ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما قدمنا استقالتنا من إدارة بايدن بسبب سياستها الكارثية تجاه غزة، أدركنا أن الوقت قد حان الآن لإعادة تشكيل السياسات الأمريكية تجاه إسرائيل وفلسطين بحيث تتماشى بالفعل مع المصالح الأمريكية، ولهذا السبب أنشأنا منظمة “نيو بوليسي” في المقام الأول.
كنا نعلم أيضًا أننا نواجه جماعات ضغط قوية – وفي مقدمتها لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) – التي أسست لرواية راسخة في السياسة والإعلام الأمريكي لدرجة أنه أصبح من الصعب على الأمريكيين رفض فكرة أن الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل هو الأفضل للولايات المتحدة.
لكن عملنا في الحكومة وما شهدناه على مدار السبعة عشر شهرًا الماضية مع حرب الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة في غزة يخبرنا أن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل ليست مفيدة للأمريكيين والمنطقة والعالم.
لقد بدأ الأمريكيون يدركون هذه الحقيقة، لكن التغلب على نفوذ منظمات مثل أيباك – وهي مجموعة تتفوق علينا في الحجم والتأثير منذ أكثر من 40 عامًا – لا يمكن أن يبدأ إلا عندما يتم تصحيح الرواية الراسخة حول العلاقة الأمريكية الإسرائيلية، وعندما يُنزع حجاب زيف الخرافات، يبرز سؤالان: أولًا، إذا كانت تكلفة العلاقة الأمريكية مع إسرائيل أكبر من فوائدها، فكيف ينبغي لنا مراجعة تلك العلاقة؟
وثانيًا، إذا لم تكن العلاقة مع إسرائيل، بشكل عام، في مصلحة أمريكا بشكلها الحالي، فكيف يجب أن نرى منظمة لا تكتفي بنشر المعلومات المضللة في نظامنا السياسي، بل تدعم هذا التضليل بإنفاق أكثر من 100 مليون دولار على السياسيين الأمريكيين والانتخابات الأمريكيةفي الدورة الماضية فقط؟
تعرض أيباك على موقعها الإلكتروني عدة أسباب تبرر بها زعمها أن العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة “شراكة تعود بالنفع علينا”، ولكن عند فحص هذه الادعاءات، لا ينجو أي منها حتى من أبسط التقييمات، واستنادًا إلى تقييمنا الأخير بأن الدعم غير المشروط لإسرائيل لا يصب في مصلحة أمريكا، نفند فيما يلي ستة من أكبر ادعاءات أيباك:
خرافة أيباك رقم 1
العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل “تساعدنا في الحفاظ على أمننا” لأن التكنولوجيا الإسرائيلية تساعد في تأمين أمريكا، وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل يمنع التهديدات القادمة من الشرق الأوسط، وإسرائيل تردع وتهزم خصومنا المشتركين.
الحقائق
إن الاحتلال الإسرائيلي العسكري، بما في ذلك العدوان العنيف على غزة الذي أودى بحياة عشرات الآلاف من الأبرياء، هو محرك أساسي لانعدام الأمن، وهو في ذاته عامل مسبب للكثير من المخاطر التي وُجدت العلاقة الدفاعية والاستخباراتية بين الولايات المتحدة وإسرائيل للتصدي لها.
إن ارتباط الولايات المتحدة العلني بالاحتلال الإسرائيلي للشعب الفلسطيني، بما في ذلك توفير التمويل والأسلحة التي تمكنه من ذلك، يخلق تحديات للأمن القومي الأمريكي أكثر بكثير من تلك التي يحلها، وبينما ترتبط كل من الولايات المتحدة وإسرائيل بعلاقة قوية في تبادل المعلومات الاستخبارية، فإن العديد من التهديدات، إن لم يكن معظمها، التي تتصدى لها هذه العلاقة هي نتيجة لأفعال إسرائيل نفسها، والتي تولد عدم الاستقرار الإقليمي وتثير أيضًا التهديدات العالمية للولايات المتحدة، كما أفاد مدير المركز الوطني الأمريكي لمكافحة الإرهاب في عام 2024.
