يبدو أن الحديث عن مسألة فصل الدين عن الدولة بزعم لبرلة الأنظمة الحاكمة والبعد عن الثيوقراطية حديث أجوف من مضمونه، خاوٍ من كل الدلالات والمعاني على أرض الواقع، وهو ما تترجمه الأحداث التاريخية التي تكشف النقاب كل يوم عن توظيف الحكام لشتى المناسبات لترسيخ حكمهم وكسب شرعيتهم.
ويعد المولد النبوي الشريف أحد أبرز هذه المناسبات التي لجأ إليها السلاطين والملوك والأمراء ومن بعدهم الرؤساء لخدمة أهدافهم السياسية، عبر اللعب على وتر المشاعر الدينية التي كانت ولا تزال تمثل مكانة مقدسة في نفوس الغالبية العظمى من الشعوب العربية والإسلامية.
وتعد حلوى المولد واحدة من الأوراق التي لعب بها الحكام لمغازلة الشعوب عبر تلك الورقة التي ثبت مع مر التاريخ قدرتها على تحقيق أهدافها بنسبة كبيرة مقارنة بغيرها من الأوراق الأخرى، ولعل هذا ما يفسر الإبقاء عليها حتى كتابة هذه السطور رغم حزمة التطورات التي شهدها الفكر السياسي الحديث.
المفكر الكبير محمد رشيد رضا في تعليقه على التمسك بطقوس الاحتفال بالمولد والحرص على توزيع الحلوى على عامة الشعب قال إن هذه المظاهر تؤكد أن “الحدث سياسي بامتياز إذ يراد منه تحقيق الرضا الشعبي والظهور بمظهر المحب للنبي دون أن يكون في ذلك المشهد من أوله إلى آخره تعبير شرعي صحيح ومقبول عن ذلك الحب”.
وأضاف: “لو فتشنا في الأسباب فسنجد أنه نوع من الاستغلال السياسي الذي يشترك فيه الجميع، ومن هنا يلاحظ الأهمية السياسية لإبقاء هذه الاحتفالات على صورتها تلك والنفخ فيها حتى تكون أكثر زخمًا ولهوًا وإلهاءً للشعوب، والظهور بمظهر الاحتفاء بشعائر الإسلام.. وهيهات”.
طقوس فاطمية
العلامة المحقق حسن السندوبي في كتابه “تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي من عصر الإسلام الأول إلى عصر فاروق الأول” أشار إلى أنه رغم تعدد الروايات التاريخية بشأن تأريخ الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم فإن الفاطميين على أرجح الأقوال أوّل من احتفلوا بهذه الذكرى، كما احتفلوا بغيره من الموالد الدورية التي عُدت من مواسمها.
رغم إلغاء تلك الموالد ومن بينها المولد النبوي فإن حلوى المولد ظلت سمة اجتماعية في العصر الفاطمي والعصور التي تليه
غير أنه في عام 488هـ وفي ظل خلافة المستعلي بالله في مصر، أمر الأفضل ابن أمير الجيوش آنذاك، بدر الجمالي، بإلغاء كل الموالد التي كانت تعد أربعة في هذا الوقت وهي: المولد النبوي ومولد الإمام علي ومولد السيدة فاطمة الزهراء ومولد الإمام الفاطمي الحاضر.
ورغم إلغاء تلك الموالد ومن بينها المولد النبوي فإن حلوى المولد ظلت سمة اجتماعية في العصر الفاطمي والعصور التي تليه، إذ ظلت لعقود طويلة تنحصر مظاهر الاحتفال في عمل الحلوى لا سيما (العروسة والحصان) وتوزيعها على عامة الشعب، فيما تمثل الاحتفال الرسمي في موكب قاضي القضاة حيث تُحمل صواني الحلوى، ويتجه الجميع إلى الجامع الأزهر، ثم إلى قصر الخليفة حيث تلقى الخطب، ثم يُدعى للخليفة، ويرجع الجميع إلى دورهم، أما الاحتفالات التي كانت تلقى معظم الاهتمام فكانت للأعياد الشيعية”.
