ترجمة وتحرير: نون بوست
تُعتبر هذه الانتخابات أهم انتخابات عامة منذ أكثر من قرن، لأن النتيجة ستحدد مصير المملكة المتحدة على مدى عقود قادمة. ولم يتبقى سوى ستة أسابيع فقط قبل أن يلتحق الشعب البريطاني بمكاتب الاقتراع في 12 كانون الأول/ ديسمبر. ويعني فوز حزب المحافظين، الذي يترأسه بوريس جونسون، أن بريطانيا ستترك الاتحاد الأوروبي في غضون أشهر لتبتعد بذلك عن أوروبا وتتجه نحو الولايات المتحدة. في المقابل، قد تنهار المملكة المتحدة في الوقت الذي تتصاعد فيه الضغوط من أجل توحيد أيرلندا وتحقيق استقلال إسكتلندا.
إعادة التفاوض حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
على العكس تماما، وعد زعيم حزب العمال البريطاني جيرمي كوربين بإعادة التفاوض حول صفقة “أكثر ليونة” مع أوروبا وتحديد النتيجة باستفتاء. لكن تأثيره سيظهر على مستويات أخرى باعتبار أنه سيؤثر على أهم التغييرات الدرامية التي طرأت على السياسة الاقتصادية البريطانية منذ فترة مارغريت ثاتشر قبل 40 سنة، التي قادت بريطانيا والعالم نحو النيوليبرالية.
يسعى كوربين لعكس توجهات ثاتشر، حيث تعهد بإعادة الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والديمقراطية التي تخللت جزءا كبيرا من أوروبا الغربية في الفترة التي كان فيها اشتراكيا شابا. سيشمل ذلك الاستيلاء على ما يقارب 10 بالمئة من أسهم الشركات الكبرى ومنحها للعمال، فضلا عن إعادة تأميم الصناعات الرئيسية. وتجدر الإشارة إلى أن بعض سياساته مثل إعادة تأميم السكك الحديدية تحظى بشعبية كبيرة لا يدركها النقاد.
فرص فوز كوربين في الواقع ضئيلة للغاية، فالفارق بين حزب العمال الذي يشهد انقسامات وحزب المحافظين في معظم استطلاعات الرأي يقارب 10 نقاط
من جهة أخرى، لا يعتنق كوربين الشيوعية كما يؤكد أعداؤه وإنما يَعد بكل تأكيد بإعادة توزيع الثروة من الأغنياء إلى الفقراء، ومن صاحب العمل إلى الموظف. كما يعِد بتحقيق تغيير جذري في نمط السياسة الخارجية البريطانية من خلال إعادة النظر في التحالف طويل الأمد مع الولايات المتحدة.
لكن فرص فوز كوربين في الواقع ضئيلة للغاية، فالفارق بين حزب العمال الذي يشهد انقسامات وحزب المحافظين في معظم استطلاعات الرأي يقارب 10 نقاط. يعني ذلك أنه من المحتمل أن يكسب جونسون الأغلبية المطلقة، ليحتل السلطة لمدة خمس سنوات – ما يعطيه التفويض الذي يتوق إليه لإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
التصويت التكتيكي
مع ذلك، إن عامل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يجعل هذه الانتخابات صعبة التنبؤ. ومن المرجح أن يصوت البعض لأسباب تكتيكية حتى تتسنى لهم الفرصة لتحقيق النتائج التي يحبذونها. في الواقع، إن الانتماءات الحزبية رخوة ويجري إعادة تشكيل السياسة البريطانية أمام أعيننا.
من الواضح أن الديمقراطيين الأحرار متأكدون من تحقيقهم لأداء قوي بصفتهم حزبا سياسيا صامدا بشكل قاطع. ومن المتوقع أن يستولي الحزب القومي الإسكتلندي على مقاعد حزب المحافظين شمال الحدود. ويعتقد كبير منظمي استطلاعات الرأي في بريطانيا، جون كورتيس، أن “التنبؤ الأكثر صحة” هو أن نواب البرلمان غير المنتمين لحزب المحافظين وحزب العمال سيحققون رقما قياسيا في الانتخابات.
