لا شك أن كوريا الجنوبية دولة متقدمة، يعيش معظم سكانها في رفاهية، حتى إن كانت زائفة للبعض، لكن مما لا شك فيه أيضًا أن العديد من الأشخاص هناك يعانون ويكافحون من أجل توفير احتياجاتهم للأساسية، خصوصًا كبار السن الذين يعيش أكثر من نصفهم حالة شديدة من الفقر.
بالطبع يوجد في كوريا الجنوبية نظام رعاية اجتماعية واسع النطاق يشمل المعاشات والتأمين الصحي وتأمين ضد الحوادث وضد البطالة أيضًا، وتوفر الحكومة كذلك لأصحاب الدخل المنخفض مساعدات عامة على غرار تعويض نقدي متعلق بالصحة ودعم مادي لتعليم الأطفال، لكن التغييرات السياسية تؤثر سلبًا على تلك الأموال التي تكون من حق الفقراء.
أحد أهم مشكلات كوريا الجنوبية أن عددًا كبيرًا من كبار السن فقراء، وذلك لأنهم أنفقوا كل ما يملكون على أولادهم، سواء من أجل تعليمهم أم نقلهم لمسكن أفضل كأن يظلوا هم في الريف ويدفعونهم للانتقال إلى العاصمة “سيول”، لكن من يذهب إلى هناك ترهقه الحياة الباهظة، لذلك نادرًا ما يعود أحد أولئك الأطفال من أجل ذويهم من جديد.
أيضًا هناك مشكلة كبيرة في كوريا الجنوبية وهي أن نسبة كبيرة من المجتمع تقترض أموالًا من أجل إرسال أولادهم للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية، وأيضًا كما ذكرت سابقًا نسبة كبيرة منهم ينطلقون للحياة ويمتصون كل أموال عائلاتهم وهم يمرحون في الخارج.
بعد سن الستين يُلزم كل شخص في كوريا الجنوبية بالتقاعد، لذلك المعاشات التي توفرها لهم الدولة لا تكون كافية لإعالتهم، وقد أنفقوا كل مدخراتهم من أجل أولادهم.
النظرة الدونية للفقراء في المجتمع
ليس المجتمع الكوري وحده الذي ينظر بدونية إلى الطبقة الفقيرة، فكثير من المجتمعات تتشارك معه هذه الصفة، لكن الكوريين يركزون دائمًا في أعمالهم السينمائية أو التليفزيونية على تفاوت الطبقات، وكيفية معاملة الأغنياء للفقراء مما يجعل كل عائلة غنية في كوريا الجنوبية مجرد حفنة من الأوغاد الذين يتنمرون على الآخرين ويلقون أكواب المياه في وجوههم أو يسلمونهم ظرفًا مليئًا بالأموال بشكل مهين فقط من أجل الاختفاء من حياة ابنهم أو ابنتهم، لكن هذا لم يحدث في فيلم “باراسيت” Parasite أو “طفيلي”.
طفيلي
يحكي الفيلم عن عائلتين تشبهان بعضهما البعض، كل عائلة منهما متماثلة، لكن كل عائلة تعيش حياة مختلفة، فالعائلة الغنية تعيش في ترف وأخرى فقيرة تقتات على طي علب البيتزا، وتعيش تلك العائلة في قبو مقرف مليء بالحشرات والطفيليات.
يتغير كل شيء عندما يعرض صديق لابن تلك العائلة الفقيرة وظيفة معلم لغة إنجليزية لدى ابنة العائلة الغنية، يقبل الفتى الوظيفة ويدعي أنه خريج إحدى الجامعات المرموقة ويتمكن شيئًا فشيئًا من جعل عائلته جميعها تُوَظَّف في البيت نفسه، طاردًا بعض الموظفين من ذلك المنزل عن طريق الخديعة.
فوالده يعمل سائقًا للعائلة وأمه تعمل خادمةً، بينما أخته تدعي أنها تعالج الأمراض النفسية عن طريق الرسم أو شيء من هذا القبيل.
نحن منذ البداية لا نتعاطف مع تلك العائلة الفقيرة، بل مع العائلة الغنية الساذجة التي سمحت لحفنة من المتطفلين باستغفالهم وسرقة أموالهم والضحك عليهم
لم تكن تلك العائلة الكورية مثل ما نراه في الأفلام عادة لدى الكوريين، فنحن منذ البداية لا نتعاطف مع تلك العائلة الفقيرة، بل مع العائلة الغنية الساذجة التي سمحت لحفنة من المتطفلين باستغفالهم وسرقة أموالهم والضحك عليهم.
لا يكتفي رب الأسرة الفقيرة بكونه يعيش عالة على تلك العائلة، وأنه لم يكن يحلم من الأساس بأن توظف عائلته بأكملها، بل يشعر بالإساءة الشديدة عندما يستمع خلسة إلى رب عمله يخبر زوجته أن رائحة سائقه مزعجة وتشبه الفجل، ويبدأ في حمل الضغينة داخله، مما يجعل الأمر ينتهي نهاية غير متوقعة، وقد حصل الفيلم على جائزة السعفة الذهبية بمهرجان “كان” عام 2019.
لا مكان لكبار السن في كوريا الجنوبية
في كوريا الجنوبية إذا كنت كبيرًا في السن ولم تكن غنيًّا فعلى الأرجح سينتهى بك لمطاف ميتًا من الجوع أو منتحرًا أو مشردًا، فبعد تخلي الأجيال الشابة شيئًا فشيئًا عن التقاليد الكونفوشيوسية المتمثلة في رعاية كبار السن، بينما تكافح الحكومة مع ركود الاقتصاد، فإن أعدادًا كبيرةً من كبار السن في كوريا الجنوبية يقتلون أنفسهم.
هذا الأمر كان متوقعًا، فقد أصبح هيكل الأسرة الكورية أصغر، كما أصبح المجتمع أكثر فردية، وبات الاعتقاد السائد أن الاعتناء بكبار السن مسؤولية الدولة لا الأبناء، ومما يزيد الطين بلة كون بعض الشركات تُجبر الموظفين على التقاعد من سن الخمسين رغم أن سن التقاعد القانوني هو 60 عامًا!
وهو الأمر الذي عكسه فيلم “طفيلي” بشكل ما في حالة الأب والأم من الأسرة الفقيرة الذين حلّا محل السائق والخادمة، فالخادمة على سبيل المثال تعمل في هذا المنزل منذ الأزل، وما إن تركت وظيفتها لم تستطع إيجاد وظيفة أخرى، بينما السائق كان شابًا لكنه أيضًا سيواجه صعوبة في إيجاد وظيفة جديدة.
لا يوجد حل سهل للأمر، فليس الكبار فقط من يعانون في كوريا الجنوبية بل الشباب أيضًا الذين لا يستطيعون العثور على عمل، فمعدل البطالة في كوريا الجنوبية أعلى بنحو 8% من المعدل الوطني، لذلك فالأزمة مستمرة، وفي ظل تلك الأزمة كل شخص يحاول النجاة بطريقته.