ويشار تاريخيًا إلى أن أول احتفال بالمولد بشكل منظم وتوزيع الحلوى بصورة رسمية كان في عهد السلطان صلاح الدين، الملك مظفر الدين كوكبوري، إذ كان يحتفل به احتفالاً كبيرًا في كل سنة، وكان يصرف في الاحتفال الأموال الكثيرة والخيرات الكبيرة، حتى بلغت ثلاثمئة ألف دينار، وذلك كل سنة.
في هذا العهد كان يشارك في الاحتفال فقهاء وشعراء ووعاظ من المدن القريبة من المحروسة، في مقدمتها بغداد التي كانت تشتهر في هذا التوقيت بثراء أدبها وشهرة علمائها، ونتيجة للاختلاف في تحديد يوم مولد النبي تحديدًا، كان يحتفل به في وقتين مختلفين، في 8 من ربيع الأول في عام، وفي 12 من ربيع الأول في العام الآخر، وهكذا.
ومنذ الوهلة الأولى تحولت حلوى المولد إلى إحدى الأدوات السياسية التي أضفت بريقًا على شرعية الحكام، وكانت عاملاً مؤثرًا في تخدير الشعوب والسيطرة عليهم
ظلت الحلوى الطقس الأبرز في قائمة طقوس ومظاهر الاحتفال بالمولد، ليس في مصر وحدها، بل في العديد من الدول المجاورة لا سيما دول الشام، وتنوعت صناعة الحلوى والتفنن فيها مع مرور الوقت، حتى باتت اليوم رقمًا كبيرًا في اقتصاديات تلك الدول في هذا التوقيت من كل عام، يعمل به آلاف العمال والموظفين.
ومنذ الوهلة الأولى تحولت حلوى المولد إلى إحدى الأدوات السياسية التي أضفت بريقًا على شرعية الحكام، وكانت عاملاً مؤثرًا في تخدير الشعوب والسيطرة عليهم، وإشغالهم عن تنحية شرع الله عن الحكم والمطالبة به، فكيف وظفت الأنظمة الحاكمة في المراحل التاريخية المختلفة هذه الأداة لترسيخ أركان حكمها؟
الفاطميون البداية
استقرت معظم الروايات التاريخية على أن الفاطميين أول من احتفلوا بالمولد النبوي في مصر، حيث كانوا ينفقون ببذخ على مظاهر الاحتفال ويهدون الرعية الكثير من الحلوى واللحوم في هذا اليوم، وذلك لضمان ولائهم خاصة أن البعض كان ينظر إليهم على أنهم دخلاء على الأرض.
أوضح المتخصص في التاريخ الإسلامي محمد الشريف أن الخليفة الفاطمي المعز لدين الله صاحب أول تنظيم للاحتفال بالمولد النبوي، وكان ذلك عام 362 هجريًا، وذلك بعد دخوله مصر ببضعة أشهر
ويذهب كثير من المؤرخين إلى أن الهدف من إحياء هذه الطقوس لم يكن دينيًا كما كان يروج الفاطميون والموالون لهم، بل كان هدفًا سياسيًا من الدرجة الأولى لتثبيت حكمهم والترويج لسياساتهم الجديدة، كما أكد المتخصص في التاريخ الإسلامي محمد الشريف، الباحث بالجمعية التاريخية المصرية.
الشريف لـ”نون بوست” استعرض ما ذهب إليه عدد من المؤرخين ممن أكدوا أن حلوى المولد كانت لهدف سياسي بحت، على رأسهم تقي الدين المقريزي في كتاب “المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار” وأحمد بن علي القلقشندي في كتاب “صبح الأعشا في صناعة الإنشا”.
كما أوضح المتخصص في التاريخ الإسلامي أن الخليفة الفاطمي المعز لدين الله صاحب أول تنظيم للاحتفال بالمولد النبوي، وكان ذلك عام 362 هجريًا، وذلك بعد دخوله مصر ببضعة أشهر، وكان هدفه تقريب المصريين إليه وضمان انقيادهم لحكمه وسلطته.
ومع سقوط الفاطميين، ألغى صلاح الدين الأيوبي تلك الاحتفالات خشية الترويج للمذهب الشيعي في مصر، لكنها لم تنته بالشكل الكامل، إذ ظل عدد كبير من المصريين يحرصون على إحيائها، هذا بجانب انتقالها لبعض دول الخارج كما كان في العراق واليمن والمغرب.
