هل تذكرون؟ مشاهد من ذاكرة الثورة السورية

قبل أربعة عشر عامًا من اليوم، كنا على موعد مع الثورة، موعد مع استرداد أصواتنا، لم نكن نعلم أن الطريق سيكون طويلًا، وأن عبوره سيكلفنا هذا القدر المهول من الدماء والدمار والغربة والشتات، ولكننا كنا نعرف أننا نمتلك شيئًا لا يمكن أن يُسلب منا: الحق في المحاولة والرغبة في الحياة.
ثم جاء اقتحام بابا عمرو، اللحظة التي وضعتنا أمام اختبار الصمود الحقيقي، تحت القصف المتواصل، وبين الأنقاض التي تضيق بأهلها، فصمدنا حين سقطت الجدران، لأن الإرادة بقيت واقفة حتى وصل صدى أصواتنا إلى ساحات كفرنبل، التي رفعتنا حين كُتمت أصواتنا، وكتبت الحقيقة حين ساد التزييف، وخطّ شبابها ذاكرة الثورة في مواجهة التخوين والتهجير، فصارت لافتاتها شهادة للثورة، تقرأها العيون وتهتف بها القلوب.
اليوم، ونحن نحيي ذكرى انطلاق ثورتنا، نتذكر تلك اللحظات الخالدة التي صنعت تاريخنا، والتي لن تمحوها الأيام. ورغم كل ما خسرناه، يبقى لدينا هذا الشعور العميق بالفخر والكرامة، لأننا قاومنا، لأننا ثرنا، ولأننا كنا أبطال الثورة السورية، أبطال حلم لم ينته بعد، رغم سقوط بشار الأسد ونظامه.
“هل تذكرون…؟” نسترجع هنا لحظات عظيمة، مفرحة أو مفجعة، شكلت فصولًا من أعظم الثورات في تاريخ سوريا.
جمعة الكرامة
تعد جمعة الكرامة في 18 آذار/مارس 2011 أول وأهم أحداث الثورة السورية في أنحاء البلاد. وقد مثلت هذه الجمعة مرحلة مفصلية في الاحتجاجات الشعبية ضد النظام السوري، حيث خرج الآلاف في عدة مدن سورية (دمشق ودرعا وبانياس وحمص وغيرها) في مظاهرات تطالب بالإصلاحات السياسية والإفراج عن المعتقلين، لا سيما بعد اعتقال الأطفال في درعا بتهم. حيث تحولت الاحتجاجات السلمية إلى حركة شعبية واسعة ضد النظام.
أضخم اعتصام سلمي
في نيسان/أبريل 2011، شهدت مدينة حماة أضخم اعتصام سلمي في تاريخ الثورة السورية. جاء هذا الاعتصام بعد أسابيع من القمع الوحشي للمظاهرات في مختلف المدن السورية، ليؤكد مطالب الشعب بالحرية والديمقراطية، حيث تجمع الآلاف في ساحة العاصي مرددين شعارات تطالب بإسقاط النظام، ونددوا بانتهاكات حقوق الإنسان، ورغم سلمية الاعتصام، قوبل بالقمع العنيف من قوات الأمن، مما أسفر عن مقتل العديد من المحتجين.
حصار بابا عمرو
في شباط/ فبراير 2012، بدأ حصار بابا عمرو في مدينة حمص، بعد أن كانت المنطقة مركزًا للاحتجاجات ضد النظام السوري. تعرضت المنطقة لقصف مكثف من قبل قوات النظام، مما أسفر عن تدمير واسع للبنية التحتية. استخدم النظام أساليب قاسية مثل القصف المدفعي والصاروخي، مع قطع الإمدادات عن المدنيين، مما حول المنطقة إلى ساحة معاناة إنسانية، استمر الحصار أكثر من شهر، قبل أن تتمكن قوات النظام من السيطرة على الحي في آذار/ مارس 2012، ولكن ذلك كان على حساب سقوط مئات الضحايا.
