى أنه أبعد ما يكون عن السياسة والمعارضة – على حتمية انتصاره في معركته ضد النظام إذا تراجع عن “البلطجة” واحتكم إلى “القانون”.
هذا الوضع غير قابل للاستمرار إلى الأبد، لأسبابٍ بنيوية، متعلقة – سياسيًا – بطبيعة أنظمة حكم الشخص الواحد؛ حيث يُتوقع حدوث فراغ قريب في السلطة مع رحيل السيسي
ولكنّ الواقع يقول إن السيسي من ناحيته – خلال أحدث ظهور رسمي يوم الجمعة، قد دعا النائب العامّ، الذي قام بتعيينه بموجب التعديلات الدستورية الأخيرة، إلى مراجعة المسارات التقليدية التي يتخذها في النظر إلى القضايا السياسية؛ نظرًا لأنها لم تعد ملائمة للعصر الحالي الذي تواجه الدولة خلاله حربًا غير تقليدية، على جبهات متعددة، أهمها مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بصفته (النائب العام) “حاميًا للشعب”. كما تتزامن هذه الإجراءات مع إدانات دولية واسعة للقمع، كان أهمها ما جاء على لسان مساعد وزير الخارجية الألماني.
ومع ذلك يميل بيّومي، إلى أن هذا الوضع غير قابل للاستمرار إلى الأبد، لأسبابٍ بنيوية، متعلقة – سياسيًا – بطبيعة أنظمة حكم الشخص الواحد؛ حيث يُتوقع حدوث فراغ قريب في السلطة مع رحيل السيسي، وأخرى اجتماعية مرتبطة بتفشّي الفقر والبطالة وأزمة المياة؛ حيث يصل عجز الموازنة إلى قرابة ٤٠٠ مليار جنيه، وتتخطى فوائد الديون ٥٥٠ مليار جنيه، من إجمالي ميزانيةٍ تناهز ١٤٠٠ مليار جنيه. لذا، فمن الوارد بشدة ألا تقبل الأجيال الجديدة بما يحدث من تراكم للديون، حيث تزيد بما يساوي ١٠٠ مليار جنيه سنويًا، وتنتفض فجأة مجددًا، كما حدث مع مظاهرات سبتمبر الأخيرة؛ على حد قوله.