المستعمر على نفس المنوال
لم يقتصر استغلال الساسة للمولد النبوي على العصور الوسيطة فحسب، بل امتد أيضًا ليصل إلى العصر الحديث، إضافة إلى تجاوزه حاجز التوظيف المحلي وفقط، بل فطن المحتل إلى أهمية هذه الاحتفالات في كسب ود الشعب وضمان ولائه من خلال دغدغة مشاعره الدينية.
الاحتفال بالمولد النبوي في القاهرة
المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي في كتابه الشهير “عجائب الآثار في التراجم والأخبار” تطرق إلى استخدام الحملة الفرنسية لهذه الورقة لأبعاد سياسية، حيث أشار إلى أن القائد الفرنسي نابليون بونابرت كان يهتم بشكل خاص بتنظيم احتفال كبير يوم المولد النبوي لعلمه بأهمية هذا اليوم لدى المصريين.
وبحسب الوصف الدقيق للجبرتي في كتابه، أمر نابليون الشيخ البكري بإقامة الاحتفال بالمولد وأعطاه ثلاثمئة ريال فرنسي، وأمره بتعليق الزينات، بل وحضر الحفل بنفسه من أوله إلى آخره، ويعلق عبد الرحمن الرافعي قائلاً: “استعمل نابليون سياسة الحفلات ليجذب إليه قلوب المصريين من جهة، وليعلن نفسه في العالم الإسلامي بأنه صديق الإسلام والمسلمين”.
هذا بخلاف مشاركة نابليون وكبار القادة الفرنسيين شيوخ الأزهر في مصر في الاحتفال بالمولد النبوي وتوزيع الحلوى بأنفسهم على عامة الشعب، في رسالة واضحة ربما حققت أهدافها مبكرًا وهو ما يجسده ترحيب المصريين الكبير بالفرنسيين ولم يفطنوا مبكرًا للأهداف السياسية من وراء تلك الممارسات.
الثورة والوازع الديني
حرص الضباط الذين قاموا بحركة 23 من يوليو 1952 على استغلال الوازع الديني لدى الشعب لكسب دعمهم وتأييد حركتهم التي أطاحت بالنظام الملكي في مصر، ورغم الانتماءات السياسية المتباينة لقادة الحركة التي ربما يتعارض بعضها مع التدين من الأساس كاعتناق بعض الأفكار الشيوعية وغيرها، فإن ذلك لم يحل دون توظيف الاحتفالات الدينية في خدمة حزمة من الأهداف السياسية للضباط.
حرص عبد الناصر خلال خطبه في مثل هذه المناسبات على تأكيد دفاعه عن السنة النبوية والحرص على طقوس المولد النبوي وتعزيز الشعائر الدينية، يقينًا منه بقدسية مكانتها لدى المصريين
البداية كانت مع الاتحاد الاشتراكي الذي دشنه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كظهير سياسي له لترسيخ حكمه، حيث اعتمد على مغازلة عامة الشعب عن طريق بعض الأساليب من بينها توزيع حلوى المولد واللحوم بجانب تسليم بعض الفلاحين الأراضي الزراعية فيما عرف بقانون الإصلاح الزراعي.
كما حرص عبد الناصر خلال خطبه في مثل هذه المناسبات على تأكيد دفاعه عن السنة النبوية والحرص على طقوس المولد النبوي وتعزيز الشعائر الدينية، يقينًا منه بقدسية مكانتها لدى المصريين، وهو الأمر ذاته الذي التزم به خلفه أنور السادات، الحاكم الذي لُقب بـ”الرئيس المؤمن”.
العديد من التقارير الصحفية والإعلامية وكتب التاريخ التي وثقت فترة حكم السادات أكدت حرصه على تغذية الشعور الديني رغم سياسة الانفتاح التي كان يتبناها، وهي السياسة التي كان يراها البعض حائط صد منيع أمام الانتقادات التي كان يتعرض لها بسبب انفتاحه على الغرب.