مظاهرة جامعة حلب
بالتوازي مع ازدياد وتيرة المظاهرات في أنحاء سوريا، خرج طلاب جامعة حلب في مظاهرات ضخمة بشكل شبه يومي كان أكبرها ضمن “إشراب الكرامة بتاريخ 13 ديسمبر عام 2011، حيث خرج الطلاب في ساحة الجامعة مطالبين بالإصلاحات السياسية وحرية التعبير. كان هذا الاحتجاج ردًا على القمع العنيف في درعا ومدن أخرى، وكان الطلاب يرفعون شعارات تطالب بإنهاء الفساد ورفع القمع عن الشعب السوري. في وقت لاحق، قوبلت المظاهرة بالقمع، ولكنها شكلت بداية لحركة طلابية كانت تشهدها العديد من الجامعات السورية.
“هي مشان الحرية”
في هذا الفيديو الشهير، يظهر عدد من عناصر الجيش السوري وهم يدوسون على متظاهرين بينما يهتفون “بدكن حرية؟”، ما أثار الكثير من مشاعر الغضب. كان هذا الفيديو جزءًا من سلسلة مقاطع وثقت القمع الوحشي من النظام تجاه المتظاهرين السلميين، مما ساهم في زيادة الدعم الدولي للثوار وإبراز وحشية النظام.
https://x.com/ahmadal_shame/status/1326261842289758217
انشقاق الهرموش
في حزيران/ يوليو 2011، أعلن العقيد حسين الهرموش انشقاقه عن الجيش السوري ليصبح أحد أول الضباط الذين ينضمون للثوار.
الهرموش، الذي كان يشغل منصب قائد وحدة في الجيش، قرر الانشقاق بعد مشاهدته للوحشية التي مارسها النظام ضد المتظاهرين السلميين. أصبح الهرموش رمزًا للمعارضة العسكرية بعد انشقاقه، وأسس حركة الضباط الأحرار، من أجل حماية المدنيين من هجمات نظام الأسد.
يا فتية الشام للعلياء ثورتكم
جسد هذا الفيديو الشهير في مدينة دوما روح الثورة السورية بشكل مؤثر، حيث يظهر رجل مسن وهو يهتف بقصيدة “يا فتية الشام للعلياء، صورتكم علمتم الناس في الثورات ما الجود”. كانت دوما إحدى المدن الأولى التي انتفضت ضد النظام، وشهدت العديد من المظاهرات السلمية في بداية الثورة.
“حرة بنت حرة”
في 13 نيسان/ أبريل 2011 ألهمت هذه السيدة السورية من مدينة بانياس العالم بمناشدتها ضمائر العالم للتحرك وإيقاف بطش قوات نظام الأسد بحق سكان المدينة وقراها التي خرجت مطالبة بإسقاط النظام، بعد أن قالت جملتها الشهيرة “انا من بانياس الحرة، حرة بنت حرة، وأهل مدينتي محاصرين”.
تحرير أول مدينة
في 4 آذار/مارس 2013، تمكن الثوار من السيطرة على مدينة الرقة، ليكون أول مركز محافظة يخرج عن سيطرة النظام. تمثل هذه اللحظة تطورًا كبيرًا في مسار الثورة السورية، حيث أظهرت قدرة الثوار على تحرير المدن الكبرى، ما أعطى الأمل في تحقيق مزيد من الانتصارات.
مجزرة الكيماوي
في 21 آذار/ أغسطس 2013، قصف النظام السوري الغوطة الشرقية والغربية في ريف دمشق باستخدام السلاح الكيماوي. أسفر الهجوم عن مقتل 1144 شخصًا، غالبيتهم الساحقة مدنيون بينهم أطفال ونساء، وأصاب الآلاف بحالات اختناق. كان هذا الهجوم أكبر هجوم كيماوي في العصر الحديث، وزاد من تداعيات الأزمة السورية على الصعيد الدولي.
