أعلنت الخارجية الإيرانية إرسال النص المقترح الخاص بمبادرة “هرمز للسلام” الذي طرحه الرئيس حسن روحاني في الأمم المتحدة لأمن المنطقة إلى دول مجلس التعاون الخليجي والعراق، معتبرة أن هذه الخطوة دليل على الأهمية التي توليها للدول الإقليمية لترسيخ الاستقرار.
وتعد هذه الخطوة الأولى من نوعها بعد انقطاع العلاقات على خلفية تبادل الاتهامات بشأن استهداف ناقلات النفط في الخليج العربي والمنشآت النفطية داخل المملكة، فيما أوضح المتحدث باسم وزارة خارجية إيران عباس موسوي، أن روحاني وجه رسائل منفصلة للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، بشأن تلك المبادرة.
وفي رد على سؤال وجهه الصحفيون لموسوي أكد أن الرئيس الإيراني دعا في رسالته إلى تشريك المساعي بين الجميع من أجل بحثها وتنفيذها، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية “فارس“، منوهًا أن هذا الأمر يثبت جدية مساعي طهران لتوفير الأمن في المنطقة، لافتًا إلى أن وزير الخارجية محمد جواد ظريف سيرسل قريبًا رسالة في هذا المجال إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة.
ويأتي هذا التحرك استكمالاً لدعوة ظريف نهاية أكتوبر الماضي لتلك المبادرة، وذلك على هامش لقاء لمجموعة العمل الرئيسية لمؤتمر ميونيخ، الذي كشف أنها تقوم على أربعة مبادئ رئيسية هي: عدم التدخل في شؤون الغير وعدم الاعتداء والالتزام بأمن الطاقة والاحتكام إلى القانون الدولي.
وكان الرئيس الإيراني قد كشف خلال كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، في سبتمبر/أيلول الماضي، عن مشروع “هرمز للسلام” لتأمين الملاحة البحرية في الخليج ومضيق هرمز من خلال مشاركة كل دول الساحل، بعد الهجمات والتفجيرات التي استهدفت ناقلات النفط في المياه الخليجية، حيث وُجّهت اتهامات إلى طهران بالوقوف وراءها، لكنها نفت ذلك.
في الوقت الذي توقع فيه النائب الأول للرئيس الإيراني، أن تحظى المبادرة بدعم من المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية، فضلاً عن قبول الخليج، استبعدت مصادر أخرى هذا الاحتمال
دلالة التوقيت
جاء الإعلان الإيراني عن المبادرة بعد يومين فقط من فرض واشنطن عقوبات على طهران، بحسب وزارة الخارجية الأمريكية التي قالت إن أمريكا اتفقت مع ست دول خليجية على فرض عقوبات بشكل مشترك على 25 شركة وبنكًا وشخصًا لهم صلة بدعم إيران لشبكات متشددة بما في ذلك جماعة “حزب الله” اللبنانية.
وفي الإطار ذاته أعلنت الدول الأعضاء في (مركز استهداف تمويل الإرهاب)، الذي يضم أيضًا البحرين والكويت وسلطنة عمان وقطر والسعودية والإمارات، الأهداف التي تستهدفها العقوبات تزامنًا مع جولة لوزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين بالشرق الأوسط للانتهاء من تفاصيل خطة للتنمية الاقتصادية من أجل الفلسطينيين والأردن ومصر ولبنان.
بدوره قال منوتشين في بيان لوزارة الخزانة: “تحرك مركز استهداف تمويل الإرهاب يتزامن مع جولتي بالشرق الأوسط حيث ألتقي بنظرائي في أنحاء المنطقة لدعم الحرب على تمويل الإرهاب”، لافتًا في تصريحات له، الإثنين الماضي، إن بلاده ستصعد الضغوط الاقتصادية على إيران بسبب برنامجها النووي، مصرحًا بهذا التعهد خلال جولته التي شملت زيارة “إسرائيل” والسعودية.
وتأتي العقوبات الأمريكية التي فرضتها الولايات المتحدة على الإيرانيين في أعقاب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي المبرم مع إيران في 2015، الذي صعد من وتيرة التوتر بين الجانبين خاصة بعد الاتهامات الموجهة لطهران بالضلوع خلف استهداف الناقلات البحرية في الخليج.
من ناحية أخرى، يأتي هذا التحرك في وقت يجري فيه رئيس وزراء باكستان عمران خان وساطة لحلّ الخلافات بين الرياض وطهران، حيث قام، خلال الشهر الماضي، بزيارتين إليهما، معلنًا أنه يحمل “مبادرة شخصية” لحلّ الخلافات بين إيران والسعودية، نافيًا أن يكون أحد قد طلب منه الوساطة.