وقد أوضحت الشهادات التي أدلى بها بعض ممن عاصروا فترة حكم السادات حرص نظامه على مشاركة الجماهير في الموالد بصفة عامة والمولد النبي على وجه الخصوص، حيث كانت تقام السهرات الدينية التي كان يحييها كبار المنشدين على نفقة الدولة، وتوزع فيها الحلوى وبعض الهدايا التي كانت تقدم باسم الرئيس المؤمن.
الحزب الوطني والحلوى
لم يختلف نظام حسني مبارك عن السادات، إذ كان الحزب الوطني المتحدث الرسمي باسم الرئيس في مثل هذه المناسبات، حيث الحرص على المشاركة المجتمعية وإحياء تلك الطقوس بصورة مكثفة وبكلفة عالية، معتمدًا في ذلك على تبرعات رجال الأعمال الطامعين في التقرب من النظام.
“في المولد النبوي من كل عام، كان الحزب يقيم مأدبة كبيرة، ويوزع علينا الحلوى وبعض الهدايا، هذا بخلاف إحياء كبار المنشدين لهذه الليلة التي كانت ولا ألف ليلة وليلة” هكذا استدعى أحمد ذكريات الاحتفال بالمولد النبوي في أحد مراكز محافظة الشرقية، لافتًا إلى أنها ذكريات لا تنسى.
أحمد في حديثه لـ”نون بوست” استعرض تجاربه الشخصية في هذه المناسبات قائلاً: “كان رجال الأعمال يتكلفون بكل شيء، سرادق ربما يغطي شارعين أو ثلاثة، منشدون كبار على شاكلة ياسين التهامي وفرحان البلبيسي، بجانب كبار الدعاة ورجال الدين أمثال الدكتور أحمد عمر هاشم، وهكذا كنا نقضي ليلة تمتد حتى مطلع الفجر”.
الأمر ذاته أكده سعد كامل الصحفي بصعيد مصر الذي أوضح أن الحزب الوطني كان يحول هذه المناسبات إلى منصات دعائية للرئيس ونظامه، مستعرضًا إنجازاته وجهوده لخدمة المواطنين، مستغلاً في ذلك حاجة الفقراء وهم السواد الأعظم للمجتمع المصري عبر علبة حلوى أو كيلو لحم.
وأضاف الصحفي المصري أن صور مبارك ونجليه كانت تغطي علب الحلوى وجنبات سرادق الاحتفال، هذا بخلاف كلمات العلماء الأزاهرة والمنشدين التي كانت لا تخلو من الدعاء للرئيس وحاشيته، حتى تتحول المناسبة إلى تمجيد في النظام وحاشيته ومريديه.
السيسي على الخطى
الباحث الأثري سامح الزهار، خلال لقاء له بقناة “إكسترا نيوز” الإخبارية، قال إن الحكام كانوا يوزعون حلوى المولد على الشعب لأغراض غير دينية، منوهًا أن الحلوى كان لها دور سياسي واجتماعي، قبل أن تكون متعلقة بالمناسبة الدينية، لافتًا إلى أن المصريين صنعوا ما يقرب من ألف شكل مختلف من الحلوى.
لم يختلف نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي عن سابقيه في هذا المضمار، إذ قدم نفسه منذ الوهلة الأولى على أنه الرئيس المصلح المجدد الداعي لإعادة النظر في الخطاب الديني على أسس عصرية، مستنكرًا ما سماه “تشدد” بعض الأفكار التي تسيء للإسلام والمسلمين.
لم يترك السيسي أي مناسبة دينية إلا وكان له فيها حضور ومشاركة، مؤكدًا في كل كلمة يلقيها في مثل هذه المناسبات على حرصه على احترام الطقوس الدينية وتقديسها، هذا في الوقت الذي يفتح فيه الباب لمزيد من التقرب للطرق الصوفية على وجه التحديد، نظرًا لما تمثله من ثقل شعبي يمكن توظيفه سياسيًا.
ومع قدوم المولد كل عام، يحرص النظام عبر بعض حلفائه على مشاركة المصريين الاحتفال بتوزيع كراتين الحلوى، سواء كان ذلك عبر المؤسسة العسكرية أم الأحزاب الداعمة للسيسي وعلى رأسها حزب “مستقبل وطن” صاحب معركة “الكراتين” الشهيرة إبان الانتخابات الرئاسية الأخيرة وما تلاها من استفتاء على التعديلات الدستورية العام الماضي.
