اعتقلت السلطات التركية اليوم الأربعاء، رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، بعد توجيه اتهامات له تتعلق بتزعّم منظمة إجرامية، والتلاعب في المناقصات والرشوة، إضافة إلى مساعدته لمنظمات إرهابية.
وورد في بيان صادر عن مكتب المدعي العام في إسطنبول بشأن التحقيق الأول أنه يُشتبه في تورط 100 شخص إجمالاً، بينهم صحافيون ورجال أعمال، في الأنشطة الإجرامية المتعلقة ببعض المناقصات التي قامت البلدية بترسيتها. وذكر البيان أن تحقيقًا ثانيًا يتهم إمام أوغلو وستة آخرين بمساعدة حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية.
ويأتي الاعتقال بعد يوم من إلغاء جامعة إسطنبول شهادة إمام أوغلو العلمية، وفي حالة تأييد ذلك سيمنعه من الترشح للانتخابات الرئاسية، التي من المقرر إجرائها في 2028، لكن في حال أراد الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان الترشح مجددًا يجب إجراؤها مبكرا.
ويُعدّ إمام أوغلو من أبرز المنافسين المحتملين في الانتخابات الرئاسية المقبلة، مما يجعل القضية تحمل أبعادًا سياسية.
بداية الاتهامات
بدأت القضية عندما طلب الادعاء العام التركي في لائحة اتهام تجريد أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، من منصبه في الخدمة المدنية، على خلفية سلسلة من التصريحات أدلى بها ضد المدعي العام في اسطنبول، أكين غورليك، وخبيرًا قضائيًا تم تعيينه في تحقيقات عدة ضد بلديات يقودها حزب الشعب الجمهوري المعارض الذي يعد إمام أوغلو أحد أبرز قادته.
كما تضمنت لائحة الاتهام تصنيف المدعي العام، أكين غورليك، على أنه “ضحية” في القضية، استنادًا إلى تصريحات أدلى بها إمام أوغلو، والتي اعتُبرت ذات طابع تهديدي أو تحمل دوافع إجرامية، وذلك خلال خطاب ألقاه في ندوة نظّمها حزب الشعب الجمهوري، ما دفع السلطات إلى فتح تحقيق رسمي.
وتضمنت التصريحات المثيرة للجدل انتقادات حادة وُجّهت إلى أكين غورليك، عقب إصداره أمر اعتقال في اليوم ذاته بحق رئيس فرع الشباب في حزب الشعب الجمهوري، جيم آيدين، والذي جرى توقيفه من منزله لاحقًا.

وقال إمام أوغلو: “أنت (المدعي العام لاسطنبول) تدعوه إلى الإدلاء بإفادته، ثم تداهم منزله برفقة 8 من رجال الشرطة، بينما هدفك الحقيقي هو ترهيب الناس، السيد المدعي العام إن عقلك فاسد، وأنا أقول لك أننا سنستأصل العقل الفاسد الذي يحكمك (في إشارة ضمنية للرئيس رجب طيب إردوغان) من أذهان هذه الأمة، من أجل إنقاذ أطفال الأمة التركية بما فيهم أطفالك”.
استندت الاتهامات ضد إمام أوغلو إلى الفقرة الأولى من المادة 53 من قانون العقوبات التركي، التي تنص على أنه “كنتيجة قانونية للحكم عليه بالسجن لارتكاب جريمة متعمدة، يُعفى الشخص من القيام بواجب عام دائم أو مؤقت أو محدد؛ ويُحرم من العضوية في الجمعية الوطنية الكبرى (البرلمان) أو العمل في جميع الخدمات المدنية والخدمات التي تقدمها الدولة أو المقاطعة أو البلدية أو القرية أو المؤسسات والمنظمات الخاضعة لسيطرتها وإشرافها، لا للتعيين أو الانتخاب”.
وأدلى إمام أوغلو بإفادته في التحقيقين في 3 فبراير الماضي وسط احتجاجات من أنصار حزب الشعب الجمهوري الذي ينتمي إليه، وقع خلالها مصادمات مع الشرطة التي استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق التجمعات.
ما الجديد؟
في تطورٍ جديد، شهدت القضية تصعيدًا كبيرًا بعد إضافة اتهامات جديدة لأوغلو، تشمل تزعّم منظمة إجرامية والرشوة والتلاعب في مناقصات البلدية، ومساعدة منظمات إرهابية. قبل أن تصدر السلطات أمرًا باعتقاله صباح اليوم من منزله رفقة 100 شخص آخر، على رأسهم مسؤولين في بلدية إسطنبول الكبرى وبلديات المناطق التابعة لها، مما يشير إلى اتخاذ القضية منحنى أوسع.
وجاء في بيان للنيابة العامة في إسطنبول “نتيجةً للتحقيق الذي أجراه مكتب المدعي العام بشأن لقطات فيديو نشرت على نطاق واسع، تحت عنوان “صور عدّ النقود في حزب الشعب الجمهوري”، رُفعت دعوى قضائية وتم الاستماع إلى إفادات شهود بشأن حادثة جمع التبرعات غير القانونية، لا سيما فيما يتعلق برئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، والعديد من الأشخاص الآخرين، الذين أفادوا بأنهم أجبروا رجال أعمال على التبرع، وتعاونوا مع بعضهم في غسيل الأموال التي حصلوا عليها من جرائم عن طريق الشراء والبيع من خلال وسطاء جنوا منهم أرباحاً غير مشروعة”.