تحرير إدلب
في آذار/ مارس 2015، شن الثوار حملة واسعة لتحرير مدينة إدلب في شمال سوريا، ونجحوا في السيطرة عليها بعد خمسة أيام من المعارك الشرسة. كانت السيطرة على إدلب بمثابة بارقة أمل جديدة لفصائل الثورة، رغم التدخلات الدولية التي حالت دون تحقيق المزيد من الانتصارات.
لوحات كفرنبل
في مدينة كفرنبل في ريف إدلب، كانت لوحات كفرنبل تمثل شكلًا مبتكرًا من المقاومة السلمية ضد النظام السوري.
بدأت هذه اللوحات في 2011 كوسيلة للتعبير الفني، حيث حملت رسائل سياسية ساخرة وجرأة في انتقاد النظام، مما جعلها رمزًا للمقاومة الثقافية في الثورة السورية.
حصار مضايا
في تموز/ يونيو 2015، بدأت ميليشيات “حزب الله” بالتعاون مع قوات النظام بفرض حصار خانق على بلدة مضايا بريف دمشق. استمر الحصار لمدة عامين، مما أدى إلى أزمة إنسانية حادة، حيث توفي العديد من المدنيين بسبب الجوع ونقص المواد الأساسية، انتهى الحصار باتفاق تهجير ديموغرافي في نيسان/ أبريل 2017.
انتفاضة السويداء
في آب/ أغسطس 2023، انفجرت السويداء في مظاهرات حاشدة بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة في مناطق سيطرة النظام.
تفجرت الاحتجاجات بعد زيادة الرواتب بنسبة 100% وارتفاع أسعار الوقود بنسبة 200%، مما دفع السكان للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية، حيث شهدت هذه المظاهرات تصاعدًا كبيرًا وتحولت من مطالب معيشية إلى الدعوة لإسقاط النظام.
حجي مارع راح!
عبد القادر الصالح، المعروف بـ حجي مارع، أحد أبرز القادة العسكريين. قاد لواء التوحيد في تحرير ريف حلب الشمالي والأحياء الشرقية والغربية من مدينة حلب، وعُرف بكاريزمته ومواقفه المعتدلة التي ساعدت في توحيد صفوف الثوار. في عام 2013، وضع نظام الأسد مكافأة قدرها 200 ألف دولار لمن يقتله أو يعتقله. في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، أصيب حجي مارع بجروح بالغة جراء قصف جوي من طيران النظام أثناء اجتماع لقادة لواء التوحيد في مدرسة المشاة بحلب. بعد استشهاده، ظهرت أغانٍ ثورية بعنوان “حجي مارع راح”، ليظل رمزًا للمقاومة السورية.
غرق إيلان
إيلان الكردي، الطفل السوري الذي لم يتجاوز الثالثة من العمر، غرق في 2 أيلول/ سبتمبر 2015 أثناء محاولته مع عائلته الهجرة إلى اليونان عبر قارب صغير انطلق من سواحل تركيا. بعد انقلاب القارب في البحر المتوسط، انزلق إيلان من يد والده وغرق، بينما توفيت معه والدته وأخوه في حادث مأساوي، صدمت صورته على الشاطئ التركي ضمير العالم، وأصبحت رمزًا لمعاناة اللاجئين السوريين.
تهجير حلب
كان تهجير مدينة حلب في 2016 واحدًا من أسوأ الفصول في الكارثة الإنسانية التي عاشها الشعب السوري. بعد حصار طويل دام لأشهر، شنت قوات النظام حملة عسكرية شرسة لاستعادة المدينة، التي كانت تمثل رمزًا للثورة السورية. شمل الهجوم قصفًا مكثفًا وتدميرًا واسعًا للبنية التحتية، مما أجبر آلاف المدنيين على ترك منازلهم. تم نقل العديد منهم عبر حافلات إلى مناطق تسيطر عليها المعارضة أو إلى مناطق أخرى في شمال سوريا.
أخيرًا.. هذا ليس سردًا لأهم أحداث الثورة السورية ولا أبرز محطاتها، بل مجرد تذكير بمشاهد ومحطات منها، عشناها معًا، وتمثل ذاكرة جماعية لأبناء جيلنا.