حزب مستقبل وطن يقيم معارض لبيع الحلوى بأسعار مخفضة
الحزب قبل أيام أعلن توزيعه مئات الكراتين من حلوى المولد على الأسر الأكثر فقرًا والمحتاجين، فى مركز أبو قرقاص بالمنيا (جنوب)، بزعم تخفيف العبء عن كاهل المواطن ومواجهة الغلاء وجشع التجار، تحت رعاية النائب علاء السبيعي أمين الحزب بالمحافظة.
وفي بعض المحافظات يستعد الحزب لتدشين بعض المؤتمرات الدينية التي يتحمل كلفتها رجال الأعمال أعضاء الحزب، حيث من المقرر أن يحصل كل مواطن يشارك فيها على علبة حلوى وبعض الكتيبات الدينية، وفق ما ذكرت مصادر لـ”نون بوست”، فيما يتوقع أن تتحول هذه المؤتمرات إلى ساحات دعم وتأييد للنظام وهجوم شديد على من يسموهم “الأشرار” كما حدث في المناسبات المختلفة السابقة.
التوظيف السياسي للمولد ومظاهره لم يقتصر على المصريين فقط، إذ شهدت بعض الدول المجاورة للمحروسة مثل هذه الظاهرة، في مقدمتها اليمن، حيث يستغل الحوثيون هذه الذكرى لتوجيه الهجوم ضد خصوم الجماعة، وما ترافق فيها من فرض إتاوات بالقوة على اليمنيين من أصحاب المحلات التجارية في المناطق الخاضعة لسيطرة مسلحي الحوثي.
ووفق ما نقلته بعض وسائل الإعلام اليمنية فقد أصدرت جماعة الحوثي تعميمًا إلزاميًا، يجبر المدارس الحكومية والأهلية، في كل مناطق سيطرتها، على ترديد أنشودة “طلع البدر علينا”، في صباح كل يوم، في الإذاعة المدرسية، قبل النشيد الوطني وتحية العلم، شريطة أن يتم ترديدها بلحنها الأصلي.
وتعليقًا على هذا الحرص الشديد من الحوثي لإحياء طقوس الاحتفال بالمولد النبوي يقول الصحفي والناشط الحقوقي اليمني محمد الأحمدي: “الميليشيا تسعى من وراء إحياء المناسبات الدينية لتحقيق عدة أهداف، فمن جهة تعمل على تمرير مشروعها الطائفي من خلال هذه المناسبات، وادعاء حقها الحصري في احتكار فهم الإسلام على أساس مزاعم صلتها بالرسول الكريم، وبناءً عليه فإن لها الحق الحصري في حكم الشعب والتسلط على رقاب الناس، وهذا جوهر المشروع الإمامي الكهنوتي، هذه الثقافة العنصرية تعمل على تمزيق النسيج الاجتماعي وفرز المجتمع على أساس من ليس معها في التسليم بهذا الادعاء فهو “منافق” ويستحق القتل والتنكيل، وهي بذلك لا تختلف عن أي جماعة تكفيرية، بل أشد”.
هذا بخلاف سعيها الدؤوب لاستمرار حشد طاقات أنصارها، مستغلة عوامل الحرب والجهل للإبقاء على المجتمع الواقع تحت سلطتها في حالة استنفار دائم لمساندة انقلابها وحروبها وجرائمها، لافتًا إلى أن “هذه واحدة من أخطر تداعيات بقاء هذه المليشيا كسلطة أمر واقع، بالإضافة إلى ذلك فهي تعمل من خلال المناسبات الدينية على فرض الإتاوات على الناس كجزء من سياسة الإفقار والتجويع وللاستفادة من هذه الإتاوات لتمويل حروبها المدمرة”.
وهكذا تحولت حلوى المولد من مجرد طقس ديني أقره الفاطميون لمغازلة المصريين إلى أداة سياسية ناجعة في أيدي الحكام لتحقيق حزمة من الأهداف التي تصب في النهاية في ترسيخ أركان حكمهم وتعزيز سلطاتهم، مستغلين في ذلك تدين المصريين وحبهم للنبي من جانب، وفقرهم الشديد من جانب آخر.