وفي الوقت نفسه، فإن وجود تكنولوجيا المراقبة الإسرائيلية في جميع أنحاء أمريكا – وهي تكنولوجيا تم اختبارها على سكان خاضعين للاحتلال وتم توظيفها لتمكين قتل آلاف المدنيين – يخلق إمكانية وصول دولة ثالثة إلى البنية التحتية لأمننا الداخلي، وبالتالي يشكل تهديدًا محتملًا لأمتنا بنفس الطريقة التي تشكلها تكنولوجيا جمهورية الصين الشعبية المدمجة في أنظمة تحميل الموانئ الأمريكية.
خرافة أيباك رقم 2
إن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل “تعزز قيمنا ومصالحنا” لأن إسرائيل دولة ديمقراطية تعزز “الاستقرار” في الشرق الأوسط وتخلق “سلامًا دائمًا” في المنطقة.
الحقائق
إسرائيل ليست ديمقراطية، وقد صرحت كل من منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة بتسيلم الإسرائيلية غير الحكومية بأن إسرائيل تعمل كليًا أو جزئيًا كنظام فصل عنصري. ونحن كأمريكيين نؤمن بالحرية والتحرر، وبأنه يجب معاملة جميع الناس على قدم المساواة بغض النظر عن العرق أو الدين. وهذه قيم تتعارض جوهريًا مع القيم التي تجسدها إسرائيل؛ حيث يعيش 5 ملايين فلسطيني حاليًا تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي دون الحق في التصويت، أو الإجراءات القانونية الواجبة، أو الحق في تقرير المصير بسبب هويتهم.
وعلاوة على ذلك، فإن الفكرة القائلة بأن إسرائيل تشارك الولايات المتحدة في “تعزيز الاستقرار” في الشرق الأوسط هي فكرة خاطئة يمكن دحضها بمجرد النظر إلى الصراعات المتعددة التي تخوضها إسرائيل – مع الفلسطينيين ولبنان وسوريا (التي تحتل أجزاء منها حاليًا) وإيران واليمن. وبعيدًا عن هذا الصراع المباشر، فإن مواطني دول المنطقة يرفضون بشدة تصرفات إسرائيل في غزة، وهو ما يشكل عقبة أمام أهداف الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات بين دول المنطقة وإسرائيل.
خرافة أيباك رقم 3
إسرائيل “تحمي القوات [الأمريكية]” من خلال كونها شريكًا كفؤًا يقلل من الحاجة إلى الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، وهي رائدة في بعض التقنيات الدفاعية (الدفاع الجوي، والطائرات المسيرة، والأنظمة المضادة للطائرات المسيرة)، كما أنها تساعد الولايات المتحدة في “منع وعلاج اضطراب ما بعد الصدمة لدى القوات الأمريكية”.
الحقائق
إن الحاجة إلى وجود القوات الأمريكية في الشرق الأوسط وتعرضها الأذى في الشرق الأوسط ستقل بشكل كبير إذا لم تكن الولايات المتحدة منخرطة باستمرار في الدفاع عن إسرائيل من عواقب أفعال الحكومة الإسرائيلية نفسها.
ففي العام الماضي فقط، قُتل ثلاثة جنود أمريكيين في الأردن – كانت مهمتهم تشمل اعتراض نقل الأسلحة المعدة للاستخدام ضد إسرائيل – وأصيب 30 جنديًا أمريكيًا بجروح، في حين تم استهداف العديد من السفن الأمريكية بالصواريخ أثناء تنفيذ الولايات المتحدة لضربات (لم يصرحبها الكونغرس) ضد الحوثيين، في صراع تفرع من هجمات إسرائيل المتواصلة على غزة. وبسبب قرار نشر المعدات الأمريكية للدفاع عن إسرائيل، اضطرت وزارة الدفاع الأمريكية إلى نشر قواتها في الشرق الأوسط لفترات طويلة في العام الماضي، ولم تكن هناك حاملات طائرات أمريكية ضاربة في المحيط الهادئ بسبب عمليات النشر في الشرق الأوسط.