خان في تصريحات سابقة له قال إن السبب الرئيس لزيارته الإقليمية هو منع وقوع حرب جديدة في المنطقة، معربًا عن أمله في أن تستضيف إسلام أباد حوارًا بين الرياض وطهران خلال المرحلة المقبلة، وهي الجهود التي رحب بها الرئيس الإيراني حسن روحاني.
حماية المضيق حق سيادي لإيران
يعد تأمين مضيق هرمز مسألة جدلية بين إيران من جانب وأمريكا وحلفائها من جانب آخر، إذ اعتبر إسحاق جهانغيري، النائب الأول للرئيس الإيراني، أن “طهران تعتبر حماية مضيق هرمز أحد حقوقها السيادية، الذي يعد من أهم الممرات المائية المهمة والإستراتيجية في العالم لتجارة النفط”.
جهانغيري، في كلمة له خلال المشاركة في اجتماعات منظمة شنغهاي للتعاون في طشقند عاصمة أوزبكستان، أمس السبت، قال: “ينبغي على جميع البلدان الامتناع عن العمل الانفرادي على أساس مسؤوليتها عن صون السلام والأمن والنظام الدولي”، وذلك حسب وكالة الأنباء الإيرانية “إرنا”.
هدف طهران من مبادرتها لتحقيق السلام في مضيق هرمز، يرجع إلى رغبتها في التخلص من السياسية الأمريكية التي تستهدف تهميش دورها في المنطقة بحكم أنها الدولة الوحيدة المشرفة استخبارتيًا وسياسيًا وعسكريًا على مضيق هرمز
وأضاف النائب الأول للرئيس الإيراني أن بلاده “تعتبر أي تدابير ضرورية لحماية أمن مضيق هرمز وحماية حدودها المائية كحقوق سيادية”، مشيرًا إلى أن طهران تشدد على الأمن البحري كمبدأ معترف به في القانون الدولي، معتبرًا أن المبادرة – هرمز للسلام – فرصة لتحقيق سلام دائم وتعاون وشراكة بين دول المنطقة، بما يضمن أمن نقل الطاقة والشحن والتبادل التجاري العالمي مع المنطقة”.
هل يقبل الخليج؟
في الوقت الذي توقع فيه النائب الأول للرئيس الإيراني، أن تحظى المبادرة بدعم من المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية، فضلاً عن قبول دول الخليج، استبعدت مصادر أخرى هذا الاحتمال، كاشفة أن الفجوة بين طهران ودول المنطقة تتسع يومًا تلو الآخر جراء المستجدات الأخيرة.
خبراء أشاروا إلى أن الهدف الرئيسي من إعلان المبادرة مغازلة واضحة للخليج وتقديم صورة عالمية جيدة عن مساعي السلام الإيرانية بما يساهم في تخفيف حدة الضغوط الممارسة علي طهران من جانب، ويعزز من موقفها بشأن رغبتها في الاندماج مع تحالفات إقليمية لحفظ الاستقرار في المنطقة من جانب آخر.
وفي السياق ذاته أرجع رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، محمد محسن أبو النور، هدف طهران من مبادرتها لتحقيق السلام في مضيق هرمز، إلى رغبتها في التخلص من السياسية الأمريكية التي تستهدف تهميش دورها في المنطقة بحكم أنها الدولة الوحيدة المشرفة استخبارتيًا وسياسيًا وعسكريًا على مضيق هرمز.
وأضاف “أبو النور” في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الروسية “سبوتنيك” “ليس من المنطقي أن تتشكل تحالفات بالمنطقة ليس من بينها إيران”، مشيرًا إلى أن المبادرة تهدف أيضًا لتوصيل رسالة للمجتمع الدولي مفادها أن إيران ليست مهمشة، ولا تزال موجودة في قلب الأحداث، لذا طرحت وزارة الخارجية المبادرة رسميًا اليوم وأرسلتها للدول المعنية.
أما فيما يتعلق برد فعل الحكومات الخليجية على تلك المبادرة، استبعد أبو النور موافقة تلك الدول على هذه الخطوة، موضحًا أن “إيران منخرطة في ساحات صراع كثيرة مع تلك الدول التي تعتبرها بدورها مزعزعة للاستقرار، وأنه من غير المنطقي أن تنضم معها في تحالف”.