في تقريرها السنوي حول “محاربة الإرهاب” عبر العالم خلال العام المنصرم 2018 اتهمت الخارجية الأمريكية عددًا من الدول والمنظمات بدعم وتمويل الكيانات الإرهابية، مطالبة بضرورة اتخاذ الإجراءات الرادعة لوقف تمدد النشاط المخرب في مختلف دول العالم والذي نشط خلال السنوات الأخيرة.
التقرير الصادر أمس أقرّ باستمرارية التهديد الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في عدد من المناطق رغم الإعلان عن مقتل زعيمه أبي بكر البغدادي في غارة أمريكية في سوريا قبل أيام، هذا بجانب التأكيد على مواصلة تعقب بقايا تنظيم القاعدة وأنصارها عبر العالم.
كما وصفت الخارجية في ورقتها المقدمة الإمارات بأنها محطة إقليمية ودولية لتنقلات المنظمات الإرهابية وتحريك أموالها، كما اتهم السعودية بمواصلة اعتقال نشطاء وأكاديميين بذريعة قوانين الإرهاب، هذا بجانب استمرارية ملاحقة التمدد الإيراني في دعم الكيانات التي تعتبرها واشنطن إرهابية على رأسها حزب الله اللبناني.
استمرار التهديدات
التقرير كشف أن التكتيكات الإرهابية واستخدام التكنولوجيا تطور أيضا خلال 2018، في حين بدأ مقاتلون متمرسون من جماعات مثل الدولة الإسلامية في تشكيل تهديدات جديدة مع عودتهم إلى بلدانهم، بينما قال ناثان سيلز منسق جهود مكافحة الإرهاب الذي يعد مكتبه التقرير بتفويض من الكونجرس ”رغم فقد داعش كل أراضيها تقريبا، إلا أن التنظيم أثبت قدرته على التكيف، خاصة من خلال جهوده لإلهام وتوجيه أتباعه عبر الانترنت“.
وأضاف ”علاوة على ذلك، يشكل إرهابيون متمرسون على القتال مخاطر جديدة بعد عودتهم لديارهم من مناطق الحرب في سوريا والعراق أو سفرهم إلى بلدان ثالثة“، في الوقت الذي أكد فيه أشار فيه التقريرأنه على الرغم من النجاحات في الحرب ضد “داعش”، فإن هذا الأخير لا يزال يمثّل تهديدًا بالنظر إلى الهجمات التي نفّذها فلول تابعون للتنظيم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق آسيا، وأفريقيا أيضاً.
وصف التقرير دولة الإمارات بأنها محطة إقليمية ودولية لتنقلات المنظمات الإرهابية وتحريك أموالها
كما استعرض أبرز محطات التنظيم الذي تم الإعلان عنه رسميا في 2014، عقب سيطرته على مساحات كبيرة من العراق وسوريا، واتخذ مدينة الرقة السورية عاصمة له فعلياً، واستخدمها قاعدة لتدبير هجمات في أوروبا، بينما خسر في 2017 السيطرة على الموصل بالعراق والرقة في سوريا، وسرعان ما فقد كل أراضيه تقريباً أمام حملة لقوات دعمتها أمريكا.
وفي غارة نفذتها قوات أمريكية خاصة قُتل زعيم “داعش” في خطوة لاقت ترحيبًا كبيرًا من قبل زعماء العالم، إلا أنه في الوقت ذاته حذر خبراء من أن التنظيم الذي ارتكب فظائع ضد أقليات دينية وروَّع معظم المسلمين، لا يزال يشكل تهديداً أمنياً في سوريا وغيرها.
كما تم الإشارة إلى نشاطات إيران التي وصفت بـ “التآمرية” في أوروبا، مستعرضا “التحقيقات التي أجرتها السلطات الألمانية مع 10 عناصر تابعين لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في يناير/ كانون الأول من عام 2018، وإحباط السلطات في بلجيكا وفرنسا وألمانيا خطة إيرانية لتفجير قنبلة في تجمع سياسي بالقرب من باريس، وإلقاء القبض على عميل إيراني خطط لعملية اغتيال في الدنمارك في أكتوبر/ تشرين الأول، وطرد ألبانيا مسؤولين إيرانيين خططا لتنفيذ هجوم إرهابي في ديسمبر/ كانون الأول”، بحسب التقرير.
الإمارات والسعودية
وفي إطار استعراضه لـ “التهديدات الإرهابية” في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ودور دولها في مكافحتها، وصف التقرير دولة الإمارات بأنها محطة إقليمية ودولية لتنقلات المنظمات الإرهابية وتحريك أموالها، متطرقا إلى انتقادات المنظمات الحقوقية “استخدام الإمارات قوانين مكافحة الإرهاب والجرائم الإلكترونية كغطاء لمتابعة القضايا ضد المعارضين السياسيين والنشطاء السلميين”.