ورغم صحة ادعاء أن إسرائيل رائدة في بعض التكنولوجيات الدفاعية، إلا أن هذا يرجع في جزء كبير منه إلى المبلغ الهائل من أموال الضرائب الأمريكية التي يُسمح لإسرائيل بتوجيهها مباشرة إلى قاعدتها الصناعية الدفاعية الخاصة، لدرجة أن الولايات المتحدة تدعم صناعة تنافس مباشرة الشركات الأمريكية في جميع أنحاء العالم، على حساب الوظائف الأمريكية.
وأخيرًا، فيما يتعلق بتباهي أيباك بمساهمات إسرائيل في مكافحة اضطرابات ما بعد الصدمة العسكرية، من المهم إضافة ملاحظة تحذيرية مفادها أن الحكومة الإسرائيلية فشلت بشكل منهجي في معالجة مناشدات جنودها المتزايدة لرعاية الزيادة الهائلة في اضطرابات ما بعد الصدمة في صفوفهم، كما ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية نفسها.
خرافة أيباك رقم 4
إن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل “تعالج تحديات القرن الحادي والعشرين” مثل “الأمن السيبراني، والرعاية الصحية، والذكاء الاصطناعي، وندرة المياه، والأمن الغذائي، وتغير المناخ، والطاقة المتجددة”.
الحقائق
خلال أول 120 يومًا فقط من الحرب الإسرائيلية على غزة، تجاوزت انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن العمليات العسكرية الإسرائيلية إجمالي الانبعاثات السنوية لـ 26 دولة وإقليم، حسبما وجدت إحدى الدراسات.
كما أن الدعم الأمريكي لقطاع الدفاع الإسرائيلي يتحمل أيضًا تكلفة الرعاية الصحية الشاملة التي تقدمها إسرائيل لمواطنيها – في الوقت الذي يدرس فيه الكونغرس مقترحات لخفض 880 مليار دولار من الإنفاق الفيدرالي، مما يعني على الأرجح تخفيضات كبيرة في برنامج الرعاية الصحية الذي يدعم 72 مليون أمريكي – وبدلًا من تحمل تكاليف نظام الرعاية الصحية المجانية في إسرائيل، فإن ما يقرب من 18 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب التي مُنحت لإسرائيل العام الماضي فقط كان يمكن أن توفر الرعاية الصحية لأكثر من 6 ملايين طفل أمريكي يعيشون تحت خط الفقر.
وبالرغم من أن إسرائيل حققت ابتكارات تكنولوجية فيما يتعلق بإدارة ندرة المياه، فإن هذه التطورات ليست مجانية بالنسبة للولايات المتحدة، فهي مثلها مثل غيرها من فوائد “التطوير التكنولوجي المشترك” تُباع للولايات المتحدة مقابل الربح، وعادةً ما يتم ذلك عن طريق الشركات الإسرائيلية الخاصة، لكن هذه الفرص ما كانت لتتوفر لولا الدعم غير المشروط ومليارات الدولارات التي تم أخذها جيوب دافعي الضرائب الأمريكيين.
خرافة أيباك رقم 5
إسرائيل “تستثمر في الاقتصاد الأمريكي” وتدعم ما يقرب من 100,000 وظيفة أمريكية، وهي “ثاني أكبر مصدر للإدراجات الأجنبية في بورصة ناسداك بعد الصين”.