وتابع البيان أن هؤلاء “استخدموا مدنيين يُطلق عليهم اسم الخزائن السرية، في تحويل الأموال وجمعها، كما فُتح تحقيقٌ وفقا للتقرير الذي أعدته مفتشية الممتلكات بشأن مخالفات في المناقصات ومشتريات الخدمات والعقود الوهمية المتعلقة بوسائل الإعلان الخارجية”.
وأضاف البيان “نتيجة للتحقيق تبين أن أكرم إمام أوغلو، هو زعيم المنظمة الإجرامية الربحية، وعيّن أشخاصاً كانوا معه وتابعين له منذ توليه منصب رئيس بلدية بيليك دوزو لرئاسة الأقسام والشركات التابعة لبلدية إسطنبول بعد أن أصبح رئيساً للبلدية، وأن المشتبه بهم شكلوا هياكل فرعية خاصة بهم من أجل ضمان استمرار عمل المنظمة الإجرامية، ونفذوا مناقصات غير نظامية، وارتكبوا أعمال رشوة وابتزاز بشكل منظم”.
وفي تعليقٍ على الاعتقال، قال مراد أنجون، المستشار الإعلامي لإمام أوغلو، عبر حسابه على موقع “إكس” قبل أن يتم إعتقاله لاحقًا، إن إمام أوغلو محتجز دون أن تُقدّم أي أسباب واضحة للاعتقال، مما يزيد من الغموض حول خلفيات هذه الخطوة. فيما أصدر مكتب حاكم اسطنبول حظر جميع التجمعات والاحتجاجات في المدينة لأربعة أيام.
إلغاء شهادة أوغلو الجامعية
وتزامن ذلك مع تطور آخر تمثل في إعلان جامعة إسطنبول إلغاء شهادة إمام أوغلو الجامعية. حيث أكدت الجامعة في بيان رسمي لها، أن 28 شهادة جامعية تم إلغاؤها، من بينها شهادة إمام أوغلو، بسبب “مخالفات واضحة” تتعلق بلوائح المجلس الأعلى للتعليم.
وذكرت الجامعة أن إمام أوغلو تم قبوله في برنامج تحضيري للغة الإنجليزية في عام 1990، ثم تم نقله بشكل غير قانوني إلى برنامج إدارة الأعمال، وهو ما يتعارض مع اللوائح الجامعية.
وفي حال تأييد هذا القرار، سيُمنع إمام أوغلو من الترشح للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 2028. حيث يأتي هذا القرار قبل أيام قليلة من إعلان حزب الشعب الجمهوري، الحزب المعارض الرئيسي، رسمياً عن ترشيحه كمرشحٍ رئاسي.
انعكاس التطورات على الحزب
يواجه الحزب الجمهوري في ظل هذه التطورات، أزمة على عدة مستويات سواء في الجوانب القانونية أو السياسية أو الرمزية، حيث أصبح أكرم إمام أوغلو أحد أبرز الوجوه الشبابية في الحزب، لا سيما في إسطنبول، التي تعد بمثابة البوصلة في الانتخابات البلدية والرئاسية التركية.
لكن هذا التصعيد القضائي، مع إلغاء شهادته واعتقاله، يهدد بتفكيك تماسك الحزب الداخلي وفتح جبهات صراع داخلية حول كيفية التعامل مع هذه الأزمة.
من جهة أخرى، قد يحاول حزب الشعب الجمهوري استثمار هذه القضية لتعزيز وحدته الداخلية، خصوصًا في مواجهة ما يُنظر إليه كاعتداء سياسي من قبل الحكومة على المعارضين.
لكن هذه الوحدة المحتملة قد تكون مؤقتة، فقد يؤدي تهميش إمام أوغلو أو استبعاده كقيادة محورية إلى وضع الحزب في موقف صعب. بالأخص في غياب شخصية بديلة، تمتلك ذات الدعم الشعبي الذي يحظى به إمام أوغلو، وهو ما قد يضعف فرصه في الانتخابات القادمة.
وعلق أوزغور أوزال، زعيم حزب الشعب الجمهوري، على هذه التطورات قائلاً إن ما حدث يشكل انقلابًا سياسيًا يهدف إلى عرقلة الشعب من اختيار رئيسه بحرية.
وفي بيانه الذي نشره عبر منصة “إكس”، وصف أوزال اعتقال إمام أوغلو بأنه محاولة لاحتكار السلطة وإعاقة الحق في الاختيار، مضيفًا أن الشعب لن يقبل أن تُوضع الدولة في مواجهة إرادته. من هذا المنطلق، يبدو أن حزب الشعب الجمهوري يواجه خيارًا حاسمًا في كيفية التعامل مع هذه الأزمة.
Milletin yerine karar vermek, halkın iradesinin yerine geçmek ya da ona engel olmak için güç kullanmak darbedir.
Şu anda bir sonraki cumhurbaşkanını milletin belirlemesine engel olmak üzere bir güç devrededir.
Bir sonraki cumhurbaşkanımıza darbe girişimi ile karşı karşıyayız……
— Özgür Özel (@eczozgurozel) March 19, 2025
قد تتجاوز التداعيات المحتملة لهذه القضية الحدود السياسية المحلية، إذ قد تساهم في تشكيل تحولات جديدة في المشهد السياسي التركي بأسره، مما قد يؤدي إلى دفع البلاد نحو تغييرات سياسية أوسع، قد تشمل حتى إجراء انتخابات مبكرة.