زعيم حزب العمال البريطاني جيرمي كوربين يقوم بحملته في لندن في 31 تشرين الأول/ أكتوبر.
أمام هذا القدر الكبير من المخاطر، أخشى أننا نواجه أكثر الحملات شراسة في التاريخ الحديث. يبدو أن أجزاءً كبيرة من حزب المحافظين سقطت في أيدي حملة التصويت للمغادرة، التي ضللت الرأي العام البريطاني وخرقت القانون الانتخابي في سنة 2016. ادعت الحملة بشكل واضح أن المملكة المتحدة تقدم 350 مليون جنيه إسترليني (453 مليون دولار) للاتحاد الأوروبي في الأسبوع، بينما يُقدر الرقم الحقيقي بعد أخذ الخصم في الاعتبار بما يقارب 267 مليون جنيه إسترليني في الأسبوع.
الورقة المعادية للمسلمين
جاءت كذبة أخرى في شكل ملصق كتب عليه: “تركيا البالغ عدد سكانها 76 مليون نسمة تنضم إلى الاتحاد الأوروبي”. بعد ثلاث سنوات، لم تنضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ومن غير الواضح أنها تتطلع إلى ذلك. وقد فُرضت غرامة على الحملة بمبلغ 61 ألف جنيه إسترليني (79 ألف دولار) من قبل اللجنة الانتخابية بسبب انتهاكها حدود الإنفاق. ومن المتوقع أن تحصل المزيد من الأحداث المشابهة. سيوصف كوربين على أنه معاد لليهود وماركسي عازم على تدمير بريطانيا.
بالعودة إلى التاريخ، قد يلعب حزب المحافظين الورقة المعادية للمسلمين مستغلاً مخاوف المسلمين والهجرة الجماعية للفوز بالأصوات. وُجَد دليل مبكر على ذلك في طبعة حديثة من مجلة “ذا سبيكتاتور”، التي نشرت مقالاً للكاتب رود ليدل المعروف بتعصبه يدعو فيه إلى حرمان المسلمين من فرصة التصويت.
سيقدم حزب المحافظين نفسه كحزب وسطي معتدل مقارنة بحزب العمال اليساري المتطرف. في الحقيقة، هذا أمر مضلل. ففي عهد جونسون، حوّل حزب المحافظين نفسه إلى شيء قريب بشكل غير مريح من الحزب القومي الإنجليزي، حيث أطلق سلسلة من الهجمات البشعة على الديمقراطية البرلمانية وسيادة القانون.
المعارضة المقسمة
هذا هو أحد الأسباب وراء توقعنا رحيل العديد من المحافظين التقليديين، بما في ذلك آمبر رود، كينيث كلارك، روري ستيوارت، فيليب هاموند، دومينيك جريف، أوليفر ليتوين، وجستن جريننج والمزيد. انتهى عهد حزب الأمة الواحدة المحافظ وفاز أقصى اليمين في معركة المحافظين الداخلية. هل بإمكانها الفوز بالانتخابات الآن؟ توحي المؤشرات بإمكانية حدوث ذلك.
يعود ذلك جزئيا إلى أن المعارضة منقسمة وتتمثل أفضل طريقة لمحاربة حزب المحافظين بزعامة جونسون في عقد اتفاق انتخابي بين حزب العمال والديمقراطيين الأحرار. لن يشجع أي من كوربين أو زعيمة الديمقراطيين الأحرار جو سوينسون مثل هذا الترتيب. في هذه الأثناء، يواجه جونسون تهديده الخاص من قبل الحزب الذي يؤيد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي واليمين. هذه أوقات مقلقة وخطيرة ولكن بريطانيا تزخر بتاريخ رائع من الديمقراطية والحرية والكرامة والتسامح ودعم المستضعفين. لقد حان الوقت للاستفادة من ذلك.
المصدر: ميدل إيست آي