التقرير عرج في السياق ذاته على أن نظام الدخول لدى دولة الإمارات يفرض حظرًا على “بعض الناشطين والأكاديميين والصحافيين الذين كتبوا انتقادات حول سياسة الإمارات”، أما فيما يتعلق بتمويل الإرهاب، فقد وصف أبو ظبي بأنها “بقيت مركزًا عالميًّا لنقل الأموال والحركة بالنسبة للمنظمات الإرهابية”.
الدراسات التي أجرتها رابطة مكافحة التشهير واللجنة الأميركية للحرية الدينية الدولية وجدت أن نغمة تعزيز التمييز والتعصب والعنف لا تزال حاضرة في الكتب المدرسية السعودية
وأضاف أنه “في بعض الأحيان كانت قيود القدرات التشغيلية والاعتبارات السياسية تمنع الحكومة من تجميد ومصادرة أصول الأموال الإرهابية في غياب المساعدة متعددة الأطراف”، من دون إيضاح ماهية تلك القيود والاعتبارات السياسية، وهو ما أكدت عليه الإدانات الدولية والإقليمية في هذا الشأن لاسيما خلال السنوات الأخيرة.
يذكر أنه في يناير العام الماضي أعربت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، عن قلقها من الوضع الحقوقي في الإمارات، لاسيما لجهة قمع حرية التعبير، وتعذيب السجناء، وظلم العمال الأجانب، والتمييز ضد المرأة.
المنظمة في تقرير لها مؤلف في 13 صفحة تناولت أبرز مظاهر الانتهاكات في البلاد، وذلك من خلال عرض وضع الحريات العامة وحرية الفرد، ومعتقلي الرأي، والتمييز ضد المرأة، واستغلال الأطفال، فضلاً عن تبعية القضاء للسلطات التنفيذية وأجهزة الأمن، مستنكرة توقيف الأشخاص خارج الإطار القانوني وإخفاءهم قسرياً ونقلهم إلى سجون سرية، بذريعة اتهامهم بالإرهاب وارتكاب جرائم ضد أمن الدولة، كما أبدت قلقها من العقوبات التي لا تتناسب مع الجرائم.
وتحت عنوان مواجهة الخطاب المتطرف، أشار التقرير إلى أن “الدراسات التي أجرتها رابطة مكافحة التشهير واللجنة الأميركية للحرية الدينية الدولية وجدت أن نغمة تعزيز التمييز والتعصب والعنف لا تزال حاضرة في الكتب المدرسية السعودية، منتقدًا في الوقت ذاته قانون مكافحة الإرهاب في المملكة.
ولفت إلى أن منظمات حقوق الإنسان رأت في القانون تقييدًا لحرية التعبير وتكوين الجمعيات، من خلال وضع تعريف واسع للغاية للإرهاب، يتم تطبيقه على الجرائم غير العنيفة، بما في ذلك النشاط السياسي أو الاجتماعي السلمي، متسشهدًا في هذا الإطار إلى اعتقال العديد من الناشطات والباحثين والدعاة في عام 2018 بذريعة الإرهاب ومكافحة التطرف وهي تهم فضفاضة وقع في أسرها المئات من أبناء المملكة.
وكان مركز “القسط لدعم حقوق الإنسان” قد وثق انتهاكات السعودية لحقوق الإنسان في 2018، مشيرا إلى أنها طالت جميع شرائح المجتمع، لافتا في تقرير له أن المملكة وصلت إلى أسوأ مراحلها، رغم أنها لم تكن يوما ديموقراطية، إلا أن الانتهاكات بدأت تأخذ منحى متصاعدا.
ولفت إلى أن أبرز ما قامت به السعودية العام الماضي هو قتل الصحفي جمال خاشقجي، وسجن النشطاء أمثال الدكتور سلمان العودة، والدكتور علي العمري، والناشطة إسراء الغمغام، والدكتور عوض القرني، منوهًا إلى أن الانتهاكات طالت كل شرائح المجتمع، وصدرت أحكام قاسية بالسجن على بعضهم، فيما تعرض آخرون للتعذيب الوحشي، وهددت الناشطات بالاغتصاب والقتل.
التقرير الحقوقي انتقد كذلك الإعلام الرسمي وغير الرسمي متهما إياه بأنه قد كثف جهوده لزرع الكراهية بين فئات المجتمع، والعنصرية، والطائفية، إلى جانب الشيء ذاته مع دول الجوار، وشعوب العالم، مشددًا على أن الانحدار الحقوقي في المملكة بدأ منذ تولي الملك سلمان الحكم، وازداد بتولي نجله محمد ولاية العهد.