الحقائق
تعاني الولايات المتحدة من عجز تجاري مع إسرائيل؛ حيث تستثمر الولايات المتحدة أكثر من 40 مليار دولار سنويًا في إسرائيل مقابل استثمارات أجنبية مباشرة إسرائيلية في الولايات المتحدة بقيمة 22 مليار دولار فقط. وبالمقارنة، تساهم أيرلندا، التي انضمت مؤخرًا إلى قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، بمبلغ 322 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي في الاستثمار الأجنبي المباشر، بينما تساهم إسبانيا، وهي دولة تبحث الولايات المتحدة فرض عقوبات عليها بسبب رفضها السماح للأسلحة المتجهة إلى إسرائيل بعبور موانئها، بمبلغ 81 مليار دولار سنويًا في الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الولايات المتحدة.
وفي حين أن ما ذكرته أيباك دقيق من الناحية الواقعية، إلا أنه إذا نظرنا إلى الأمر من منظور الاستثمار الأجنبي المباشر، فإن الولايات المتحدة تخسر سنويًا أموالًا في تعاملها مع إسرائيل، بينما تساهم دول أخرى في اقتصادنا بصورة أكبر بكثير.
خرافة أيباك رقم 6
الولايات المتحدة وإسرائيل تواجهان “تهديدات مشتركة”، بما في ذلك انتشار أسلحة الدمار الشامل، و”الإرهاب الذي ترعاه الدولة”، و”التطرف الإسلامي”.
الحقائق
إسرائيل هي الدولة النووية الوحيدة غير المعلنة في العالم التي لم تصادق على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وقد صنف مكتب التقييم التكنولوجي التابع للكونغرس الأمريكي إسرائيل كدولة “ورد عنها أن لديها قدرات حربية كيميائية هجومية غير معلنة” و”ورد عنها أن لديها برامج حربية بيولوجية هجومية غير معلنة”. وبالإضافة إلى ترهيب السكان الفلسطينيين الخاضعين لسيطرتها، لدى إسرائيل برنامج اغتيالات معروف يستهدف المدنيين، بمن فيهم العلماء، كما أنها قصفت البنية التحتية المدنية في اليمن.
إن تصرفات إسرائيل هي المحرك الرئيسي لاستقطاب الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط، والتي سيقل تهديدها للولايات المتحدة إلى حد كبير في غياب دعمنا العسكري والسياسي والدبلوماسي المستمر لإسرائيل. باختصار، عندما يتعلق الأمر بـ”التهديدات المشتركة” التي تحددها أيباك، فإن إسرائيل إما أن تكون غير متماشية مع الأهداف الأمريكية طويلة الأمد في بعض الحالات، أو أنها في حالات أخرى عامل مساهم رئيسي في توليد تلك التهديدات.
إن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في شكله الحالي لا يعود على أمريكا بفائدة إستراتيجية، بل إنه يأتي بكافة باهظة على أمريكا، ولا تتطلب أي من المنافع المحدودة التي قد تجنيها الولايات المتحدة من هذه العلاقة أن ندعم إسرائيل دون قيد أو شرط. ومن شأن ترتيب أكثر توازنًا وتبادلية، كما هو الحال مع جميع الدول الأخرى، أن يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية على حد سواء.
فمن خلال إعطاء الأولوية لمصلحتنا الوطنية وكبح أسوأ نزعات اليمين الإسرائيلي المتطرف، ستخفض الولايات المتحدة التكاليف الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية التي نتكبدها نحن، وتنقذ حياة الآلاف من الفلسطينيين، وتعزز أيضًا بشكل جوهري وإستراتيجي هدف إسرائيل الخاص في أن يعيش شعبها في سلام داخل الشرق الأوسط الأوسع. سيمثل ذلك خسارة لآلة أيباك الدعائية والسياسية، ولكن بالنسبة للفلسطينيين والإسرائيليين والأمريكيين، سيحقق في النهاية فائدة استراتيجية حقيقية.
المصدر: زيتيو